بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الربيع العربي ومعركة الوعي
بقلم أ.د. حاكم المطيري
تنزيل الكتاب
المقدمة:
الحمد الله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه،
وبعد..
فقد عادت اليوم -كما توقعنا من قبل- ثورة الشعوب العربية في موجتها الثانية
في السودان والجزائر وليبيا وسوريا أشد ما تكون إيمانا بقضيتها، وأقوى شكيمة في خوض
معركتها من أجل حريتها وكرامتها وإنسانيتها، بعد أن ظنت الثورة المضادة -برعاية النظام
الغربي ووكيله الوظيفي العربي- بأنها استطاعت القضاء عليها بعد انقلاب السيسي في مصر
٢٠١٣م، وبعد شن الثورة المضادة حروبها الوظيفية على شعوبها في سوريا واليمن وليبيا
والعراق؛ للقضاء على ثوراتها بذريعة مكافحة الإرهاب والتطرف، لتؤكد هذه الموجة الثانية
بأن الأمة وشعوبها ماضية في ثورتها إلى قدر رباني، وموعود قرآني، لا يتخلف أبدا بالنصر
والتأييد، حتى يتحقق الظهور من جديد!
ولعل أخطر تحولات هذه الفترة على الإطلاق بعد بدء الثورة المضادة ما يجري
في جزيرة العرب -منذ إعلان ترامب عن مشروعه في مؤتمر الرياض ٢٠١٧م- من تسارع وتيرة
التطبيع مع المحتل الصهيوني، وفرض الثقافة الغربية الإباحية بالقوة على شعوبها! وفتح
المنطقة على مصراعيها أمام مشروع الحملة الصليبية بكل جرأة وتحد للأمة ودينها وخصوصيتها
لتنفيذ صفقة القرن! هذا المشروع الذي تُوّج بمباركة بابا روما الذي أقام قداسه للتبشير
بالنصرانية في جزيرة العرب مطلع هذا العام ٢٠١٩م لأول مرة في التاريخ؛ للإعلان عن عودة
الوثنية إليها بشكل رسمي وتداع أممي بعد أن طهرها الإسلام منه بالتوحيد منذ ظهور النبي
ﷺ وفتح
مكة!
فكان هذا الإعلان إيذانا بسقوط جزيرة العرب -حررها الله- كآخر حصون الإسلام
أمام زحف الحملة الصليبية الذي لم يتوقف منذ سقوط الخلافة الإسلامية حتى اليوم!
وقد كانت المفاجأة لشعوب الأمة عامة وجزيرة العرب خاصة عدم حدوث ردة فعل
من علمائها وشيوخها وهيئاتها العلمائية تجاه هذه الكارثة، فلم يجرؤ أحد على إصدار فتوى
أو بيان يرفض ذلك إلا بعض الأصوات التي تهمس همسا!
وقد كان ذلك السكوت نتيجة طبيعة للخطاب الديني السلطاني المبدل الذي ساد
منذ عقود، والذي تجلى في أوضح صوره بعودة خطاب علي عبد الرازق بثوب إسلامي حركي وفقهي
مقاصدي تارة، وثوب سلفي أثري تارة أخرى؛ والذي جعل للأنظمة الوظيفية التي فرضها المحتل
الغربي نفسه شرعية وطاعة دينية باسم الإسلام والسنة والسلفية تارة، والواقعية السياسية
تارة أخرى! وهو ما أدى في النهاية إلى سقوط جزيرة العرب كلها تحت نفوذ الحملة الصليبية
الصهيونية بشكل مباشر دون حدوث أي ردة فعل مجتمعي شعبي بعد أن تم شرعنة هذا الواقع
بخطاب ديني!
كيف آل حال شعوب جزيرة العرب إلى هذا الحال، وهم أشد العرب أنفة وحمية
وبأسا؟
وكيف تم إخضاعها على هذا النحو حتى بلغ الأمر هذا الحد من الاستخفاف بدينهم
وقيمهم وأرضهم وثرواتهم؟!
لقد كان وراء ذلك خطاب ديني وثقافي مكثف بتوجيه من الأنظمة الوظيفية ظل
منذ عقود يمارس مهمته في تغييب الوعي الجمعي، وتعزيز مفاهيم الطاعة الشرعية الدينية
لأنظمة جبرية وراثية فرضها المحتل الغربي!
ولم تكن تلك الأنظمة أصلا في حاجة للشرعية الدينية مع توجهاتها العلمانية
الليبرالية المبكرة لولا إدراك المحتل نفسه أن الدين يمثل أخطر محفزات الثورة والمقاومة
ضده؛ ولهذا كانت تقارير المسئولين البريطانيين في المنطقة توصي بعدم ترك الفضاء الديني
في العالم الإسلامي دون ملء ومراقبة وضبط وتوجيه حتى لا يفسح المجال لظهور علماء دين
مهووسين يدعون إلى الجهاد!
