عــــودة
الـخــــلافـــة
(12)
نظرية ولاية العهد بين
التأصيل والتضليل
بقلم أ.د. حــاكم المطيري
المنسق
العام لمؤتمر الأمة
4 جماد
الأول 1436هـ
23 فبراير
2015م
-
ما حقيقة نظرية ولاية العهد في الفقه الإسلامي؟
-
ومتى نشأت؟
-
وما ظروفها وشروطها؟
-
وكيف تم تأويلها وتبديلها لتتوارى خلفها الشورى ويشرع باسمها الطغيان؟
-
وما الفرق بين ولاية العهد في الخطاب الراشدي المنزل، وولاية العهد في الخطاب
الإسلامي المؤول، وولاية العهد في النظام الوراثي في الخطاب المبدل؟
-
كيف تم التضليل واستصحاب نظرية ولاية العهد في نظام الخلافة - حتى في الخطاب
المؤول
- التي أجمع المسلمون على أنه لا توارث فيها للإمامة، وأن العهد فيها هو من باب
الترشيح وحسن النظر في الاختيار للأمة لا من باب التوريث، ثم الخلط بينه وبين
ولاية العهد في النظم الملكية التي أقامتها بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى
سنة 1920م، في مصر وسوريا والعراق والأردن وجزيرة العرب بعد احتلالها، حيث أسست
أنظمة حكم ملكية، ونص في أنظمتها على التوريث صراحة، وهو ما يصطدم مع أصول النظام
السياسي الإسلامي حتى في خطابه المؤول، كما قال ابن حزم: (لا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أنه لا يجوز التوارث فيها)[1]؟
عدم
استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم أحدا بعده:
لقد ترك
النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بعده شورى، ولم يستخلف أحدا، تأكيدا لما قرره
القرآن في قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُم}، فحين حضرته الوفاة تحدث
أصحابه في شأن الخليفة بعده، فأراد أن يحسم الموضوع بينهم بكتابة عهد يستخلف لهم
واحدا منهم يرضاه لهم، ثم ترك العهد عملا بما جاء في القرآن، وخطب فيهم وأوصاهم
بالتمسك بكتاب الله، كما قال ابن أبي أوفى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى
بكتاب الله.[2]
وقد بوب
البخاري في صحيحه باب (الاستخلاف) وأورد فيه الأحاديث الصحيحة ومنها قوله صلى الله
عليه وسلم وهو في مرض وفاته: (لقد هممت أن أرسل إلى
أبي بكر وابنه، فأعهد، أن يقول القائلون، أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى
الله ويدفع المؤمنون، أو يدفع الله ويأبى المؤمنون).[3]
وفي رواية
أن النبي قال لعائشة: (ادعي لي أبا بكر أباك، وأخاك،
حتى أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمن، ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله
والمؤمنون إلا أبا بكر).[4]
وأخرج
البخاري أيضا في باب (الاستخلاف) حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: (قيل لعمر ألا تستخلف؟ قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير
مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فأثنوا عليه، فقال: راغب راهب، وددت أني نجوت منها كفافا لا لي، ولا علي، لا
أتحملها حيا وميتا).[5]
وأورد أيضا
حديث أنس بن مالك: (أنه سمع خطبة عمر الآخرة حين جلس
على المنبر، وذلك الغد من يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم فتشهد، وأبو بكر صامت
لا يتكلم، قال: كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا - يريد
بذلك أن يكون آخرهم - فإن يك محمد صلى الله عليه وسلم قد مات فإن الله تعالى قد
جعل بين أظهركم نورا - القرآن - تهتدون به بما هدى الله محمدا صلى الله عليه وسلم،
وإن أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني اثنين، فإنه أولى المسلمين
بأموركم، فقوموا فبايعوه، وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة،
وكانت بيعة العامة على المنبر.
قال أنس بن
مالك سمعت عمر يقول لأبي بكر يومئذ: اصعد المنبر، فلم يزل به حتى صعد المنبر،
فبايعه الناس عامة).[6]
فثبت أن
النبي صلى الله عليه وسلم ترك العهد والاستخلاف، وأثبت حق المؤمنين في اختيار
خليفتهم بالشورى والرضا، وأنهم سيأبون أن يختاروا أحدا إلا أحقهم بالخلافة وهو
الصديق رضي الله عنه.
وفي قوله:
(يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر) أوضح دليل
على أن الأمر للمؤمنين، والخيار لهم في اختيار خليفتهم، ولفظ الإباء صريح في إثبات
حقهم في الاختيار، فإن من له الحق في الرفض والإباء له الحق في البذل والعطاء،
فكأن النبي صلى الله عليه وسلم علم فيما كشفه الله له من أمر الغيب أن الأمة بعده
ستختار أبا بكر، وأن هذا هو ما أراده الله قضاء وقدرا، وما سيقرره المؤمنون
اختيارا ونظرا، وهو ما تحقق فعلا، وقد توهم قوم أنه استخلف أبا بكر، كما رواه ابن
إسحاق في المغازي عن القاسم بن محمد بن بكر قال: (لولا
مقالة قالها عمر عند وفاته لم يشك المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
استخلف أبا بكر، لكنه - أي: عمر - قال عند وفاته: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير
مني، وإن أتركهم فقد تركهم من هو خير مني، فعرف الناس أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم لم يستخلف أحدا، وكان عمر غير متهم على أبي بكر).[7]
قال ابن
عباس: (وخرج علي بن أبي طالب من عند رسول الله في
وجعه الذي توفي فيه، فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له: إني والله أرى رسول
الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفى من وجعه هذا، فاذهب بنا إليه، فلنسأله فيمن هذا
الأمر، إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمناه، فأوصى بنا، فقال علي: إنا
والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها، لا يعطيناها الناس
بعده، إني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم).[8]
فتوفي رسول
الله صلى الله عليه وسلم رسولا صفيا، وعبدا نبيا، فلم يورث آله وأزواجه شيئا، ولا
ترك لهم مالا، ولا ورثهم ملكا ولا خلافة، كما في الحديث الصحيح: (إنا لا نورث ما تركناه صدقة).[9]
وعن عمرو بن
الحارث: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم
دينارا، ولا درهما، ولا عبدا، ولا أمة، إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضا جعلها
صدقة).[10]
فتوفي صلى
الله عليه وسلم ولم يستخلف أحدا بعده لا من أهل بيته ولا من غيرهم، ولا عهد بالأمر
إلى أحد، بل ترك الأمر شورى بينهم، كما أمره ربه.
وقد قالت
عائشة - وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها ورأسه على صدرها -: (قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستخلف أحدا، ولو كان
مستخلفا أحدا لكان مستخلفا أبا بكر أو عمر).[11]
وقال عمر
على المنبر: (ثلاث لأن يكون رسول الله بينهن لنا، أحب
إلي من الدنيا وما فيها: الكلالة والخلافة والربا).[12]
وقوله: (الخلافة) أي: لم يبين لهم صلى الله عليه وسلم مَن
الخليفة من بعده، وإنما ترك الأمر شورى بينهم.
وقد قيل
لعلي رضي الله: ألا تستخلف؟ فقال: لا، بل أترككم إلى ما ترككم رسول الله صلى الله
عليه وسلم، قالوا: فما تقول لربك إذا لقيته؟! فقال: أقول: (اللهم تركتني فيهم ثم قبضتني إليك وأنت فيهم، فإن شئت
أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم).[13]
وفي رواية
أخرى: (قيل لعلي رضي الله عنه: استخلف علينا! فقال:
ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستخلف، ولكن إن يرد الله بالناس خيرا
جمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم على خيرهم).[14]
وقد جاء
قيس بن عباد وابن الكواء إلى علي رضي الله عنه فسألاه: هل عندك عهد؟ فقال: (معاذ الله، والله لئن كنت أول من صدقه، لا أكون أول من كذب
عليه، والله ما عندي من رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر من عهد، ولو
كان عندي منه عهد لقاتلت عليه بيدي هاتين).[15]
وخطب علي
الناس بعد الجمل فقال: (إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم لم يعهد إلينا في الإمارة شيئا، ولكنه رأي رأيناه - وفي رواية: حتى رأينا من
الرأي أن نستخلف أبا بكر - فاستخلف أبو بكر فقام واستقام، ثم استخلف عمر فقام
واستقام، ثم ضرب الدين بجرانه، وإن أقواما طلبوا الدنيا فمن شاء الله منهم أن يعذب
عذب ومن شاء أن يرحم رحم).[16]
فثبت يقينا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف أحدا لا أبا بكر كما قالت طائفة، ولا
عليا كما قالت طائفة أخرى!
وعن جرير
بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: (كنت بالبحر
فلقيت رجلين من أهل اليمن ذا كلاع وذا عمرو، فجعلت أحدثهم عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال له ذو عمرو: لئن كان الذي تذكر من أمر صاحبك لقد مر على أجله منذ
ثلاث، وأقبلا معي حتى إذا كنا في بعض الطريق رفع لنا ركب من قبل المدينة فسألناهم،
فقالوا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستُخلف أبو بكر والناس صالحون، فقال
لي ذو عمرو: يا جرير إن بك علي كرامة، وإني مخبرك خبرا: إنكم معشر العرب لن تزالوا
بخير ما كنتم إذا هلك أمير تآمرتم - أي تشاورتم - في آخر، فإذا كانت بالسيف كانوا
ملوكا يغضبون غضب الملوك ويرضون رضا الملوك).[17]
وعن القاسم
بن محمد، قال: (توفي رسول الله وعمرو بن العاص بعمان
أو بالبحرين، فبلغتهم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتماع الناس على أبي
بكر، فقال له أهل الأرض: من هذا الذي اجتمع الناس عليه؟ ابن صاحبكم؟ قال: لا!
