طبيعة الخلافة كرئاسة عامة ونظام سياسي:
وإذا تقرر كل ما سبق في تعريف الأمة، وحقوق الجماعة، وولايتها العامة، وثبوت حقوق المواطنة بموجب عقد الإيمان، أو عقد الأمان، والاستيطان، فإن الخلافة رئاسة فعلية على الأمة كلها، لا على بعضها، وهذا المعنى هو الذي دارت عليه تعريفات أئمة الحديث وعلماء الكلام والفقهاء والأصوليين - من المتقدمين والمتأخرين - لحقيقة الإمامة والخلافة ودار العدل، وأنها رئاسة عامة على الأمة أو أكثرها، لا على جزء منها، كما قال القلقشندي الشافعي - ت 821 هـ - : (الفصل الأول في معنى الخلافة ومن يطلق عليه اسم الخليفة:
أما الخلافة فهي في الأصل مصدر خلف، يقال: خلفه في قومه، يخلفه خلافة، فهو خليفة... ثم أطلق في العرف العام على الزعامة العظمى، وهي الولاية العامة على كافة الأمة، والقيام بأمورها والنهوض بأعبائها... والذي عليه العرف المشاع من صدر الإسلام، وهلم جرا، إطلاق اسم الخليفة على كل من قام بأمر المسلمين القيام العام على ما تقدم، إما ببيعه من أهل الحل والعقد، وإما بعهد ممن قبله، إلا أن بعض السلف قد خصص ذلك بما إذا كان الإمام جاريا على منهاج العدل وطريق الحق...).[95]
وقال الشيخ محمد رشيد رضا في تعريف الخلافة [96]:
(الخلافة، والإمامة العظمى، وإمارة المؤمنين، ثلاث كلمات معناها واحد، وهو رئاسة الحكومة الإسلامية الجامعة لمصالح الدين والدنيا. قال العلامة الأصولي المحقق السعد التفتازاني في متن مقاصد الطالبين، في علم أصول عقائد الدين: الفصل الرابع – أي: من العقائد السمعية - ففي الإمامة، وهي رئاسة عامة في أمر الدين والدنيا خلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال العلامة الفقيه أبو الحسن علي بن محمد الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية: الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا. وكلام سائر علماء العقائد والفقهاء من جميع مذاهب أهل السنة لا يخرج عن هذا المعنى، إلا أن الإمام الرازي زاد قيدًا في التعريف فقال: هي رئاسة عامة في الدين والدنيا لشخص واحد من الأشخاص. وقال: هو احتراز عن كل الأمة إذا عزلوا الإمام لفسقه. [97]
قال السعد التفتازاني في شرح المقاصد بعد ذكر هذا القيد في التعريف وما علله به: [وكأنه أراد بكل الأمة أهل الحل والعقد، واعتبر رئاستهم على من عداهم، أو على كل من آحاد الأمة]).[98]
فالخلافة في تعريف علماء الكلام هي رئاسة عامة على كافة الأمة، وهي في الأصل للأمة التي لها الحق وحدها في اختيار الإمام وعزله، إلا أنها تمارس هذه الولاية العامة من خلال ممثليها ووكلائها وهم أهل الحل والعقد فيها، الذين يختارون الخليفة نيابة عن الأمة، فقول الرازي: (رئاسة لشخص واحد) أراد من يتولى منصب الخليفة، لا نظام الخلافة ككل الذي يشمل أيضا أهل الحل والعقد ورئاستهم على مجموع الأمة بعموم قوله تعالى: {وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}، وقوله: {أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ}.
فالخلافة كنظام سياسي يشمل سلطة الأمة عبر (رئاسة أهل الحل والعقد للأمة) الذين يختارون الخليفة نفسه، ويعزلونه عند وجود ما يقتضي عزله بحكم ولايتهم العامة ورئاستهم على الأمة، وهي أعلى من ولاية الخليفة نفسه، إذ لهم الحق بلا خلاف في اختيار الخليفة وعزله، بينما ليس للخليفة اختيارهم وعزلهم، إذ رئاستهم على الأمة أسبق وجودا، وأثبت عقدا.
وعليه فالخلافة كنظام سياسيي رئاسة عامة على الأمة تتولاها مؤسستان وجهتان سياسيتان:
الأولى: أهل الحل والعقد نيابة عن الأمة.
الثانية: الخليفة وكيلا عن الأمة.
ولهذا السبب فالمخاطب شرعا بإقامة الخلافة نيابة عن الأمة طائفتان، كما قال القاضيان الماوردي وأبو يعلى:
الأولى: أهل الحل والعقد نيابة عن الأمة، حتى يختاروا للأمة إماما يقوم بالولاية العامة.
والثانية: أهل الإمامة، حتى يتصدى لها من يقوم بأعبائها. [99]
ولا خلاف بين الفقهاء في هذا الأصل، وإن اختلفت عباراتهم في التعبير عنه، وهو مذهب الحنفية، فظاهر كلامهم أنه إذا تأهل للإمامة عدد، وتوفرت فيهم جميعا الشروط، فالإمام منهم هو من بايعه أكثر الأمة، كما قال الحموي في شرحه على ابن نجيم: (فإذا اجتمع عدد من الموصوفين، فالإمام من انعقد له البيعة من أكثر الخلق، والمخالف لأكثر الخلق باغ يجب رده إلى انقياد المحق).[100]
وقال علاء الدين المرداوي الحنبلي: (منصب الإمامة العظمى التي هي الرئاسة التامة، والرعاية العامة الشاملة، الخاصة والعامة، بتدبير مصالح الخلائق، وضبطها بدرء المفاسد وجلب المصالح، إلى غير ذلك... فإقامة الحدود، وترتيب الجيوش وغير ذلك، من منصب الإمام، وليس لأحد بعده إلا لمن يكون إماما).[101]
الفرق بين الرئاسة العامة والرئاسة الخاصة:
وقول الفقهاء والمتكلمين عن الخلافة بأنها (رئاسة عامة على الأمة) قيد يخرج به الرئاسة الخاصة على إقليم أو بلد من بلدان المسلمين، حتى لو تسمى رئيسها بالخلافة، فلا يغير ذلك من حقيقتها شيئا، كما قال العلامة العطار الشافعي: (الإمامة رئاسة عامة في الدين والدنيا، خلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا القيد خرجت النبوة، وبقيد العموم خرج مثل القضاء والرئاسة في بعض النواحي، وكذا رئاسة من جعله الإمام نائبا عنه على الإطلاق).[102]
وكذا قال السعد التفتازاني: (قال قوم من أصحابنا: (الإمامة رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص، فقيد العموم احتراز عن القاضي والرئيس - أي: على بلد - وغيرهما، والقيد الأخير احتراز عن كل الأمة إذا عزلوا الإمام عند فسقه - إذ هي رئاسة جماعية للأمة مؤقتة حتى تختار غيره - فإن الكل ليس شخصا واحدا، ونقض هذا التعريف بالنبوة، والأولى أن يقال هي خلافة الرسول في إقامة الدين وحفظ حوزة الملة، بحيث يجب اتباعه على كافة الأمة، وبهذا القيد الأخير يخرج من ينصبه الإمام في ناحية كالقاضي مثلا، ويخرج المجتهد إذ لا يجب اتباعه على الأمة كافة، بل على من قلده خاصة، ويخرج الآمر بالمعروف أيضا).[103]