وقد كانت الأنظمة الخليجية بإشراف أمريكي قد أعدّت العدّة لمثل هذه التحولات
في جزيرة العرب -منذ بدء تنفيذ هذا المشروع الأمريكي في الخليج سنة ١٤١١هـ- ١٩٩٠م؛
لخوض هذه المعركة الفكرية لمواجهة كل الأفكار التي قد تدعو إلى التغيير ومقاومة هذا
التحول- عبر جماعاتها الإسلامية التقليدية، ومؤسساتها الدينية، وهيئات الفتوى الرسمية،
حتى بدا ذلك بكل وضوح بما يصدر اليوم من (رابطة العالم الإسلامي)، و(اتحاد علماء المسلمين)،
و(مجلس حكماء المسلمين)، و(منتدى السلم)، والتي باركت كلها زيارة البابا والوثيقة الإنسانية
التي دعا إليها من جزيرة العرب وهي تئن تحت وطأة احتلال جيوش الحملة الصليبية وقواعدها
العسكرية!
لقد كان سقوط جزيرة العرب على هذا النحو الخطير نتيجة حتمية لغياب إرادة
شعوبها الحرة عما يجري لها، وغياب الوعي السياسي والشرعي للواقع الذي ظلت الحملة الصليبية
تعيد تشكيله وفق مشروعها التبشيري حتى تفاجأت شعوب الخليج بالانهيار الذي وصلت له المنطقة
بعد وصول ترامب للرئاسة؛ حيث كشف بكل وضوح عن طبيعة الأنظمة الوظيفية ومن يختارها ومن
يسوس أمورها وحتى صرح ترامب أمام العالم لقد أوصلنا رجالنا للسلطة!
لقد كان هذا هو واقع المنطقة السياسي البائس منذ سقوط الخلافة وتقاسم الحملة
الصليبية أقاليمها، وفرض بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا سيطرتها عليها بعد الحرب
العالمية الأولى، ثم ورثتها أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، غير أن ترامب كان الأجرأ
على كشف الستار عن المشهد بلا دبلوماسية، وبأسلوب فج وقح كما هي أساليب عصابات الكاوبوي!
فبانت طبيعة الأنظمة الوظيفية أمام شعوبها بعد سقوط ورقة التوت التي كانت
تستر عورتها!
وأسقط في أيدي الدعاة والمصلحين الذين طالما أكدوا شرعية الأنظمة الوظيفية
ووجوب التعاون معها، وأن هذه هي الحكمة لتحقيق الإصلاح والدعوة إلى الله؛ فإذا هم أول
ضحايا هذه الحملة الصليبية الجديدة!
فلما أرادوا من شعوبهم النصرة لهم؛ فإذا هي أسيرة خطابهم الاسترخائي الذي
طالما خدروها به!
لقد انتهى كما بدأ مشهد الصحوة الدينية في الخليج برعاية حكوماته -بعد
أن استنفد أغراضه في مواجهة تمدد الشيوعية ثم الثورة الإيرانية- كفصل من مسرحية هزلية؛
ليبدأ مشهد الليبرالية الإباحية الذي حان وقت عرضه كما يريد المخرج الأمريكي!
لقد ظلت المجتمعات العربية -منذ سقوطها تحت نفوذ الحملة الصليبية حتى
اليوم- حقل تجارب لكل النظريات الاستعمارية الغربية من خطة دوجلاس دنلوب إلى برامج
مؤسسة راند وكوشنر؛ لإعادة إنتاج الوعي والتحكم فيه وفق شروط المحتل، فتم رفع الحس
الديني سنة ١٩٨٠م؛ لاستثماره في مواجهة روسيا الشيوعية والثورة الإيرانية وثورة جهيمان،
وتم خفضه سنة ٢٠١٧م؛ لفرض مشروع ترامب وتغريب الخليج وجزيرة العرب وفتحها على مصراعيها
أمام الثقافة الإباحية الغربية والوثنية الصليبية!
فلم يكن ما جرى في الخليج منذ ١٩٨٠م صحوة إسلامية كما توهم كثيرون
حتى كانت أنشطتها الدينية تقام في كل الولايات الأمريكية وأوربا بتسهيل ورعاية من
سفارات الخليج! بل كانت حالة دينية مصنوعة رعتها الأنظمة ضمن إستراتيجية أمريكا
لتوظيف الإسلام والعالم الإسلامي؛ كما اعترف بذلك بندر بن سلطان في مذكراته؛ حيث
يقول: (لم نستخدم مقولات الشرق الغرب، أو العداء الأميركي للشيوعية، بل استخدمنا
الدين! قلنا الشيوعيون ملحدون إنهم غير مؤمنين ونحن نحارب لأسباب دينية، وجيشنا
العالم الإسلامي وراءنا، وهو ما توافق تماما مع إستراتيجية ريغن لقتال الاتحاد
السوفياتي في منطقة لا يستطيعون التأثير فيها كما نؤثّر نحن) وذلك لمواجهة روسيا
الشيوعية خاصة بعد احتلالها أفغانستان ١٩٧٨م، ولمنع تمدد الثورة الإيرانية
التي ألهبت حماس الشعوب آنذاك ١٩٧٩م، ولقمع ثورة جهيمان ١٩٨٠م التي عبرت عن حراك
ديني مجتمعي خارج رقابة السلطة السعودية مما اضطرها للبس ثوب إسلامي بعد عقود من
التغريب للمجتمع وقد أنهى ترامب هذه الصحوة في الخليج بقرار واحد بعد أن استنفدت
أغراضها كما بدأها الرئيس ريغان بقرار!