قالوا: فأخوه؟ قال: لا! قالوا: فأقرب الناس إليه؟ قال: لا! قالوا: فما شأنه؟ قلت:
اختاروا خيرهم فأمروه، فقالوا: لن يزالوا بخير ما فعلوا هذا).[18]
طبيعة
الاستخلاف الراشدي:
لقد كان
أبو بكر الصديق رضي الله عنه هو أول من سن سنة الاستخلاف بالعهد، حيث عهد بالخلافة
من بعده إلى عمر رضي الله عنه، وكان لهذا الاستخلاف الراشدي طبيعته وظروفه وشروطه
التي طمسها بالأمس الخطاب المؤول، ومسخها اليوم الخطاب المبدل!
فقد توفر
في عهد أبي بكر لعمر من الشروط والقيود والضمانات ما جعل الصحابة رضي الله عنهم
يجمعون على صحته ومن ذلك:
أولا: أنه
عهد ترشيح لا عقد تعيين، فلم يصبح عمر خليفة بمجرد العهد، بل صار خليفة ببيعة
الصحابة له عن رضا بعد وفاة أبي بكر، ولو لم يبايع الصحابة رضي الله عنهم عمر لما
صار خليفة بمجرد عهد أبي بكر له، وهذا ما أدركه الصحابة جميعا، ولهذا قال شيخ
الإسلام ابن تيمية عن خلافة أبي بكر ثم خلافة عمر وعثمان وأنهم لم يصبحوا خلفاء
إلا بعد البيعة: (ولو قُدِّر أن عمر وطائفة معه
بايعوه وامتنع الصحابة عن البيعة لم يصر بذلك إماما، وإنما صار أبو بكر إماما
بمبايعة جمهور الصحابة الذين هم أهل القدرة والشوكة).[19]
ثم قال عن
خلافة عمر: (وكذلك عمر لما عهد إليه أبو بكر إنما صار
إماما لما بايعوه وأطاعوه، ولو قُدِّر أنهم لم ينفذوا عهد أبي بكر ولم يبايعوه لم
يصر إماما).[20]
وهذا يؤكد
أن العهد مجرد ترشيح يحق للأمة قبوله وإقراره، أو رده ورفضه، وأن الجمهور، وهم
الأكثرية، هم الذين يرجحون كفة الاختيار عند اختلاف الأمة وعدم اتفاقها على رأي في
موضوع اختيار الإمام.
وكذلك
عثمان لم يصبح إماما وخليفة بمجرد ترشيح عمر له في الستة، ولا برضا الخمسة الآخرين
به، وإنما صار خليفة للمسلمين بعد أن عقدها الصحابة له في المسجد بالبيعة العامة،
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (عثمان لم يصر إماما
باختيار بعضهم بل بمبايعة الناس له، وجميع المسلمين بايعوا عثمان لم يتخلف عن
بيعته أحد، قال الإمام أحمد: ما كان في القوم أوكد من بيعة عثمان، كانت بإجماعهم).[21]
وقد قال
عبد الله بن عمر حين حصر عثمان: (إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قبض، فنظر المسلمون خيرهم فاستخلفوه، وهو أبو بكر، فلما قبض أبو بكر،
نظر المسلمون خيرهم فاستخلفوه وهو عمر، فلما قبض عمر، نظر المسلمون خيرهم
فاستخلفوه وهو عثمان، فإن قتلتموه فهاتوا خيرا منه).[22]
وهذا يؤكد
أن الأمة هي التي اختارت هؤلاء الخلفاء الراشدين جميعا، وإن اختلفت الوسائل التي
استخدمها الصحابة في طريقة اختيارهم، فقد استخلف الصحابة أبا بكر في السقيفة
مباشرة، واستخلفوا عمر بتشاورهم مع أبي بكر قبل وفاته ورضاهم بترشيحه عمر، وعقدهم
البيعة له بعد وفاة أبي بكر بالشورى والرضا بلا إكراه، كما استخلفوا عثمان عن طريق
ترشيح ستة اقترحوا هم أسماءهم على عمر، فجعل الأمر بينهم، وتم الاستفتاء عليهم،
واختارت الأمة عثمان، فكانت الأمة هي التي استخلفت الجميع، كما في هذه الرواية عن
ابن عمر.
فالمعهود
إليه من قبل الإمام - حتى في الخطاب المؤول نفسه - لا يكون إماما بمجرد العهد إليه
بعد وفاة الأول، بل لا يكون إماما إلا بعقد البيعة له من الأمة بالرضا، قال أبو
يعلى الحنبلي: (الإمامة لا تنعقد للمعهود إليه
بنفس العهد، وإنما تنعقد بعقد المسلمين).[23]
وقال أيضا:
(عهده إلى غيره ليس بعقد للإمامة).[24]
فهو ترشيح
يتوقف على عقد الأمة له بعد ذلك.
ثانيا: أن
نظرية العهد في ظل الخلافة تقوم على مبدأ حسن النظر من الإمام للأمة، لا من باب حق
التوريث للأبناء، إذ لا توارث للإمامة في الإسلام، وليست الإمارة من الحقوق الخاصة
يورثها الإمام لأسرته، بل هي حق للأمة بلا خلاف، وإنما يرشح لهم الخليفة قبل وفاته
من يرضونه لقطع أسباب الصراع على السلطة بعده، كما قال ابن خلدون: (الفصل الثلاثون: في ولاية العهد: اعلم أنا قدمنا الكلام في
الإمامة ومشروعيتها لما فيها من المصلحة، وأن حقيقتها النظر في مصالح الأمة لدينهم
ودنياهم، فهو وليهم والأمين عليهم ينظر لهم ذلك في حياته، ويتبع ذلك أن ينظر لهم
بعد مماته، ويقيم لهم من يتولى أمورهم، كما كان هو يتولاها، ويثقون بنظره لهم في
ذلك كما وثقوا به فيما قبل، وقد عرف ذلك من الشرع بإجماع الأمة على جوازه
وانعقاده، إذ وقع بعهد أبي بكر رضي الله لعمر بمحضر من الصحابة وأجازوه وأوجبوا
على أنفسهم به طاعة عمر رضي الله عنه وعنهم... وأما أن يكون القصد بالعهد حفظ
التراث على الأبناء، فليس من المقاصد الدينية، إذ هو أمر من الله يخص به من يشاء
من عباده، ينبغي أن تحسن فيه النية ما أمكن خوفًا من العبث بالمناصب الدينية،
والملك لله يؤتيه من يشاء). [25]
ثالثا: كما
إن أبا بكر عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب التيمي لم يعهد إلى ذي قرابة
من أسرته أو عشيرته بني تيم، وقد كان ابن عمه طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو
بن كعب التيمي أهلا للخلافة، فهو من العشرة المبشرين بالجنة، ومن الخمسة السابقين
الأولين إلى الإسلام، ومن الستة أهل الشورى الذين رشحهم عمر لها، وكلاهما - أبو
بكر وطلحة - يجتمع في الجد الثالث عمرو بن كعب بن سعد، فتركه أبو بكر وعهد إلى عمر
وهو من بني عدي، من باب حسن النظر للأمة بترشيح من يراه الأكفأ للقيام بالأمانة
بعده، وقد علل أبو بكر حسن اختياره لهم بذلك فقال لهم: (أترضون
بمن أستخلف عليكم؟ فوالله ما ألوت عن جهد الرأي، ولا وليت ذا قرابة).[26] أي: ما قصرت في الاجتهاد وحسن النظر
لكم في الاختيار، ولا وليت ذا قرابة تتهمونني بالمحاباة له.
