(صحيفة المدينة بين الاتصال والإرسال)
دراسة حديثية
د. حاكم المطيري
كلية الشريعة
جامعة الكويت
2011 م
ملخص البحث
البحث دراسة حديثية لصحيفة المدينة، التي كتبها النبي صلى
الله عليه وسلم حين دخل المدينة، وتعد أول وثيقة دستورية عرفها العالم، وقد أوردها
أصحاب المغازي في كتبهم مطولة، وشكك في صحتها بعض المعاصرين، وجاءت هذه الدراسة
لتحقق القول في مدى ثبوتها، وصحة الاحتجاج بها، وتم تقسيم الدراسة إلى مبحثين:
الأول : في تخريج
الصحيفة من مصادرها والحكم على أسانيدها.
والثاني : الحكم على الصحيفة ومناقشة من شكك في ثبوتها.
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين، وبعد ..
فهذه دراسة حديثية لصحيفة المدينة التي كتبها النبي صلى
الله عليه وسلم حين دخل المدينة، والتي عدها الباحثون المعاصرون أول وثيقة دستورية
مكتوبة عرفها العالم، تثبت أن الدولة الإسلامية أول دولة تقوم على أساس دستوري.([1])
وقد تعرض لهذه الصحيفة بعض المعاصرين فحكم ببطلانها، ومال
بعضهم إلى تضعيفها، بدعوى أنها جاءت مرسلة في مغازي محمد بن إسحاق.([2])
وقد جاءت هذه الدراسة الحديثية لتبحث في مدى صحة هذا الحكم
على الصحيفة وفق معايير النقد عند الأئمة المتقدمين، وهي في مبحثين :
الأول : تخريج الصحيفة ودراسة أسانيدها.
الثاني : الحكم على الصحيفة ومناقشة من شكك في ثبوتها.
المبحث الأول : تخريج الصحيفة ودراسة أسانيدها:
(كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين
والأنصار، وادع فيه يهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم واشترط
عليهم: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من
محمد النبي صلى الله عليه وسلم ، بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ، ومن
تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم إنهم أمة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش على
ربعتهم يتعاقلون، وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، كل طائفة تفدي
عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم
الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف، والقسط بين المؤمنين وبنو الحارث
على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين
المؤمنين وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي
عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم
الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو عمرو بن
عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط
بين المؤمنين، وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي
عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم
الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وإن المؤمنين
لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل، وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه، وإن المؤمنين المتقين على من
بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان ، أو فساد بين المؤمنين، وإن أيديهم
عليه جميعا ، ولو كان ولد أحدهم، ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر، ولا ينصر كافرا على
مؤمن، وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم دون الناس، وإنه
من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم، وإن سلم
المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل
بينهم، وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا ، وإن المؤمنين يبئ بعضهم على بعض
بما نال دماءهم في سبيل الله، وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه، وإنه لا
يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسها ، ولا يحول دونه على مؤمن، وإنه من اعتبط مؤمنا
قتلا عن بينة فإنه قود به، إلا أن يرضى ولي المقتول، وإن المؤمنين عليه كافة، ولا
يحل لهم إلا قيام عليه، وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم
الآخر أن ينصر محدثا ولا يؤويه، وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه
يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل، وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده
إلى الله عز وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما
داموا محاربين، وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم
مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته، وإن ليهود بني
النجار مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف ؛ وإن
ليهود بني ساعدة ما ليهود بني عوف ؛ وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف ؛ وإن
ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف
، إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته، وإن جفنة بطن من ثعلبة
كأنفسهم، وإن لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف ، وإن البر دون الإثم، وإن موالي
ثعلبة كأنفسهم، وإن بطانة يهود كأنفسهم، وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى
الله عليه وسلم، وإنه لا ينحجز على ثأر جرح، وإنه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته إلا
من ظلم، وإن الله على أبر هذا ؛ وإن على اليهود نفقتهم والنصيحة والبر دون الإثم،
وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما
داموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإن الجار كالنفس غير مضار
ولا آثم، وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها ، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من
حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره، وإنه لا تجار قريش ولا من
نصرها، وإن بينهم النصر على من دهم يثرب ، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه
فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا
من حارب في الدين، على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم، وإن يهود الأوس : مواليهم
وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة، مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة - قال ابن
هشام : ويقال مع البر المحسن من أهل هذه الصحيفة - قال ابن إسحاق : وإن البر دون
الإثم، لا يكسب كاسب إلا على نفسه، وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره،
وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم، وإنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة ،
إلا من ظلم أو أثم، وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه
وسلم).
طرق الصحيفة :
وردت هذه الصحيفة مطولة ومختصرة من عدة طرق هي :
الطريق الأول : رواية الزهري :
· أخرجها أبو عبيد
القاسم بن سلام في كتابه (الأموال)[3] قال
حدثني يحي بن عبد الله بن بكير[4] ، وعبد
الله بن صالح[5]،
قالا حدثنا الليث بن سعد قال حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب أنه قال بلغني أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب بهذا الكتاب، وساق لفظه مطولا..
رجال الإسناد :
وهذا إسناد مسلسل بالأئمة الحفاظ فهو من حديث الليث بن سعد[6] عن عُقيل
بن خالد الأيلي[7]
عن ابن شهاب الزهري، وقد حفظه عن الليث صاحباه وكاتباه عبد الله بن صالح ويحيى بن
عبد الله بن بكير، فزال ما يخشى عليهما من الوهم بمتابعة أحدهما للآخر.
وهو من حديث الزهري من كتابه المغازي،
فقد صنف في المغازي، كما صنف السيرة أيضا، قال الكتاني (وكتاب السيرة لأبي بكر
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب القرشي الزهري، المدني نزيل الشام،
أحد الأعلام، التابعي الصغير، قال بعضهم :أول سيرة ألفت في الإسلام سيرة الزهري).([8])
وقد
كان تلاميذ الزهري يقرؤون عليه كتبه([9])ومنها
كتابه (المغازي)، الذي كان يحفظه محمد بن إسحاق عن ظهر قلب، وكان ابن إسحاق من
كبار تلاميذ الزهري الحفَّاظ خاصة في السيِّر والمغازي، وكان شيخه الزهري يشهد له
بذلك.([10])
قال
ابن عيينة (كنت عند ابن شهاب وسئل عن مغازيه، فقال هذا أعلم الناس بها يعني بن
إسحاق، وقال حرملة بن يحيى عن الشافعي من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على
محمد بن إسحاق).([11])
· وأخرجه أيضا عبد
الرزاق[12] عن معمر
عن الزهري قال : وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الكتاب الذي كتبه
بين قريش والأنصار(لا يتركون مفرحا أن يعينوه في فكاك أو عقل) مختصرا.
وهذا إسناد مسلسل بالأئمة الحفاظ إلى الزهري ،وهذا اللفظ
المختصر هنا هو جزء من سياق خبر الصحيفة المطول، وفي قول الزهري (في الكتاب الذي
كتبه بين قريش والأنصار) دليل على شهرة الكتاب.
رجال الإسناد :
ومعمر بن راشد إمام حافظ، وقد صنف الجامع والمغازي، وهو أحد
الأئمة في هذا الفن، قال عنه الذهبي(الإمام الحافظ، شيخ الإسلام ..وكان من أوعية
العلم، مع الصدق والتحري، والورع والجلالة، وحسن التصنيف).([13])
قال عنه ابن النديم (معمر بن راشد من أهل الكوفة، يروى عنه
عبد الرزاق، من أصحاب السير والأحداث، وله من الكتب كتاب المغازي).([14])
وكذا عبد الرزاق ممن صنفوا المغازي وقد أخذها عن معمر عن
الزهري، قال ابن النديم (عبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني ويكنى أبا بكر مولى
لحمير، توفي سنة إحدى عشره ومائتين، وله من الكتب كتاب السنن في الفقه كتاب
المغازي).([15])
وقال
ابن خير الإشبيلي (كتاب المغازي تأليف عبد الرزاق بن همام رحمه الله حدثني به أبو
محمد بن عتاب رحمه الله إجازة ..)([16])
وقال أيضا(وحدثني بكتاب المغازي وهو من جملة المصنف). ([17])
فثبتت صحة هذه الصحيفة إلى إمام المغازي والسير محمد بن
شهاب الزهري، إلا أنه رواها مرسلة لم يذكر واسطة.
الطريق الثاني : رواية محمد إسحاق :
وقد روى الصحيفة بهذا اللفظ مطولا ابن إسحاق في كتابه
المغازي كما عند :
·
ابن هشام 3/31 ولم يسق إسنادها.
· والبيهقي في
السنن الكبرى 8/106 من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق عن عثمان بن محمد بن خنيس
أخذه من الصحيفة التي عند آل عمر بن الخطاب مطولا كما عند ابن هشام.
رجال الإسناد :
1-
يونس بن بكير صدوق حافظ[18]، ومن
رواة المغازي عن ابن إسحاق (قال يحيى بن معين:
زياد البكائي في ابن إسحاق ثقة، وقال عثمان بن سعيد الدارمي وسألت يحيى بن معين عن
البكائي: فقال لا بأس به في المغازي وأما في غيره فلا، وسألت يحيى قلت عمن أكتب
المغازي ممن يرو أعن يونس بن بكير أو غيره؟ قال اكتبه عن أصحاب البكائي، وقال أبو
علي صالح بن محمد: ليس كتاب المغازي عند أحد أصح منه عند زياد البكائي وزياد في
نفسه ضعيف ولكنه هو من أثبت الناس في هذا الكتاب، وذلك أنه باع داره وخرج يدور مع
بن إسحاق حتى سمع منه الكتاب).([19]) وهذا التفضيل بينه وبين البكائي في رواية المغازي
يدل على شهرته بروايتها، وأنه كانت عنده نسخة منها عن ابن إسحاق.
2-
محمد بن إسحاق المدني مولى قريش، وهو
إمام هذا الفن بلا منازع في عصره، قال شيخه الزهري : من أراد المغازي فعليه بمولى
قيس بن مخرمة هذا([20])
، وقال أيضا : لا يزال بالمدينة - أو بالحجاز - علم كثير ما بقى هذا بها يعنى بن
إسحاق.([21])
، وقد بلغ من إجلال الزهري له أن أمر بوابه أن لا يحجبه متى جاء([22])،
وقد بلغ من عنايته بعلم المغازي وشدة طلبها لها أنه حفظ مغازي شيخه الزهري عن ظهر
قلب فتفلتت منه فحفظها ثانية.([23])
وقال
شعبة : محمد بن إسحاق أمير المحدثين بحفظه .([24])
وهو
إمام أهل هذه الطبقة في علم المغازي والسير، والمرجع فيه، وقد شهد له بذلك علماء
هذا الفن في عصره، وبعد عصره، قال عنه الإمام الذهبي (محمد بن إسحاق بن يسار
الإمام الحافظ أبو بكر المطلبي المدني مصنف المغازي رأى أنس بن مالك...وكان أحد
أوعية العلم حبرا في معرفة المغازي والسير، وليس بذاك المتقن فانحط حديثه عن رتبة
الصحة، وهو صدوق في نفسه مرضي، قال يحيى بن معين قد سمع من أبي سلمة بن عبد الرحمن
وأبان بن عثمان، وقال هو ثقة وليس بحجة، وقال أحمد بن حنبل حسن الحديث، وقال علي
بن المديني حديثه عندي صحيح، وقال النسائي ليس بالقوي، وقال الدارقطني لا يحتج به،
وقال شعبة هو أمير المؤمنين في الحديث، وقال يزيد بن هارون لو كان لي سلطان لأمرت
ابن إسحاق على المحدثين). ([25])
وقال
الذهبي عنه أيضا (كان أحد أوعية العلم حبرا في معرفة المغازي والسير...والذي تقرر
عليه العمل أن ابن إسحاق إليه المرجع في المغازي والأيام النبوية).([26])
وهو
مع إمامته في المغازي فقد اختلف فيه أهل الحديث وتكلم فيه بعضهم والأئمة على
الاحتجاج به في الحديث ولا ينزل حديثه عن الحسن كما رجحه الذهبي وعليه العمل.
([27])
وقال
الحافظ ابن حجر (محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي مولاهم المدني نزيل العراق إمام المغازي
والسير أحد الأئمة الأعلام). ([28])
وقد
جمع ابن إسحاق المغازي والسير التي صنفت قبله، كمغازي عروة والزهري وغيرهما،
وحررها أحسن تحرير، وأعاد تأليفها ثلاث مرات، قال عنه تلميذه إبراهيم بن سعد (نقض
محمد بن إسحاق المغازي ثلاث مرات كل ذلك أشهده وأحضره).([29])
قال علي بن المديني: (نظرت في كتب ابن
إسحاق، فما وجدت عليه إلا في حديثين، ويمكن أن يكونا صحيحين) ([30])، وقال
عبدالله بن أحمد :(كان أبي يتّبع حديث ابن إسحاق، فيكتبه بالعلو والنزول، ويخرجه
في المسند، وما رأيته أبقى حديثه قط).([31])
وقال عنه أحمد بن حنبل:(كان ابن إسحاق
يأخذ كتب الناس، فيضعها في كتبه).([32])
وقد علق الذهبي على كلام أحمد
فقال:(هذا الفعل سائغ، فهذا صحيح البخاري فيه تعليق كثير).([33])
وقد
أقبل الناس على كتابه المغازي يقرؤونه عليه، ويحدثهم به، ويروونه عنه، واشتغلوا به
عما سواها، قال يحيى بن سعيد الأموي (كان محمد بن سعيد أخي والعوفي سمعوا المغازي
سماعا من ابن إسحاق، فأما أنا وأبو يوسف يعني القاضي وأصحاب لنا عرضا إلا الشيء
يمر).([34])
وقال إبراهيم بن سعد (قال قال لي محمد بن إسحاق
تركتني على أنقى من ليلة الصدر). ([35])
وقال
أبو أحمد بن عدي (ولمحمد بن إسحاق حديث كثير، وقد روى عنه أئمة الناس شعبة والثوري
وابن عيينة وحماد بن سلمة وغيرهم، وقد روى المغازي عنه إبراهيم بن سعد وسلمة بن
الفضل ومحمد بن سلمة ويحيى بن سعيد الأموي وسعيد بن زريع وجرير بن حازم وزياد
البكائي وغيرهم، وقد روى عنه المبتدأ والمبعث، ولو لم يكن لابن إسحاق من الفضل إلا
أنه صرف الملوك عن الاشتغال بكتب لا يحصل منها شيء إلى الاشتغال بمغازي رسول الله
صلى الله عليه وسلم ومبعثه ومبتدأ الخلق لكانت هذه فضيلة سبق بها بن إسحاق، ثم من
بعده صنفها قوم آخرون فلم يبلغوا مبلغ بن إسحاق منها، وقد فتشت أحاديثه الكثير فلم
أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف، وربما أخطأ أو يهم في الشيء بعد
الشيء كما يخطئ غيره، ولم يتخلف في الرواية عنه الثقات والأئمة وهو لا بأس به).([36])
3-
عثمان
بن محمد بن الأخنس صدوق له أوهام.[37]
وقد صرح بأنه أخذ الصحيفة من آل عمر بن الخطاب.
