(أسرار
الأخوة الإيمانية)
أ.د. حاكم
المطيري
3/ 11/ 2015م
للقرآن نور، وللإيمان نور، يعرف المؤمن بهما أهل الإيمان، وبهما
يتعارف المؤمنون، ويتآلفون على قدر إيمانهم وتقواهم، فانظر كيف تعاطف المسلمون
جميعا مع الرئيس محمد مرسي فك الله أسره، فدعا له عامة المسلمين في كل بلد، وعلى
اختلاف جماعاتهم وتياراتهم السياسية والسلفية والجهادية، وكذا تعاطفت الأمة
وشعوبها وجماعاتها مع أوردوغان مع ما في الواقع السياسي الذي يخوضون فيه من مشكلات
شرعية، فأبى الإيمان والأخوة إلا وقوف الجميع معهما حتى من يخالفهما وينتقدهما
لتجلي حقيقة ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾! وفي الآية إخبار بمعنى الأمر، فأخبرت بأن المؤمنين إخوة فهذه حقيقة
الإيمان وحقيقة المؤمنين، ويجب أن يكونوا كذلك كما يقتضي الإيمان، ولا يتصور حالهم
إلا كذلك، وبقدر إيمانهم تكون أخوتهم، وبقدر أخوتهم يتجلى إيمانهم، وحتى لو
اختلفوا وتنازعوا ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾!
فإن الإيمان يعطف بعضهم على بعض، حتى يعودوا كالجسد الواحد، وهذا معنى
﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ
بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾!
وعلى قدر إيمانهم يكون تعاطف أهل الإسلام وتداعيهم بالسهر والحمى إذا وقع مكروه؛ فكلما زاد إيمانهم زاد تداعيهم! قال رسول الله ﷺ: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى».
ولهذا قال ﷺ (خير أمرائكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم)،
لتحقق الأخوة الإيمانية التي توجب المحبة والتعاطف بينهم وبين أمتهم، بخلاف حال
رؤساء السوء (وشر أمرائكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم)، وقد دفعت الأنظمة الوظيفية المليارات فلم تستطع جمع قلوب الأمة عليها؛ حين انقطعت علائق الأخوة الإيمانية بينها وبين شعوبها: ﴿لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾!
وكذا
حال كل فئة وطائفة نبذها أهل الإسلام ونابذتهم، وأبغضوها وأبغضتهم، لأنه لم يتحقق
لها من حقائق الإيمان والولاية الإيمانية ما يوجب الأخوة بينها وبينهم ﴿إِنَّمَا
وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ﴾!
وقد نزع الله ذلك من أهل الغلو، فلا يحبون المؤمنين، ولا يحبهم
المؤمنون، إلا جاهل بحقيقتهم، فهذه من أسرار الولاية بين المؤمنين، وشهادة بعضهم
على بعض، فلا تتحقق لفئة مجهولة النسب والولاية الإيمانية، مهما تظاهرت بالإسلام،
ولا يفتك أحد بالمؤمنين ويقتلهم، إلا وقد انقطع قبل ذلك بينه وبينهم عقد الموالاة،
لأنه انقطعت في الباطن قبل الظاهر حقيقة الأخوة الإيمانية ﴿وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً﴾، (لا يفتك مؤمن)، فالولاية الإيمانية تحول دون ذلك، فإن وقع فسرعان
ما يفيء للصلح الطرفان، كما يقتضيه عقد الإيمان!
فالمؤمنون
أولياء للمؤمنين: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
والظالمون أولياء للظالمين: ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾
والكافرون أولياء بعضهم: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى
أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ
فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾
﴿وَلَوْ
كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا
اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾
والمنافقون
أولياء أشباههم: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ
بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ
وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾!