أ.د. حاكم المطيري
الأمين العام لمؤتمر الأمة
2 جمادى الثاني 1437هـ
11 مارس 2016م
حاول المخلصون منذ بداية الثورة السورية توحيد صف الثوار والمجاهدين وجمع كلمتهم -قبل ظهور كل هذه الفصائل في الساحة- وكانت العقبة تتمثل في:
١- عدم وجود قيادات ميدانية أو سياسية قادرة على جمع الشعب السوري؛ وهي أزمة حقيقية ألا يوجد مثل هذه القيادة الجامعة لهذه الثورة التاريخية، وبالطبع هناك أسباب عدة يسهم في تعزيزها القوى الأخرى التي تحول دون الاجتماع على قيادة على هذا النحو؛ لتظل تتحكم في المشهد..
٢- كذلك بالنسبة للمشروع السياسي؛ فلا يوجد تصور واضح له لدى أكثر الفصائل المجاهدة وهو أمر طبيعي؛ إذ طبيعة عملها يفرض عليها الانشغال بالقتال ومهماته بينما العمل السياسي له طبيعة مختلفة تماما وهذا الانفصام بين السياسي والجهادي هو الذي أوصل الأمة لهذه الأزمة العميقة وربما استطاعت حماس أن تجمع بينهما لولا أنها تعيش أزمتها القطرية الوطنية والحزبية..
٣- يجب أن تحدد الفصائل أولا هدفها السياسي لقتالها الآن في سوريا هل هو:
أ - إسقاط النظام وتحرير الشعب السوري من طغيانه وظلمه ليحكم نفسه بنفسه؟
ب - إقامة دولة الإسلام وتحكيم الشريعة؟
ج - استمرار الجهاد وإدامته في الشام لمواجهة القوى الدولية؟
هذه الآن هي أهداف الفصائل المجاهدة على اختلاف توجهاتها من خلال النقاش معها، وبلا شك مشروعية الهدف في حد ذاته لا يجعل منه بالضرورة هدفا سياسيا للقتال الآن!
فإقامة دولة الإسلام وتحكيم الشريعة غاية وأصل من أصول الإسلام لكن هل هو هدف الثورة وهدف القتال الآن في سوريا؟
الذي تجلى للجميع أن الشعب السوري حدد هدفه السياسي منذ بداية الثورة وحتى الآن وهو إسقاط النظام وأن يحكم نفسه بنفسه.
وهذا يصلح أن يكون هدفا سياسيا مرحليا الآن للقتال الدائر في سوريا بخلاف الحديث عن الأهداف الأخرى الاستراتيجية كإقامة دولة الإسلام وتحكيم الشريعة..
وهذا الذي يحاول نظام الأسد والأنظمة الوظيفية استخدامه وتوظيفه لضرب الثورة السورية! فبما أن الفصائل تتعارض أهدافها بين فريق يدعو لتحرير الشعب من الأسد ونظامه وبين من يريد إقامة دولة الإسلام ومن يريد بقاء سوريا ساحة حرب مفتوحة ولو بقتال الفريق الأول أو بإدامة الجهاد لقتال العالم؛ فلا حل إذن إلا برحيل الأسد دون نظامه كحل يمنع من حرب لا تبقي ولا تذر بين الثوار أنفسهم!
وقد نجح العدو في تعزيز هذه الإشكالية بما يتمتع به من دهاء سياسي يفقده الثوار والمجاهدون حتى أصبح القتال بين الفصائل فيما بينها يستنزف الثورة؛ لغياب الرؤية السياسية والفقه والبصيرة!
والخلل هنا يكمن في الخلط بين الهدف السياسي لكل قتال يجري بحيث يقف القتال عند تحقق الهدف، وبين الغايات الكلية للجهاد في سبيل الله التي تمثل أهدافا استراتيجية ونهائية قد تتحقق في مراحل لاحقة بقتال أو حتى بدون قتال..