رابعا: أن
أبا بكر لم يكن يريد أن يعهد حتى استشار الصحابة، كما جاء عن إمام التابعين الحسن
البصري قال: (لما ثقل أبو بكر واستبان له من نفسه،
جمع الناس إليه فقال لهم: إنه قد نزل بي ما قد ترون، ولا أظنني إلا لمماتي، وقد
أطلق الله أيمانكم من بيعتي، وحل عنكم عقدي، ورد عليكم أمركم، فأمروا عليكم من
أحببتم، فإنكم إن أمّرتم في حياة مني كان أجدر أن لا تختلفوا بعدي، فقاموا في
ذلك وخلوه تخلية، فلم يستقم لهم، فرجعوا إليه، فقالوا: رأينا لنا يا خليفة رسول
الله رأيك، قال: فلعلكم تختلفون؟ قالوا: لا! قال: فعليكم عهد الله على الرضا؟
قالوا: نعم! قال: فأمهلوني أنظر لله ولدينه ولعباده، فأرسل أبو بكر إلى عثمان
فقال: أشر على برجل فوالله إنك عندي لها لأهل وموضع، فقال: عمر، فقال: اكتب فكتب
حتى انتهى إلى الاسم فغشي عليه، فأفاق فقال: اكتب عمر).[27]
خامسا: ثم
إن أبا بكر استشار الصحابة في عمر فرضوا به، فقد خرج على الناس في مرضه بعد أن
استشارهم، فقال لهم: (أترضون بمن أستخلف عليكم،
فوالله ما ألوت، ولا تلوت، ولا ألوت عن جهد الرأي، ولا وليت ذا قرابة).[28]
وفي رواية
أنه أطلع على أصحابه في مرضه فقال: (أليس ترضون
بما أصنع؟ قالوا: بلى يا خليفة رسول الله).[29]
وقالوا: (سمعنا وأطعنا).[30]
وفي رواية
أنه استشار المهاجرين والأنصار ثم قال: (أتبايعون
لمن في هذا الكتاب؟ فقالوا: نعم. وقال بعضهم: قد علمنا به. فأقروا بذلك جميعا،
ورضوا به، وبايعوا).[31]
وقد عاتبه
بعض الصحابة ومنهم ابن عمه طلحة بن عبيد الله في ترشيحه عمر، كما جاء عن أسماء بنت
عميس (قالت: دخل رجل من المهاجرين على أبي بكر رحمه
الله وهو شاك، فقال: استخلفت عمر! وقد كان عتا علينا ولا سلطان له، فلو قد ملكنا
لكان أعتى علينا وأعتى! فكيف تقول لله إذا لقيته؟ فقال أبو بكر: أجلسوني فأجلسوه،
فقال: هل تفرقني إلا بالله، فإني أقول إذا لقيته: استخلفت عليهم خير أهلك).
قال معمر فقلت للزهري ما قوله: (خير أهلك)
قال: (خير أهل مكة). [32]
وقال أبو
أحمد العسكري: (أول من استخلف من الخلفاء أبو بكر، عن
المدائني قال: لما استعز بأبي بكر الوجع أرسل إلى علي وعثمان ورجال من
المهاجرين والأنصار فقال: قد حضر ما ترون ولا بد من قائم بأمركم، فإن شئتم اخترتم
لأنفسكم، وإن شئتم اخترت لكم.
قالوا: بل
اختر لنا، فقال لعثمان: اكتب: هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده
بالدنيا خارجًا منها، وأول عهده بالآخرة داخلًا فيها حيث يتوب الفاجر ويؤمن الكافر
ويصدق الكاذب، عهد وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله وقد
استخلفت... عمر بن الخطاب بعدي ورضيته لكم، فإن عدل فذلك ظني فيه، وإن بدل فلكل
نفس ما كسبت، والخير أردت ولا أعلم الغيب {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ
مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُون}...(.[33]
وعن أبي
الحكم سيار العنزي قال: (لما ثقل أبو بكر أشرف على
الناس فقال: يا أيها الناس، إني قد عهدت عهدًا أفترضون به؟ فقام الناس فقالوا:
قد رضينا يا خليفة رسول الله. فقال علي: لا نرضى إلا أن يكون عمر بن الخطاب،
فكان عمر).[34]
وقال أبو
سلمة بن عبد الرحمن وعبد الله بن البهي ومحمد بن إبراهيم التيمي وغيرهم: (دعا أبو بكر عبد الرحمن بن عوف فقال: أخبرني عن عمر بن
الخطاب فقال: ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني، ثم قال: هو والله أفضل من
رأيك فيه، ثم دعا عثمان فسأله عن عمر فقال: اللهم إن علمي به أن سريرته خير من
علانيته وإنه ليس فينا مثله، فقال أبو بكر: ولو تركته ما عدوتك، وشاور معهما
سعيد بن زيد بن عمرو وأسيد بن حضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار، وقال أسيد:
لن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه، وقال رجل: ما أنت قائل لربك إن سألك عن
استخلافك عمر وقد ترى غلظته؟ فقال أبو بكر: أبالله تخوفني؟ خاب من تزود من أمركم
ظلماً، أقول: اللهم إني استخلفت عليهم خير أهلك، أبلغ عني هذا القول من وراءك، ثم
اضطجع ودعا عثمان فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما عهد أبو بكر بن أبي
قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجًا منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن
الكافر، ويوقن المرتاب الفاجر، ويصدق الشاك المكذب، إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن
الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا، فإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرًا،
فإن عدل فذاك ظني به، وعلمي فيه، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت، ولا
يعلم الغيب إلا الله {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ
يَنقَلِبُون}، والسلام عليكم ورحمة الله.
ثم أمر
بالكتاب فختم.
قال
الواقدي: وقال بعضهم: لما أمل صدر الكتاب غمر وذهب به قبل أن يسمي أحدًا، فكتب
عثمان: إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب، ثم أفاق فقال: اقرأ ما كتبت به فقرأ
عليه ذكر عمر، فكبر أبو بكر وقال: أراك خفت إن انثلت نفسي في غشيتي فيختلف الناس،
فجزاك الله عن الإسلام وأهله خيرًا، إن كنت لها أهلًا.[35]
قال الواقدي: ثم أمره فخرج بالكتاب مختومًا ومعه
عمر بن الخطاب وابن سعية القرظي، فقال عثمان: أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟
قالوا: نعم. فقال علي: قد علمناه، هو عمر بن الخطاب، فأقروا بذلك جميعًا ورضوا
به وبايعوا، ثم دعا أبو بكر عمر خاليًا فأوصاه، ثم خرج من عنده فرفع أبو بكر
يديه مدًا فقال: اللهم إني لم أرد إلا صلاحهم، وخفت الفتنة عليهم فعملت فيهم بما
أنت أعلم به وما رجوت أن يكون لك رضا، وقد اجتهدت رأيي بهم فوليت عليهم خيرهم لهم،
وأقواهم عليهم، وأحرصهم على ما يرشدهم، وقد حضرني من أمرك ما حضر فاخلفني فيهم،
فهم عبادك، ونواصيهم بيدك، أصلح لهم ولاتهم، واجعل عمر من خلفائك الراشدين يتبع
هدى نبيه، نبي الرحمة، وأصلح له أموره ورعيته).[36]
سادسا: كما
إن الظروف التي كانت تواجهها الأمة آنذاك - حيث تواجه جيوش الفتح الإسلامي الفرس
والروم - لا تدع مجالا للتأخير في حسم موضوع الخليفة بعد أبي بكر، فهو ظرف
استثنائي، ومع ذلك تحقق فيه الشورى والرضا، وأرسل أبو بكر بالعهد إلى أمراء
الأجناد في الشام والعراق حتى لا يضطرب عليهم أمر الجهاد حين يتوفى أبو بكر، قال
ابن حبان: (فلما أصبح أبو بكر دعا نفرا من
المهاجرين ولأنصار يستشيرهم في عمر منهم عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن
أبي وقاص وسعيد بن زيد...(.[37]
وقال أيضا:
(فقال: اللهم وليته بغير أمر نبيك، ولم أرد بذلك إلا
صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم به، وقد حضر من أمري ما قد
حضر، فاجتهدت لهم الرأي فوليت عليهم خيرهم لهم، وأقواهم عليهم، وأحرصهم على رشدهم،
ولم أرد محاباة عمر، فاجعله من خلفائك الراشدين، يتبع هدي نبي الرحمة وهدى الصالحين
بعده، وأصلح له رعيته، وكتب بهذا العهد إلى الشام إلى المسلمين وإلى أمراء
الأجناد: أن قد وليت عليكم خيركم ولم آل لنفسي ولا للمسلمين خيرا).[38]
سابعا: أنه
انتفى عن عهد أبي بكر لعمر كل صور الإكراه المادي والمعنوي، وتحقق فيها الرضا من
الأمة حتى لم يختلف عليه اثنان حين البيعة، كما قال ميمون بن مهران: (قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايع أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم كلهم أبا بكر ورضوا به من غير قهر، ولا اضطهاد، ثم إن أبا بكر
استخلف عمر، واستأمر المسلمين في ذلك - أي: استشارهم - فبايعه أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم أجمعون ورضوا به من غير قهر ولا اضطهاد).[39]
وقد أجاب
علي رضي الله عنه عن هذه القضية أوضح جواب وأصرحه، كما أخرجه البيهقي في الاعتقاد:
(... ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في مسنده ثنا عبدة
بن سليمان ثنا سالم المرادي أبو العلاء قال سمعت الحسن يقول: لما قدم علي البصرة
في إثر طلحة وأصحابه قام عبد الله بن الكوا وابن عباد فقالا له: يا أمير المؤمنين
أخبرنا عن مسيرك هذا، أوصية أوصاك بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أم عهدٌ
عَهِده إليك؟ أم رأي رأيته حين تفرقت الأمة واختلفت كلمتها؟
فقال: ما أكون أول كاذب عليه، والله ما مات رسول
الله صلى الله عليه وسلم موت فجأة، ولا قتل قتلا، ولقد مكث في مرضه كل ذلك يأتيه
المؤذن فيؤذن بالصلاة فيقول: مروا أبا بكر ليصلي بالناس، ولقد تركني وهو يرى
مكاني، ولو عهد إلي شيئا لقمت به، حتى عرضت في ذلك امرأة من نسائه فقالت: إن أبا
بكر رجل رقيق إذ قام مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر أن يصلي بالناس؟ قال لها:
إنكن صواحب يوسف، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر المسلمون في أمرهم
فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولى أبا بكر أمر دينهم فولوه أمر دنياهم
فبايعه المسلمون وبايعته معهم، فكنت أغزو إذا أغزاني، وآخذ إذا أعطاني، وكنت سوطا
بين يديه في إقامة الحدود، فلو كانت محاباة عند حضور موته لجعلها لولده، فأشار
بعمر ولم يأل، فبايعه المسلمون وبايعته معهم، فكنت أغزو إذا أغزاني، وآخذ إذا
أعطاني، وكنت سوطا بين يديه في إقامة الحدود، فلو كانت محاباة عند حضور موته
لجعلها لولده، وكره أن ينتخب منا معشر قريش رجلا فيوليه أمر الأمة فلا يكون فيه
إساءة لمن بعده إلا لحقت عمر في قبره، فاختار منا ستة أنا فيهم لنختار للأمة رجلا
منا، فلما اجتمعنا وثب عبد الرحمن بن عوف فوهب لنا نصيبه منها على أن نعطيه
مواثيقنا على أن يختار من الخمسة رجلا فيوليه أمر الأمة، فأعطيناه مواثيقنا فأخذ
بيد عثمان فبايعه، ولقد عرض في نفسي عند ذلك فلما نظرت في أمري فإذا عهدي قد سبق
بيعتي فبايعت وسلمت، فكنت أغزو إذا أغزاني وآخذ إذا أعطاني، فلما قتل عثمان نظرت
في أمري فإذا الربقة التي كانت لأبي بكر وعمر في عنقي قد انحلت، وإذا العهد لعثمان
قد وفيت به، وإذا أنا رجل من المسلمين ليس لأحد عندي دعوى ولا طلب، فوثب فيها من
ليس مثلي، يعني معاوية، لا قرابته كقرابتي، ولا علمه كعلمي، ولا سابقته كسابقتي،
وكنت أحق بها منه.