وهذا إسناد حسن إلى ابن الأخنس، لولا أن فيه إبهاما حيث لم
يسم من أخذ عنه هذه الصحيفة من آل عمر بن الخطاب، غير إن روايته هذه أثبتت أن
للصحيفة طريقا آخر سوى طريق الزهري المرسل، فيتقوى أحدهما بالآخر.
الطريق الثالث : رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد
الله بن عمر بن العاص: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب كتابا بين المهاجرين
والأنصار أن يعقلوا معاقلهم وأن يفدوا عانيهم بالمعروف).
·
رواه أحمد[38] من طريق
حجاج بن أرطأة به مختصرا.
وهذا إسناد لين لحال حجاج فهو صدوق كثير الخطأ والتدليس[39]، إلا أن
روايته تتقوى بشواهدها.
الطريق الرابع : رواية أبي الزبير عن جابر بن عبد الله :
قال (كتب النبي صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقوله، ثم
كتب أنه لا يحل لمسلم أن يتوالى مولى رجل مسلم بغير إذنه، ثم أُخبرت أنه لعن في
صحيفته من فعل ذلك).
·
أخرجه مسلم[40] من طريق
ابن جريج حدثني أبو الزبير به.
وهذا هي الصحيفة نفسها التي رواها أهل المغازي مطولة ففيها
أحكام العقول، وفيها لعن من أحدث حدثا أو آوى محدثا، وفيها بيان أحكام الموالاة
بين المؤمنين..الخ ففي رواية ابن إسحاق والزهري (وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه
الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثا ولا يؤيه، وإنه من نصره أو آواه
فإن عليه لعنة الله وغضبه..).
المبحث
الثاني : الحكم على الصحيفة ومناقشة من شكك في
صحتها أو في الاحتجاج بها:
ذهب
بعض المعاصرين كالأستاذ يوسف العش إلى الحكم على الصحيفة بالوضع بدعوى أنها لم
يروها إلا ابن إسحاق، ولم يورد إسنادها، فرواها مرسلة، مما يرجح أنه أخذها عن
صحيفة كثير المزني وهي صحيفة موضوعة![41]
وقد
رد عليه الدكتور أكرم ضياء العمري، ونفى وضع الصحيفة إلا إنه لم يجزم بصحتها، وإن
ترجح عنده أن لها أصلا، وذلك بحجة أن ابن إسحاق رواها مرسلة بلا إسناد فهي ضعيفة،
وتتقوى برواية ابن إسحاق عند البيهقي بحيث (تصلح أساسا للدراسة التاريخية التي لا
تتطلب درجة الصحة التي تقتضيها الأحكام الشرعية..).[42]
وأعلها
الشيخ الألباني بالإرسال حيث قال (روى هذه الوثيقة ابن إسحاق بدون إسناد) ولم يحكم
لها بالصحة ولا بالحسن، فكأنه يضعفها بالإرسال. [43]
وفي
هذه الأقوال الثلاثة نظر، فالراجح أن الصحيفة صحيحة بمجموعها طرقها، وقد احتج بها
الأئمة في الأحكام، حيث احتج شيخ الإسلام ابن تيمية ببعض ما جاء في صحيفة المدينة
وقال عنها (وهذه الصحيفة معروفة عند أهل العلم، روى مسلم في صحيحه عن جابر قال(كتب
رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقوله ثم كتب أنه لا يحل أن يتوالى رجل
مسلم بغير إذنه)..).([44])
وقال أيضا بعد أن ساقها من طريق
ابن إسحاق عن عثمان الأخنس عن الصحيفة التي كانت عند آل عمر، ومن طرق والواقدي من
حديث ابن كعب(فقد ذكر ابن كعب مثل ما في الصحيفة وبين أنه عاهد جميع اليهود، وهذا
مما لا نعلم فيه ترددا بين أهل العلم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم).([45])
والحكم على هذه الصحيفة وغيرها من
أخبار المغازي والسير يبنى على أصلين ينبغي مراعاتهما :
الأول : طبيعة أخبار المغازي
والرجوع فيها إلى أئمة الفن:
وقد أدرك الأئمة الأعلام طبيعة علم المغازي والسير، وأنه
يختلف عن علم الحديث والأثر من حيث أن عامة أخبار المغازي والأحداث الرئيسة للسيرة
النبوية متواترة تواترا قطعيا، لا تحتاج في إثباتها إلى الإسناد الذي تحتاجه أخبار
الآحاد، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية (مغازي رسول
الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما غزوات القتال، معروفة، مشهورة، مضبوطة، متواترة
عند أهل العلم بأحواله، مذكورة في كتب أهل الحديث والفقه والتفسير والمغازي
والسير).([46])
وحين صنف
أئمة المغازي كتبهم كعروة بن الزبير والزهري وابن إسحاق وغيرهم كان مقصودهم آنذاك
جمع أخبار السيرة لا تثبيتها، إذ شأن النبي صلى الله عليه وسلم، وشأن دعوته في
مكة، وهجرته، ومغازيه في المدينة، وسيرته مع المعاهدين، والمحاربين، وأهل الذمة،
أشهر من أن تحتاج إلى الإسناد، بل شهرتها كشهرة القرآن والإسلام، وإن كان أهل
الحديث بعد ذلك جمعوا الأخبار المسندة على شروطهم، كما خرج أصحاب الصحاح من تلك
الأخبار ما كان صحيحا على شرطهم، كما فعل البخاري في صحيحه في كتاب المغازي، إلا
إنهم حين لا يجدون حديثا مسندا على شرطهم، يكتفون بما عند أهل المغازي والسير من
أخبار كثيرة جدا تثبت عندهم ولا إسناد لها صحيح على شرط أهل الحديث والأثر، كما
قال الخليلي عن ابن إسحاق(عالم كبير...وإنما لم يخرجه البخاري في الصحيح من أجل
روايته للمطولات والمغازي، ويستشهد به، وأكثر عنه فيما يحكي في أيام النبي صلى
الله عليه وسلم، وفي أحواله، وفي التواريخ، وهو عالم واسع العلم ثقة).([47])
وقال
مالك (عليكم بمغازي موسى بن عقبة فإنه ثقة
- وفي رواية أخرى عنه - عليكم بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة فإنها أصح
المغازي...وكان ابن معين يقول كتاب موسى بن عقبة عن الزهري من أصح هذه الكتب).([48])
ومعلوم
أن كتاب مغازي الزهري أكثره مراسيل يحكيها الزهري كخبر واحد في سياق واحد، ومع ذلك
لا خلاف بين أهل العلم على الاحتجاج بمغازي الزهري هذه التي يرويها عنه ابن إسحاق
وموسى بن عقبة، بخلاف مراسيله خارج كتابه المغازي والسير فقد ردها كثير من أئمة
الحديث كما قال العلائي (وكذلك أيضا اختلف في مراسيل الزهري، لكن الأكثر على
تضعيفها، قال أحمد بن أبي شريح سمعت الشافعي يقول يقولون نحابي ولو حابينا أحدا
لحابينا الزهري، وإرسال الزهري ليس بشيء، ذلك أنا نجده يروي عن سليمان بن أرقم.