وقوله: (بحيث يجب اتباعه على الأمة) قيد يخرج به من لم يتحقق فيه هذا الوصف، حتى لو كان تولى منصب الخلافة فعلا على الأمة كلها في دولة واحدة، فإذا لم تطعه الأمة، ولم تتبعه، فإنه يخرج عن كونه سلطانا وخليفة واجب الطاعة، حتى وإن أطاعه من بايعه أو أهل بلد، ولم تطعه كافة الأمة، كما قال الرملي الشافعي: (الإمامة رئاسة عامة... بحيث يجب اتباعه على كل كافة الأمة).[104]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة في الرد على الحلي: (وأما قوله إنهم يقولون: إن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر بمبايعة عمر برضا أربعة، فيقال له: ليس هذا قول أئمة أهل السنة، وإن كان بعض أهل الكلام يقولون: إن الإمامة تنعقد ببيعة أربعة، كما قال بعضهم: تنعقد ببيعة اثنين، وقال بعضهم: تنعقد ببيعة واحد، فليست هذه أقوال أئمة السنة، بل الإمامة عندهم تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها، ولا يصير الرجل إماما حتى يوافقه أهل الشوكة عليها، الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة، فإن المقصود من الإمامة إنما يحصل بالقدرة والسلطان، فإذا بويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان صار إماما... فالإمامة مُلك وسلطان، والمَلك لا يصير ملكا بموافقة واحد ولا اثنين ولا أربعة، إلا أن تكون موافقة هؤلاء تقتضي موافقة غيرهم بحيث يصير ملكا بذلك... ولهذا لما بويع علي رضي الله عنه وصار معه شوكة صار إماما، ولو كان جماعة في سفر فالسنة أن يؤمروا أحدهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لثلاثة يكونون في سفر إلا أن يؤمروا واحدا منهم)، فإذا أمره أهل القدرة منهم صار أميرا، فكون الرجل أميرا وقاضيا وواليا وغير ذلك من الأمور التي مبناها على القدرة والسلطان متى حصل ما يحصل به من القدرة والسلطان حصلت، وإلا فلا، إذ المقصود بها عمل أعمال لا تحصل إلا بقدرة، فمتى حصلت القدرة التي بها يمكن تلك الأعمال كانت حاصلة، وإلا فلا... والقدرة على سياسة الناس إما بطاعتهم له، وإما بقهره لهم، فمتى صار قادرا على سياستهم بطاعتهم أو بقهره، فهو ذو سلطان مطاع، إذا أمر بطاعة الله، ولهذا قال أحمد في رسالة عبدوس بن مالك العطار أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أن قال: ومن ولي الخلافة فأجمع عليه الناس، ورضوا به، ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين، فدفع الصدقات إليه جائز برا كان أو فاجرا، وقال في رواية إسحاق بن منصور وقد سئل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية) ما معناه؟ فقال: تدري ما الإمام؟ الإمام الذي يجمع عليه المسلمون كلهم يقول هذا إمام فهذا معناه!
والكلام هنا في مقامين:
أحدهما: في كون أبي بكر كان هو المستحق للإمامة وأن مبايعتهم له مما يحبه الله ورسوله، فهذا ثابت بالنصوص والإجماع.
والثاني: أنه متى صار إماما، فذلك بمبايعة أهل القدرة له، وكذلك عمر لما عهد إليه أبو بكر إنما صار إماما لما بايعوه وأطاعوه، ولو قدر أنهم لم ينفذوا عهد أبي بكر ولم يبايعوه لم يصر إماما، سواء كان ذلك جائزا أو غير جائز، فالحل والحرمة متعلق بالأفعال، وأما نفس الولاية والسلطان فهو عبارة عن القدرة الحاصلة، ثم قد تحصل على وجه يحبه الله ورسوله كسلطان الخلفاء الراشدين، وقد تحصل على وجه فيه معصية، كسلطان الظالمين، ولو قدر أن عمر وطائفة معه بايعوه، وامتنع سائر الصحابة عن البيعة لم يصر إماما بذلك، وإنما صار إماما بمبايعة جمهور الصحابة الذين هم أهل القدرة والشوكة، ولهذا لم يضر تخلف سعد بن عبادة لأن ذلك لا يقدح في مقصود الولاية، فإن المقصود حصول القدرة والسلطان اللذين بهما تحصل مصالح الإمامة وذلك قد حصل بموافقة الجمهور على ذلك، فمن قال إنه يصير إماما بموافقة واحد أو اثنين أو أربعة وليسوا هم ذوي القدرة والشوكة فقد غلط، كما أن من ظن أن تخلف الواحد أو الاثنين والعشرة يضره فقد غلط...
وأما عمر، فإن أبا بكر عهد إليه وبايعه المسلمون بعد موت أبي بكر فصار إماما لما حصلت له القدرة والسلطان بمبايعتهم له، وأما قوله ثم عثمان بن عفان بنص عمر على ستة هو أحدهم فاختاره بعضهم، فيقال أيضا عثمان لم يصر إماما باختيار بعضهم، بل بمبايعة الناس له، وجميع المسلمين بايعوا عثمان بن عفان، ولم يتخلف عن بيعته أحد، قال الإمام أحمد في رواية حمدان بن علي: (ما كان في القوم أوكد بيعة من عثمان، كانت بإجماعهم).
فلما بايعه ذوو الشوكة والقدرة صار إماما، وإلا فلو قدر أن عبد الرحمن بايعه ولم يبايعه علي ولا غيره من الصحابة أهل الشوكة لم يصر إماما).[105]
الخلافة مشروعة لمصلحة الأمة:
والإمامة والخلافة رئاسة شرعية مصلحية، والمصلحة فيها للأمة لا للإمام، فهو وكيل عنها؛ لتحقيق مصالحها العامة والخاصة، فهي معقولة المعنى، لا تعبدية محضة، كما قال النفراوي المالكي: (الإمامة وهي لغة: التقدم، واصطلاحا: صفة حكمية توجب لموصوفها تقديمه على غيره معنى، ومتابعة غيره له حسا، وتنقسم أربعة أقسام: إمامة وحي وهي النبوة... وإمامة مصلحة وهي الخلافة العظمى لمصلحة جميع الأمة، وكلها تحققت له صلى الله عليه وسلم، وحيث أطلقت في لسان أهل الكلام انصرفت إلى المعنى الأخير عرفا، وهي بهذا المعنى رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لا تجب طاعة الإمام إلا بشروط الإسلام).[106]
ولاية الأمة والجماعة عند فقد الإمامة:
وولاية الأمة هي الأصل في تولية الأئمة، ولهذا يترتب عليها أحكام فرعية كثيرة عند فقد الإمام، أو عدم وجوده، فتعود الولاية للأصل، وهذه من أهم القواعد الفقهية في السياسة الشرعية، وقد نص عليها فقهاء المذهب الفقهية كافة، وعملوا بها في موارد كثيرة من فروع الفقه، فقالوا: (تقوم الجماعة فيما يقوم به الإمام عند فقده)، كتزويج الأيامى، ورعاية الأيتام، والقضاء في الخصومات.