قالا:
صدقت! فأخبرنا عن قتالك هذين الرجلين، يعنيان طلحة والزبير، صاحباك في الهجرة،
وصاحباك في بيعة الرضوان، وصاحباك في المشورة؟
قال:
بايعاني بالمدينة وخالفاني بالبصرة، ولو أن رجلا ممن بايع أبا بكر خلعه لقاتلناه،
ولو أن رجلا ممن بايع عمر خلعه لقاتلناه).[40]
وفي هذا
النص الصحيح عن علي أوضح بيان أن استخلاف أبي بكر كان شورى بعد وفاة النبي صلى
الله عليه وسلم، وأن استخلاف عمر كان بعهد وترشيح من أبي بكر، بلا محاباة بل
بالشورى والرضا لكفاءته، وتأكد واستقر ببيعة الصحابة له بعد وفاة أبي بكر، فلم
يصبح عمر خليفة بمجرد ترشيح أبي بكر له، أو كتابة العهد إليه.
وقد روي
هذا الأثر بإسناد آخر عن الحسن ولفظه (لما قدم علي
البصرة قام إليه ابن الكواء وقيس بن عباد فقالا له: ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي
سرت فيه تتولى على الأمة تضرب بعضهم ببعض، أعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم
عهده إليك فحدثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت؟
فقال: أما
أن يكون عندي عهد من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا والله إن كنت أول من صدق
به فلا أكون أول من كذب عليه، ولو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهد في
ذلك ما تركت أخا بني تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره، ولقاتلتهما بيدي
ولو لم أجد إلا بردي هذا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل قتلا، ولم
يمت فجأة، مكث في مرضه أياما وليالي يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة فيأمر أبا بكر
فيصلي بالناس وهو يرى مكاني، ثم يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة فيأمر أبا بكر فيصلي
بالناس، وهو يرى مكاني، ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبى وغضب
وقال: (أنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر يصلي بالناس)، فلما قبض الله نبيه نظرنا في
أمورنا فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله لديننا، وكانت الصلاة أصل الإسلام وهي
أعظم الأمر وقوام الدين، فبايعنا أبا بكر وكان لذلك أهلا لم يختلف عليه منا اثنان،
ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقه وعرفت له
طاعته، وغزوت معه في جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين
يديه الحدود بسوطي، فلما قبض ولاها عمر فأخذ بسنة صاحبه وما يعرف من أمره،
فبايعنا عمر لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع
البراءة منه، فأديت إلى عمر حقه وعرفت طاعته، وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا
أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما قبض تذكرت في نفسي
قرابتي وسابقتي وسالفتي وفضلي، وأنا أظن أن لا يعدل بي، ولكن خشي أن لا يعمل
الخليفة بعده ذنبا إلا لحقه في قبره فأخرج منها نفسه وولده، ولو كانت محاباة منه
لآثر بها ولده، فبرئ منها إلى رهط من قريش ستة أنا أحدهم، فلما اجتمع الرهط
تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وفضلي وأنا أظن أن لا يعدلوا بي، فأخذ عبد الرحمن
مواثقنا على أن نسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا، ثم أخذ بيد ابن عفان فضرب بيده
على يده، فنظرت في أمري فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي، وإذا ميثاقي قد أخذ لغيري،
فبايعنا عثمان فأديت له حقه وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا
أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما أصيب نظرت في أمري
فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما بالصلاة
قد مضيا، وهذا الذي قد أخذ له الميثاق قد أصيب، فبايعني أهل الحرمين وأهل هذين
المصرين).[41]
وقال علي
أيضا: (قبض النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أرى أني
أحق بهذا الأمر، فاجتمع المسلمون على أبي بكر فسمعت وأطعت، ثم إن أبا بكر أصيب
فظننت أنه لا يعدلها عني فجعلها في عمر، فسمعت وأطعت، ثم إن عمر أصيب فظننت أنه لا
يعدلها عني فجعلها في ستة أنا أحدهم، فولوها عثمان فسمعت وأطعت، ثم إن عثمان
قتل فجاءوا فبايعوني طائعين غير مكرهين، ثم خلعوا بيعتي فوالله ما وجدت إلا
السيف أو الكفر بما أنزل الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم).[42]
وقام رجل
إلى علي يوم صفين فقال: (يا أمير المؤمنين أخبرني عن
مخرجك هذا، عهدٌ عَهِده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم أو رأي رأيته؟
فقال: إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت فجأة ولم يقبض قبضا، إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة رأيته
يستخلفني لقرابتي منه ولبلائي الحسن، فاستخلف أبا بكر فسمعت وأطعت، فكنت آخذ إذا
أعطاني وأغزو إذا أغزاني وأقيم الحدود بين يديه، فلما حضرته الوفاة رأيته يستخلفني
لقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولبلائي الحسن فولى عمر فسمعت وأطعت،
وكنت آخذ إذا أعطاني وأغزوا إذا أغزاني وأقيم الحدود بين يديه، فلما حضرت عمر
الوفاة رأى عمر أنه إن استخلف خليفة وفعل ذلك الخليفة بعده بمعصية الله أنها
ستلحقه، فجعلها شورى بين الستة الذين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم
راض عثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد، فلما احتججنا أرادها كل رجل منا
لنفسه، فلما رأى ذلك عبد الرحمن بن عوف قال: يا أيها الناس ولوني وأخرج منها نفسي،
ففعلنا فأخذ علينا عهودا ومواثيق، فولى عثمان فسمعت وأطعت، فلما قتل رحمة الله
عليه لم أر أحدا أولى بها مني لقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم).[43]
وسأله سويد
بن غفلة الجعفي عن أبي بكر وعمر فقال: (لما حضرت رسول
الله صلى الله عليه وسلم الوفاة قال: مروا أبا بكر أن يصلي بالناس وهو يرى مكاني،
فصلى بالناس سبعة أيام في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قبض الله نبيه
ارتد الناس عن الإسلام، فقالوا: نصلي ولا نعطي الزكاة فرضي أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وأبى أبو بكر منفردا برأيه فرجح برأيه رأيهم جميعا وقال: والله لو
منعوني عقالا مما فرض الله ورسوله لجاهدتهم عليه كما أجاهدهم على الصلاة، فأعطى
المسلمون البيعة طائعين، فكان أول من سبق في ذلك من ولد عبد المطلب أنا، فمضى
رحمة الله عليه وترك الدنيا وهي مقبلة فخرج منها سليما فسار فينا بسيرة رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا ننكر من أمره شيئا حتى حضرته الوفاة، فرأى أن عمر أقوى
عليها ولو كانت محاباة لآثر بها ولده، واستشار المسلمين في ذلك فمنهم من رضي ومنهم
من كره وقالوا: أتؤمر علينا من كان عنانا وأنت حي فماذا تقول لربك إذا قدمت عليه
قال: أقول لربي إذا قدمت عليه: إلهي أمرت عليهم خير أهلك، فأمر علينا عمر، فقام
فينا بأمر صاحبيه لا ننكر منه شيئا نعرف فيه الزيادة كل يوم في الدين والدنيا فتح
الله به الأرضين، ومصر به الأمصار، لا تأخذه في الله لومة لائم، البعيد والقريب
سواء في العدل والحق، وضرب الله بالحق على لسانه وقلبه حتى إن كنا لنظن أن السكينة
تنطق على لسانه وأن ملكا بين عينيه يسدده ويوفقه).[44]
وجاء الناس
إلى علي وهو مطعون فقالوا: (ألا تستخلف؟ فقال لهم:
لا! ولكني أترككم كما ترككم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: فماذا تقول لربك
إذا لقيته؟ قال أقول: اللهم تركتني فيهم ثم قبضتني إليك، وأنت فيهم، فإن شئت
أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم).[45]
وفي رواية:
(جاءه الناس فقالوا: نبايع الحسن ابنك؟ فقال: لا
آمركم ولا أنهاكم أنتم أبصر).[46]
رفض
الصحابة للعهد للأبناء في الخطاب المؤول:
وقد بدأ
التأويل في هذه القضية بالاحتجاج بعهد أبي بكر لعمر على جواز العهد للأبناء
والإخوة من باب حسن النظر والاختيار للأمة، لا على أنه من باب التوريث، مع أنه
قياس مع الفارق، بل قياس فاسد الاعتبار، معارض للنصوص وسنن الخلفاء الراشدين، وهذا
ما أدركه أيضا الصحابة الذين رفضوا عهد معاوية رضي الله عنه بالأمر إلى ابنه يزيد،
وقد أمر معاوية أمير المدينة مروان بن الحكم أن يذكر للناس بيعة يزيد، فخطب مروان
ودعا إلى بيعة يزيد، وقال فيها: (إن الله أرى أمير
المؤمنين في يزيد رأيا حسنا، وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر).[47]
وفي رواية:
(سنة أبي بكر وعمر).[48]
فرد عليه
عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: (بل سنة هرقل وقيصر)[49]، وقال: (جئتم بها هرقلية تبايعون لأبنائكم).[50]
وفي رواية:
(فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: كذبت والله يا
مروان! لا يكون ذلك، لا تحدثوا علينا سنة الروم، كلما مات هرقل
قام مكانه هرقل).[51]
ولما قال
مروان بن الحكم في خطبته في شأن بيعة يزيد: (سنة أبي
بكر الراشدة المهدية)، رد عليه عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: (ليس بسنة أبي بكر، وقد ترك أبو بكر الأهل والعشيرة، وعدل
إلى رجل من بني عدي؛ أن رأى أنه لذلك أهل، ولكنها هرقلية).[52]
وفي رواية
قال له: (جعلتموها والله هرقلية وكسروية).[53]
فلم يكن
يخفى على هؤلاء الصحابة الفرق بين الخلافة التي تقوم على شورى الأمة واختيارها
للإمام، والملك القيصري والكسروي الذي يقوم على التنازع والتغالب والتوريث، كما
كان حال فارس والروم!