فألقت
عصاها واستقر بها النوى *** كما يقر عينا بالإياب المسافر
وانتهى بذلك شهر العسل الأمريكي الإسلامي؛ فصار كل نشاط إسلامي اليوم في
العالم كله تحت الرقابة والاتهام بالإرهاب!
لقد بدأ مشروع تغريب الخليج وسلخ مجتمعاته من دينها مبكرا واستطاعت الأنظمة
الخليجية بالجماعات الوظيفية مواجهة كل حركات المقاومة والتغيير بخطاب ديني يضفي الشرعية
عليها حتى بلغ مشروع الارتداد عن الإسلام مداه اليوم بمشروع ترامب وفرض الثقافة الصليبية
الغربية وإعادة الوثنية دون حدوث أي ردة فعل مجتمعي بعد أن ساهمت الصحوة في شرعنة الدول
الوظيفية نفسها تحت ظل الحملة الصليبية!
لقد كانت
الحالة الدينية في الخليج بكل جماعاتها التقليدية والحركية تمارس دورها برعاية رسمية
فلم تعبر يوما ما -باستثناء ثورة جهيمان- عن حراك مجتمعي حقيقي بقدر ما كانت تعبر عن
توجه الأنظمة التي صنعتها وتتحكم بها، فما إن رفعت الرعاية عنها وفرضت التغريب بعد
إعلان ترامب حتى انتهى كل شيء، وانتهى معه فيلم الصحوة ليبدأ بعده فيلم الغفوة!
وقد كان أشد تلك الأفكار خطورة والتي عبرت عن جذور الأزمة العقائدية الفكرية
ما أثارته هذه الجماعات وكتّابها من شبه على كتاب (الحرية أو الطوفان) منذ صدوره سنة
١٤٢٤هـ- ٢٠٠٣م، ثم زادت الحرب الفكرية والإعلامية في الخليج على كتاب (الحرية) بعد
الثورة العربية ١٤٣٢هـ- ٢٠١١م، ثم بعد الثورة المضادة ١٤٣٤هـ- ٢٠١٣م!
وهي معركة كشفت بجلاء جذور الأزمة العميقة لهذا الخطاب الديني الذي لم
يترك أصلا من أصول الإسلام السياسية إلا نقضه أو أثار الشبه حوله باسم السنة والسلفية،
أو باسم النهضة والواقعية، ابتداء من الخلافة الراشدة كأصل للنظام السياسي الإسلامي،
وانتهاء بوحدة الأمة، والجهاد دفاعا عنها!
لقد تم صناعة هذا الخطاب ورعايته وترويجه عبر كل وسائل الإعلام وفتحت له
الفضائيات لإعادة صياغة العقل الإسلامي على نحو يخدم الواقع أو يتعايش معه على أحسن
أحواله، وكل ذلك للحيلولة دون امتداد الربيع العربي ووصوله إلى منطقة الخليج والجزيرة
العربية التي تعدّ درّة التاج الأمريكي!
وكان من أعجب ما حدث بعد الثورة المضادة: أن الجماعات الإسلامية الخليجية
التي وقفت مع ثورات الشعوب العربية؛ اصطفت خلف حكوماتها التي تحارب الربيع العربي!
ولعل معركة الوعي بالعدو وأدواته ووسائله هي أخطر معركة تخوضها شعوب الأمة
اليوم وهي تواجه هذه الحرب الصليبية غير المسبوقة لمنعها من التحرر من نفوذها، ولعل
أشد وسائلها خطرا توظيف الإسلام نفسه -كما جرى في مؤتمر الشيشان، ومؤتمر واشنطن، ومؤتمر
مكة- لمواجهة ثورة الأمة وشعوبها، تحت شعار ضرورة حماية السلم العالمي ومواجهة العنف
والتطرف!
وليس التوظيف الذي نعنيه ونحذر منه سوى قدرة العدو المحتل -عبر دوله وحكوماته
ومؤسساته في المنطقة- على التحكم بمواقف الجماعات والهيئات والعلماء والكتّاب وتوجيهها
بما يحقق أهدافه، ولا علاقة لذلك بحسن النية، ونبل القصد؛ بقدر ارتباطه بخطورة الأفعال
نفسها ومآلاتها، فالقابلية للتوظيف والقيام بالدور الوظيفي؛ ليس بالضرورة دليلا على
سوء القصد؛ بل هو في غالبه دليل على حالة العجز التي يعيشها الجميع تحت ظل دول لا يمكن
لهم تحقيق الإصلاح فيها بكل الوسائل السلمية والثورية؛ لأنه لا يمكن تغيير واقعها أصلا
قبل تحريرها من المحتل وهو ما يتحاشى الجميع مواجهته!