ومن الأدلة عليها الحديث الصحيح: (إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمروا أحدكم)، فجعل التأمير للجماعة، فهم الذين يختارون أميرهم، مهما قل عددهم، وقد اختار المسلمون في مؤتة خالد بن الوليد أميرا على الجيش بعد استشهاد الأمراء الثلاثة الذين اختارهم النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك صحة عقدهم للقاضي ليتولى ولاية القضاء إذا لم يكن لهم قاض، ولا يمكنهم الرجوع إلى الإمام، قال المازري المالكي: (القضاء ينعقد بأحد وجهين أحدهما: عقد أمير المؤمنين، أو أحد أمرائه، والثاني: عقد ذوي الرأي وأهل العلم والعدالة لرجل منهم كملت فيه شروط القضاء، وهذا حيث لا يمكنهم مطالعة الإمام في ذلك، ولا يمكنهم أن يستدعوا منه ولايته، ويكون عقدهم له نيابة عن عقد الإمام).[107]
والصحيح أن عقدهم للقاضي هنا ليس نيابة عن الإمام، بل بحكم الولاية العامة التي جعلها الله ورسوله لهم، وهو ما تقرر في أصول الخطاب القرآني والنبوي، كما قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ}، وقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}، وقال: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}، وإنما الإمام نائب عن الأمة ووكيل عنها، فحيث عدم وجوده، أو فقد سلطانه، فالجماعة تقوم مقامه، فلهم أن يجعلوا لهم أميرا يرجعون إليه في أمورهم الخاصة، كما كان جعفر بن أبي طالب على المسلمين في الحبشة، ولهم أن يختاروا قاضيا شرعيا يحكم بينهم في كل أمورهم.
فإذا عقدوا ولاية القضاء لمن توافرت فيه صفات القاضي فإن كانوا في أرض الإسلام، ولا إمام لهم، أو لا سلطة للإمام عليهم، أو إذا عدم الإمام، فللقاضي المعقود له من طرفهم كل صلاحيات القاضي المعقود له من جهة الإمام، أما إن كانوا في غير أرض الإسلام فللقاضي أن يحكم بينهم في كل أمورهم ومنازعاتهم المالية والتجارية وحقوقهم وشئونهم الأسرية والزوجية، ولا يستثنى من ذلك إلا القصاص والحدود والعقوبات على خلاف بين الفقهاء.
قال ابن مغيث المالكي في المرأة يغيب عنها زوجها: (إذا كانت بموضع لا حكم فيه، ورفعت أمرها إلى صالحي جيرانها، وكشفوا عن خبر زوجها، وضربوا لها أربعة أعوام ثم تعتد، وتحل للأزواج؛ لأن فعل الجماعة في عدم الإمام كفعل الإمام، وقاله أبو عمران الفاسي وابن القابسي، وغير واحد من الشيوخ).[108]
فالجماعة هنا تقوم مقام الإمامة عند فقدها أو عجزها، لأنها الأصل، والولاية العامة لها، وبموجب هذه الولاية تختار الإمام وتعزله!
وأفتى الفقيه المالكي أحمد بن نصر الداودي بأن (كل بلد لا سلطان فيه، أو فيه سلطان يضيع الحدود، أو السلطان غير عدل، فعدول الموضع وأهل العلم يقومون في جميع ذلك مقام السلطان).[109]
فجعل للجماعة سلطة وولاية، حتى مع وجود الإمام إذا لم يكن عادلا، أو لم يقم الحدود والحقوق عجزا أو فسقا.
كما أجازوا أيضا تولي القضاء بين المسلمين في غير دار الإسلام، بتولية من جماعة المسلمين فيها، أو من سلطانها غير المسلم، فقد سئل أبو الحسن القابسي الفقيه المالكي عن ذلك فقال: (إذا كان ناظر المسلمين منهم يحكم فيهم بأحكام المسلمين فحكمه ماض، إذا أصاب وجه الحكم).[110]
وكذا قال القاضي المازري عن تولي القاضي المسلم بتولية النصارى له كما في جزيرة صقلية، فقد أجاب: (الأصل أن تولية الكافر للقاضي المسلم لا تصح، لكن توليته في مثل هذا الموضع ضرورة بل واجب، خاصة إذا كان ذلك بطلب من المسلمين، وذلك لا يقدح في حكمه وتنفيذ أحكامه كما لو ولاه سلطان مسلم)، وقد احتج على ذلك بالقاعدة المقررة فقال: (أقام مالك شيوخ المكان مقام السلطان عند فقده، لما يخاف من فوت الأقضية).[111]
والصحيح أن توليته تكون صحيحة بتولية جماعة المسلمين له، لا بمجرد تولية الحاكم غير المسلم، فلو فرض أن المسلمين في تلك الدار لم يرتضوه قاضيا لهم، لم يكن له ولاية شرعية بمجرد تولية السلطان غير المسلم عليهم.
وقال الحطاب المالكي في المرأة إذا لم تجد قاضيا ترفع إليه أمرها: (فإذا لم يكن حاكم فإنها ترفع للعدول، قال المشذالي... ما نصه: جعل هنا جماعة العدول تقوم مقام السلطان ولو كان هناك سلطان).[112]
وقال أيضا: (أن جماعة العدول تقوم مقام الإمام في المحارب وفي القصاص إنما ذلك حيث يتعذر تناول السلطان... وذكر ابن يونس في كتاب الحمالة أن جماعة العدول تقوم مقام الإمام).[113]
وقال مفتي المالكية في مصر الشيخ عليش عن فسخ القاضي غير العدل عقد زواج تولاه رجل عدل بتوكيل امرأة لا ولي لها: (هذا العقد صحيح ولا يسوغ فسخه، وإن وقع - الفسخ - لا يعتد به، ويبقى العقد على صحته، لعدم القاضي الشرعي في هذا الزمان، والذي فيه اسم بلا مسمى، فلا ولاية له أصلا، إنما الولاية لعامة المسلمين، إذا فقد العاصب كما في هذه الصورة).[114]
وكذا نص على ذلك فقهاء الحنفية كما قال ابن الهمام عن البلدان التي احتلها العدو وما يجب على المسلمين فيها: (إذا لم يكن سلطان وجب عليهم أن يتفقوا على واحد منهم يجعلونه واليا، فيولي قاضيا، أو يقضي هو بينهم، وكذا ينصبون لهم إماما يصلي بهم الجمعة).[115]
وقد نزل الكاساني جماعة المسلمين منزلة الإمام والقاضي من حيث السلطة، فقال في نفوذ بيع المالك: (المالك قادر على التسليم بقدرة السلطان، والقاضي، وجماعة المسلمين).[116]
وهذه القاعدة أيضا مقررة عند الشافعية كما قال القاضي الماوردي: (إذا خلا بلد عن قاض، وخلا العصر عن إمام، فقلد أهل الاختيار أو بعضهم برضا الباقين واحدا منهم، وأمكنهم نصرته وتقوية يده، جاز تقليده).[117]
فاشترط لصحة تولية أهل الاختيار للقاضي رضا الجماعة.