وقال أبو قدامة عبيد الله بن سعيد سمعت يحيى بن سعيد يعني القطان يقول مرسل الزهري
شر من مرسل غيره لأنه حافظ وكلما قدر أن يسمي سمى وإنما يترك من لا يستجيز أن
يسميه. وقال ابن أبي حاتم ثنا أحمد بن سنان قال كان يحيى بن سعيد لا يرى إرسال
الزهري وقتادة شيئا، ويقول هو بمنزلة الريح ويقول هؤلاء قوم حفاظ كانوا إذا سمعوا
الشيء علقوه وروى عباس الدوري عن يحيى بن معين قال مراسيل الزهري ليست بشيء).([49])
قال
الحاكم (وقد ذكر جماعة من الأئمة أن أصح المغازي كتاب موسى بن عقبة عن ابن شهاب).([50])
وقال
الذهبي (موسى بن عقبة الأسدي المدني الحافظ مولى آل الزبير بن العوام...صنف
المغازي .. قال أحمد بن حنبل عليكم بمغازي موسى بن عقبة فإنه ثقة).([51])
وقال
الذهبي عنه أيضا (كان أحد أوعية العلم حبرا في معرفة المغازي والسير...والذي تقرر
عليه العمل أن ابن إسحاق إليه المرجع في المغازي والأيام النبوية).([52])
وقال الحافظ
ابن حجر (محمد بن إسحاق بن يسار الإمام في المغازي، مختلف في الاحتجاج به،
والجمهور على قبوله في السير، وأخرج له مسلم في المتابعات، وله في البخاري مواضع
عديدة معلقة عنه، وموضع واحد قال فيه قال إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن إسحاق
فذكر حديثا).([53]) وقال أيضا(هو حجة في المغازي، ورويته هنا راجحة على رواية
غيره).([54])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية محتجا
بمغازي وسير أئمة هذا الفن (ولم يذكرها أئمة هذا الفن فيه كموسى بن عقبة، وعروة بن
الزبير، والزهري، وابن إسحاق وشيوخه، والواقدي، ويحيى بن سعيد الأموي، والوليد بن
مسلم، ومحمد بن عائذ وغيرهم، ولا لها ذكر في الحديث، ولا نزل فيها شيء من القرآن،
وبالجملة مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم لاسيما غزوات القتال معروفة مشهورة
مضبوطة متواترة عند أهل العلم بأحواله، مذكورة في كتب أهل الحديث والفقه والتفسير
والمغازي والسير ونحو ذلك وهي مما تتوفر الدواعي على نقلها فيمتنع عادة وشرعا أن
يكون للنبي صلى الله عليه وسلم غزاة يجري فيها مثل هذه الأمور لا ينقلها أحد من
أهل العلم بذلك).([55])
وليس لهذه
النصوص معنى إلا الاحتجاج بمغازيهم وأخبارهم في السير، حتى وإن أرسلوها بلا إسناد،
إذ مغازي موسى بن عقبة عن الزهري، كمغازي ابن إسحاق عن الزهري، من حيث كونها
مرسلة، وليس مقصود هؤلاء الأئمة بالاحتجاج بابن إسحاق أو موسى بن عقبة أو الزهري في
أخبار المغازي إلا الاحتجاج بما أرسلوه من أخبارها، إلا ما ثبت أنهم أخطأوا فيه،
أو خالفهم من هو أثبت وأعلم فيها، كما هو الحال بالأخبار المسندة.
ولا
يستثنى من الاحتجاج بأخبار أهل المغازي والسير ما يرد فيها من أحكام، بل عامة
احتجاجاتهم بأخبارهم هو في مسائل في باب الفقه والأحكام الشرعية، وفي باب السير
والجهاد والغنائم ..الخ كما قال الطحاوي (وكان من الحجة عليهم في ذلك لمخالفهم أن
عكرمة مولى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ومحمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد
الله بن شهاب الزهري، وعليهما يدور أكثر أخبار المغازي، قد روي عنهما ما يدل على
خروج أهل مكة من الصلح الذي كانوا صالحوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
بأحداث أحدثوها).([56])
كما احتج ابن تيمية بأخبار أهل
المغازي والسير في الأحكام حيث احتج بقصة قتل كعب بن الأشرف غيلة حيث قال (والاستدلال
بقتل كعب بن الأشرف من وجهين :أحدهما:أنه
كان معاهدا مهادنا وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم بالمغازي والسير، وهم عندهم من
العلم العام الذي يستغنى فيه عن نقل الخاصة).([57])
قال(ومثل
هذا مما يشتهر عند هؤلاء مثل الزهري وابن عقبة وابن إسحاق والواقدي والأموي وغيرهم
وأكثرهم ما فيه أنه مرسل، والمرسل إذا روي من جهات مختلفة ولا سيما ممن له عناية
بهذا الأمر ويتبع له كان كالمسند، بل بعض ما يشتهر عند أهل المغازي ويستفيض أقوى
مما يروى بالإسناد الواحد ولا يوهنه أنه لم يذكر في الحديث المأثور..).([58])
بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية ربما
استشهد بتفصيل خبر عن الواقدي فقال(وما ذكره الواقدي عن أشياخه يوضح ذلك ويؤيده،
وإن كان الواقدي لا يحتج به إذا انفرد لكن لا ريب في علمه بالمغازي واستعلام كثير
من تفاصيلها من جهته ولم نذكر عنه إلا ما أسندناه عن غيره).([59])
وقد
قال أيضا (وإنما سقنا القصة من رواية أهل المغازي، مع ما في الواقدي من الضعف،
لشهرة هذه القصة عندهم، مع أنه لا يختلف اثنان أن الواقدي من أعلم الناس بتفاصيل
أمور المغازي وأخبرهم بأحوالها، وقد كان الشافعي وأحمد وغيرهما يستفيدون علم ذلك
من كتبه، نعم هذا الباب يدخله خلط الروايات بعضها ببعض، حتى يظهر أنه سمع مجموع
القصة من شيوخه وإنما سمع من كل واحد بعضها ولم يميزه، ويدخله أخذ ذلك من الحديث
المرسل والمقطوع وربما حدس الراوي بعض الأمور لقرائن استفادها من عدة جهات، ويكثر
من ذلك إكثارا ينسب لأجله إلى المجازفة في الرواية وعدم الضبط، فلم يمكن الاحتجاج
بما ينفرد به، فأما الاستشهاد بحديثه والاعتضاد به فمما لا يمكن المنازعة فيه، لا
سيما في قصة تامة يخبر فيها باسم القاتل والمقتول وصورة الحال، فإن الرجل وأمثاله
أفضل ممن ارتفعوا في مثل هذا في كذب ووضع).([60])
وقال عن خبر هرقل وقصته مع
بطارقته لما جاءه دحية الكلبي برسالة النبي صلى الله عليه وسلم: (وهذا حديث مشهور
من حديث محمد بن إسحاق وهو ذو علم وبصيرة بهذا الشأن حفظ مالا يحفظه غيره).([61])
الأصل الثاني : الاحتجاج بالحديث
المرسل :