والمقصود أن نجاح أي قتال وأي معركة هو مرهون بتحديد الهدف المرحلي بكل وضوح كما يعرف ذلك بداهة العسكريون والسياسيون، وهذا الذي للأسف لم يتحدد لدى الفصائل الجهادية أو أكثرها! مع وضوحه للشعب السوري وثورته ومع وضوحه للعدو الداخلي والخارجي الدولي الذي يراهن على اختلاط الأهداف لدى المجاهدين بما يفضي للصراع بينهم!
وضوح الهدف السياسي من الهدي النبوي:
ومن نظر في مغازي النبي ﷺ يرى بوضوح أن كل معركة خاضها كان لها هدف سياسي محدد ينتهي القتال بتحققه، أما الحرب المفتوحة التي تهلك الحرث والنسل فهذه غير معروفة لا في السنة والسيرة، ولا في الفقه، ولا في التجربة التاريخية الجهادية للأمة!
فإذا كان الهدف الأول وهو إسقاط النظام وتحرير الشعب السوري واجبا شرعيا وجهادا ومصلحة كلية يجتمع عليه الجميع ولا يتصور تحقيق الهدف النهائي قبل تحقيقه فإن الواجب يقتضي الانشغال به الآن وعدم جعل الهدف النهائي سببا سياسيا للقتال الجاري في سوريا الآن؛ لأن الشعب السوري بعد تحرره هو المسئول شرعا عن إقامة أحكام الله حسب استطاعته وتمكنه وهذا يفترض أن يتحقق بالدعوة والشورى والرضا وفق سنن الله في التغيير الشرعي والقدري كما فعل النبي ﷺ حين أقام دولته بالدعوة والبيعة والرضا...
فليست الفصائل المجاهدة ولا الجماعات هي المسئولة عن تحقيق الأهداف النهائية؛ فهذه مسئولية الأمة وشعوبها بعلمائها ودعاتها وزعمائها بما فيهم زعماء الجهاد، وتناسي هذه الحقائق البدهية كان له نتائجه الكارثية في ساحات الجهاد حيث تصور المجاهدون أنهم الأمة، فهم المقاتلون والسياسيون والفقهاء والحاكمون والمحكومون!
وإذا استطاع العلماء وأهل الرأي أن يبلوروا رؤية تحدد للثوار والمجاهدين بالضبط ما هو الهدف الشرعي الآن الذي يجب تحقيقه من القتال في الشام؛ فإنهم بذلك ينقذون الثورة وشعوب الأمة ويكون الجهاد ردءا لهم وحماية ووقاية بما يحقق للشعوب حريتها وتحررها شيئا فشيئا الذي صادره عليها عدوها الخارجي والداخلي منذ مئة سنة…
تجربة طالبان والثورة السورية:
إن لكل تجربة ظروفها، فقد كان لطالبان ظروف تاريخية مختلفة تماما عما يجري في سوريا فقد كانت إمارة على أفغانستان لمدة خمس سنوات واعترف بها الخارج وسقطت باحتلال أجنبي وهي تخوض حرب تحرير وليس كذلك الثورة العربية وظروفها…
وليس القصد من تحديد الهدف السياسي للقتال هنا عدم الدعوة لما تؤمن به الفصائل الجهادية أو إخفاء مشروعها، وإنما المراد الاتفاق على ما هو الهدف السياسي لجهاد الشعب السوري كله الآن الذي يفترض أن تعمل الفصائل الجهادية معه لتحقيقه سواء من خلال وثيقة أو جبهة بحيث ينتهي القتال بتحققه، مع دعوتها في الوقت نفسه لما تؤمن به من وجوب إقامة دولة الإسلام وتحكيم الشريعة؛ فهذا خطاب يوجه للشعب السوري ولكل شعب مسلم سواء في ظل ثورة أو عدم وجودها...
والخلط بين الأمرين خطير للغاية وهو فرض وصاية على الأمة وشعوبها وفق اجتهاد فصائل يخالفها جماعات إسلامية أخرى لها اجتهادها أيضا في مفهوم تحكيم الإسلام، وهذا يجب أن يترك لما بعد تحقق النصر وإسقاط النظام؛ فالمسئولية بعد ذلك على الشعب السوري كله بكل فئاته من سلفية وأشعرية وصوفية وعامة لا يريدون إلا الإسلام وليس بالضرورة اجتهاد هذا الفصيل أو ذاك!