وقد بين
عبد الرحمن بن أبي بكر بطلان قياس عهد معاوية ليزيد على عهد أبي بكر لعمر، وأوضح
الفرق بين العهدين، فقال :(يا معشر بني أمية، اختاروا
منها بين ثلاث: بين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو سنة أبي بكر، أو سنة
عمر، إن هذا الأمر قد كان، وفي أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من لو ولاه
ذلك لكان لذلك أهلاً، ثم كان أبو بكر، فكان في أهل بيته من لو ولّاه لكان لذلك
أهلًا، فولاها عمر فكان بعده، وقد كان في أهل بيت عمر من لو ولاه لكان لذلك أهلاً،
فجعلها في نفر من المسلمين، ألا وإنما أردتم أن تجعلوها قيصرية، كلما مات قيصر
كان قيصر، فغضب مروان بن الحكم).[54]
ثم لما حج
معاوية قدم إلى المدينة وخطب بالناس وذكر ابنه يزيد، فاعترضه عبد الرحمن بن أبي
بكر، وقطع على معاوية خطبته وقال له: (إنك والله
لوددت أنا وكلناك في أمر ابنك إلى الله، وإنا والله لا نفعل، والله لتردنّ هذا
الأمر شورى بين المسلمين، أو لنعيدنّها عليك جذعة [أي الحرب] ثم خرج).[55]
فكان أمر
الخلافة وأنه حق للأمة وشورى بين المسلمين جميعا من الوضوح بالمكان الذي يستحق في
نظر هؤلاء الصحابة القتال دونه، ولا يقبلون الاستبداد به دونهم، أو الافتئات عليهم
فيه!
ثم اجتمع
معاوية مع ابن عمر وابن عباس وعبد الرحمن بن أبي بكر والحسين بن علي وعبد الله بن
الزبير، وعلل اختياره ليزيد بأنه يخشى الفتنة وأن يدع الأمة بلا إمام بعده.[56]
فقال عبد
الله بن عمر: (إنه قد كان قبلك خلفاء لهم أبناء، ليس
ابنك بخير من أبنائهم، فلم يروا في أبنائهم ما رأيت أنت في ابنك، ولكنهم اختاروا
للمسلمين حيث علموا الخيار، وأنت تحذرني أن أشق عصا المسلمين، وأن أسعى في فساد
ذات بينهم، ولم أكن لأفعل، إنما أنا رجل من المسلمين فإذا اجتمعوا على أمر فإنما
أنا رجل منهم).[57]
وفي رواية
قال عبد الله بن عمر: (إني أدخل بعدك فيما تجتمع
عليه الأمة، فوالله، لو أن الأمة اجتمعت بعدك على عبد حبشي لدخلت فيما تدخل
فيه الأمة).[58]
فاحتج ابن
عمر برد الأمر إلى الأمة، واجتماعها على من تختاره بالشورى والرضا، إذ الخلافة
خلافتها، والأمر أمرها، لا تنازع فيه ولا تغالب، لا كما هي سنة الفرس والروم، وهي
حجته أيضا على من أرادوا الخروج على عثمان رضي الله عنه، وأنهم بخروجهم على الإمام
الذي اختارته الأمة بالشورى والرضا إنما يسنون سنة فارس والروم في قتلهم لملوكهم
إذا سخطوا عليهم، فقال لمن تكلم في عثمان: (إنا كنا
نقول ورسول الله حي أفضل أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر وعمر
وعثمان، وما نعلم أنه قتل نفسا بغير حق، ولا جاء من الكبائر شيئا، ولكن هو هذا
المال إن أعطاكموه رضيتم، وإن أعطاه أولي قرابته سخطتم، إنما تريدون أن تكونوا
كفارس والروم لا يتركون لهم أميرا إلا قتلوه).[59]
فكما أن
الاستبداد بالأمر وتوريث الحكم سنة فارس والروم التي أبطلها الإسلام بالخلافة
وأحكامها، كذلك الخروج على السلطة التي اختارتها الأمة، والاقتتال عليها، والتغالب
والتنازع فيها، سنة فارس والروم، لا سنة الإسلام الذي جاء بالشورى والرضا
{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُم}، وقال صلى الله عليه وسلم في بيعته للأنصار يوم العقبة:
(وألا ننازع
الأمر أهله).[60]
وقال: (من بايع
إماما، فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه،
فاضربوا عنق الآخر).[61]
وقد دخل
خيار الصحابة وفقهاؤهم على معاوية حين حج وتحدث في شأن يزيد وبيعته، وهم الحسين بن
علي وعبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمر وعبد الله بن
الزبير، وجعلوا عبد الله بن الزبير هو المتحدث باسمهم، فقال لمعاوية:
(يا
أمير المؤمنين، نخيِّرك من ثلاث خصال، أيها ما أخذت فهو لك رغبة.
قال
معاوية: لله أبوك اعرضهن!
قال ابن
الزبير: إن شئت صنعت ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن شئت صنعت ما صنع
أبو بكر، فهو خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن شئت صنعت ما
صنع عمر فهو خير هذه الأمة بعد أبي بكر.
قال
معاوية: لله أبوك وما صنعوا؟
قال ابن
الزبير: قبُض رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعهد عهدًا، ولم يستخلف أحدًا؛
فارتضى المسلمون أبا بكر، فإن شئت أن تدع هذا الأمر حتى يقضي الله فيه قضاءه
فيختار المسلمون لأنفسهم؟
فقال
معاوية: إنه ليس فيكم اليوم مثل أبي بكر، إن أبا بكر كان رجلا تقطع دونه الأعناق،
وإني لست آمن عليكم الاختلاف.
قال ابن
الزبير: صدقت، والله ما تحب أن تدعنا على هذه الأمة.
قال: فاصنع
ما صنع أبو بكر.
قال
معاوية: لله أبوك وما صنع أبو بكر؟
قال ابن
الزبير: عمد إلى رجل من قاصية قريش ليس من بني أبيه ولا من رهطه الأدنين فاستخلفه،
فإن شئت أن
تنظر أي رجل من قريش شئت ليس من بني عبد شمس فترضى به؟
قال
معاوية: لله أبوك الثالثة ما هي؟
قال ابن
الزبير: تصنع ما صنع عمر؟
قال
معاوية: وما صنع عمر؟
قال ابن
الزبير: جعل هذا الأمر شورى في ستة نفر من قريش، ليس فيهم أحد من ولده ولا من بني
أبيه ولا من رهطه.
قال
معاوية: فهل عندك غير هذا؟
قال ابن
الزبير: لا.
