مؤتمرات ومؤامرات
أ.د.
حاكم المطيري
الأمين العام لمؤتمر الأمة
25 مايو 2017
تفاجأ الجميع بما جرى في القمة الأمريكية الإسلامية، وأسقط في أيدي كثير
من الحالمين الذين ظلوا يعيشون وهما كبيرا بأنه سيأتي من رحم الأنظمة الوظيفية من يعيد
الأمور إلى نصابها، دون أن يدركوا استحالة حدوث ذلك؛ لظروف خاصة بالدول الوظيفية التي
فرضها المحتل، لتحقيق هدف واحد، هو بقاؤه هو؛ ولهذا يصبح الرهان عليها ضربا من الجنون!
وليس فيما جرى في تلك القمة ما هو أكثر غرابة مما جرى في أمها التي ولدتها
ألا وهي مؤامرة أو (مؤتمر مدريد) الذي عقد سنة ١٩٩١ لتحقيق السلام بين العرب وإسرائيل
برعاية أمريكية وتمويل خليجي، ومنذ تلك اللحظة؛ والرقص لم يتوقف على جسد أمة؛ يراد
بيعها في سوق النخاسة الدولية، وكنت قد كتبت مقالا قبل عشرين سنة بعنوان (رقص في مدريد)
نُشر في صفحة المشكاة في صحيفة الوطن سنة ١٩٩٧م؛ يعبر عن تلك الحفلة التنكرية التي
لم يعرف العرب والمسلمون من يمثلهم فيها! حيث قلت فيه: (جميل
جدا ومضحك أيضا رفض إحدى المجلات الأسبوعية للتكفير، فقد صار للإسلام -أخيرا- مكان
في هذه المجلة، التي بدأت ماركسية حمراء، ثم تحولت -بالقوة- إلى ليبرالية صفراء تميل
حيثما مالت بها الأهواء! فشرقية إن كان الهوى شرقيا، وغربية إن كان الهوى غربيا، تتعامل
مع المبادئ والأفكار كما يتعامل التجار في سوق الخضار، كل يوم تعرض بضاعة جديدة، أو
لسنا في بلد تجاري؟!
ولم يكن بين دين (هذه المجلة) القديم، ودينها الجديد سوى
حفل مدريد، وما أدراك ما حفل مدريد!!
ذلك الحفل الذي أصبح كصندوق الحاوي، ما أن يخرج منه شيء
غريب فيدهشك، حتى يتبعه ما هو أكثر غرابة فيصعقك، فقد انقلب بعده الماركسيون العرب
إلى باركليسيين ليبراليين؟!
وتحول الاشتراكيون إلى رأسماليين!
وتحالف الديمقراطيون مع أنظمة العسكر الديكتاتوريين!
ولبس الراديكاليون أقنعة الليبراليين!
وتكلم العلمانيون باسم الدين!
ودافع أدعياء الدين عن العلمانيين!
واجتمع العرب والإسرائيليون في خندق واحد لمواجهة الأصوليين!
وخرج علينا من الإسلاميين -بعد مؤتمر مدريد- من يبرر نظرية
(دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر)!
ومن يرى الإسلاميين أشد خطرا على الأمة من العلمانيين!
ومن يرى توحيد الحكم لله من فروع الشريعة، وطاعة الرؤساء
من أصول الدين!
ومن يتورع عن إطلاق وصف العلمانية على العلمانيين، ولا يتحرج
من إطلاق وصف الخوارج المارقين على العلماء والمصلحين!
واختلطت الأوراق، والحابل بالنابل، والأحمر بالأصفر، وصار
كلٌّ يحاكي الآخر في صوته وحركاته، ويرقصون طربا، في حفلة تنكرية، في ليلة صاخبة، أمسى
فيها الهلال سداسيا؛ فما عدنا نعرف فيها الليبرالي من الراديكالي، والإسلامي من العلماني،
والعربي من الإسرائيلي في حفل كانت قرابينه وضحاياه أرض الله المباركة فلسطين، وعباد
الله المؤمنين؟!
كل ذلك حدث -فقط- بعد حفل مدريد، وما أدراك ما حفل مدريد
!!
ومن كان يظن أن إسرائيل -والغرب من ورائها- لا تحمل عداوة
للإسلام، ولا تضمر شرا لأهله ودعاته، بكل وسيلة؛ بدعوى مواجهة الأصولية في الشرق الأوسط،
من ظن ذلك؛ فإنما يظن كفرًا وينكر واقعًا!
لقد أصبحنا بعد ذلك الحفل نعيش حالا مضطربة يصبح الرجل مؤمنا
ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل؛ كما جاء في
الصحيح!
حال أحد مظاهر جنونها ما جاء في خطاب (هذه المجلة) الجديد
الذي لم يكن سوى أثر من آثار تلك الليلة الليلاء، والحفلة التنكرية الحمراء، التي لبس
فيها الجميع أقنعتهم وأخفوا وجوههم، فصارت (هذه المجلة) والطليعيون حمائم سلام، ودعاة
إسلام، يرفضون تكفير المسلمين وإخراجهم من الدين، بعد أن كان الدين تخلفا، ورجعية،
وأفيونا للشعوب، ولا إله والحياة مادة؟!... فهل رأيتم أو سمعتم بمثل هذا الجنون؟! إنه
أثر خمرة تلك الحفلة التنكرية، ونشوة حفلة مدريد، وما زالت الأقنعة على الوجوه، وما
زال الحفل الصاخب مستمرا، وما زال في صندوق الحاوي غرائب وعجائب، ألا سحقا لحفل مدريد!)!
فما أشبه رقص الليلة بالبارحة، وما أشبه مؤتمراتهم بمؤامراتهم، ﴿ولا يحيق
المكر السيء إلا بأهله﴾.