عٍجْلُ الوطنيّة
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
٣ /١٢/ ١٤٣٨
٢٥/ ٨/ ٢٠١٧
شرعنوا الدولة الوطنية، فلما احتلت أمريكا
العراق وروسيا سوريا؛ عاد الجميع لانتماءاتهم العقائدية؛ وظل عباد عجل الوطنية عاكفين
عليه!
لقد اصطف الليبراليون العرب خلف أمريكا؛
بسبب الولاء الأيديولوجي، ووقف اليساريون العرب خلف روسيا، والصفويون العرب خلف إيران؛
وأصبح المسلمون ضحية أوهام الوطنيات القطرية التي حالت بينهم وبين الدفاع عن إخوانهم
في فلسطين والعراق وسوريا وليبيا؛ التزاما منهم بحدود الدول القطرية وسياسة أنظمتها
الوظيفية التي تشارك العدو في حملاته الصليبية ضد الأمة وشعوبها؛ بينما لم تمنع هذه
الحدود العدو الخارجي من احتلالها وجلب كل شذاذ الآفاق لقتل شعوبها!
وصحا الفلسطينيون والعراقيون والسوريون
من خمرة الوطنية التي أفتى الإسلاميون بإباحتها؛ فإذا هي تفتك بجسد أمتهم وبوحدتهم
وبأخوتهم وبأرضهم، وبولائهم لله ورسوله وللمؤمنين؛ ليرضى عنهم عدو الله وعدوهم، الذي
يقتلهم ويهجرهم بالملايين دون أن يسمح لهم بالخروج من حدودهم التي رسمها لهم وفرضها
عليهم باسم الوطنية التي آمنوا بها حتى أشربت قلوبهم حبها، وعبدوا عجلها!
حوار على ضفاف نهر الجنون!
قال: لم ترفض الوطنية؟
قلت: لأنها نقيض الإسلام!
قال: لا تعارض بين الانتماء للوطن والانتماء
للدين!
قلت: لا نتحدث عن الانتماء الطبيعي للوطن،
بل عن الوطنية كعقيدة سياسية توجب حصر الولاء للوطن، والطاعة للدولة الوطنية؛ وبهذا
صارت دينا كما كل الأديان!
قال: هذا تطور طبيعي وتنظيم لشئون المجتمعات!
قلت: بل تحول فرضه الغرب بمنظومته السياسية
والفكرية ويعبر عن إرادته تجاه المنطقة أكثر من تعبيره عن إرادة شعوبها التي وحّدها
الإسلام وفرّقتها الوطنيات!
قال: وأين تكمن الأزمة فيها؟
قلت: ما الذي يجب شرعا على المسلمين حين
يتعرض شعب مسلم لعدوان وظلم خارجي؟
قال: النصرة حسب القدرة!
قلت: هذا يتعارض مع مبدأ الدولة الوطنية
ذاته؟
قال: الدولة الوطنية تعترف بالانتماء القومي
والديني!
قلت: فإن هبّ المسلمون لنصرته بالمال والنفس
ورفضت الدولة بذريعة مصلحتها الوطنية؟
قال: يجب الالتزام بسياسة الدولة!
قلت: فصار الولاء والطاعة بالنهاية للدولة
لا لله ولا لرسوله ولا للمؤمنين كما قرره الإسلام؟
قال: المصلحة قد تقتضي لزوم الحياد حتى
لا تتسع دائرة الخطر على المسلمين!
قلت: فإن تجاوزت الدولة الوطنية الحياد
وشاركت العدو بالمال أو الرجال والقتال معه ضد هذا الشعب المسلم المظلوم؛ كما تقتضيه
مصلحتها الوطنية؛ أليس ذلك ردة وكفرا بواحا؟
قال: قد تكون حال ضرورة؛ لا يمكن الحكم
بالردة!
قلت: هل تبيح الضرورة قتل إنسان ظلما؛ فضلا
عن شعب مسلم؟
قال: لا!
قلت: هبْ أنه ليس كفرا بواحا؛ فهل يحل للشعب
فيها طاعتها في المشاركة في هذا العدوان على إخوانهم المسلمين؟
قال: لا!
قلت: فأيهما يجب طاعته هنا ما تقرره الدولة
الوطنية أم ما يوجبه الإسلام؟
قال: ما يوجبه الإسلام!
قلت: وأيهما يجب موالاته ونصرته المسلمين
المظلومين أم الدولة الوطنية التي خاضت الحرب ضدهم مع العدو؟
قال: المسلمين!
قلت: فقد تخليت عن الوطنية!
قال: ليس بالضرورة!
قلت: فقد تخليت عن الإسلام إذن!
فإذا كانت كل هذه الإشكالات تواجه العقيدة
الوطنية في جزئية واحدة تدفع الأمة كلها ثمنها من دمائها وأموالها وولائها؛ فما بالك
بباقي إشكالاتها التي لا حصر لها!