وقال ابن حجر الهيتمي: (ما ذكر في هذه الأجوبة صحيح جار على القواعد، وهو اللائق بقاعدة المشقة تجلب التيسير، وأن الضرورات تبيح المحظورات وغيرهما، فإذا خلا بلد أو قطر عن نفوذ أوامر السلطان فيه لبعده وانقطاع أخباره عنه، أو عدم انقياد أهله لأوامره لو بلغتهم، وجب على كبراء أهله أن يولوا من يقوم بأحكامهم، ولا يجوز لهم أن يتركوا الناس فوضى).[118]
وكذا قال الحنابلة في حال عدم الإمام، لا تتعطل الأحكام، وتقوم الجماعة مقامه فيما ينوبها، كما قال ابن قدامة: (فإن عدم الإمام لم يؤخر الجهاد، لأن مصلحته تفوت بتأخيره، وإن حصلت غنيمة قسموها على موجب الشرع).[119]
طبيعة تصرف الإمام على الأمة بطريق الوكالة:
ولوضوح مبدأ كون الولاية العامة هي للأمة أصلا، وأن ولاية الإمام العامة فرع عنها، تقرر كون تصرف الإمام على الأمة هو بعقد الوكالة عنها، لا الوصاية عليها، وهو الأصل الثاني في تحديد طبيعة العلاقة بين الأمة والإمامة، وهذا أصل مقرر عند المتكلمين والفقهاء من أهل السنة والجماعة، كما قال القاضي أبو بكر الباقلاني المالكي - 338 هـ - 403 هـ - : (الإمام إنما ينصب لإقامة الأحكام وحدود وأمور قد شرعها الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم علم الأمة بها، وهو في جميع ما يتولاه وكيل للأمة، ونائب عنها، وهي من ورائه في تسديده وتقويمه، وإذكاره وتنبيهه، وأخذ الحق منه إذا وجب عليه، وخلعه والاستبدال به متى اقترف ما يوجب خلعه، فليس يحتاج مع ذلك إلى أن يكون معصوما، كما لا يحتاج أميره وقاضيه وجابي خراجه وصدقاته وأصحاب مسائله وحرسه إلى أن يكونوا معصومين، وهو فليس يلي بنفسه شيئا أكثر مما يليه خلفاؤه من هذه الأمور).[120]
فالباقلاني هنا - في كتاب عقائدي - يقرر الأصول التي تحدد طبيعة العلاقة بين الأمة والإمام، وأنها تقوم على أساس :
1- أن الأمة هي من تنصب الإمام وتخلعه فلا يحتاج إلى دعوى العصمة.
2- وأن الغاية من نصب الإمام إقامة الحقوق والحدود والأحكام.
3- وهذه الأحكام معلومة للأمة بنص الكتاب والسنة وليست متروكة لأهواء السلطة.
4- والإمام في كل ما يتولاه من مسئوليات ما هو إلا وكيل عن الأمة لا وصيا عليها.
5- وأن الأمة هي القيم على الإمام تراقبه وتقيم عليه الحق وتخلعه وتستبدل به غيره.
وقد أكد الباقلاني هذه الأصول العقائدية السياسية في مواطن عدة من كتابه (تمهيد الأوائل) - الذي صنفه في بيان مسائل الاعتقاد وأصول الدين عند أهل السنة والجماعة - فقال أيضا: (يقام الإمام لأجل ما ذكرناه من قبل من تدبير الجيوش، وسد الثغور، وردع الظالم، والأخذ للمظلوم، وإقامة الحدود، وقسم الفيء بين المسلمين، والدفع بهم في حجهم وغزوهم، فهذا الذي يليه ويقام لأجله، فإن غلط في شيء منه، أو عدل به عن موضعه، كانت الأمة من ورائه لتقويمه، والأخذ له بواجبه...).[121]
وكذا قال عبد القاهر البغدادي: (فمتى أقام - أي: الإمام - في الظاهر على موافقة الشريعة، كان أمره في الإمامة منتظمًا، ومتى زاغ عن ذلك كانت الأمة عيارًا عليه في العدول به من خطئه إلى الصواب، أو في العدول عنه إلى غيره، وسبيلهم – أي: الأمة - معه كسبيله مع خلفائه وقضاته وعماله وسعاته، إن زاغوا عن سنة عُدل بهم، أو عُدل عنهم).[122]
وقد نص الفقهاء على كون الإمام وكيلا عن الأمة، كما رجح البهوتي الحنبلي بقوله: (وتصرفه - أي: الإمام - على الناس بطريق الوكالة لهم، فهو وكيل المسلمين).[123]
وقد عللوا كون الإمام لا ينعزل بموت أهل الحل والعقد الذين بايعوه، لأنه وكيل عن الأمة كلها لا عن أهل الحل والعقد فقط، كما قال البهوتي: (ولا ينعزل بموت من بايعه، لأنه ليس وكيلا عنه، بل عن المسلمين).[124]
وكذا عللوا جواز طلب الإمام من الأمة عزله دون سبب يقتضي عزله بأنه وكيل عن الأمة، وللوكيل طلب العزل من موكله، كما قال أبو يعلى الحنبلي: (لأنه وكيل للمسلمين وللوكيل عزل نفسه).[125]
وكذا عللوا عدم انعزال الأمير الذي يختاره الخليفة بموت الخليفة، وكذا عدم انعزال القاضي بموت الخليفة؛ لأن تقليده إياهما الإمارة على البلدان والقضاء فيها، إنما هو نيابة عن المسلمين وهم أحياء، بخلاف الوزير فإنه ينعزل بموت الخليفة لأنه نائب عنه.[126]
وقد أجمع على تقرير هذا الأصل أئمة الحديث والمتكلمون والفقهاء، على النحو التالي:
أولا: اتفاقهم على طبيعة الخلافة التعاقدية بين الأمة والإمام:
وهو أصل ثابت بالقرآن والسنة المتواترة في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار ثم لكل من هاجر إليه، ودخل في دولته، للتأكيد على طبيعة العلاقة التعاقدية بين الأمة والسلطة بلا إكراه ولا إجبار، وقد عبر عن ذلك أئمة أهل السنة بكل وضوح، كما قال إمام أهل السنة وشيخ الإسلام في عصره عبد الله بن إدريس - 115 هـ - 192هـ - (ما كان في القوم أثبت عقدا في الخلافة من عثمان، كانت خلافته بمشورة ستة من أهل بدر).[127]
وقال تلميذه الإمام أحمد بن حنبل - 165هـ - 241هـ - : (ما كان في القوم أوكد بيعة من عثمان، كانت بإجماعهم).[128]
وقال أيضا عن بيعة عثمان رضي الله عنه: (وهل كانت بيعة أوثق من بيعته ولا أصح منها).[129]
