حوار مع أ.د. حاكم المطيري في قروب سياسي بتاريخ 22 سبتمبر 2016م
مسار الثورة العربية
ومكامن الضعف فيها
س: ما قراءتكم للثورة العربية وهل هي في نهايتها؟
ج: بالنسبة للثورة العربية هي ما تزال في بدايتها، وقد تستغرق عقدين إلى
ثلاثة عقود؛ وهي أعمق مما نتصور ونتوقع، وكذا الغرب تفاجأ بها وهو مرتبك في التعامل
معها، وبدأ يدرك بأنها ليست كما توهم أزمة مع أنظمة دكتاتورية؛ بل هي رفض من الشعوب
العربية للنظام الاستعماري الغربي الذي يسيطر على المنطقة ويتحكم بها منذ سايكس بيكو
بمعنى أنها تحولت من ثورة على الأنظمة إلى ثورة على المنظومة الدولية وحرب تحرير واستقلال
ضد الاحتلال!
س: ما هي مكامن الضعف في الثورة العربية في نظرك؟
ج: أخطر ما حدث في الثورة العربية أن القوى الدولية فتحت الطريق للقوى
الإسلامية التي ترى بأنه يمكن توظيفها في تلك المرحلة الحرجة واستطاعت احتواء المشهد؛
فأعادت من خلالها المنظومة القديمة بشكل هادئ كما جرى في تونس، وبشكل دموي كما جرى
في مصر؛ ولم تستوعب هذه القوى طبيعة الثورة وخطورة النظام الدولي الذي لا يقبل إطلاقا
تحرر هذه الدول وشعوبها؛ لتختار حكوماتها بكل حرية وقد سبق أن حذرنا من ذلك في محاضرات
وكتابات قبل انقلاب السيسي وقبل عودة السبسي، ولم ينتبه الإسلاميون لخطورة الدور الوظيفي
الذي يراد لهم القيام به بعد الثورة؛ فوقعوا في الشَرك ليقضي الله أمرا كان مفعولا!
وللأسف الأمة وشعوبها تثور وتسقط الطغاة وتختار الإسلاميين ثقة بهم فيقومون
-بسبب غياب الوعي بطبيعة الصراع وغياب المشروع التحرري من الاحتلال الخارجي؛ بل وتصور
أن المشكلة فقط مع الاستبداد وأن جيوش دولهم وطنية وليست صناعة العدو الذي تحمي تلك
الجيوش دوله الوظيفية- بإعادتها إلى حظيرة الجزار والنظام الدولي الذي يحتل المنطقة
ويقتل شعوبها!
مصطلح الأنظمة
الوظيفية
س: تتحدث كثيرا عن الأنظمة الوظيفية؛ فليتك تعرف هذا المصطلح!
ج: بالنسبة للأنظمة الوظيفية هي كل نظام تتحكم فيه قوى خارجية وينفذ سياساتها
سواء داخليا أو خارجيا كما هو حال الدول العربية وهي عادة لا يكون لها مشروع وإيديولوجيا
بل هي تشتغل في مشروع القوى الاستعمارية ولهذا لا تختارها شعوبها وإنما الذي يتحكم
في اختيار قادتها هي الدول المهيمنة عليها ويؤدي الجميع فروض الطاعة في عواصمها لتختار
الأقدر منهم على إدارة محمياتها!
وقد طور الاستعمار الغربي أدواته وآلياته كلما طورت الشعوب التي تقع تحت
الاحتلال من وسائل رفضها له ومقاومته فقد بدأ بها كمستعمرات ثم محميات ثم منحها الاستقلال
الصوري تحت نفوذه ومن خلال الاتفاقيات الأمنية ربطها ربطا كاملا بمنظومته السياسية
والعسكرية ولهذا ظهر ذلك في أوضح صوره في سوريا فقد بات جليا أنه ليست سوى محمية روسية
منذ نصف قرن يحكمها نظام وظيفي وجيش ينفذ سياسة الاحتلال!
س: ألا ترى بأن تركيا هي كذلك دولة وظيفية كالدول العربية؟
ج: الشعب التركي مثله مثل الشعب العربي فكلاهما يدفع ثمن سقوط الخلافة
وتشرذم المنطقة وتحكم النفوذ الأجنبي وقد واجه الأتراك بانقلاب الجيش ما واجهه المصريون
بانقلاب السيسي واستعاد الترك حريتهم بثورة شعبية عارمة فالربيع التركي استفاد من تجربة
الربيع العربي وتركيا للتو بدأت تنعتق شيئا فشيئا من نفوذ الغرب والرهان هو على الأمة
وشعوبها كلها وليست على حكوماتها إلا أنه كلما كانت الحكومات منتخبة كانت أقدر على
تمثيل شعوبها وتوجهها وما تقوم به تركيا تجاه الشعب السوري ما كان له أن يكون لولا
أن الحكومة منتخبة والشعب التركي يقف مع الربيع العربي ومع الشعب السوري وليس من السياسة
ولا العدل والإنصاف مقارنة الموقف التركي مهما كان قاصرا بالموقف العربي الرسمي الذي
يحاصر الشعب السوري ولو وقف أي نظام عربي مع أي ثورة عربية لكان من حقه على الأمة شكره
على ذلك إلا أنه ولكونها أنظمة وظيفية لا تختارها شعوبها وقف أكثرها مع الثورة المضادة
التي تقودها أمريكا وروسيا!