وهنا تأتي أهمية المشروع السياسي الذي يعبر عن الفقه الإسلامي في تنزيل الأحكام على الواقع بحسب الإمكان كما فعل النبي ﷺ أما الشعارات فقد رفع الخوارج شعار "لا حكم إلا لله" فلم يقيموا حكما لله بقدر ما استحلوا حرمات الله، ولا ينبغي في قضايا الأمة ومصالحها العليا أن تخضع للمزايدات بين الفصائل؛ لينتهي الحال بها إلى ما يجري في كل بلد من فتن؛ لغياب هذا الفقه الذي لا يقوم دين ولا دنيا من دون حضوره وفاعليته وتدبُر (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) كافٍ في بيان هذه الحقيقة، فقد جاءت في سياق الجهاد فإذا غاب الفقه قد يصبح القتال فسادا في الأرض!
مخاوف اختطاف الثورة وفرض مشاريع خارجية:
الخشية من اختطاف الثورة وفرض مشاريع خارجية هواجس صحيحة ويبقى السؤال ما الذي يريده العدو للأمة؟ وما الذي تريده الأمة وشعوبها؟
فالعدو ليس لديه مشكلة في أن يحكم الإسلاميون وأن يحكموا بالشريعة كما في السودان والسعودية؛ فالمهم عنده أن تظل هذه المنطقة تحت نفوذه، سواء تحت حكم قومي أو إسلامي فهو لا يريد لها الاستقلال والسيادة والتحرر الذي هو الشرط الموضوعي لإقامة الدين (إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ) (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا)..
فالعدو لا يريد للأمة الاستخلاف والتمكين الذي لا يتصور إقامة الدين قبل تحققهما أي الاستخلاف والسيادة والاستقلال وهو ما يعبر عنه الفقهاء بالشوكة...
ولهذا فالصراع الذي يخوضه العدو هو لمنع تحرر الأمة بالدرجة الأولى إذا يدرك تماما ما معنى تحررها في أي بلد ولهذا تآمر على السودان من خلال مصر والخليج وحاصر السودان بعد نجاح ثورته على النميري وقيام حكومة منتخبة، ودعم جون قرنق في الجنوب، ودعم انقلاب البشير سنة ١٩٨٩ مع معرفته مسبقا بأنه انقلاب عسكري إسلامي لوأد أي تجربة تحرر في المنطقة، واستطاع خلال ٢٥ سنة من حكم العسكر الإسلامي في السودان أن يحقق ما لم يستطع تحقيقه منذ استقلال السودان! فقسمه ونفذ كل مخططاته في المنطقة من خلال حكم إسلامي صوري ما يزال يدفع الشعب السوداني ثمن شعاراته وانتهى به الحال بالوقوف مع بشار وروسيا ضد الشعب السوري وثورته!
والمقصود أن مشكلة الغرب ليست مع الإسلام السياسي ولا الإسلام الجهادي فالأول قد يكون وظيفيا كالوطني والقومي والثاني قد يكون عدميا يفتك بالأمة أشد من فتك عدوها بها..
وإنما مشكلة الغرب هي في تحرر هذه الأمة من نفوذه مهما كانت درجة التحرر وهو يدرك أن الإسلام قدر هذه الأمة ولهذا يوظف في حربه عليها كل الجماعات والتيارات بعلمها وبدون علمها تارة القومي والشيوعي الذي مكن له عقودا طويلة بانقلابات عسكرية، وتارة الليبرالي، وتارة الوطني، وتارة الإسلامي بشقيه السياسي والجهادي..
فمعرفة العدو وماذا يريد؟ ومعرفة ما الذي تحتاجه الأمة في هذه المرحلة هو قنطرة النصر؟
فالغرب ليس لديه مشكلة أن يحكم الإسلاميون بل والجهاديون ولو حكموا بالشريعة كحكومة طالبان التي كان أول من اعترف بها الباكستان والسعودية والإمارات آنذاك بتفاهم مع أمريكا؛ طمعا في أن تكون نظاما وظيفيا وحتى لا تقوم تجربة إسلامية بعد ثورة على احتلال يختار شعب إسلامي فيها نظامه بعيدا عن أي تدخل خارجي!