وقال إمام المفسرين ابن جرير الطبري - 224هـ - 310هـ - : (فأما ما كان من منازعة غير القرشي الذي قد عقد له أهل الإسلام عقد البيعة، وسلموا له الخلافة والإمرة على وجهٍ طلبها إياها لنفسه، أو لمن لم يكن من قريشٍ؛ فذلك ظالمٌ، وخروجٌ عن إمام المسلمين، يجب على المسلمين معونة إمامهم القرشي وقتال الخارج عليه؛ إذ لم يكن هناك أمرٌ دعاه إلى الخروج عليه إلا ادعاؤه بأنه أحق بالإمارة منه من أجل أنه من غير قريشٍ، إلا أن يكون خروجه عليه بظلمٍ ركب منه في نفسٍ أو أهلٍ أو مالٍ؛ فطلب الإنصاف فلم ينصف؛ فيجب على المسلمين حينئذٍ الأخذ على يد إمامهم المرضية إمرته عليهم، لإنصافه من نفسه إن كان هو الذي ناله بالظلم، أو أخذ عامله بإنصافه إن كان الذي ناله بالظلم عاملاً له، ثم يكون على الخارج عليه لما وصفنا أن يفيء إلى الطاعة: طاعة إمامه بعد إنصافه إياه من نفسه أو من عامله. فإن لم يفيء إلى طاعته حينئذٍ، كان على المسلمين هنالك معونة إمامهم العادل عليه حتى يؤوب إلى طاعته).[130]
ثانيا: الإمامة عقد يتولاه أهل الحل والعقد نيابة عن الأمة:
فإذا كانت الإمامة ولاية، والإمام وكيل عن الأمة، فإنها تفتقر لعقد البيعة لمن يتولاها، كما قال القاضي الماوردي: (لأن الإمامة عقد لا يتم إلا بعاقد، كالقضاء إذا لم يكن يصلح له إلا واحد لم يصر قاضيا حتى يُولاه).[131]
وكذا قال أبو يعلى الحنبلي: (كذلك عقد الإمامة، لأنه عقد لا يتم إلا بعاقد، كالقضاء، لا يصير قاضيا حتى يُولّى، ولا يصير قاضيا وإن وجدت صفته؛ كذلك الإمامة).[132]
وقال القاضي أبو يعلى في ولاية العهد وأنها ترشيح لا ينعقد إلا بعقد الأمة: (الإمامة لا تنعقد للمعهود إليه بنفس العهد، وإنما تنعقد بعقد المسلمين).[133]
وقال القاضي الماوردي في شأن التنازع فيها: (فإن تنازعاها - أي: الإمامة - وادعى كل واحد منهما أنه الأسبق، لم تُسمع دعواه، ولم يحلف عليها، لأنه لا يختص بالحق فيها، وإنما هو حق المسلمين جميعا، فلا حكم ليمينه ولا نكوله عنه، ولو أقر أحدهما للآخر بالتقدم خرج منها المقر ولم تستقر للآخر؛ لأنه مقر في حق المسلمين).[134]
ثالثا: القبول والرضا العام شرط لصحة البيعة:
والمقصود بعقد البيعة العامة أو الخاصة ليس مجرد الصفقة بين الطرفين وتعاقدهما الظاهري، بل المراد تحقق الرضا، وأن يكون تعبيرا عن قبول الأمة بمن اختاره أهل الحل والعقد للخلافة، كما قال القاضي عياض: (ويكتفى في بيعة الإمام بآحاد من أهل الحل والعقد، ولا يفتقر إلى بيعة كل الأمة، ولا يلزم كل الأمة أن يأتوا إليه يضعون أيديهم بيده، وإنما يلزم إذا عقد أهل الحل والعقد انقياد البقية ألا يظهروا خلافا، ولا يشقوا العصا).[135]
وقال النووي: (اتفق العلماء على أنه لا يشترط لصحتها مبايعة كل الناس، ولا كل أهل الحل والعقد، وإنما يشترط مبايعة من تيسر إجماعهم من العلماء والرؤساء ووجوه الناس، وأما عدم القدح فيه، فلأنه لا يجب على كل واحد أن يأتي إلى الإمام فيضع يده في يده ويبايعه، وإنما يلزمه إذا عقد أهل الحل والعقد للإمام الانقياد له، وألا يظهر خلافا، ولا يشق العصا، وهكذا كان شأن علي رضي الله عنه، في تلك المدة التي قبل بيعته، فإنه لم يظهر على أبي بكر خلافا، ولا شق العصا، ولكنه تأخر عن الحضور عنده للعذر المذكور في الحديث، ولم يكن انعقاد البيعة وانبرامها متوقفا على حضوره، فلم يجب عليه الحضور لذلك ولا لغيره).[136]
وهذه أيضا حجة من قال بأن عقد البيعة يثبت بواحد، فإنما قصدوا حيث يكون متبوعا في الأمة مطاعا فيها، بحيث لا تتخلف الأمة عن بيعة من بايع له، كما الحسن بن علي رضي الله عنه حين بايع معاوية، فدخل الناس بالطاعة وبايعوا، رضا بالحسن وطاعة له.
وليس قصدهم قطعا أن عقد من ليس متبوعا ولا مطاعة في الأمة يوجب صحة البيعة، وقد صرح الفقهاء بذلك، كما قال النووي: (المعتبر بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء وسائر وجوه الناس الذين يتيسر حضورهم، ولا يشترط اتفاق أهل الحل والعقد في سائر البلاد والأصقاع، بل إذا وصلهم خبر أهل البلاد البعيدة لزمهم الموافقة والمتابعة، وعلى هذا لا يتعين للاعتبار عدد، بل لا يعتبر العدد، حتى لو تعلق الحل والعقد بواحد مطاع كفت بيعته لانعقاد الإمامة).[137]
فاشترط أن يكون الواحد مطاعا في الأمة بحيث لا تخرج عن البيعة التي عقدها للإمام، وكذلك هو شرط لصحة عقد العدد، إذ لو لم يكونوا مطاعين في الأمة كالستة الذين رشحهم عمر، لما صح عقدهم، إلا إن الفقهاء اكتفوا بلفظ (أهل الحل والعقد) عن هذا الشرط، إذ لا يتصور في أهل الحل والعقد إلا هذا المعنى، وأنهم فعلا ينوبون عن الأمة في عقد أمورها وحلها!
قال البيجرمي الشافعي: (قوله: (أهل الحل والعقد) أي: حل الأمور وعقدها، قوله: (ووجوه الناس) من عطف العام على الخاص، فإن وجوه الناس عظماؤهم بإمارة أو علم أو غيرهما).[138]
وقد صرح باشتراط اتباع الناس لهم، وانتظام الأمر بهم، قاضي القضاة زكريا الأنصاري الشافعي - ت 926 هـ - فقال: (وتنعقد الإمامة بثلاثة طرق، الأول: البيعة كما بايع الصحابة أبا بكر رضي الله عنهم، ولا تنعقد البيعة إلا بعقد ذوي عدالة، وعلم، ورأي، من أهل العقد والحل، من العلماء، والرؤساء، وسائر وجوه الناس، الذين يتيسر حضورهم، لأن الأمر ينتظم بهم، ويتبعهم سائر الناس... ولو كان واحدا يطاع كفى في البيعة).[139]
وكذا قال القلقشندي: (لأن الأمر إذا لم يكن صادرا عن رأي من له تقدم في الموضع، وقول مقبول، لم تؤمن إثارة فتنة).[140]
فالعبرة هي في تحقق انقياد الناس ورضاهم، وانتظام أمر الدولة، واستقامة حال الأمة، بلا فتنة، ببيعة أهل الحل والعقد لمن ترتضيه الأمة، ولو كان العاقد واحدا، إذ الأمر أمرهم، والحق حقهم، فإذا ارتضوا واحدا منهم، يباشر العقد نيابة عنهم؛ لمكانته في الأمة، وطاعتها له، أو يباشره عدد منهم، لهم ما للواحد من المكانة في الأمة، فلا حرج في ذلك، إذ كما يكون الخليفة - وهو واحد - وكيلا عن الأمة كلها، فلا يوجد ما يمنع من أن يكون من يعقد له عقد الوكالة عن الأمة واحدا ينوب عنها كذلك، وهذا على فرض وقوعه لا يكاد يقع إلا نادر كما جرى للحسن مع معاوية.