فقد جاءت أكثر أخبار المغازي
والسير مرسلة ومنقطعة الأسانيد، وهي تنافي بذلك طبيعة رواية الحديث النبوي، الذي
اعتنى الأئمة التابعون ومن بعدهم بإسناده إلى من رووه عنه، وقد اشتهرت لذلك عبارة
الإمام أحمد (ثلاثة كتب ليس لها أصول المغازي والتفسير والملاحم).([62])
وقد أبان شيخ الإسلام ابن تيمية
عن مراد الإمام أحمد في هذه العبارة حيث قال شارحا وموضحا مقصود أحمد بقوله (وقال
الإمام أحمد (ثلاثة علوم ليس لها أصول المغازي والملاحم والتفسير) وفي لفظ (ليس
لها أسانيد)، ومعنى ذلك أن الغالب عليها أنها مرسلة ومنقطعة، فإذا كان الشيء
مشهورا عند أهل الفن قد تعددت طرقه، فهذا مما يرجع إليه أهل العلم بخلاف غيره).([63])
ومعلوم أن المراسيل كانت حجة عند
أئمة الحديث قديما، حتى تكلم فيها الشافعي، كما قال أبو داود في رسالته (وأما
المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس
والأوزاعي، حتى جاء الشافعي فتكلم فيها، وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل وغيره، رضوان
الله عليهم، فإذا لم يكن مسند غير المراسيل، ولم يوجد المسند، فالمرسل يحتج به،
وليس هو مثل المتصل في القوة).([64])
قال ابن عبد البر (وزعم الطبري أن
التابعين بأسرهم أجمعوا على قبول المرسل ولم يأت عنهم إنكاره ولا عن أحد الأئمة
بعدهم إلى رأس المائتين كأنه يعني أن الشافعي أول من أبى من قبول المرسل).([65])
وهذا المرسل الذي تكلم فيه
الشافعي وأحمد هو الذي وإن أخرجوه من دائرة الصحيح المسند، إلا إنهم يعملون به،
ويدخل في باب الحسن إذا اعتضد، والضعيف المعمول به إذا لم يعتضد، وهو عند الإمام
أحمد خير من الرأي والقياس، كما قال ابن تيمية (وقول أحمد وإسحاق إنما أرادا
بقولهما حديثان صحيحان على طريق أهل الحديث واصطلاحهم، وأما الحسن فإنهم لا يسمونه
صحيحا مع وجوب العمل به، وهذا كثير في كلام أحمد يضعف الحديث ثم يعمل به، يريد أنه
ضعيف عن درجة الصحيح، ومع هذا فراويه مقارب وليس معارض، فيجب العمل به وهو الحسن،
ولهذا يضعف الحديث بأنه مرسل، مع أنه يعمل بأكثر المراسيل).([66])
وإنما حمل أئمة المغازي والسير
على الإرسال ما سبق بيانه من كون أخبار المغازي متواترة ومشهورة شهرة تغني عن
الإسناد من حيث العموم والإجمال، فلا تحتاج إلى تكلف ذكر الأسانيد، فليست هي أخبار
آحاد يتطلب لها الإسناد من أجل إثباتها.
كما أن الإرسال ضمانة، بينما
الإسناد إحالة، ولهذا كان بعض الأئمة يقدم المرسل على المسند لهذا السبب. ([67])
وقد قرر شيخ الإسلام قاعدة نفيسة
في المنقولات، وبيان ما يقبل منها وما يرد، فقال (فالمقصود أن المنقولات التي
يحتاج إليها في الدين قد نصب الله الأدلة على بيان ما فيها من صحيح وغيره، ومعلوم
أن المنقول في التفسير أكثره كالمنقول في المغازي والملاحم، ولهذا قال الإمام أحمد
(ثلاثة أمور ليس لها إسناد: التفسير والملاحم والمغازي) ويروى ليس لها أصل أي
إسناد، لأن الغالب عليها المراسيل مثل ما يذكره عروة بن الزبير والشعبي والزهري
وموسى بن عقبة وابن إسحاق ومن بعدهم كيحيى بن سعيد الأموي والوليد بن مسلم
والواقدي ونحوهم في المغازي ... والمراسيل إذا تعددت طرقها وخلت عن المواطأة قصدا
أو الاتفاق بغير قصد كانت صحيحة قطعا).([68])
وقال أيضا (والمراسيل إذا تعددت طرقها وخلت عن
المواطأة قصدا، أو الاتفاق بغير قصد، كانت صحيحة قطعا، فإن النقل إما أن يكون صدقا
مطابقا للخبر، وإما أن يكون كذبا تعمد صاحبه الكذب أو أخطأ فيه، فإن سلم من الكذب
العمد والخطأ، كان صدقا بلا ريب، فإذا كان الحديث جاء من جهتين أو جهات ـ وقد علم
أن المخبرين لم يتواطئوا على اختلاقه وعلم أن مثل ذلك لا تقع الموافقة فيه اتفقا
بلا قصد ـ علم أنه صحيح، مثل شخص يحدث عن واقعة جرت ويذكر تفاصيل ما فيها من
الأقوال والأفعال ويأتي شخص آخر قد علم أنه لم يواطئ الأول فيذكر مثل ما ذكر الأول
من تفاصيل الأقوال والأفعال فيعلم قطعا أن تلك الواقعة حق في الجملة، فإنه لو كان
منهما كذب بها عمدا أو خطأ لم يتفق في العادة أن يأتي كل منهما بتلك التفاصيل التي
تمنع عادة اتفاق الاثنين عليها بلا مواطأة من أحدهما لصاحبه، فإنه إما أن يكون
واطأه عليه، أو أخذه منه، أو يكون الحديث صدقا، وبهذه يعلم صدق عامة ما تتعدد
جهاته المختلفة على هذا الوجه من المنقولات، وإن لم يكن أحدهما كافيا إما لإرساله
وإما لضعف ناقله، وبهذه الطريقة يعلم صدق عامة ما تتعدد جهاته المختلفة على هذا
الوجه من المنقولات، ولكن مثل هذا لا تضبط به الألفاظ والدقائق التي لا تعلم بهذه
الطريقة بل يحتاج ذلك إلى طريق يثبت بها مثل تلك الألفاظ والدقائق، ولهذا ثبتت
بالتواتر غزوة بدر وأنها قبل أحد، بل يعلم قطعا أن حمزة وعليا وعبيدة برزوا إلى
عتبة والوليد، وأن عليا قتل الوليد، وأن حمزة قتل قرنه، ثم يشك في قرنه هل هو عتبة
أو شيبة والمقصود أن الحديث الطويل إذا روي مثلا من وجهين مختلفين من غير مواطأة
امتنع أن يكون غلطا، كما امتنع أن يكون كذبا، فإن الغلط لا يكون في قصة طويلة
متنوعة، وإنما يكون في بعضها، فإذا روى هذا قصة طويلة متنوعة وروها الآخر مثلما
رواها الأول من غير مواطأة امتنع الغلط في جميعها، كما امتنع الكذب في جميعها من
غير مواطأة، ولهذا إنما يقع في مثل ذلك غلط في بعض ما جرى في القصة مثل حديث شراء
النبي صلى الله عليه وسلم البعير من جابر فإن من تأمل طرقه علم قطعا أن الحديث
صحيح وإن كانوا قد اختلفوا في مقدار الثمن).([69])
وما ذكره ابن تيمية هنا يوافقه
عليه عامة أهل العلم وهو أن المراسيل إذا تعددت طرقها ومخارجها، ولم يأخذ رواتها
بعضهم من بعض، تتقوى ببعضها وتصير صحيحة.
بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية قد
يحتج بالمرسل وإن لم تتعدد طرقه إذا وافقه قول صحابي، وقد نقل الاتفاق عليه، حيث
قال (والمرسل إذا اعتضد بقول الصحابي صار حجة بالاتفاق).([70])
فمعرفة ثبوت الأخبار من عدمه لا
يتوقف فقط على الإسناد وتوفر شروط الصحة له، بل له من القرائن ما يمكن الحكم من
خلالها على الأخبار مسندة كانت أو مرسلة، كما قال الشافعي رحمه الله عن حديث (لا
وصية لوارث) : (ووجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنه من أهل العلم بالمغازي من قريش
وغيرهم لا يختلفون في أن النبي قال عام الفتح (لا وصية لوارث ولا يقتل مؤمن بكافر)
ويأثرونه عن من حفظوا عنه ممن لقوا من أهل العلم بالمغازي، فكان هذا نقل عامة عن
عامة، وكان أقوى في بعض الأمر من نقل واحد عن واحد، وكذلك وجدنا أهل العلم عليه
مجتمعين، قال وروى بعض الشاميين حديثا ليس مما يثبته أهل الحديث فيه أن بعض رجاله
مجهولون فرويناه عن النبي منقطعا، وإنما قبلناه بما وصفت من نقل أهل المغازي
وإجماع العامة عليه، وإن كنا قد ذكرنا الحديث فيه واعتمدنا على حديث أهل المغازي
عاما وإجماع الناس، فاستدللنا بما وصفت من نقل عامة أهل المغازي عن النبي أن (لا
وصية لوارث) على أن المواريث ناسخة للوصية للوالدين والزوجة مع الخبر المنقطع عن
النبي وإجماع العامة على القول به).([71])
وقال الشافعي أيضا(أخبرنا سفيان
عن سليمان الأحول عن مجاهد يعني في حديث (لا وصية لوارث)، قال الشافعي : ورأيت
متظاهرا عند عامة من لقيت من أهل العلم بالمغازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال في خطبته عام الفتح (لا وصية لوارث) ولم أر بين الناس في ذلك اختلافا).([72])
وواضح هنا أن النقل الذي عناه
الشافعي بقوله (نقل عامة عن عامة) ليس النقل بالأسانيد كما عند أهل الحديث، وإنما
هو شيوع معرفة عامة عند أهل العلم آنذاك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا
الحديث، إذ لو كان قصد الشافعي تواتر إسناده لما اعتذر عن عدم وجود إسناد قائم له،
ولما نص على انقطاعه وجهالة رواته عند أهل الحديث، ولما تكلف الاحتجاج له بما
تظاهر عند عامة أهل العلم بالمغازي ممن لقيهم الشافعي.
وأما احتجاجه بالإجماع فإنما قصد
به إجماع الفقهاء على هذا الحكم وأنه لا وصية لوارث، لا إجماعهم على رواية حديث
(لا وصية لوارث) أو إجماعهم على تصحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد جعل الشافعي نقل جمهور أهل
المغازي والمشهور عندهم في مقابل الإسناد الصحيح المتصل حيث قال(وقد قيل: تذبح
خيلهم وتعقر، ويحتج بأن جعفرا عقر عند الحرب، ولا أعلم ما روي عن جعفر من ذلك
ثابتا لهم موجودا عند عامة أهل المغازي، ولا ثابتا بالإسناد المعروف الموتصل).([73])
وقال أيضا(فإن قال قائل:فقد روي أن جعفر بن أبي
طالب عقر عند الحرب؟ فلا أحفظ ذلك من وجه يثبت على الانفراد، ولا أعلمه مشهورا عند
عوام أهل العلم بالمغازي).([74])
فقد
جعل الشافعي هنا عدم شهرة خبر العقر عند أهل المغازي يعادل عدم ثبوته بالإسناد المتصل
على الانفراد من أخبار الآحاد، وهذا يدل على أنه يحتج إما بخبر آحاد متصل ثابت، أو
بخبر مشهور عند أهل المغازي، وإن لم يتصل أو لم يكن له إسناد، فالشهرة عندهم كافية
في نظر الشافعي، لأن هذا الفن فنهم وهم أعلم به من غيرهم.
وقال أيضا - كما نقله البيهقي -
قال(الشافعي أنبأ مسلم بن خالد عن بن أبي حسين عن عطاء وطاوس أحسبه قال ومجاهد
والحسن : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم الفتح (لا يقتل مؤمن بكافر)
قال الشافعي رحمه الله وهذا عام عند أهل المغازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
تكلم به في خطبته يوم الفتح، وهو يروى عن النبي صلى الله عليه و سلم مسندا من حديث
عمرو بن شعيب وحديث عمران بن حصين).([75])
وهنا جعل الشافعي حجته الخبر
العام عند أهل المغازي والسير وإن كان مرسلا، وقدمه على بعض الأخبار الآحاد
المسندة، إذ هو أقوى عنده كما قال(فكان هذا نَقل عامَّةٍ عن عامَّة، وكان أقوى في
بعض الأمْرِ من نقْلِ واحد عن واحد).([76])
وبهذا
يظهر ترجح صحة خبر صحيفة المدينة فهي :
1-
صحيفة
مشهورة عند أئمة المغازي والسير، حيث رواها الزهري في مغازيه مطولة، وكذا رواها
ابن إسحاق، وهما إماما هذا الفن والمرجع إليهما فيه.
2-
أنه
لم يتعرض أحد من أئمة المغازي لنفيها، مما يؤكد ثبوتها عندهم.
3-
وقد
جاءت عند ابن إسحاق من طريق عثمان بن الأخنس عن آل عمر بن الخطاب، وهذا طريق آخر
غير طريق الزهري، فتتقوى أحدهما بالأخرى.
4-
وقد
ثبت خبر الصحيفة إجمالا من طرق صحيحة كما في صحيح مسلم عن جابر، وكما في مسند أحمد
عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد ذكرا الصحيفة وأوردا بعض ما جاء فيها مختصرا،
مما يؤكد صحة خبرها وثبوتها بالجملة.
5-
أنه
تلقاها أهل العلم بعد ذلك بالقبول عملا بها واحتجاجا كما فعل أبو عبيد بعد روايته
لها، حيث احتج بها، كما احتج لها، وكذا احتج بها البيهقي، وابن تيمية.
6-
كما
إن كونها جاءت مرسلة لا يمنع من الحكم لها بالصحة بعد أن احتفت بها كل هذه
القرائن.
7-
كما لم يتعرض لها أحد من الأئمة المتقدمين
بالطعن أو الرد، ولم يوردوها في كتب الموضوعات أو الواهيات أو المناكير، مع شدة
عنايتهم في هذا الباب.
والله تعالى أعلم.