فالدولة العربية الوظيفية بطبيعتها أُسست منذ سايكس بيكو لتحقيق غرض إستراتيجي
غربي وهو عدم تحرر شعوبها، أو استعادتها سيادتها، والمنع من وحدتها، والحيلولة دون
قيام خلافتها، وفتح الطريق فقط لمن يخضع لهذه الشروط فردا كان أو جماعة لممارسة دوره
ونشاطه السياسي والدعوي والتجاري، والتمتع بالاعتراف الرسمي والأممي، وكلما كان دوره
أكثر إيجابية في خدمة هذه الأهداف؛ كانت الرعاية الغربية له أكبر إلى حد السماح له
بالوصول إلى السلطة نفسها ما دام ملتزما بسقف الدولة العربية الوظيفية، حتى إذا خرج
عن هذا الخط؛ كان السجن والقتل والنفي جزاءه مهما تمتع بشعبية سياسية؛ وهو ما تجلى
بكل وضوح بعد انقلاب السيسي!
فكل من يعترف بشرعية الدول العربية الوظيفية، والحدود القطرية الوطنية
التي رسمها سايكس بيكو، والتبعية للغرب ونظامه الدولي، ويتخلى تماما عن حق مقاومة المحتل
وجهاده، من أي جماعة وحزب كان؛ فقد أصبح -علم أو لم يعلم أراد أو لم يرد- جزءًا من
هذه المنظومة الوظيفية التي تحكم المنطقة بالجيوش الصليبية وقواعدها العسكرية!
لقد أعاد الغرب المحتل شعوب الأمة إلى حظيرته مرارا كلما ثارت عليه
عبر أنظمته الوظيفية بإضفاء الشرعية الدينية عليها بتحالفها مع الجماعات كما جرى في:
١- سوريا حيث بدأت أمريكا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية
مباشرة بالسيطرة عبر الانقلابات على العالم العربي -الذي كان يخضع للاحتلالين
البريطاني والفرنسي- وذلك في سنة ١٩٤٩م بالوقوف خلف أول انقلاب عسكري بقيادة حسني
الزعيم لقطع الطريق على الثورة الشعبية، وكان الانقلاب بتأييد من حزب البعث وجماعة
الإخوان المسلمين والذين انطلق خطباؤهم في الجامع الأموي في دمشق يحثون الجماهير
على التظاهر تأييدا للانقلاب العسكري كما ذكر أكرم الحوراني في مذكراته ٢/ ٩٤٠ إذ
قال (ففي جامع بني أمية حيا خطيب الجمعة الشيخ بشير الخطيب الانقلاب وقال: إن الله
قيض للبلاد منقذا بشخص الزعيم الذي أنقذ الجيش من الانهيار والبلاد من ثورات
داخلية… وقام على أثره خطيبان أحدهما من الإخوان المسلمين والآخر من حزب البعث
العربي)! وكما يقول أوين في كتابه: (أكرم الحوراني): (لقد تأكد حديثًا بعد السماح
بنشر بعض الوثائق السرية، وبعد ما يقرب من أربعين عامًا من انقلاب حسني الزعيم
تورط الولايات المتحدة بأول انقلاب عسكري في العالم العربي، وكان قد أُشيع لسنوات
بأنها ساندت انقلاب حسني الزعيم، كما كان مايلز كوبلند عضو المخابرات المركزية
السابق قد ذكر في كتابه لعبة الأمم عن المساعدات الأمريكية لحسني الزعيم. ولكن
روايته لم تؤخذ آنذاك على محمل الجد، واستنادًا لما كتبه فإن سورية كانت على حافة
اضطراب سياسي عنيف، بينما كانت حكومة الكتلة الوطنية عمياء عنه. ورأى السفير
الأمريكي في سورية أن الأوضاع ستأخذ أحد مجرين: إما احتمال قيام الانتهازيين
قريبًا مع مساعدة السوفييت بانتفاضة دموية، أو أن يسيطر الجيش على السلطة بمساعدة
الأمريكيين السرية للمحافظة على النظام، إلى حين إحداث ثورة سلمية. ويقول المؤلف
أيضًا: وهكذا شرعت المفوضية الأمريكية بالقيام بعملية هدفها تشجيع الجيش السوري
على القيام بانقلاب، من أجل الحفاظ على سورية من الاختراق السوفييتي، وجلبها إلى
طاولة السلام مع إسرائيل، ولم يكن حسني الزعيم الخيار الأول لفريق العمل السياسي
الأمريكي المشرف على العملية، ولكنه أصبح هدفها لأنه لم يكن هناك الكثير مما يمكن
عمله، لقد رأى فيه الأمريكيون نواحي إيجابية عديدة، فقد كانت له مواقف شديدة
العداء للاتحاد السوفييتي، وكان يرغب في الحصول على مساعدات عسكرية أمريكية،
بالإضافة لكونه مستعداً لعمل بناّء بخصوص (القضية الفلسطينية)، واستنادًا للوثائق
السرية التي سمح بنشرها التقى الزعيم حسني الزعيم مرات مع مسؤول من السفارة
الأمريكية، للنقاش حول الانقلاب، وقد بدأت هذه اللقاءات في أواخر ١٩٤٨، وانتهى
الإعداد للانقلاب أوائل ١٩٤٩، وفي شهر آذار من العام نفسه تقدم حسني الزعيم بطلب
المساعدة من الأمريكيين للقيام بانقلابه).
