جزء (الأربعين في وجوب الجهاد
وفضل المجاهدين)
تصنيف: الشيخ أ.د.
حاكم المطيري
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خاتم النبيين، وإمام المجاهدين،
محمد بن عبد الله المبعوث بالحق رحمة للخلق أجمعين، وبعد:
فهذا جزء حديثي فيه أربعون حديثا -بالنظر للمتون وموضوعاتها وإن تعدد رواتها من الصحابة- في
وجوب الجهاد وفضله، وكلها من صحيح البخاري ومسلم، متفق عليها، أو مما أنفرد بها أحدهما،
أرويها عنهما، بأسانيدي إليهما، من طرق كثيرة، كما في ثبتي "إتحاف الثقات بأسانيد
الأثبات"، وقد أجزت المجاهدين به إجازة خاصة؛ فلكل من عاصرني منهم، رواية هذا
الجزء عني، ليكون لهم عدة، يحفظونه في ساعات الرباط، ويتدارسونه بينهم في ساحات الجهاد،
الذي هو ذروة سنام الإسلام، وسادس فرائضه العظام، والذي هو رهبانية الإسلام وسياحته،
كما جاء عن أبي أمامة -عند أبي داود بإسناد
صحيح- قال رجل: يا رسول الله، ائذن لي في السياحة، فقال النبي ﷺ : (إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله تعالى)!
وكما عند أحمد - بإسناد حسن- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (سألت
رسول الله ﷺ، فقلت: أوصني! قال: أوصيك بتقوى الله فإنه رأس كل شيء، وعليك بالجهاد،
فإنه رهبانية الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن، فإنه روحك في السماء، وذكرك
في الأرض)، فلا يعدل الجهاد في العبادة شيء إلا الرهبانية التي لا يفتر صاحبها عن قيام
الليل، وصيام النهار، كما في الحديث الصحيح - كما عند الترمذي وأحمد - عن أبي هريرة
قال: قيل: يا رسول الله، ما يعدل الجهاد؟ قال: إنكم لا تستطيعونه. فردوا عليه مرتين،
أو ثلاثا، كل ذلك يقول: لا تستطيعونه، فقال في الثالثة: مثل المجاهد في سبيل الله مثل
القائم الصائم الذي لا يفتر من صلاة ولا صيام، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله)!
وهو ذروة سنام الإسلام كما في الحديث الصحيح -عند الترمذي وابن ماجه وأحمد-
عن معاذ بن جبل، قال: كنت مع النبي ﷺ في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله أخبرني
بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسير على من
يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان،
وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما
يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل قال: ثم تلا ﴿تتجافى جنوبهم عن المضاجع﴾،
حتى بلغ ﴿يعملون﴾، ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده، وذروة سنامه؟ قلت: بلى
يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال:
ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه قال: كف عليك هذا، فقلت:
يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس
في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)!
ومع عظيم فضل الجهاد في سبيل الله، حتى لم يذكر في القرآن فضل عمل كما
ذكر فضله، كما قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب
أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن
كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في
جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين﴾...
ومع هذا الفضل العظيم فقد تخلى
عنه كثير من أهل العلم وهجروه، مشايعة للحكومات وسياساتها، والأمة أحوج ما تكون إليه،
في وقت تداعت فيه عليها الأمم، تغزوها، وتحتل أرضها، وتهجر شعوبها، فيتحاشى علماؤها
ودعاتها الدعوة إلى جهادها، وتذكيرها به، فوقع ما حذر منه النبي ﷺ، كما في الحديث الصحيح -عند أحمد وأبي داود- عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم
الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)!
وكما في حديث عن ثوبان -عند أبي داود وأحمد بإسناد صحيح- قال: قال رسول الله ﷺ: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل:
ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله
من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله،
وما الوهن؟ قال: حب الدنيا، وكراهية الموت)، وفي لفظ عند أحمد: (قالوا: فما الوهن يا
رسول الله؟ قال: حبكم الدنيا وكراهيتكم القتال)!
وحتى صار الجهاد في سبيل الله
دفاعا عن الأمة وأرضها في وسائل الإعلام إرهابا مذموما، لا يكاد يذكر إلا في سياقه،
حتى تعطل القيام به إلا من عصابة مجاهدة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا
من خالفهم!
هذا مع ما أوجبه الله على المسلمين فرض عين من قتال من قاتلهم، وجهاد من
ظلمهم، كما قال تعالى: ﴿وقاتلوا في سبيل الله الذي يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا
يحب المعتدين﴾، وقال: ﴿أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين
أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله﴾، وقال في وجوب الدفاع عن المستضعفين
وأنه من الجهاد في سبيل الله: ﴿وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال
والنساء والولدان﴾، وجعل الدفاع عن الديار كالدفاع عن الدين فقال: ﴿لا ينهاكم الله
عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله
يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا
على إخراجكم أن تولهم﴾!
ومع ذلك كله لا يكاد من علماء الأمة وهيئات الإفتاء فيها من يدعو اليوم
للجهاد في حال الدفع عن المظلومين من المسلمين، وحين يغزو العدو دار الإسلام، فيقتل
أهلها، ويهجرهم من ديارهم، وقد أجمع الفقهاء على أن الجهاد يصبح في هذه الصور فرض عين
على كل قادر، لا يستأذن فيه الولد والده، ولا المرأة زوجها؛ فضلا عن السلطان الذي لا
يدعو إليه ولا يقوم به، بل يسجن من يدعو إليه ويقتله!
فأسأل الله أن يكون هذه الجزء سهما في سبيله معهم...
فاللهم سدد رميهم، ووفق رأيهم، ووحد صفهم، وعجل نصرهم آمين آمين..