فهرس
المصادر والمراجع
الإرشاد
في معرفة علماء الحديث: الخليل بن عبد الله بن أحمد الخليلي القزويني، تحقيق د.
محمد سعيد عمر إدريس، ط 1 1409 ، الرشد ـ الرياض.
الأم : محمد بن إدريس الشافعي، ط سنة 1393 هـ ، دار المعرفة، بيروت.
الأموال
: أبو عبيد القاسم بن سلام، تحقيق محمد هراس، ط1 1406، دار الكتب العلمية، لبنان.
تاريخ
بغداد : الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت.
تاريخ
دمشق : ابن عساكر ، تحقيق علي شيري ، دار الفكر ، لبنان.
التاريخ
الكبير : محمد بن إسماعيل البخاري، ط سنة 1361هـ ، إدارة المعارف العثمانية،
الهند.
تذكرة
الحفاظ : الذهبي ، تحقيق عميرات، ط 1 سنة 1998 م، دار الكتب العلمية، بيروت.
التقريب:
أحمد بن علي ابن حجر، تحقيق محمد عوامة، ط3 سنة 1411هـ، دار الرشيد، سوريا.
التمهيد:
يوسف بن عبد البر ، طبعة ثانية سنة 1402هـ ، وزارة الأوقاف المغربية.
تقييد
العلم: الخطيب البغدادي، تحقيق : يوسف العش، الطبعة الثانية ، 1974، دار إحياء
السنة النبوية.
تهذيب
التهذيب: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني، الطبعة الأولى ، 1404 - 1984،
دار الفكر ، بيروت.
تهذيب
الكمال: المزي، تحقيق بشار عواد، ط1 سنة 1413هـ، الرسالة، بيروت.
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: الخطيب
البغدادي، تحقيق د. محمود الطحان، مكتبة المعارف - الرياض ط 1403 .
جامع
التحصيل : العلائي، تحقيق حمدي السلفي، ط2 سنة 1407، عالم الكتب، بيروت.
الجرح
والتعديل: ابن أبي حاتم، تحقيق المعلمي، ط1 سنة 372هـ دائرة المعارف العثمانية،
الهند.
الجواب
الصحيح: ابن تيمية ، تحقيق العسكر وجماعة، ط 1 سنة 1414، دار العاصمة ـ الرياض.
الدولة
العربية وسقوطها: فلهاوزن، ترجمة يوسف العش، ط1 سنة 1969م الجامعة السورية، دمشق.
الرد
على البكري: ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق : محمد علي عجال،
الطبعة الأولى ، 1417، مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة.
الرسالة:
محمد بن إدريس الشافعي، المحقق : أحمد محمد شاكر، دار الكتب العلمية.
رسالة أبي داود إلى أهل مكة : سليمان بن
الأشعث أبو داود، تحقيق : محمد الصباغ، دار العربية –
بيروت.
الرسالة
المستطرفة : محمد بن جعفر الكتاني، تحقيق محمد المنتصر محمد الزمزمي الكتاني،
الطبعة الرابعة ، 1406 – 1986، دار البشائر الإسلامية ـ بيروت.
سنن
البيهقي الكبرى: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، تحقيق : محمد عبد
القادر عطا، ط 1994، مكتبة دار الباز - مكة المكرمة.
سير
أعلام النبلاء :محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق جماعة، ط9 سنة 1413هـ، الرسالة، بيروت.
سيرة
ابن هشام : ابن هشام ، تحقيق طه سعد، ط سنة 1411 هـ ، دار الجيل، بيروت.
السيرة
النبوية الصحيحة : أكرم ضياء العمري، ط1 سنة 1412هـ، مكتبة العلوم والحكم، المدينة
المنورة.
شرح
العمدة في الفقه: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق : د. سعود صالح العطيشان،
الطبعة الأولى 1413، مكتبة العبيكان –
الرياض.
شرح
معاني الآثار: الطحاوي، تحقيق النجار، ط2 سنة 1407هـ، بيروت .
الصارم
المسلول: ابن تيمية، تحقيق الحلواني ، ط 1 سنة 1417 ، دار ابن حزم ـ بيروت .
صحيح مسلم :مسلم بن الحجاج،
ترقيم عبد الباقي، ط1، المكتبة الإسلامية، استانبول.
العلل رواية عبد الله بن أحمد: تحقيق
وصي الله عباسي، ط1 سنة 1408هـ، المكتب الإسلامي، بيروت.
عيون
الأثر في معرفة المغازي والسير، ابن سيد الناس، ط 1 سنة 1992، دار التراث، المدينة
المنورة.
فتح
الباري: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق محب الدين الخطيب، ترقيم عبد الباقي
ط1 سنة 1410هـ نشر دار الكتب
العلمية، بيروت .
فقه
السيرة : محمد الغزالي، تحقيق الألباني، ط 2
سنة 1985م، دار القلم دمشق.
الفهرست : محمد بن إسحاق أبو الفرج النديم، ط 1398 - 1978دار المعرفة ـ بيروت .
فهرسة ابن خير الاشبيلي: أبو بكر محمد بن خير الأموي، تحقيق محمد
فؤاد منصور، ط 1998م، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.
الكاشف
: محمد بن أحمد الذهبي ، تحقيق عوامة ، الطبعة الأولى سنة 1416هـ، دار القبلة،
جدة.
الكامل
في الضعفاء: عبد الله بن عدي الجرجاني، تحقيق سهيل زكار، ط3 سنة 1409، دار الفكر،
بيروت.
لسان
الميزان: أحمد بن علي ابن حجر، ط1 دار الكتاب الإسلامي، القاهرة .
المبادئ الدستورية العامة: أ.د. عادل الطبطبائي،
ط1 .
المجروحين:
محمد بن حاتم بن حبان، تحقيق محمود زايد، ط2 سنة 1402هـ دار الوعي، حلب.
مجموع
الفتاوى: أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، جمع ابن القاسم، طبعة سنة 1412هـ عالم
الكتب، الرياض.
المصنف:عبد
الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ط1 سنة 1982م
المكتب الإسلامي، بيروت .
معرفة علوم الحديث: الحاكم، تحقيق معظم
حسين، ط1 دائرة المعارف العثمانية.
المعرفة
والتاريخ : البسوي، تحقيق ضياء العمري، ط 1 سنة 1989م ، مكتبة الدار ، المدينة
المنورة.
منهاج السنة : ابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، ط 1 ، مؤسسة قرطبة.