٢- وكما جرى لثورة الشعب المصري على بريطانيا في يناير سنة ١٩٥٢م
التي أدت إلى احتراق القاهرة لمدة خمسين يوما، وانتهت الثورة الشعبية العارمة
بترتيب أمريكا لانقلاب الضباط الأحرار، بعد أن تم إضفاء الشرعية الشعبية عليهم من
جماعة الإخوان التي أوكل لها حماية السفارات الأجنبية؛ كما اعترف بذلك يوسف ندا في
مذكراته، حيث قال عن دور الحركة الإسلامية في انقلاب ١٩٥٢م في مصر: (وصلنا إخطار
مسبق بوقوع انقلاب وشيك، وأمرنا بحماية السفارات الأجنبية والبنوك والمباني
الحكومية… وكلفوني بالمساعدة في حراسة القنصلية البريطانية في الإسكندرية… وعقب
نجاح الانقلاب أطلق سراح من تبقى من المعتقلين… وكانوا يظنون فيه شدة الوفاء –أي
جمال عبد الناصر– لكنه انقلب عليهم)! فلما أحكم الضباط سيطرتهم على مصر وحظروا كل
الأحزاب بدعم من الإخوان انقضوا عليهم!
حتى
إذا ثار الشعب المصري مرة أخرى على السادات وقتله بعد اتفاقية كامب ديفيد جاءت
أمريكا برجلها حسني مبارك وفتحت الطريق لدخول الإخوان إلى البرلمان لإضفاء الشرعية
على نظامها الوظيفي الجديد، وظل حسني يحكم مصر لصالح كامب ديفيد ٣٠ سنة وأعلن
الإخوان تأييدهم للتجديد له في انتخابات الرئاسة مرارا!
هذا
في الوقت الذي كانت سجون مصر تعج بعشرات الآلاف من المجاهدين الذين يقاومون النظام
الذي ينفذ سياسة الاحتلال الأمريكي الصهيوني!
ثم
ثار الشعب المصري في الربيع العربي مرة ثالثة سنة ٢٠١١م؛ فاحتاجت أمريكا إلى إعادة
التفاهم من جديد بين العسكر والإخوان كما فعلت سنة ١٩٥٢م؛ لتظل مصر تحت نفوذها؛
فتم التفاهم بين الطرفين، مما لم يعد خافيا على أحد، وانتخب مرسي رئيسا وجيء
بالسيسي وزيرا للدفاع، فانقض الجيش على الشعب وثورته مرة أخرى؛ فالتزم الإخوان
بالسلمية وتخلوا عن السلطة الثورية التي منحها لهم الشعب والتزموا بقواعد اللعبة
التي فرضتها أمريكا تحت شعار (سلميتنا أقوى من الرصاص)! وجيء بحزب النور بعد
الانقلاب العسكري -وإقصاء الإخوان- لإضفاء الشرعية الدينية على نظام السيسي! وهو
كل ما يريده الاحتلال الأمريكي ليظل يحكم مصر عبر عصاباته العسكرية التي يصنعها
على عينه ويعدها ليحكم بها مصر وينفذ بها سياسته الاستعمارية في المنطقة العربية،
كما كانت تفعل بريطانيا التي احتلت السودان بالجيش المصري، واحتلت في الحرب
العالمية الأولى القدس ودمشق بالتجريدة المصرية بقيادة أدموند اللنبي الذي عبر
بالحملة الصليبية من سيناء إلى فلسطين والشام!
٣-
وثار الشعب السوداني على النميري سنة ١٩٨٥م فأسقطه وقامت أول حكومة منتخبة، فضاق
النظام العربي والغربي بهامش الحرية الذي كان يعيشه السودان آنذاك في ظل محيط
دكتاتوري، فتم حصاره، ودعم جون قرنق، وترتيب انقلاب البشير ١٩٨٩ وبدعم من الحركة
الإسلامية ودول الخليج التي قامت بعد ٢٤ ساعة من الانقلاب بإمداد السودان بالنفط!
وظل السودان يعيش أسوأ صور الحكم والإدارة السياسية بعد أن نفذ البشير كل ما كانت
تريده أمريكا منه بما في ذلك تقسيم السودان والتنازل عن ثرواته النفطية باسم
الإسلام! وظل النظام الدولي والعربي الوظيفي يقف مع البشير -بعد الثورة العربية-
الذي أضفت عليه الحركة الإسلامية الشرعية مع اعتراف كثير من قياداتهم -بما فيهم
الترابي نفسه كما اعترف بذلك في لقائه مع أحمد منصور في برنامج شاهد على العصر-
بعدم معرفتهم به قبل الانقلاب إلا أنه كان قد تلقى دوراته العسكرية في أمريكا!