ولا يمكن المساواة بين الأنظمة العربية والإسلامية في موقفها من الربيع
العربي فقطر مثلا وقفت إعلاميا وسياسيا مع الربيع العربي - وفق الهامش المسموح به أمريكيا
- فحصدت بسبب هذه المواقف تعاطف الشعوب العربية ولا يمكن مساواتها بدول الخليج الأخرى
مهما كانت المنظومة واحدة فالمواقف التي تقفها كل دولة تحسب لها أو عليها والأمة لن
تنسى من وقف معها - مهما كانت أسباب دعمه لها - ومن وقف ضدها وقد ظل النبي ﷺ يشكر للمطعم بن عدي وكان مات مشركا يده حين أدخله في جواره وقال
"لو كان المطعم بن عدي حيا وسألني هؤلاء الأسرى لوهبتهم له" !
فكيف بمن آوى ثلاثة ملايين سوري ومليوني عراقي ويمني ومصري وعربي كما فعلت
تركيا!
إعداد السياسي الراشد
س: ما الذي يجب على السياسي الذي يريد ممارسة دوره بنجاح في عالمنا العربي؟
ج: لا يمكن ممارسة عمل سياسي راشد قبل معرفة عميقة جدا جدا جدا بالواقع
السياسي الذي تريد التغيير فيه فهناك فرق كبير بين أداء من يتصور أنه في بلد مستقل
ومشكلته فقط في إقناع السلطة أو الضغط عليها ليشارك في العملية السياسية ويقوم بالإصلاح
من خلالها وبين من يرى بأنه في بلد فاقد السيادة ومن يتحكم في شئونه ليس سلطة وطنية
بل قوى دولية لا يمكن أن تسمح للشعب بالحرية والاستقلال بعيدا عن نفوذها وسفارتها التي
تتحكم في المشهد من وراء الكواليس كما يجري بكل وضوح في العراق الذي تدير السفارة الأمريكية
كل شئونه بينما الحكومة والبرلمان والعملية السياسية صورة لا حقيقة لها
كما قال معروف الرصافي الشاعر العراقي:
علم ودستور ومجلس أمة
كل عن المعنى الصحيح محرف
أسماء ليس لنا سوى ألفاظها
أما معانيها فليست تعرف!
ثم بعد الوعي العميق بالواقع السياسي يجب على السياسي معرفة خريطة القوى
السياسية في بلده واشتباك مصالحها حتى لا يتوهم أنه مع قوى معارضة ثم يتفاجأ أنه في
أحضان النظام!
فكما استطاع الاستعمار خلال مئة عام صناعة دول وظيفية كذلك سمح فيها بقيام
جماعات وظيفية ترعاها السلطة وتدافع عن الواقع مهما بدا أنها ترفض ممارسات السلطة وبين
هذه الأطراف مصالح أكبر مما يتصور المصلحون أنه بالإمكان فك الارتباط بينها وبين الأنظمة!
ثم على السياسي الراشد أن يعرف طبيعة المشروع الذي يدعو إليه هل هو مشروع
دولة قطرية أم دولة قومية أم دولة أممية وهناك خطاب ووسائل تختلف بين كل مشروع وهناك
دوائر تتقاطع وتتشابك؛ فلا يمكن مثلا حل مشكلة الكويت السياسية بعيدا عن مشكلة دول
الخليج كلها كمنظومة واحدة والمعارض فيها لا يعارض حكومة بلده فقط؛ بل قد يواجه ست
حكومات كلها تعمل على تقييد حريته والحد من نشاطه وقد يتفاجأ بأنه يواجه الأنظمة العربية
كلها التي تتعاون فيما بينها أمنيا لا لمواجهة المجرمين فقط بل مواجهة السياسيين المعارضين!
وقد وجد الثوار في كل بلد عربي بعد الثورة المضادة في دولهم أنهم في حاجة
للتعاون والتنسيق فيما بينهم فمن يحاصر الثورة في مصر هو من يحاصرها في ليبيا وتونس
واليمن وسوريا والعراق!
الحرب في اليمن
س: إلى أين تمضي الحرب في اليمن في نظركم؟
ج: بخصوص الحرب في اليمن هي جزء من الحرب في سوريا والعراق؛ فلا يمكن سياسيا
وعسكريا وتقنيا أن تكون هناك ثلاث حملات عسكرية شمال الجزيرة العربية وشرقها وجنوبها
دون أن تتبع غرفة واحدة تديرها!