قال الشيخ محمد رشيد رضا: (وقالوا إن مذهب الأشعري أنها تنعقد بعقد واحد منهم إذا كان بمشهد من الشهود وهو غلط واضح! وقد ذكر هذا القول الفقهاء مقيداً بما إذا انحصر الحل والعقد فيه، بأن وثق زعماء الأمة به، وفوضوا أمرهم إليه، وهذا لم يقع ويندر أن يقع... وإمامة عثمان لم تكن بمبايعة عبد الرحمن بن عوف وحده، بل كانت عامة لا خاصة به، وكذلك مبايعة عمر لأبي بكر، فإن الإمامة لم تنعقد بمبايعته وحده، بل بمتابعة الجماعة له، وقد صح أن عمر أنكر على من زعم أن البيعة تنعقد بواحد من غير مشاورة الجماعة).[141]
وقال أيضا: (قال السعد التفتازاني - في تعريف أهل الحل والعقد - في شرح المقاصد كغيره من المتكلمين والفقهاء: (هم العلماء والرؤساء ووجوه الناس) زاد في المنهاج للنووي (الذين يتيسر اجتماعهم)، وعلله شارحه الرملي بقوله: (لأن الأمر ينتظم بهم ويتبعهم سائر الناس)، وهذا التعليل هو غاية التحقيق منطوقًا ومفهومًا، فإذا لم يكن المبايعون بحيث تتبعهم الأمة فلا تنعقد الإمامة بمبايعتهم... وهذا هو المأخوذ من عمل الصحابة رضي الله عنهم في تولية الخلفاء الراشدين).[142]
واحتج الشيخ رشيد بإجماع الصحابة على قول عمر كما في الصحيح: (من بايع رجلا دون شورى المسلمين فلا بيعة له)، فقال: (وقد أقرت جماعة الصحابة عمر على ذلك فكان إجماعا، فتقرر بهذا، إن الأصل في المبايعة أن تكون بعد استشارة جمهور المسلمين، واختيار أهل الحل والعقد، ولا تعتبر مبايعة غيرهم إلا أن تكون تبعًا لهم).[143]
وقد صرح الهيتمي باشتراط الرضا والقبول من الأمة والجماعة بما عقده أهل الحل والعقد نيابة عنها، وذلك في التفريق بين عقد أهل الحل والعقد للإمام في الولاية العامة نيابة عن الأمة عامة، وعقد أهل الحل والعقد في بلد لقاض - إذا لم يكن لهم قاض - نيابة عن جماعة خاصة، حيث قال: (ويفهم من كلام الماوردي في الحاوي أنه لا بد أن يتفق على نصبه - أي: القاضي - أهل الحل والعقد، حيث قال: (فقلد أهل الاختيار أو بعضهم واحدا برضا الباقين)... لكن ما قاله هو القياس في نصب الإمام، فإنه لا يشترط فيه اتفاق جميع أهل الحل والعقد، بل صرحوا بأنه لو انحصر الحل والعقد في واحد مطاع كفى، وكذا يقال به هنا، وللماوردي أن يفرق بأن تلك ولاية عامة فلو اشترطنا حضور جميع أهل الحل والعقد لتعسر أو تعذر، وفات المقصود، وعظم الخطب، ولم يتيسر نصب إمام لبعد اجتماعهم على واحد، فاقتضت الضرورة المسامحة، ثم بالاكتفاء بمن تيسر منهم، وأما هنا فهذه ولاية خاصة على قوم مخصوصين، فاشترط رضا جميع أهل الحل والعقد بها، إذ لا عسر في ذلك، ولا مشقة، وهذا هو الذي يتجه ترجيحه).[144]
فالاعتبار كما يرى الهيتمي محتجا بالماوردي هو في تحقق رضا المجموع، إلا إنه لتعذر اجتماع أهل الحل والعقد في اختيار الإمامة العامة، اكتفي بحضور من أمكن منهم، إذا تحقق بحضورهم رضا باقي الأمة، بخلاف الجماعة الخاصة في بلد إذا عقدوا ولاية القضاء لقاض فيها، فلا بد من حضور جميع أهل الحل والعقد ورضاهم.
والقياس أيضا هنا يقتضي بأنه إذا كان يشترط في الولاية الخاصة رضا جميع أهل الحل والعقد، لعدم وجود ما يمنع من اجتماعهم ومعرفة رأيهم، فكذلك يجب اشتراط هذا الشرط في الإمامة العامة، من باب أولى لعظيم خطرها، إذا أمكن اجتماع أهل الحل والعقد في الأمة كلها حال اتحاد دولها في المستقبل، كما في هذا العصر، الذي لم يعد يتعذر فيه الاجتماع في مكان واحد، في أسرع وقت، وبلا مشقة.
رابعا: الإمامة رئاسة عامة لا تقبل التعدد:
وهو أبرز معالم الخلافة، إذ يعبر هذا الأصل عن وحدة الأمة، ويمنع من تفرقها، فإن وقع التعدد لم يكن مشروعا، فكما لا يسوغ شرعا افتراق الأمة، لا يسوغ شرعا تعدد الأئمة، كما في الصحيح: (فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمامة؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها)، ولهذا آثر الحسن رضي الله عنه جمع الأمة على إمام واحد؛ لوضوح هذا الأصل، ولو جاز التعدد لما استحل علي رضي الله عنه قتال أهل الشام، ولا جاز للحسن التنازل عن الخلافة لمعاوية، إذ يسعه أن يبقى على المشرق، ويظل معاوية على المغرب، قال ابن حزم: (اتفق جميع أهل السنة، وجميع المرجئة، وجميع الشيعة، وجميع الخوارج على وجوب الإمامة، وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه و سلم... ثم اتفق من ذكرنا ممن يرى فرض الإمامة على أنه لا يجوز كون إمامين في وقت واحد في العالم، ولا يجوز إلا إمام واحد...).[145]
وقال ابن حزم أيضا في بطلان تعدد الإمامة: (يقول الله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}، فنظرنا في ذلك فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: (إذا بويع لإمامين فاقتلوا الآخر منهما)، وقال تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ}، وقال تعالى: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}، فحرم الله عز وجل التفرق والتنازع، وإذا كان إمامان فقد حصل التفرق المحرم، فوجد التنازع ووقعت المعصية لله تعالى، وقلنا ما لا يحل لنا، وأما من طريق النظر والمصلحة فلو جاز أن يكون فيه إمامان لجاز أن يكون فيه ثلاثة وأربعة وأكثر، فإن منع من ذلك مانع كان متحكما بلا برهان ومدعيا بلا دليل، وهذا الباطل الذي لا يعجز عنه أحد، وإن جاز ذلك زاد الأمر حتى يكون في كل مدينة إمام أو في كل قرية إمام، أو يكون كل أحد خليفة في منزله، وهذا هو الفساد المحض في الدين والدنيا).[146]
وما زلنا مع هذه القضية، وما زال للبحث بقية...
[1] الرسالة الوافية لأبي عمرو الداني (1 / 240)
[2] الفرق بين الفرق - (1 / 340)
[3] شرح السنة (10 / 81)
[4] شرح النووي على مسلم (12 / 205)
[5] تاريخ ابن جرير الطبري3/ 18 بإسناد صحيح إلى الزهري.
[6] الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل (4 / 292)
[7] رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب ص 296.
[8] البحر الرائق شرح كنز الدقائق للنسفي (14 /54 - 55)
[9] أسنى المطالب في شرح روض الطالب - (4 / 110)
[10] السنة للخلال (2 / 419)
[11] السنة للخلال (2 / 423)
[12] السنة للخلال (2 / 412)
[13] الفتن للمروزي (1 / 104) رقم 250 بإسناد صحيح عنه.
[14] المسالك والممالك ص 90.
[15] استبدلت بريطانيا الجامعة العربية بالجامعة الإسلامية بعد ذلك للقضاء كلية على الخلافة!
[16] تفسير المنار - (10 / 275)
[17] تفسير المنار - (10 / 279)
[18] السنة للخلال (2 / 413)
[19] منهاج السنة النبوية - (4 / 231)
[20] مجموع الفتاوى - (35 / 19)
[21] صحيح البخاري ح رقم 3443 ، ومسلم ح رقم 2365.
[22] موطأ مالك ح رقم 1796 ، وصحيح مسلم ح رقم 1715.
[23] رواه الدارمي في السنن ح رقم 257 أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا بقية حدثنا صفوان بن رستم عن عبد الرحمن بن ميسرة عن تميم الداري عن عمر، ورواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم رقم 244 من طريق معاذ بن خالد عن بقية به وزاد (بن ميسرة عن أبي عبد الرحمن عن تميم)، وهو إسناد شامي لا بأس به.