٤-
وثار الشعب الجزائري ١٩٨٨م، وتعهد الرئيس ابن جديد بإجراء انتخابات حرة ففازت جبهة
الإنقاذ الإسلامية بانتخابات البلدية وبعد سنتين اكتسحت الانتخابات البرلمانية
١٩٩١م، بنسبة ٨٠% فانتفض الغرب ورفضت فرنسا النتائج، واستنفر النظام العربي
الوظيفي، فتم التحضير للانقلاب العسكري بدعم فرنسي مصري وبدعم مالي سعودي تجاوز
أربع مليارات دولار! وكان الانقلاب يحتاج للشرعية الإسلامية؛ فجيء بمحفوظ النحناح
رئيس حركة السلم الذي اصطف مع الانقلاب بدعوى ضرورة مواجهة الإرهاب الذي مارسه
العسكر ضد الشعب الجزائري في العشرية السوداء! وما زال التحالف بين العسكر
و(الإسلام السياسي الوظيفي) في الجزائر قائما برعاية فرنسية ودعم أمريكي؛ كما
اعترف بذلك جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا آنذاك بقوله: (انتهجنا سياسة استبعاد
الأصوليين الراديكاليين في الجزائر لأن آرائهم معاكسة تماما لما نؤمن به والمصالح
الوطنية لأمريكا).الجبروت والجبار ص٢٠٤- مادلين أولبرايت.
٥-
وكاد اليمن يخرج عن النفوذ الغربي فتم التحضير للانقلاب العسكري الذي قاده علي
صالح سنة١٩٧٨م، واحتاج للظهير الإسلامي الشعبي؛ فتم رعايته أمريكيا وظل التجمع
للإصلاح المدعوم سعوديا وخليجيا الحليف الرئيسي لنظام علي صالح العسكري حتى إذا
ثار الشعب اليمني في الربيع العربي؛ تم احتواء ثورته بالمبادرة الخليجية التي
أعادت الشرعية لنظام علي صالح عبر نائبه هادي وحليفه التجمع للإصلاح الذي انتهى
المطاف بكل قياداته اليوم في الرياض وأبو ظبي!
٦-
وكادت الملكية في المغرب أن تسقط بسبب الأزمات الاقتصادية الطاحنة والاحتجاجات
الشعبية سنة ١٩٨١م و ١٩٨٤م التي كانت تقودها قوى اليسار الاشتراكي، ففتح الحسن
الثاني الطريق للإسلام السياسي الوظيفي؛ لتعزيز شرعية نظامه حتى جاء ابنه محمد
السادس الذي احتاجه لمواجهة ثورة الربيع العربي الذي عمت مظاهراته المليونية مدن
المغرب الرئيسية والتي هزت أركان عرشه؛ فكان (الإسلام السياسي الوظيفي) طوق النجاة
له! وما زالوا يقومون بالمهمة التاريخية لهم في خدمة المخزن تحت النفوذ الغربي دون
حدوث تغيير حقيقي لواقع المجتمع المغربي!
٧-
وكذا وظفت أمريكا (الإسلام السياسي الوظيفي) لاحتلال العراق ومواجهة المقاومة
العراقية فجاءت بالحزب الإسلامي في مجلس الحكم الانتقالي الذي أسسه بريمر الحاكم
العسكري الأمريكي!
٨-
واستطاعت فرنسا وأوربا إعادة نظام السبسي الوظيفي في تونس بعد الربيع العربي عبر
التحالف مع (الإسلام السياسي الوظيفي) إلى حين استعادة الدولة الوظيفية لقوتها!
٩-
وكذا تكرر المشهد في ليبيا وسوريا فتم صناعة الواجهة السياسية للثورة بترتيب خارجي
دولي وبتوظيف للإسلام السياسي وإقصاء لقوى الثورة الحقيقية ليتم فرض الحلول
الدولية إعادة المنظومة الوظيفية!
١٠-
وفي الخليج والأردن مازال التحالف الذي رعته بريطانيا ثم أمريكا بين الإخوان
والأنظمة الوراثية قائما لم يتأثر بكل ما حدث بعد الثورة المضادة الذي كان ضحاياها
هم فقط من خرجوا من حيث لا يعلمون عن الخطوط المرسومة للإسلام السياسي دون من
يلتزمون بها من أركان النظام العربي الوظيفي الشعبي!
١١-
وفي موريتانيا تفاهم (الإسلام السياسي الوظيفي) مع الانقلاب العسكري الذي قام به
ولد عبدالعزيز ٢٠٠٨ - على ولد الشيخ أول رئيس منتخب - وتعاونوا مع نظامه وأضفوا
عليه الشرعية وتصدوا معه لمن وصمتهم أمريكا وفرنسا بالإرهاب من الجماعات الجهادية
حتى انقلب عليهم مؤخرا بعد أن انتهت وظيفتهم!