قال معاوية
لمن كانوا مع ابن الزبير: فأنتم؟
قالوا:
ونحن أيضا).[62]
وقال له
عبد الله بن الزبير أيضا: (إن كنت قد مللت الإمارة
فاعتزلها، وهلم ابنك فلنبايعه، أرأيت إذا بايعنا ابنك معك، لأيكما نسمع؟! لأيكما
نطيع؟! لا نجمع البيعة لكما والله أبدا).[63]
ثم صعد
معاوية المنبر وخطب في الناس وقال: (إن هؤلاء الرهط
هم سادة المسلمين وخيارهم، لا نستبد بأمر دونهم، ولا نقضي أمرا إلا عن مشورتهم).[64]
فقد كان
معاوية رضي الله عنه نفسه يدرك طبيعة الخلافة وأنها شورى بلا استبداد ولا توريث،
وأن الخلافة هي للأمة، وهي التي تختار الخليفة بحكم استخلاف الله لها، وبحكم
ولايتها العامة التي جعلها الله لها بقوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ
وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}، وقال في رقابة الأمة: {وَقُلِ اعْمَلُواْ
فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون}، ولهذا قال معاوية لهم:
(إنما أردت أن تقدموه باسم الخلافة، وتكونوا
أنتم الذين تنـزعون وتؤمِّرون، وتجبون وتقسمون، ولا يدخل عليكم في شيء من ذلكم).[65]
قال ابن
كثير: (لما أخذت البيعة ليزيد في حياة أبيه كان
الحسين ممن امتنع من مبايعته هو وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر وابن عمر وابن
عباس). [66]
وكذا رواه
أحمد بن حنبل عن أبي بكر بن عياش قال: (لم يبايع ابن
الزبير، ولا حسين، ولا ابن عمر، ليزيد بن معاوية، في حياة معاوية، فتركهم معاوية). [67]
ولقد أدرك
عمر بن عبد العزيز الفرق بين عهد أبي بكر لعمر، وعهد سليمان له، وعدم صحة العهد
للأقارب، فرد الأمر للأمة واشترط رضاها، فبعد أن قُرئ كتاب سليمان بن عبد الملك
بعد وفاته سنة 99هـ، وفيه العهد بالأمر إلى عمر بن عبد العزيز ابن عمه، قام عمر
وخطب الناس فقال: (أيها الناس، إني والله ما سألتها
الله في سر ولا علانية قط، فمن كره منكم فأمره إليه).[68]
وقال أيضا:
(أيها الناس إن من حولكم من الأمصار والمدن إن أطاعوا
كما أطعتم فأنا واليكم، وإن أبوا فلست لكم بوالٍ).[69]
ولهذا كان
فقهاء البصرة يرون (أن رضا أهل الاختيار لبيعة ولي
العهد شرط في لزومها للأمة؛ لأنها حق يتعلق بهم، فلم تلزمهم إلا برضا أهل الاختيار
منهم).[70]
قال ابن
رجب الحنبلي في شرح حديث العرافة على القوم وبطلان البيعة للأبناء على أساس النسب:
(ولم يذكر أنه جعل العرافة له بمجرد كون أبيه عريفا،
والإمامة العظمى لا تستحق بالنسب، ولهذا أنكر الصحابة على من بايع لولده، وقال عبد
الرحمن بن أبي بكر: (جئتم بها هرقلية، تبايعون لأبنائكم)، وسمع ذلك عائشة
والصحابة، ولم ينكروه عليه، فدل على أن البيعة للأبناء سنة الروم وفارس،
وأما سنة المسلمين فهي البيعة لمن هو أفضل وأصلح للأمة، وما تزعمه الرافضة
في ذلك فهو نزعة من نزعات المشركين في تقديم الأولاد والعصبات، وسائر الولايات
الدينية سبيلها سبيل الإمامة العظمى في ذلك).[71]
وكما اعترض
الصحابة على مبدأ العهد للأبناء ولو بدعوى أنهم أصلح وأكفأ، كذلك اعترض أئمة
التابعين كما فعل سعيد بن المسيب، فقد أخذ عبد الملك بن مروان سنة 85 هـ البيعة
لولديه الوليد ثم لسليمان من بعده، فبايع الناس لهما، فلما وصل الخبر المدينة
وبايع بعض أهلها رفض سعيد بن المسيب إمام التابعين في عصره أن يبايع وقال: (لا أبايع اثنين ما اختلف الليل والنهار)، واحتج
بحديث: (نهى عن بيعتين في بيعة)، وقد عرضوا
عليه أن يخرج من المدينة إلى العمرة حتى يبايع أهل المدينة.
فقال: لا
أجهد بدني وأنفق مالي في شيء ليس لي فيه نية.
فقالوا له:
الزم دارك حتى ينقضي الأمر.
فقال: وأنا
أسمع الأذان (حي على الصلاة، حي على الفلاح)؟! ما أنا بفاعل.
فقالوا:
فإذا قرأ الوالي عليك الكتاب فلا تقل لا ولا نعم.
فقال:
فيقول الناس: بايع سعيد بن المسيب، ما أنا بفاعل.
فقيل له:
ادخل من الباب واخرج من الباب الآخر.
فقال:
والله لا يقتدي بي أحد من الناس.
فأُمر
بضربه والطواف به وسجنه وعرضه على السيف، فلم يرجع عن رأيه.[72]
وقد دخل
عليه رجلان وهو في السجن فقالوا: اتق الله! فإنا نخاف على دمك.
فقال لهم:
اخرجا عني، أتراني ألعب بديني كما لعبتما بدينكما.[73]
وقال
أيضًا: إن أراد عبد الملك أن أبايع الوليد فليخلع نفسه.[74]
ولوضوح هذا
الأصل أفتى مالك رحمه الله تعالى فتواه ببطلان مثل هذه البيعات التي تؤخذ من الناس
للأبناء على سبيل الإكراه المعنوي، وبأنه لا بيعة لمكره، وذلك عندما خرج محمد بن
عبد الله بن الحسن ذو النفس الزكية سنة 145هـ، على أبي جعفر المنصور العباسي، وكان
قد خرج في المدينة، فاستفتى أهلها مالك بن أنس في الخروج معه، مع أنهم سبق لهم أن
بايعوا أبا جعفر المنصور، فقال مالك: (إنما بايعتم
مكرهين، وليس على مكره يمين، فأسرع الناس إلى محمد، ولزم مالك بيته).[75]
فبان بذلك
الفرق بين العهد بولاية الأمر في الخطاب الراشدي المنزل، والعهد بالأمر في الخطاب
المؤول، والذي ظل مع كونه مؤولا يبرر ذلك بحسن النظر للأمة، لا على أساس حق
التوريث والذي لم يعرف إلا في العصر الحديث، ليس فقط كانحراف على مستوى الممارسة
بل كانحراف على مستوى النظرية حيث صار ينص صراحة في الأنظمة على الملك والتوريث
للذرية بما لم يكن مقبولا حتى في الخطاب المؤول - وصار الفقه السلطاني المعاصر
يسوغ ذلك باسم الإسلام والسنة - الذي قال ابن خلدون عن أساس مشروعيته: (ولا يتهم الإمام في هذا الأمر وإن عهد إلى أبيه أو ابنه، لأنه
مأمون على النظر لهم في حياته، فأولى أن لا يحتمل فيها تبعة بعد مماته، خلافاً
لمن قال باتهامه في الولد والوالد، أو لمن خصص التهمة بالولد دون الوالد، فإنه
بعيد عن الظنة في ذلك كله، لا سيما إذا كانت هناك داعية تدعو إليه، من إيثار مصلحة
أو توقع مفسدة، فتنتفي الظنة عند ذلك رأساً، كما وقع في عهد معاوية لابنه يزيد،
وإن كان فعل معاوية مع وفاق الناس له حجة في الباب، والذي دعا معاوية لإيثار ابنه
يزيد بالعهد دون من سواه إنما هو مراعاة المصلحة في اجتماع الناس، واتفاق أهوائهم
باتفاق أهل الحل والعقد عليه... ثم إنه وقع مثل ذلك من بعد معاوية من الخلفاء
الذين كانوا يتحرون الحق ويعملون به مثل عبد الملك وسليمان من بني أمية، والسفاح والمنصور
والمهدي والرشيد من بني العباس، وأمثالهم ممن عرفت عدالتهم، وحسن رأيهم
للمسلمين، والنظر لهم، ولا يعاب عليهم إيثار أبنائهم وإخوانهم، وخروجهم عن سنن
الخلفاء الأربعة في ذلك... وأما أن يكون القصد بالعهد حفظ التراث
على الأبناء فليس من المقاصد الدينية، إذ هو أمر من الله يخص به من يشاء من
عباده، ينبغي أن تحسن فيه النية ما أمكن خوفاً من العبث بالمناصب الدينية). [76]
فالأساس
المقاصدي الذي برر به من جوزوا ولاية العهد للأبناء - مع بطلانه - هو المحافظة على
مصالح الأمة، والمحافظة على وحدتها وقوتها، والقيام بالجهاد، وليس مصالح الأسرة
بالمحافظة على الملك فيها، كما صرح بذلك ابن خلدون حين علل سبب ترك النبي صلى الله
عليه وسلم للعهد، وضرورته بعد ذلك، حيث يقول: (فانظر
كيف كانت الخلافة لعهد النبي صلى الله عليه وسلم غير مهمة، فلم يعهد فيها، ثم
تدرجت الأهمية زمان الخلافة بعض الشيء بما دعت الضرورة إليه في الحماية والجهاد
وشأن الردة والفتوحات، فكانوا بالخيار في الفعل والترك، كما ذكرنا عن عمر رضي
الله عنه، ثم صارت اليوم من أهم الأمور للألفة على الحماية، والقيام بالمصالح).[77]
وقال ابن
رزق الأندلسي: (المسألة الرابعة: من توابع نظر
الخلافة في مصالح الدين والدنيا ولوازم الطاعة له في ذلك، تولية العهد، لمن يوفي
له بعد مماته، مبالغة في النظر للخلق، وخروجًا عن عهدة ما يخشى من التقصير في
ذلك، وقد عهد أبو بكر إلى عمر بمحضر الصحابة رضي الله عنهم، وعهد عمر في
الشورى إلى الستة المعروفين رضي الله عنهم جميعهم، وعند ما أوجبوا على أنفسهم طاعة
العهد بذلك، دل على أنهم أجمعوا على جواز النظر به أولاً، وعلى انعقاده بعد الوقوع
ثانيًا).[78]
وهو بلا شك
تعليل عليل إلا إنه يؤكد بأنه لم يجرؤ أحد على الادعاء بأن ولاية العهد هي بسبب
الحق بالملك والتوريث له، كما هو في الأنظمة الوراثية والملكية المعاصرة التي غابت
فيها تماما الخلافة أصلا كنظام سياسي إسلامي، كما غابت المقاصد الشرعية التي برر
بها الخطاب المؤول نظريته لولاية العهد، حيث باتت الدول الغربية الصليبية نفسها
التي فرضت هذا الواقع السياسي هي المؤثر الرئيس في اختيار السلطة، وترشيح من يتم
اختياره لولاية العهد فيها، ليحقق لها مصالحها ونفوذها، على حساب مصالح الأمة
وحماية أمنها، بما لم يبق معه أي وجه من وجوه التأويل، بل محض التبديل، والإحداث
والتضليل، الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات
الأمور)، وقوله: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس
منه فهو رد).