[24] صحيح مسلم ح رقم 55.
[25] ثقات ابن حبان 2/268.
[26] شرح نهج البلاغة - ابن أبي حديد (8 / 112)
[27] ابن جرير 2/650.
[28] رواه الدارمي في السنن رقم 307، وعبد الله بن أحمد في زوائده على الزهد ص 289 و 291 ، وأبو نعيم في الحلية 5/338، واللالكائي في أصول السنة رقم 251، وابن عبد البر في جامع بيان العلم رقم 906، كلهم من طرق كثيرة صحيحة عن الأوزاعي عن عمر بن عبد العزيز به، وقد أدرك الأوزاعي عمر، فقد ولد سنة 88 هـ وكان له يوم وفاة عمر نحو 14 سنة، وكلاهما دمشقي، وهو أعلم أهل الشام في زمانه، فلا يبعد مع قلة روايته عنه سماعه منه، وقد روى ابن أبي حاتم في التفسير 6/1960 بإسناد صحيح عن الأوزاعي قال ثنا عمر بن عبد العزيز.
[29] رواه يعقوب بن سفيان البسوي في المعرفة والتاريخ (4 / 5)، قال نا هارون بن إسحاق الهمدانيّ قال نا المحاربي - عبد الرحمن بن محمد - عن الحجاج بن دينار الواسطي عن ابن سيرين عن عبيدة - السلماني - به، وعنه الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي 4/396 به مطولا مثله، ومن طريق البسوي البيهقي في السنن الكبرى مختصرا، ورواه المحاملي في أماليه - كما في الإصابة للحافظ ابن حجر 4/769 - عن هارون بن عبد الله عن المحاربي به مطولا، ورواه البخاري في التاريخ الصغير 1/81 والأوسط رقم 181 عن محمد بن العلاء عن المحاربي به مختصرا، وفيه (محمد بن سيرين)، وابن أبي حاتم في التفسير 6/ 1822 حدثنا أبو سعيد الأشج عن المحاربي به مختصرا وفيه (أنس بن سيرين)، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف 12/ 356 عن المحاربي به مختصرا، ومن طريقه الحاكم في المستدرك 3/ 80 ، قال ابن حجر في الإصابة 1/102 (وروى البخاري في تاريخه الصغير ويعقوب بن سفيان بإسناد صحيح من طريق محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو السلماني أن عيينة والأقرع استقطعا أبا بكر أرضا فقال لهما عمر... قال علي بن المديني في العلل: هذا منقطع لأن عبيدة لم يدرك القصة، ولا روي عن عمر أنه سمعه منه - كذا ولعل الصواب (ولا روي عنه أنه سمع من عمر)- قال: ولا يروى عن عمر بأحسن من هذا الإسناد، ورواه سيف بن عمر في الفتوح مطولا)، وقال البوصيري في اتحاف المهرة 5/26 : (هذا إسناده رواته ثقات) وهو كما قال، وأصل قصة إقطاع أبي بكر لهما ثابتة من طرق أخرى، وأورده ابن كثير في ـ مسند الفاروق (1 / 259) وذكر قول ابن المديني: (هذا حديث منقطع الإسناد لأن عبيدة لم يدرك، ولم يرد عنه أنه سمع عمر ولا رآه)، وهذه على قاعدة ابن المديني في اشتراط السماع وعدم الاكتفاء بالمعاصرة واحتمال اللقاء في قبول العنعنة، والصحيح أن عبيدة السلماني مخضرم أسلم وهو باليمن، قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين عام الفتح، وقدم إلى المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى عده بعضهم في الصحابة، فهو قطعا عاصر وأدرك عمر، ولم يذكر في المدلسين، وكان قاضيا في خلافة علي، كما في مصنف عبد الرزاق (7 / 291) عن معمر عن أيوب عن بن سيرين عن عبيدة السلماني قال سمعت عليا يقول: (اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن، قال: ثم رأيت بعد أن يبعن، قال عبيدة فقلت له: فرأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة - أو قال: في الفتنة - قال فضحك علي)، فمثله لا يبعد سماعه من عمر بعد ثبوت المعاصرة والإدراك ثبوتا قطعيا، وقال ابن خيثمة في تاريخه 5/135 عنه: (أدرك زمان عمر)، وروى عبد الرزاق في المصنف 10/261 بإسناد صحيح عن ابن سيرين أنه سأل عبيدة - وكان أعلم أهل العراق بالفرائض - عن فريضة فيها جد فقال: (حفظت من عمر بن الخطاب فيها مئة قضية مختلفة) قلت: عن عمر؟ قال: عن عمر! فهذا يرجح صحة سماعه من عمر، وأصرح منه ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف 12/ 309 عن وكيع عن سفيان الثوري عن يحيى بن عمرو بن سلمة الهمداني عن أبيه عن (عبيدة السلماني قال لي عمر: كم ترى الرجل يكفيه من عطائه...)، وهذا إسناد صحيح، ويحيى بن عمرو قال عنه العجلي في الثقات (2 / 355) (يحيى بن عمرو بن سلمة كوفي ثقة وأبوه كوفي تابعي ثقة)، فصح بحمد الله إسناد هذا الخبر عن عمر.
[30] الأحكام السلطانية ص 27.
[31] الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء ص 28.
[32] الأحكام السلطانية للماوردي ص 26، والأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء ص 28.
[33] الأحكام السلطانية ص31، والأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء ص 22.
[34] الرسالة الوافية لأبي عمرو الداني - (1 / 189)
[35] الملل والنحل 1/114.
[36] الأحكام السلطانية للماوردي ص 34، ولأبي يعلى الحنبلي ص 23.
[37] الأحكام السلطانية للماوردي ص 98، وأبي يعلى ص 54.
[38] أحمد ح 27074، وصحيح ابن حبان 4480، وبوب ابن حبان عليه باب (تخوف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته الانقياد للأئمة المضلين). .
[39] أبو داود ح 4252 ، وابن ماجه ح 3952،وأصله في صحيح مسلم ح 2889.
[40] رواه ابن بطة في الإبانة رقم 1533 من حديث ابن محيريز مرفوعا مرسلا، وابن عساكر 58/401 من حديث أبي محجن مرفوعا، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير رقم 214 ،وابن أبي عاصم في السنة رقم 324 من حديث جابر بن سمرة وفيه (حيف السلطان)، وصححه الألباني بشواهده.
[41] مسند أحمد بن حنبل - (6 / 62) بإسناد صحيح.
[42] المبسوط (10 / 212)
[43] مجموع الفتاوى - (22 / 357)
[44] مسلم في صحيحه ح 1848.
[45] مسند أحمد بن حنبل - (2 / 296 و 488) بإسناد صحيح على شرط مسلم.
[46] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - (12 / 105)
[47] إكمال المعلم شرح صحيح مسلم - للقاضي عياض - (6 / 134)
[48] كتاب الأموال ـ لأبي عبيد ص 263 بإسناد صحيح عن الزهري وهو إمام أهل المغازي والسير.
[49] كتاب الأموال ـ لأبي عبيد ص 266.
[50] صحيح البخاري ح رقم 7280.
[51] مشكاة المصابيح مع شرحه مرعاة المفاتيح - (1 / 570)
[52] فيض القدير شرح الجامع الصغير - (5 / 16)
[53] صحيح البخاري ح رقم 1870 و ح رقم 7300.
