الممارسات السياسية
بين الواقعية المصلحية والنظرية النسبية
بقلم أ.د. حاكم المطيري
الأمين العام لمؤتمر
الأمة
16 شوال 1437هـ
21 يوليو 2016م
لا
يمثل الخلاف في الرأي السياسي ولا الاختلاف في المواقف السياسة مشكلة في حد ذاتها؛
بقدر ما تمثله الفلسفات التي يعبر عنها هذا الرأي أو ذاك الموقف!
وهناك
فرق شاسع وبون واسع بين واقعية مصلحية، وواقعية تعبر عن النظرية النسبية التي لا تؤمن
أصلا بالحق والعدل والخير؛ بقدر إيمانها بنسبية المعرفة والحقائق كلها!
والخلط
بين الواقعية والنسبية -التي تروج لها الليبرالية العربية كدين جديد يجعل كل شيء قابلا
للشك والجدل- في ظل غزو خارجي أممي يفضي إلى انهيار المنظومة الفكرية التي عادة ما
تتسلح بها الأمم المظلومة في مواجهة الاحتلال، فتعلي من شأن القيم والمبادئ إيمانا
منها بها، أو على الأقل دفاعا عن وجودها وحقوقها!
فهناك
فرق بين من يقف مع عباس مراعاة منه لموازين القوى الدولية التي قد يراها ليست في صالح
القضية الفلسطينية؛ لكنه يرى بأن المحافظة على ما تحقق في هذه المرحلة إنجاز ينبغي
عدم التفريط به! وبين من يرى بأن حل الدولتين هو حل عادل ويجب الالتزام به ويجب احترام
حق العصابة الصهيونية في اغتصاب فلسطين كما تقتضيه القيم الإنسانية والمواثيق الدولية!
فالخلاف
مع الرأي الأول هو خلاف في وجهة نظر واختلاف في تقدير المصلحة؛ بينما الخلاف مع الثاني
هو خلاف عقائدي يعبر عن مفهوم مغاير تماما للحق والعدل والخير نفسه!
وعلى
هذا يتكرر الجدل:
أيهما
أحق وأوجب في العمل السياسي؛ مراعاة المنافع المصلحية أم الحقوق المبدئية؟
وأيهما
أهدى سبيلا:
١- من يقف مع عباس كقيادة سياسية واقعية،
أم من يقف مع حماس كقيادة مقاومة مبدئية؟
٢- من وقف مع السيسي بحجة المحافظة
على الأمن والاستقرار، أم من وقف مع مرسي دفاعا عن الحقوق والحريات والقصاص لدماء الأبرياء؟
٣- من يقف مع الحزب الإسلامي والعملية
السياسية في العراق في ظل الاحتلال الأمريكي والنظام الطائفي؛ للمحافظة على ما تبقى
لحاضنة المقاومة، أم من يقف مع المقاومة العراقية وهيئة علماء المسلمين التي ترى عدم
الاعتراف بشرعية الاحتلال وأنه لولا المقاومة وهزيمة أمريكا لما كانت هناك عملية سياسية
أصلا؟
٤- هل الأصوب موقف البوطي وحسون ومن
رأوا بأن الثورة مغامرة، أم موقف رياض الأسعد والجيش الحر والشعب الثائر من أجل إنسانيته
وحريته وكرامته؛ مهما كانت التضحيات ولو لم يكن من مصلحة إلا القضاء على الخطر الصفوي
-الذي كاد يبتلع الشام كما ابتلع العراق- لوجب الاستمرار بالثورة؟
٥- هل ما قام به الأفغان من جهاد الروس
ثم جهاد الأمريكان -حتى أسقطوا الاتحاد السوفيتي وتحرر ١٠٠ مليون مسلم في جمهوريات
آسيا الوسطى- جهاد يستحق كل هذه التضحيات، أم كان الأصوب هو عدم المواجهة أصلا والبحث
عن وسائل أخرى لمواجهة الاحتلالين الروسي والأمريكي كما فعل كرزاي؟