وما زلنا
مع هذه القضية فللحديث بقية!
[1] الفصل 4 /167.
[2] صحيح البخاري ح 4460.
[3] صحيح
البخاري ح 5666 و7217.
[4] رواه مسلم في صحيحه ح 2387 /6181.
[5] صحيح
البخاري ح 7218.
[6] صحيح البخاري ح 7219.
[7] ابن إسحاق في المغازي والسير كما في
مختصر ابن هشام 6/70.
[8] صحيح البخاري ح 4447، وأحمد في المسند 1
/263 بإسناد على شرط الصحيحين، والبيهقي ترقيم عطا 8 /149.
[9] صحيح البخاري ح 4240.
[10] صحيح البخاري ح 4461.
[11] صحيح مسلم
4/ 1856، وأحمد في المسند واللفظ له 6 /63.
[12] ابن ماجه ح رقم 2727، والخلال في السنة
رقم 331، بإسناد رجاله ثقات وفيه انقطاع، والروايات الصحيحة عن عمر كما في
الصحيحين وغيرهما قال: (ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى
يعهد إلينا عهدا ننتهي إليه: الجد والكلالة وأبواب من أبواب الربا).
[13] ابن سعد في الطبقات 3/34، والخلال في
السنة رقم 332 وإسناده حسن.
[14] رواه
الحاكم في المستدرك 3 /84 وقال صحيح الإسناد، والبيهقي في السنن 8 /149.
[15] السنة للخلال رقم 349.
[16] رواه أحمد
في المسند رقم 921 مختصرا، وابن أبي عاصم في السنة رقم 1218، ورواه والبيهقي في
دلائل النبوة، وابن عساكر في تاريخ دمشق 30 /291 ـ293 و42 /438، كلهم من طرق كثيرة
عن سفيان الثوري عن الأسود بن قيس عن عمرو بن سعيد عن أبيه عن علي، وفي إسناده
اضطراب، وحسن المباركفوري إسناده في تحفة الأحوذي 6/396.
[17] صحيح البخاري ح 4359.
[18] تهذيب
الآثار للطبري (3 / 364) رقم 1199 حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الوهاب، قال:
سمعت يحيى بن سعيد، قال: سمعت القاسم بن محمد به وهذا إسناد صحيح إلى القاسم.
[19] منهاج
السنة 1 /530.
[20] المصدر
السابق
[21] المصدر
السابق 1 /532.
[22] رواه عبد الله بن أحمد في زياداته على
فضائل الصحابة رقم 392 بإسناد حسن، فقد رواه عن أبي هاشم محمد بن يزيد، وهو من
رجال مسلم، عن عبد الرحمن بن مهدي عن قرة بن خالد، وهما من الأئمة الحفاظ، عن أبي
نهيك محمد بن القاسم الأسدي، وقد وثقه يحيى بن معين وأبو زرعة وابن حبان، عن سالم
بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب.
[23] الأحكام
السلطانية ص 25.
[24] المصدر السابق.
[25] مقدمة ابن
خلدون (1 / 108).
[26] السنة
للخلال رقم 338، وطبقات ابن سعد 3/148، وابن جرير الطبري 2/352، بإسناد صحيح.
[27] رواه ابن
شبه في تاريخ المدينة 2/ 665، وابن عساكر في تاريخ دمشق 44/ 248.
[28] السنة للخلال رقم 338، وطبقات ابن سعد
3/148، وابن جرير الطبري 2/352، بإسناد صحيح.
[29] رواه
الحاكم في المستدرك على الصحيحين 3/85 ح 4469، وقال صحيح على شرط مسلم، ووافقه
الذهبي.
[30] ابن جرير الطبري 2/352 بإسناد رجاله
ثقات.
[31] ابن سعد في
الطبقات 3/149 من طرق عدة، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق 30/411.
[32] مصنف عبد الرزاق
(5 / 449) رقم 9764 عن معمر عن الزهري عن القاسم بن محمد عن أسماء به، وهو إسناد
صحيح. ابن جرير الطبري 2/355 من طريق ابن إسحاق عن الزهري به، وفيه أن الذي عاتبه
طلحة بن عبيد الله.
[33] الأوائل (1 / 40) أخبرنا أبو القاسم، عن
العقدي، عن أبي جعفر، عن المدائني به.
[34] مصنف ابن
أبي شيبة (12 / 38) حدثنا أبو أسامة حماد بن أسامة، قال: أخبرنا الصلت بن بهرام،
عن سيار أبي الحكم العنزي، وهذا إسناد صحيح مرسل، ورواه ابن الأثير أسد الغابة (2
/ 326) أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم، أنبأنا آبي، أنبأنا أبو القاسم بن السمرقندي،
أنبأنا أبو الحسين بن النقور، أنبأنا عيسى بن علي، أنبأنا أبو القاسم البغوي،
حدثنا داود بن عمرو، حدثنا يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية عن الصلت بن
بهرام، به مثله.
[35] وهذه الرواية - التي قال الواقدي فيها:
(وقال بعضهم...) وأن أبا بكر أغمي عليه وكتب عثمان اسم عمر - لا تثبت سندا وهي
منكرة متنا.
[36] ابن سعد في
الطبقات 3/199عن الواقدي بأسانيده عنهم، ويتقوى بشواهده وهي كثيرة.
[37] الثقات لابن حبان (2 / 191).
[38] الثقات
لابن حبان (2 / 193).
[39] معجم ابن
الأعرابي (2 / 199) بإسناد مقبول في مثل هذه الآثار، وسبق الكلام عليه.
[40] البيهقي في
الاعتقاد ص 371 ، ط1 دار الآفاق ، من طريق
مسند إسحاق بن راهويه بإسناد صحيح، وكذا رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق 42/442 من
طريق مسند إسحاق كما هنا، وعزاه في كنز العمال رقم 31650 لمسند إسحاق بن راهويه
وساقه كما هنا وقال: صحيح، وأبو العلاء سالم بن عبد الواحد المرادي كوفي شيعي وثقه
ابن حبان والعجلي، وله شواهد كثيرة تصل حد التواتر، ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق
42/440 من طريق أخرى عن يعلى بن عبيد الطنافسي الحافظ عن سالم بن عبد الواحد عن
الحسن به نحوه .
[41] رواه محمد بن عبد الواحد الأصبهاني في
كتاب الرؤية ح رقم 514، وابن عساكر في تاريخ دمشق 42 /442، والذهبي في تاريخ
الإسلام ص 487، كلهم من طريق شيبان عن أبي
بكر الهذلي عن الحسن البصري، وأبو بكر هذا عالم بالأخبار وأيام الناس، ضعيف في
الحديث، وهو مقبول فيما توبع عليه كهذا الأثر، وقد روى هذا الأثر عن الحسن عن قيس
بن عباد عن علي رضي الله عنه أبو داود في السنن
رقم 4666، وعبد الله بن أحمد في السنة رقم 1266، وابن جرير الطبري في
تفسيره 6/70، وإسناد أبي داود وعبد الله
صحيح على شرط الصحيحين، وإسناد الطبري صحيح إلا أنه من رواية ثابت البناني وحميد
الطويل أن قيس بن عباد فذكرا الأثر، وهذا إسناد صحيح وقد يكونا روياه عن الحسن
عنه.