[54] الأموال للقاسم بن سلام (1 / 457)
[55] شرح صحيح البخاري ـ لابن بطال (5 / 350)
[56] شرح صحيح البخاري ـ لابن بطال (5 / 351)
[57] المنتقى - شرح الموطأ (3 / 31)
[58] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - (11 / 33)
[59] عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (16 / 178)
[60] المبسوط للسرخسي (10 / 222)
[61] فتح الباري - ابن حجر - (6 / 274)
[62] صحيح البخاري ح رقم 391.
[63] ابن أبي شيبة في المصنف 7/347، والطبراني في المعجم الكبير 17/50 وإسناده حسن.
[64] صحيح البخاري رقم 3166.
[65] الترمذي في الجامع الصحيح رقم 1403 وقال: (حديث حسن صحيح).
[66] أبو داود في السنن رقم 3052، والبيهقي في السنن 9/205 ، بإسناد صحيح.
[67] رواه الشافعي في الأم 7/523 ، والدارقطني 3/147 وضعف إسناده، ومعناه صحيح.
[68] رواه البخاري في التاريخ الكبير 7/109، والطبراني في المعجم الكبير 18/261 والأوسط 8/318 ، والبيهقي في السنن الكبرى 9/200، وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة 5/344 (إسناده صحيح).
[69] السير الكبير للشيباني ص 209.
[70] تحفة الفقهاء 1/258.
[71] بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع - (15 / 321)
[72] السير الصغير ص 261.
[73] المبسوط للسرخسي (29 / 323)
[74] المغني 6/164.
[75] السيل الجرار 3/173.
[76] المبسوط (6 / 167)
[77] المبسوط للسرخسي (12 / 260)
[78] الاختيارات الفقهية ص609 ، والفتاوى الكبرى 5/539 ، والمستدرك على الفتاوى 3/172.
[79] بدائع الصنائع 2/137.
[80] المبسوط للسرخسي (12 / 132)
[81] الخراج لأبي يوسف ص 155، وفيه قال أبو يوسف وحدثني محمد بن إسحاق وغيره من أهل العلم بالفتوح والسير أن خالد بن الوليد به.
[82] رواه الطبري في تاريخ الأمم والملوك - (2 / 319)
[83] الأموال لأبي عبيد ص 191 – 192.
[84] أسنى المطالب في شرح روض الطالب (4 / 226)
[85] الأموال للقاسم بن سلام - (1 / 456)
[86] المبسوط 6/138.
[87] مجموع الفتاوى 6/116.
[88] النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات 3/347.
[89] النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات 3/347.
[90] المبدع في شرح المقنع 9/147.
[91] الكافي 4/54.
[92] المغني لابن قدامة 19/ 441.
[93] المغني لابن قدامة 19/ 440.
[94] جامع البيان (8 / 339)
[95] مآثر الإنافة في معالم الخلافة - (1 / 5- 7)
[96] الخلافة ص 17 ط الزهراء للإعلام العربي، القاهرة.
[97] انظر المواقف للعضد الإيجي 3/579 وشرح المقاصد للتفتازاني.
[98] أي أن الرئاسة العامة لا تكون إلا لواحد، لأن الأمة قد تتحقق لها الرئاسة العامة في حال عزل الإمام واختياره، ومع ذلك لا يطلق على الأمة في هذه الحال خليفة، فكان لا بد من تقييدها بالشخص الواحد، والصحيح أن الخلافة في الأصل للأمة كما قال تعالى: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ ءامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ} ثم الأمة بموجب هذا الاستخلاف توكل عنها من ينوب عنها بالقيام بما أوجب الله عليها القيام به من العدل والقسط، وهذا هو الأصل أن تكون الرئاسة العامة لواحد تختاره الأمة للخلافة نيابة عنها بالشورى والرضا، ولا يوجد ما يمنع من تحديد المدة بزمن كخمس أو عشر سنين، أو تقييدها بوصف وحال كالصحة والقوة والعدالة، فقد ثبت أن الصحابة اشترطوا على عثمان، والمؤمنون على شروطهم، كما لا يوجد ما يمنع الخلافة الجماعية كهيئة رئاسية تقوم مقام الخليفة الواحد، مع اختيار من يرأسها منهم، فإن أهل الحل والعقد يمثلون رئاسة عامة للأمة حتى يختاروا الخليفة بالشورى والرضا ولهم أن يعزلوه.
[99] الأحكام السلطانية للماوردي ص 3 ، ومآثر الإنافة 1/ 29 – 30.
[100] شرح الحموي الحنفي على الأشباه والنظائر لابن نجيم المسمى بغمز عيون البصائر 4/ 111.
[101] التحبير شرح التحرير - (8 / 3906).
[102] حاشية العطار - (6 / 204)
[103] شرح كتاب المواقف (3 / 578)
[104] حاشية الرملي على أسنى المطالب شرح روض الطالب - (4 / 108)
[105] منهاج السنة النبوية - (1 / 363 - 365)
[106] الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني - (1 / 324)
[107] تبصرة الحكام 1/ 23 ط طه سعيد.
[108] فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك - (3 / 183)
[109] المعيار المعرب للونشريسي 10/102
[110] المعيار المعرب للونشريسي 10/102
[111] المصدر السابق، وفتح العلي المالك 2/ 474
[112] مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل - (5 / 569)
[113] مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل - (5 / 569)
[114] فتح العلي 3/9.
[115] شرح فتح القدير 7/264.
[116] بدائع الصنائع 4/341
[117] أدب القاضي ص 139.
[118] الفتاوى الفقهية للهيتمي 4/ 298.
[119] الشرح الكبير لابن قدامة (10 / 373)
[120] تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل (1 / 476)
[121] تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل (1 / 477)
[122] أصول الدين ص 278.
[123] كشاف القناع 6/160، وانظر أيضًا مطالب أولي النهى في فقه الحنابلة 6/265.
[124] كشاف القناع 6/160، ومطالب أولي النهى 6/265.
[125] المعتمد في أصول الدين ص 240.
[126] الأحكام السلطانية للماوردي ص 37.
[127] السنة للخلال رقم 409. اختيار عثمان تم بمشاورة الصحابة كلهم من خلال الاستفتاء العام الذي أجراه عبد الرحمن بن عوف، وإنما قصد ابن إدريس هنا أن بيعة عثمان تمت بموافقة الستة الذين تنافسوا فيها حيث بايعوه كلهم لم يتخلف عنه أحد.
[128] السنة للخلال - (2 / 320) رقم 405.
[129] السنة للخلال - (2 / 321)
[130] التبصير في معالم الدين للطبري (1 / 159)
[131] الأحكام السلطانية ص 9.
[132] الأحكام السلطانية ص 24.
[133] الأحكام السلطانية ص 25.
[134] الأحكام السلطانية ص 10.
[135] إكمال المعلم شرح صحيح مسلم (6 / 42)
[136] شرح النووي على مسلم (6 / 209)
[137] روضة الطالبين وعمدة المفتين - (10 / 43)
[138] تحفة الحبيب على شرح الخطيب (12 / 397)
[139] أسنى المطالب في شرح روض الطالب (4 / 109)
[140] مآثر الإنافة في معالم الخلافة - (1 / 23)
[141] الخلافة ص 20
[142] الخلافة ص 19
[143] الخلافة ص 21
[144] الفتاوى الفقهية للهيتمي 4/ 299.
[145] الفصل في الملل والأهواء والنحل (4 / 72)
[146] الفصل في الملل والنحل 4 /74.