ومع كل هذا التوظيف المفضوح لا زال لدى (الإسلام السياسي الوظيفي)
القدرة على تبرير كل ممارساته التي تأتي دائما في خدمة النظام العربي الوظيفي
والمحتل الغربي الذي يحرص على أن يبقي (الإسلام السياسي الوظيفي) الممثل الشعبي
المعترف به في المنظومة العربية الوظيفية والدولية؛ ما دام معترفا بترتيبات الحملة
الصليبية منذ سايكس بيكو؛ بما في ذلك الاعتراف بالدولة القُطرية وأنظمتها
الوظيفية، والتخلي عن مشروع الأمة والخلافة، والدولة الإسلامية، وإقامة الشريعة،
وجهاد المحتل الغربي ونفوذه في المنطقة!
لقد أصبح (الإسلام السياسي الوظيفي) هو الوجه الآخر للنظام العربي الوظيفي
وقد تم دمجه فيه منذ مشروع آيزنهاور لتوظيف الإسلام في مواجهة الشيوعية وصار الإسلام
السياسي الوظيفي جزءا من الدولة العربية الوظيفية فهو:
١- يعترف بشرعيتها .
٢- ويؤمن بالدولة القطرية التي فرضتها الحملة الصليبية وبحدودها ونظامها.
٣- ويعترف بالنظام الدولي المحتل للمنطقة .
٤- ولا يعده محتلا ولا يوجب مقاومته أصلا.
٥- ويؤكد التزامه بقراراته باسم الشرعية الدولية.
٦- ويرفض مشروع الخلافة والدولة الإسلامية ويؤكد التزامه بالديمقراطية!
٧- ويؤكد دعمه لمكافحة الإرهاب الذي يحدده الغرب والذي يقصد به كل
قوى الجهاد والمقاومة ضد المحتل الأمريكي الأوربي.
٨- واشترك في السلطة التشريعية والتنفيذية في ظل الحملة الصليبية ودولها
الوظيفية خاصة في حقبة (كامب ديفيد) كما في مصر وفي اليمن وتم إشراك الإسلام السياسي
الوظيفي في السلطة التشريعية في سوريا - قبل البعث - وفي مصر منذ عهد السادات وفي اليمن
والمغرب والسودان والجزائر وموريتانيا والأردن والكويت والعراق والبحرين!
وتم إعادة تأهليه بعد الثورة العربية في تونس وليبيا ليتم احتواء الثورة
وإعادة إنتاج الدولة الوظيفية!
لقد غابت لدى الحركات الإسلامية السياسية العقيدة السياسية والولاية الإيمانية
التي تحدد الرؤية وتضبط الممارسة؛ فكانت النتيجة هذه الازدواجية والتناقض في المواقف
والقابلية للتوظيف في كل الساحات، بدءًا من التحالف مع الطغاة في الملكيات والجمهوريات،
إلى المشاركة في حكومات الاحتلال والانقلابات! ولا يمكن وصف كل هذه الفسيفساء التي
لا يجمعها جامع ولا ينتظمها ناظم بأنها كلها حركة إسلامية من الحزب الإسلامي الذي أتي
على ظهر الدبابة الأمريكية في العراق ليشارك في حكومة بريمر التي كانت قواتها تحاصر
مدن السنة المقاومة للمحتل وتدكها! إلى التجمع للإصلاح الحليف لنظام علي صالح ٣٠ سنة
حتى انهار بالثورة فالتحق الإصلاح بالمبادرة الخليجية التي تمثل الثورة المضادة في
اليمن والتي انتهت بالحرب الوظيفية على اليمن وإذا قياداته بين الرياض وأبو ظبي!
وإلى النهضة في تونس الذي تحالف مع السبسي وريث نظام ابن علي! ولا يتصور أن تكون كل
هذه الممارسات تعبيرا عن فكر أو رؤية سياسية وضعية فضلا عن سياسة شرعية إسلامية!
فلم يشهد التاريخ حركة سياسية فكرية انقلبت على موروثها الديني
والحركي كلية كالحركات الإسلامية السياسية المعاصرة! فقد باتت تنافس القوى الليبرالية
بشكل مخجل على دعوتها للديمقراطية العلمانية، ورفضها للإسلام ونظامه السياسي
وحاكمية الشريعة، وتنافس الأنظمة العربية الوظيفية على خدمتها للقوى الصليبية
الاستعمارية وخضوعها لخطوطه الحمراء! ابتداءً من الالتزام بقرارات ما يسمى بالنظام
الدولي ومجلس الأمن والشرعية الدولية! وانتهاءً بمكافحة ما يسميه المحتل الغربي
بالإرهاب وهو الجهاد في سبيل الله دفاعا عن الأمة وشعوبها، وحتى الجهاد في فلسطين
بات تحت سقف قرارات الشرعية الدولية وبرعاية الضامن الدولي (المحتل الأمريكي
الروسي) وبحسب ما يعترف به وهي حدود ١٩٦٧ وأما تحرير فلسطين كلها فما عاد يتحدث
عنه أحد!