([1]) انظر
المبادئ الدستورية العامة أ.د. عادل الطبطبائي – عميد كلية الحقوق بجامعة الكويت سابقًا – ص 59 حيث يقول:(يمكن أن نذكر هنا أن أول
دستور مكتوب عرفه العالم كان عبارة عن تلك الوثيقة التي أعدها الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم)
لتنظيم أحوال دولة المدينة عقب انتقاله إليها من مكة،إذ حوت هذه الوثيقة على مقدمة
نجد فيها إعلانا عن قيام وحدة سياسية إسلامية تتألف من مهاجري مكة وأنصار
المدينة،بالإضافة إلى الأقليات الأخرى القاطنة في المدينة والتي أبدت استعدادها
للخضوع لهذه الوحدة السياسية الجديدة، كما تضمنت الوثيقة نصوصا في التكافل الاجتماعي،
وإقامة العدل، وتنظيم القضاء،كما تضمنت بعض المبادئ الجزائية الهامة كمبدأ شخصية
العقوبة، ومبدأ القصاص جزاء للقتل العمد العدواني، كما عددت أنواع الجرائم التي
تقع على الأنفس والأموال، كما جعلت الوثيقة من الرسول الكريم الحاكم الأعلى في الدولة، وحكما بين رعاياها، كما
بينت بعض النصوص مركز الأقليات الدينية في
الدولة الإسلامية الجديدة ، وأخيرًا بينت النصوص الأخرى الحقوق والحريات التي
يكفلها الإسلام، فذكرت حق الحياة، وحرية
العقيدة، وحق الملكية، وحق الأمن والمسكن، والتنقل، وحق المساواة، وحق
الفرد في المعونة المالية، وبذلك يكون الإسلام أول من أرسى دعائم الحريات
الاقتصادية والاجتماعية، كما ذكرت الوثيقة حق التجمعات على أساس القبيلة أو على
أساس الدين، وحق إبداء الرأي، ويتضح من العرض السابق أن الأحكام الواردة في
الوثيقة تشكل العمود الفقري لأي وثيقة
دستورية حديثة، وبذلك يؤكد الإسلام سبقه للتنظيمات الحديثة حتى في هذا المجال) .
([2]) انظر تعليق الشيخ الألباني على فقه السيرة للغزالي ط2
حاشية ص 185 حيث يقول (روى هذه الوثيقة ابن إسحاق بدون إسناد) ولم يحكم لها بالصحة
ولا بالحسن فكأنه يضعفها بالإرسال، وانظر السيرة النبوية الصحيحة للعمري 1/274
ومناقشته لادعاء يوسف العش بأن الصحيفة موضوعة لعدم وجود إسناد لها عند ابن إسحاق
وأنه أخذها من صحيفة كثير المزني الموضوعة وحذف إسناده....الخ وسيأتي مناقشة ذلك
في المبحث الثاني.
[4]
يحيى بن عبد الله بن
بكير المصري من أصحاب الليث بن سعد، روى له البخاري ومسلم، وضعفه النسائي، وقال
أبو حاتم (يكتب حديثه ولا يحتج به)، انظر الجرح والتعديل 9/165، وتهذيب الكمال
31/400 ، وقال الذهبي في الكاشف رقم 6193 (كان صدوقا واسع العلم مفتيا)، وقال ابن
حجر في التقريب رقم 7580 (ثقة في الليث).
[5] عبد
الله بن صالح المصري، كاتب الليث، صدوق متكلم فيه، قال أبو زرعة كما في الجرح
والتعديل 5/رقم 398 (حسن الحديث)، وقد روى له البخاري كما في الكاشف رقم 2780، وقال ابن حجر في التقريب رقم 3388 (صدوق
كثير الغلط ثبت في كتابه).
[6]
الليث بن سعد ثقة حجة،
كما الجرح والتعديل 7/179، وتهذيب الكمال 24/255، قال عنه ابن حجر في التقريب 5684
(ثقة ثبت فقيه إمام مشهور، روى له الجماعة).
[7]
عقيل بن خالد الأيلي ثقة
ثبت من أصحاب الزهري، كما في الجرح والتعديل 7/43، وتهذيب الكمال 20/242، قال عنه
في التقريب 4665 (ثقة ثبت روى له الجماعة).
[8] الرسالة المستطرفة ص 106 .
[9] المعرفة والتاريخ 2/827 .
[10] تاريخ بغداد 1/219 وتهذيب الكمال 24/413 .
[11] تاريخ بغداد 1/215، وتهذيب الكمال 24/413 .
[12]
المصنف ح رقم 18879 في كتاب العقول.
[16] فهرسة ابن خير رقم 425 .
[17] فهرسة ابن خير
ص 108 .
[18]
يونس بن بكير صدوق متكلم
فيه، من أصحاب ابن إسحاق، انظر الجرح والتعديل 9/236، وتهذيب الكمال 32/493، قال
عنه الذهبي في الكاشف 6464 (الحافظ .. قال ابن معين صدوق..)، وقال في الميزان 9900
(وهو حسن الحديث)، وقال ابن حجر في التقريب 7900 (صدوق يخطئ) .
[19] تاريخ بغداد 8/476 بتصرف واختصار .
[20]
البخاري في التاريخ الكبير 1/40 .
[21]
الجرح والتعديل 7/191 .
[22] الجرح والتعديل 7/191 .
[23] الجرح والتعديل 7/191 .
[24]
البخاري في التاريخ الكبير 1/40 ، والجرح والتعديل 7/191 .
[25] تذكرة الحفاظ 1/172 .
[26] تذكرة الحفاظ 1/173 .
[28] لسان الميزان 7/518 .
[29] العلل رواية عبد الله بن أحمد 3/436 .
[34] تهذيب الكمال 31/322 .
[35] العلل رواية عبد الله بن أحمد 3/437 .
[36] الكامل في الضعفاء 6/112.
[37]
عثمان بن محمد بن
الأخنس، قواه ابن معين وتكلم فيه ابن المديني، كما في الجرح والتعديل 6/رقم 910،
قال عنه الذهبي في الكاشف 3737 (وثقه ابن معين)، وقال ابن حجر في التقريب 4515
(حجازي صدوق له أوهام).
[38]
المسند 1/271 و2/204 .
[39]
قال عنه الذهبي في
الكاشف 928 (أحد الأعلام على لين فيه)، وقال ابن حجر 1119 (القاضي أحد الفقهاء
صدوق كثير الخطأ والتدليس).
[40]
صحيح مسلم ح رقم 1507 .
[41]
انظر حاشية يوسف العش
على ترجمته لكناب الدولة العربية وسقوطها ص 20 .
[42]
السيرة النبوية الصحيحة
2/ 275 .
[43]
فقه السيرة للغزالي
تحقيق الألباني ط2 حاشية ص 185 .
[44]
الصارم المسلول 1/ 67 .
[45]
الصارم المسلول 1/ 70 .
[47] الإرشاد في معرفة علماء الحديث 1/288 .
[48]
تاريخ دمشق 60/465، وتهذيب الكمال 29/119، وتهذيب التهذيب 10/322 .
[49] جامع
التحصيل للعلائي ص 89 .
[50]
معرفة علوم الحديث ص 320 .
[51]
تذكرة الحفاظ 1/148 .
[52] تذكرة الحفاظ 1/173 .
[53] مقدمة فتح الباري ص 459 .
[54] مقدمة فتح الباري ص 369 .
[56]
شرح معاني الآثار 3/ 311 .
[57]
الصارم المسلول 1/ 77 .
[58]
الصارم المسلول ص 147 .
[59]
الصارم المسلول ص 77 .
[60]
الصارم المسلول ص 101 .
[61]
الجواب الصحيح1/282 .
[62] الجامع
لأخلاق الراوي 2/162 .
[63]
الرد على البكري ص 76 .
[64] رسالة
أبي داود إلى أهل مكة ص 24 .
[65] انظر التمهيد لما في الموطأ 1/4.
[67] انظر التمهيد لما في الموطأ 1/3 .
[68]
مجموع الفتاوى 13/346، ومقدمة في التفسير ص 68 .
[69]مجموع
الفتاوى 13/347، ومقدمة في التفسير ص 68 .
[71] الرسالة ص 137 ، وانظر السنن الكبرى للبيهقي
6/246 .
[72]
الأم 4/143 باب الوصية للوارث.