"الثورة
العربية والملحمة الحتمية"
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
١٦ شوال ١٤٣٨هـ
١٠ يوليو ٢٠١٧م
المحللون البرجوازيون!
يتحدثون عن ضرورة تجنب الجماعات الإسلامية للمواجهة مع القوى الدولية؛
لعدم التكافؤ بين الطرفين!
وتجاهلوا بأن فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وأسبانيا احتلت العالم العربي من
المشرق إلى المغرب من ١٨٣٢ - ١٩٢٠م وقتلت وهجرت الملايين من شعوبه ولم تكن هناك جماعات
إسلامية أصلا!
واحتل اليهود فلسطين وقتلوا وهجروا شعبها بالملايين ولم تكن هناك جماعات!
واحتلت روسيا أفغانستان سنة ١٩٧٨م ودكت مدنه وهجرت الملايين من شعبه قبل أن توجد الجماعات!
وحاصر الصرب سراييفو ومدن البوسنة ١٩٩٢ - ١٩٩٥م وقتلوا الآلاف وهجروا شعبها
ولم يكن فيها جماعات!
واحتلت روسيا الشيشان وغروزني التي ساواها القصف الروسي بالأرض سنة
١٩٩٤ و ١٩٩٩م!
واحتلت أمريكا وبريطانيا العراق ٢٠٠٣م ولم يكن فيه جماعات فقتلت أكثر من
مليون عراقي وهجرت الملايين وما زال العراق تحت التدمير الممنهج!
وهذا ما يجري اليوم في سوريا الذي أراد شعبها فقط التحرر من قبضة الطاغية؛
فصار النظام الدولي كله يشارك في حصاره وقتله؛ ليظل وشعوب المنطقة كلها تحت النفوذ
الروسي الأمريكي الذي يسيطر عليها ويتحكم بها منذ الحرب العالمية الثانية حتى اليوم!
فتحميل الجماعات الإسلامية مسئولية ما يجري سذاجة وسطحية وكأن الغرب يغزو
المنطقة بسبب وجود الجماعات وليس امتدادا لحملاته التي لم تتوقف طوال تاريخ الإسلام،
وكأنه يغزوها فعلا لمكافحة الإرهاب والتطرف لا بسبب الثروات ولا ليحتل المنطقة ويسيطر
عليها!
هذه حروب صليبية استعمارية كبرى معركتها مع الأمة وشعوبها وهدفها طمس دينها
ونهب ثرواتها واستعباد شعوبها، وليست الجماعات سببا للحروب ولا هدفا لها؛ وإنما هي
شماعة لقتل الشعوب بذريعة الإرهاب!
إن حروب التحرير تخوضها الشعوب لا الجماعات، وتدفع الشعوب ثمنها - شاءت
أم أبت - ملايين القتلى والجرحى لتفوز بالحرية والسيادة، وهذا قدر العرب في هذه الملحمة
التي فرضت عليهم ولم يختاروها، وليس لهم إلا أن ينهضوا لها كما فعلت كل الأمم التي
نهضت لمواجهة المحتل، دون أن يلتفتوا إلى ضحاياهم وخسائرهم فيها، فالحرية والتحرر من
المحتل الأجنبي لا يعادلهما ثمن، فلم يؤت العرب من قلة عدد؛ فهم ٤٠٠ مليون نسمة، ولم
يقدموا حتى الآن ما قدمته شعوب أوربا في الحرب العالمية الثانية لتتحرر من النازية
حيث بلغ ضحاياها نحو ٦٠ مليون قتيل، ودكت حضارتها ومدنها في الحروب من أجل تحررها!
كما لم يؤت العرب من قلة ثرواتهم فتحت أرضهم ثروات العالم كله ونفطه وغازه،
وإنما أوتوا من خور العزيمة، وخيانة الرؤساء، وجبن العلماء، إلا من رحم الله، وإلا
فالشعوب قد ضحت وتصدت لهذه الحملات الصليبية وهي التي تقدم ملايين المهجرين والشهداء
والجرحى، وهي أصدق عزما، وأهدى سبيلا، بفطرتها وعفويتها وفوضويتها، من حكوماتها الوظيفية
التي خدعتها بوهم الاستقلال، فتآمرت عليها، وتحالفت مع عدوها، وسلمتها للمحتل من جديد!
فلم يستطع العدو أن يحقق أهدافه
حتى الآن ويريد أن يحقق بالحرب الإعلامية والنفسية والمؤامرات السياسية ما عجز عنه
بالحروب العسكرية الوحشية ولن يفلح بإذن الله فقد عرفت الأمة وشعوبها طريقها ومضت في
ثورتها ولن تقف إلا حين تتحرر من أغلال عبوديتها!