إنها ظاهرة اختطاف الدولة
الوظيفية للأمة وشعوبها ودينها بكل أدوات الدولة الوظيفية التي أممت كل شيء لصالح
المحتل الذي أسسها على أنقاض الخلافة ابتداء من الجيش الوطني وانتهاء بالجماعات
الدينية والحركات السياسية!
لقد بات (الإسلام السياسي الوظيفي) اليوم -بعد تخليه عن ثوابته-
الوجه الخفي للنظام العربي الوظيفي العسكري والملكي! والبديل المعمّد لدى المحتل
الغربي عند ثورة الشعوب إلى أن يتم احتواؤها وإعادتها إلى حظيرة الحملة الصليبية
باسم الإسلام!
فقد كان الجيل المؤسس للجماعات الإسلامية المعاصرة بعد سقوط الخلافة هم
نتاج ثقافتها الإسلامية؛ فورث الجماعات بعدهم جيل هو نتاج ثقافة الدول العربية الصليبية
التي فرضها المحتل؛ فلم تزل تخبو جذوة الفكرة التي قامت الجماعات من أجلها حتى صاروا
جزءا من منظومة الدولة الوظيفية وسدنتها وحراسها!
لقد بلغت الحملة العسكرية الصليبية على العالم الإسلامي
بقيادة بوش الثاني ذروتها ما بين ٢٠٠٠ و٢٠١٠م احتلت خلالها أفغانستان والعراق قتلت
وهجرت الملايين من المسلمين المستضعفين وواكبتها حرب شيطانية دولية تحت شعار مكافحة
الإرهاب شُنت على الجماعات الجهادية التي تصدت للغزو وصودر حق الشعوب في مقاومة الاحتلال؛
فامتلأت السجون بالمجاهدين من باغرام وأبو غريب شرقا إلى غوانتنامو غربا! وصارت تتخطفهم أيدي الدول واستخباراتها وتتزلف
إلى أمريكا بتسليمهم لها! وأصبح الإعلام لا حديث له إلا القضاء على الإرهاب
الذي أشغل العالم عن مأساة الشعوب التي أصبحت ضحية الحملة الصليبية الهمجية!
وتورطت في تلك الحملة الصليبية دولٌ وجماعات وهيئات
علمائية اصطفت خلفها باسم المشترك الإنساني والحضاري والاعتدال والوسطية ونبذ التطرف؛
فشتت الله شملها وذاقت وبالها! ولا يحتاج معرفة المنظومة الوظيفية في عالمنا
العربي إلا إلى مراجعة مواقفها في تلك الفترة التي كشفت حقيقة النظام العربي الوظيفي
بشقيه الحكومي الرسمي والحركي الإسلامي!
وهو المنظومة الوظيفية نفسها التي تم من
خلالها اختراق الثورة العربية واحتواؤها لإعادتها مرة أخرى إلى حظيرة سايكس بيكو!
إن
أمريكا اليوم تعيد إنتاج المجتمعات في العالم العربي عامة وفي الخليج وجزيرة العرب
خاصة دينيا وثقافيا وسلوكيا؛ وفق مواصفات مشروع ترامب (صفقة القرن) وقيمه الغربية
الصليبية وأهدافه الصهيونية، وتوصيات مركز راند في تحديد الحلفاء الجدد لأمريكا في
العالم الإسلامي، بعد الانتهاء من مشروع بوش الابن (مكافحة الإرهاب)، وقبله مشروع
كلينتون (تجفيف المنابع)، وقبله مشروع آيزنهاور لتوظيف الإسلام في مواجهة الاتحاد
السوفيتي والشيوعية والذي بلغ أوجه بمشروع ريغان والملك فهد الذي افتتح مشروع
الصحوة الإسلامية برعاية أمريكية واعتمد في بيان القمة الإسلامية الثالثة التي
انعقدت بمكة المكرمة في 25 يناير 1981م في المادة السابعة من البيان والتي نصت على
(ما تمتاز به الأمة الإسلامية في مطلع هذا القرن الهجري من "صحوة"
مباركة لا عداوة فيها ولا انحياز، تبشر بمجتمع جديد يؤمن للإنسان المسلم تطلعاته
إلى الكرامة والعزة ويحقق للإنسانية ما تصبو إليه من أمن وسلام وتقدم)!
وقد
كان أخطر أدواتها في كل مرحلة هو توظيف الخطاب الديني الذي يضفي الشرعية على هذه
الردة عن الإسلام باسم الإسلام!
ولعل
في هذا الكتاب ما يسهم في كشف شبه أصول هذا الخطاب الديني الذي راج بين الجماعات
الإسلامية نفسها، وبيان بطلانه بالأدلة القرآنية والنبوية.
فالله
نسأل الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد.
الأحد
٧ رمضان ١٤٤٠هـ
١٢
مايو ٢٠١٩
إسطنبول
–
تركيا
تنزيل الكتاب