٦- هل ما فعله أمراء الطوائف في الأندلس
من تحالف مع القوى الصليبية كان واقعية سياسية اقتضتها المصلحة آنذاك؛ أم كان خيانة
تسببت بضياع الأندلس حتى لحقهم الذم إلى اليوم؟
٧- هل ما تقوم به الدول العربية الوظيفية
التي تحولت بلدانها إلى قواعد للجيوش الصليبية من المحيط إلى الخليج؛ بذريعة الدفاع
عن مصالحها الوطنية؛ تصرف سياسي صحيح وواقعية سياسية تستحق الاحترام، أم عجز يوجب على
الأمة تداركه وتقويم الخلل قبل الاصطلام؟
٨- هل المصالح التي يجب مراعاتها
هي المصالح الوطنية لكل بلد حتى وإن شكلت خطرا على الأمة كلها؛ أم يجب مراعاة مصالح
الأمة العليا والمواءمة بينها وبين المصالح الوطنية لكل قطر؟
٩- هل عاصفة الحزم كانت ضرورية فعلا
وتستحق كل ما يبذل من الأموال والرجال؛ أم كان بالإمكان الوقوف مع الشعب اليمني نفسه
ماديا وعسكريا ليواجه هو الخطر الإيراني والحوثي؟
١٠- هل نظام إيران الطائفي يشكل فعلا
خطرا على الأمة ووجودها وعقيدتها كخطر دولة إسرائيل، أم لا يوجد أصلا خطر لا من هذا
ولا ذاك وكل ما هنالك أنه لدى الأمة وشعوبها مشكلة في التعايش مع الآخر سواء كان غزوا
خارجيا أو طغيانا سياسيا وحين تصبح أكثر واقعية ستصبح أقدر على التصرف بشكل صحيح مع
ميليشيات الموت الإيرانية التي لم تفعل في سنوات أكثر مما فعله السيسي في رابعة والنهضة
في ساعات!
١١- هل المقاومة حق مشروع، أم مغامرة
يقدم عليها من ينتهي بهم الأمر على أعواد المشانق ليشمت السنوسي في ليبيا بعمر المختار
والثوار الذين لم يقدروا قوة إيطاليا؟
١٢- هل المشاركة في حصار المقاومة والثورة
وسجن قياداتها وتصفيتهم كما تفعل الدول العربية الوظيفية؛ بذريعة التعاون مع القوى
الدولية سياسة واقعية صحيحة، أم جريمة توجب على الأمة وشعوبها الثورة والتحرر من أغلال
العدو؛ حتى لا ينتهي الحال بها كما انتهى بالأمير عبدالقادر الجزائري الذي حاصره المولى
عبدالرحمن سلطان المغرب ليستسلم للفرنسيين؟
١٣- هل ما قامت به تركيا تجاه الشعب
السوري المظلوم كان سياسة واقعية صحيحة، أم خطأ تدفع ثمنه تركيا اليوم حين طغت المثالية
السياسية على الواقعية؟
١٤- هل التحالف مع أمريكا؛ بذريعة
مواجهة النظام الإيراني الطائفي وإثارة الأقليات داخل إيران لتقسيمها في صالح الأمة
إستراتيجيا، أم في صالح الاحتلال الأمريكي لتزداد المنطقة ضعفا على ضعف؛ بخلاف الرهان
على الشعب الإيراني الذي بإمكانه تغيير نظامه والمصالحة مع محيطه؛ دون تعريض المنطقة
لحروب وظيفية تنتهي لصالح العدو الغربي؟
أسئلة
لن يستطيع حسم الإجابة عنها السياسيون ولا المفكرون؛ بل الأمة وشعوبها هي وحدها التي
تقرر الإجابة من خلال حراكها الجمعي وفاعليتها وقدرتها على التغيير، وسيظل التاريخ
حكما على صحة مواقفها أو خطئها {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا}.