[42] رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق 24 /439
من طريق أبي أحمد الحاكم الحافظ، وابن الأثير في أسد الغابة 1/ 8، من طريق أبي
نعيم الحافظ، وكلاهما يرويانه من طريق إبراهيم بن يوسف الصيرفي وهو كوفي ثقة، عن
أبيه ـ ولا يعرف بجرح ـ عن أمي بن ربيعة الصيرفي المرادي، وهو كوفي ثقة، عن يحيى
بن عروة المرادي، وهو كوفي ثقة، قال سمعت علي بن أبي طالب، وهذا إسناد حسن صحيح
وشاهد للأثر الذي قبله عن علي رضي الله عنه.
[43] رواه ابن
عساكر في تاريخ دمشق 42 /438، بإسناد صحيح إلى الحسن بن عمرو العبدي عن شعبة بن
الحجاج وأبي داود الحفري عن الجريري عن أبي نضرة العبدي به، وهذا إسناد متصل رواته
ثقات، وقد اختلف في الحسن بن عمرو ووثقه يحيى بن معين وابن حبان وابن عدي، ويتقوى
بشواهده.
[44] رواه ابن الأثير في أسد الغابة 1/ 825،
من طريق ابن مردويه الحافظ عن الطبراني الحافظ صاحب المعاجم عن هاشم بن مرثد، وهو
ثقة حافظ، عن محبوب بن موسى أبو صالح الفراء، وهو ثقة، عن أبي إسحاق الفزاري
الحافظ صاحب المغازي، عن شعبة بن الحجاج عن سلمة بن كهيل عن خاله أبي الزعراء عبد
الله بن هانئ الحضرمي، وهو مخضرم ثقة من أصحاب علي، أو عن زيد بن وهب وهو أيضا
كوفي مخضرم ثقة، وهذا إسناد كوفي صحيح رواته ثقات أثبات.
[45] السنة للخلال رقم 332 وإسناده حسن، ورى
نحوه البزار في مسنده ح رقم 871.
[46] الطبراني في المعجم الكبير 1 /97، وقال
الهيثمي في مجمع الزوائد 9 /192 (مرسل وإسناده حسن).
[47] انظر فتح الباري 8 /576 ح رقم (4827).
[48] انظر فتح الباري 8 /577.
[49] المصدر السابق وانظر الدر المنثور
للسيوطي 6 /11 ، وقال: (أخرجه عبد بن حميد والنسائي وابن المنذر والحاكم وصححه).
[50] فتح الباري 8 /577.
[51] رواه القالي في الأمالي 2/175 من طريق ابن شبة
المؤرخ صاحب (تاريخ المدينة) بإسناد صحيح مرسلا.
[52] تاريخ الإسلام للذهبي سنة 51هـ ص 148.
[53] ابن كثير 8 /92 في حوادث سنة 58هـ وهو
من رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن عبد الرحمن بن أبي بكر،
وهذا إسناد صحيح.
[54] أورده الذهبي في تاريخ الإسلام ص 148-عن
ابن أبي خيثمة المؤرخ بإسناد صحيح.
وقصة مروان وعبد الرحمن بن أبي بكر
وما جرى بينهما في شأن بيعة يزيد رواها البخاري في صحيحه مختصرة في التفسير باب
(والذي قال لوالديه) ح 4550 من حديث يوسف بن ماهك، ورواها النسائي في السنن الكبرى
ح 11491، والإسماعيلي في مستخرجه على صحيح البخاري ـ كما في الفتح ـ من حديث شعبة
عن محمد بن زياد مطولة، وهذا إسناد على شرط الصحيحين، وفي روايته: (فقال مروان:
سنة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما! فقال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما: سنة
هرقل وقيصر)، ورواها الحاكم في المستدرك رقم 8483 من حديث شعبة، وقال صحيح على شرط
الشيخين، ورواه الخطابي في غريب الحديث 2 /517، وابن الأثير في أسد الغابة 1 /703،
وابن عساكر في تاريخ دمشق 35/35 كلهم من طرق صحيحة من حديث حماد بن سلمة عن محمد
بن زياد به، وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وفي روايته: (جئتم بها هرقلية تبايعون
لأبنائكم)، ورواه موسى بن إسماعيل الحافظ التبوذكي ـ كما في تاريخ الذهبي ص 518 ـ
عن الفضل بن القاسم عن محمد بن زياد مطولا القصة بأكملها من خطبة مروان وذكره بيعة
يزيد إلى أن عقدت له البيعة، وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وفيها: (ألا وإنما
أردتم أن تجعلوها قيصرية كلما مات قيصر كان قيصر)، ورواها عبد الرزاق ـ كما في
تاريخ ابن كثير 8 /89 ـ عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن أبي
بكر، وهذا إسناد على شرط الصحيحين، وفي روايته: (جعلتموها والله هرقلية وكسروية
يعنى جعلتم ملك الملك لمن بعده من ولده)، وابن أبي حاتم في التفسير ـ كم عند ابن
كثير 4 /202 ـ من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله قال: إني لفي المسجد حين خطب مروان... إلخ،
وعبد الله هنا هو ابن يسار البهي مولى ابن الزبير، وكذا رواه البزار في مسنده رقم 2273، وهذا إسناد صحيح، ولفظه: (أهرقلية؟ إن أبا بكر
رضي الله عنه والله ما جعلها في أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته ولا جعلها معاوية
في ولده إلا رحمة وكرامة لولده)، ورواه ابن أبي الدنيا أثر رقم 250 عن محمد بن
نجيح عن أبيه عن أبي كثير مولى آل الزبير، ومن طريق ابن أبي الدنيا رواه ابن
عساكر في تاريخ دمشق 35/35، وهذا إسناد
حسن، ولفظه: (يا مروان إنما هي هرقلية كلما مات هرقل كان هرقل مكانه ما لأبي بكر
لم يستخلفني وما لعمر لم يستخلف عبد الله)، ورواها الزبير بن بكار عن عبد الله بن
نافع الزبيري ـ كما عند ابن عبد البر في الاستيعاب 1 /249 وابن عساكر في تاريخ
دمشق 35/35 ـ وروايته مرسلة، وفيها
(أهرقلية إذا مات كسرى كان كسرى مكانه لا نفعل والله أبدا)، فالقصة متواترة تواترا
قطعيا لا ريب فيه.
[55] تاريخ خليفة بن خياط ص214 بإسناد صحيح لغيره؛ إذ
فيه النعمان بن راشد وهو صدوق فيه ضعف، والقصة صحيحة من طرق كثيرة كما سيأتي.
[56] انظر ابن جرير 3 /248 سنة 56هـ بإسناد
صحيح إلى عبد الله بن عون.
[57] تاريخ خليفة ص213 – 214 بإسناد صحيح
لغيره، وتاريخ الذهبي ص 149.
[58] ابن جرير الطبري 3 /248 وإسناده صحيح
لغيره.
[59] أحمد في الفضائل 1 /94 ، والسنة للخلال
رقم 546-549 بأسانيد صحيحة.
[60] صحيح البخاري ح7056 ، ومسلم في صحيحه ح
1709.
[61] مسلم في صحيحه ح 1844.
[62] تاريخ خليفة ص 216 بإسناد صحيح بشواهده، وانظر
تاريخ الذهبي ص 151 – 152، ورواه أبو علي القالي في الأمالي2/175 – 176 من طريق
ابن شبة المؤرخ بإسناد صحيح.
[63] تاريخ خليفة ص214 بإسناد صحيح في
الشواهد.
[64] تاريخ خليفة ص 217 بإسناد صحيح في
الشواهد.
[65] تاريخ خليفة بن خياط ص 216 وهو صحيح
بشواهده، وانظر تاريخ الذهبي ص151.
[66] ابن كثير 8
/153 في قصة الحسين بن علي وسبب خروجه.
[67] السنة للخلال رقم 844.
[68] المعرفة والتاريخ 1 /617، وحلية
الأولياء 5/299 بإسناد صحيح على شرط مسلم.
[69] تاريخ الذهبي 5 /193، وابن كثير 9 /191.
[70] الأحكام
السلطانية للماوردي ص 11.
[71] فتح الباري ـ لابن رجب (3 / 474)
[72] تاريخ
خليفة ص 289، والمعرفة والتاريخ للبسوي 1 /472 – 474، والجامع لابن أبي زيد
القيرواني ص 184، وحلية الأولياء 2 /1700 – 1702، وتاريخ ابن كثير 9 /64.
[73] الجامع ص 184.
[74] تاريخ
خليفة بن خياط ص 289.
[75] ابن جرير الطبري 4 /427، حوادث سنة
145هـ، وسير أعلام النبلاء 8/80.
[76] مقدمة ابن
خلدون - (1 / 109)
[77] مقدمة ابن خلدون - (1 / 110)
[78] بدائع
السلك في طبائع الملك - (1 / 2)
……………………………………..
مواضيع
ذات صلة:
الأجزاء
السابقة
من
(عودة
الخلافة(
الحــريـــــة أو الطــوفـــــان
تحرير
الإنسان
وتجريد
الطغيان
مختصر
الكلام
عن
الدولة
والخلافة
في
الإسلام
السياسة الشرعية في الإسلام (لقاء مرئي(
الإمامة عند أهل السنة والفرق الأخرى (محاضرة مرئية(
مكتبة
الشيخ
أ.د.
حاكم
المطيري