الفصائل الجهادية والأمة:
الرهان اليوم هو على الأمة وشعوبها وأن تجاهد الفصائل معها حين تقرر الجهاد، وتصالح حين تصالح، وتدعوها إلى الله بالحكمة حين يفتح الطريق للدعوة، وأن تجعل الإسلام وهداياته ألذ عندها من الماء البارد للظمآن، فالأمة تريد الإسلام ولا تريد غيره إلا أنها اليوم تعاني ليس من غياب الشريعة بل من الاحتلال ومن طغيان الطغاة الذين ساموها سوء العذاب لصالح الاحتلال، فإذا صار الإسلاميون والمجاهدون الحامي لها والمحرر لأوطانها لتحكم نفسها بنفسها كان الإسلام خيارها ولا خيار لها غيره، أما حين يصبحون طغاة جددا باسم الإسلام؛ فسيكونون فتنة لها يصدونها عن دينها لتبحث عن حلول لأزمتها عند غيرهم ممن ترى أنه أرحم بها وأعدل!
وعلى الجميع أن يدرك بأنه لم يفت شيء حتى الآن؛ فالمعركة في أولها والثورة أعمق جدا مما يظن العدو ومما يظن الثوار أنفسهم وما زالت في بدايتها، وقد تحتاج المنطقة العربية وحدها نحو عقدين أو أكثر وهي تموج موج البحر من تداعيات الثورة العربية، والتي قد تعود في موجتها الثانية أشد من الأولى سواء في مصر أو الجزائر أو المغرب والسودان والجزيرة فضلا عن اليمن وتونس والعراق وسوريا..
فإذا أمكن للمفكرين والمجاهدين إعادة تقييم للموقف وطرح رؤى جديدة فستكون فتحا بإذن الله يستبقون به الموجة الثانية..
ويجب على الفصائل أن تتفهم ظروف القوى الثورية الأخرى التي مع الثورة ومع إسقاط النظام وفي الوقت ذاته يدارون القوى الدولية ويحاولون كسبها لقضية الشعب السوري العادلة، فمهما رفض المجاهدون توجههم يظلون جزءا من الثورة والشعب السوري والحاضنة الشعبية التي تضحي لصالح تحرر الأمة، وليسوا جزءا من العدو فإذا لم يستطع المجاهدون كسب هؤلاء فلا يخسروهم، وليدعوهم يناورون كما يشاءون وسيظل الموقف العسكري على الأرض هو الفيصل، فإذا كانت الثورة قوية فلن يضرها أي مبادرة لا تحقق أهدافها كما فشل جنيف ١ و ٢ وإذا فقدت الثورة قوتها فقد ينجح أولئك في تخفيف آثار ضعف الحاضنة بحيث لا يعود النظام كما تريد إيران وروسيا..
المهم أن تتذكر الفصائل المجاهدة أنها جزء من الأمة وشعوبها وقوتها بها بعد الله وألا تفرق صفوفها ولا تستحل قتالها لتحملها على رأيها وهي أحرص على ثورتها وعلى نصرها غير أن الأماني شيء والقدرة على تحقيقها شيء آخر، فلا تحمل شعوبها ما لا تطيق بل تمضي معها بحسب قدرتها وانطلاقها، حتى إذا هدأت تريثت معها فرب رأي تكرهه اليوم منها تتمناه غدا لها!
…………………………………
مواضيع ذات صلة:
وصية إلى المجاهدين في سورية
الرسائل المهمة لمجاهدي الأمة
إلى شيوخ المجاهدين
كتاب الإعلام بأحكام الجهاد ونوازله بالشام
رسائل وأحكام ووصايا مهمة للمجاهدين
موقع أ.د. حاكم المطيري
مكتبة الشيخ أ.د. حاكم المطيري