فالحملة الجوية الأمريكية التي تشارك فيها دول الخليج ودول عربية أخرى
في سوريا والعراق منذ ٢٠١٤ هي الحملة نفسها التي تدير الحرب في اليمن ضمن استراتيجية
واحدة التزمت بها دول الخليج بعد لقاء كامب ديفيد بين أوباما ودول الخليج الست، ولكل
دولة دورها الذي تقوم فيه، ولا يتصور أن يكون العدو هو الحوثي أو علي الصالح؛ فكلاهما
مدعوم من دول خليجية وقد تم إعادة تأهيل علي صالح بعد سقوطه خليجيا وسعوديا ثم تم دعم
الحوثي؛ ليكون قوة رديفة له بعد أن خرج الجيش من قبضته، ولم يستطع أن يقوم الجيش اليمني
بما قام به الجيش المصري بانقلاب السيسي؛ فكان الحوثي هو الأداة الوظيفية التي تم دعمها
وفتح الطريق لها من صعدة حتى صنعاء وفق سيناريو أمريكي تنفذه دول الخليج، وكذلك لا
يمكن أن تكون إيران هي العدو في اليمن؛ لأن الحملة العسكرية في سوريا والعراق التي
تشارك فيها دول الخليج أيضا تقاتل لصالح حلفاء إيران في كلا البلدين ولم تطلق رصاصة
واحدة في سوريا والعراق على جيش الأسد أو العبادي أو ميليشيات إيران في كلا البلدين!
فالعدو في كل الساحات التي تشن فيها الحروب هي الثورة العربية التي يراد
القضاء عليها تحت كل الشعارات (الارهاب داعش الحوثي إيران...الخ) فالمهم إخراج الثورة
تماما من المشهد السياسي ثم إعادة رسمه من جديد كما تريد أمريكا!
وقد قررت أمريكا ألا تخوض حربا بجيوشها وألزمت الأنظمة العربية الوظيفية
بالقيام بإرسال جيوشها ودفع فاتورة الحروب وتمويلها وأمريكا تقوم بالإشراف والتخطيط
والقيادة!
وقد أصبحت الحرب ذاتها هدفا لا وسيلة؛ فاستمرارها على هذا النحو دون حسم
للصراع يعني تشغيل مصانع الأسلحة الغربية التي تكاد تواجه الافلاس واستنزاف ثروات المنطقة
في حروب وظيفية!
ومع ذلك فستظل الثورة اليمنية هي الرقم الصعب الذي لم يقل كلمته الفصل
بعد!
أسباب الأزمات
الاقتصادية في دول الخليج
س: تشهد دول الخليج أزمات اقتصادية دون أن تستفيد من فوائض دخلها النفطي
خلال السنوات السابقة ودون وجود تنمية حقيقية بحجم تلك الفوائض فما هو تفسيرك؟
ج: الأزمات الاقتصادية في الخليج والمنطقة العربية أمر طبيعي في ظل وجود
أزمة اقتصادية خانقة في أمريكا وأوربا فلا يتصور أن تعيش القوى الاستعمارية أزمات اقتصادية
بينما محمياتها تعيش رخاءً اقتصاديا ولهذا ما تواجهه شعوب الخليج من أزمات هو بسبب
دفعها فاتورة حمايتها للقوى الاستعمارية لتواجه أزماتها الاقتصادية من مدخول محمياتها
النفطية وما تسمعون عنه من رؤى اقتصادية لعقود قادمة ما هو إلا ثمن رهن المنطقة مقابل
حماية الأنظمة!
فحين تغيب الشعوب وإرادتها عن إدارة شئون بلدانها تصبح أوطانها وثرواتها
سلعة تباع وتشترى في سوق النخاسة الدولية!
وانظر إلى نظام الأسد كيف فعل في سوريا لتظل الأقلية تحكم الأكثرية لضمان
مصالح القوى الاستعمارية!
النفوذ الإيراني في الخليج
س: كيف ترى الدور الإيراني في الخليج وكيف يمكن مواجهته؟
ج: إيران اليوم استعادت دورها كشرطي أمريكي للخليج كما كان الشاه وقراءة
لتقرير راند منذ تقرير ١٩٩٩ حتى ٢٠٠٧ يظهر جليا كيف تناغم الدور الأمريكي والإيراني
لاحتلال أفغانستان ثم العراق ثم سوريا والدور قادم على الخليج وكل ما يجري هو بتفاهم
أمريكي إيراني خليجي كما كان دور الشاه الذي واجه ثورة ظفار عمان فأمريكا تريد إيران
كقوة إقليمية تكبح جماح الثورة في الخليج حال حدوثها وهذا الدور لا تعترض عليه الأنظمة
الخليجية بل هي ترحب به وهذا يحتاج منها أن تفتح الطريق للنفوذ الإيراني في الخليج
وهو ما يجري بكل وضوح ولعل قناة العربية وغيرها من القنوات هي من وسائل تعزيز هذا الدور
الإيراني في العراق بدعمها لحكومة نوري ثم حيدر العبادي!
فالخليج العربي يعد عسكريا مفتوح على مصراعيه أمام النفوذ الإيراني تحت
مظلة أمريكا!
وعلى شعوب الخليج أن تكون قادرة على ملء الفراغ ومواجهة الخطر الإيراني
حال حدوثه!