اتحاد علماء المسلمين والدعوة إلى العلمانية!
بقلم
أ.د. حاكم المطيري
ما كتبه الريسوني رئيس الاتحاد في مقاله (مستقبل الإسلام بين الشعوب والحكام)
في موقع (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) التابع لقطر - عن عدم ضرورة الدولة للإسلام!
وادعائه إمكان ظهور الإسلام ونموه واستقراره بلا دولة تحكم به وتقيمه وتحمي شعوبه!
وأن إقامة الصحابة للخلافة بعد النبوة وقتالهم من خرج عنها إنما كان بحكم الأمر الواقع
ومراعاة للمصلحة لا عملا منهم بخطاب الشارع ومعرفة منهم بحقيقة هذا الدين وضرورة الدولة
لإقامة أحكامه - هو دعوة صريحة إلى العلمانية الصليبية أشد خطرا على الإسلام ودعوته
من خطاب علي عبدالرازق في كتابه (الإسلام ونظام الحكم) ومن الحملة الإماراتية الصليبية
على صحيح البخاري!
ولا يحل لمسلم يؤمن بالله ورسوله أن يبقى عضوا في هذا الاتحاد بعد أن
صار اتحاد ضرار لهدم عُرى الإسلام ونقضه باسم العلم الشرعي! وفي ظل حملة صليبية تحتل
جزيرة العرب وتعمل ليل نهار على اجتثاث الإسلام من أرضه ومهده ومهبط وحيه وتعطيل أحكامه
كما يجري اليوم في المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى!
فيأتي الريسوني ليقول لهم بأن الحكم بالإسلام وإقامة الدولة للحكم به لا
دليل عليه من الكتاب والسنة يوجبه!
وهذه هي المهمة التي أوكلت بها إدارة ترامب قطر بعد الحصار وتوقيع الاتفاقيات
الأمنية الثلاث لخدمة مشروعه في فرض العلمانية الصليبية في الجزيرة العربية ومواجهة
كل من يقاومها تحت شعار مكافحة التطرف!
أفي القرآن شك!
كن حليما إذا بليت بغيظ
وصبورا إذا أتتك مصيبة
فالليالي من الزمان حبالى
مثقلات يلدن كل عجيبة
لقد كنا من قبلُ نجتهد في تذكير عامة المسلمين بما قد يخفى عليهم من أصول
دينهم، وندعوهم إلى ما أوجب الله عليهم القيام به من الجهاد في سبيله وإقامة حكمه،
ونحذرهم من الجاهلية، والمادية، والإباحية، والوثنية، الصليبية، التي تحكم واقعهم،
وتتحكم في شئون حياتهم، منذ إسقاط الحملة الصليبية خلافتهم، واحتلال بلدانهم، وإقصاء
الشريعة، وفرض القوانين الوضعية عليهم، فإذا الأمر يتجاوز العامة إلى علمائهم! وإذا
نحن أمام أكبر اتحاد علماء للمسلمين زعموا يدعو صراحة إلى العلمانية! ويعزز شرعية الدولة
الصليبية التي لا يُحكم فيها بكتاب ولا سنة! فالمهم أن تكون الدولة محايدة!
مع أنه لا وجود لهذه الدولة المحايدة على أرض الواقع فإما أن تكون دولة
إسلامية أو جاهلية ولا ثالث لهما!
فإما حكم الله أو حكم الجاهلية
﴿أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون﴾!
وحكم الجاهلية مضاف إليها فأفاد العموم والتحذير من كل أحكام الجاهلية
على اختلاف صورها!
فالدولة العلمانية تحمي العلمانية وتمنع الدين من أن يكون له حكم في شئون
الدولة والمجتمع! والليبرالية تحمي نظامها الإباحي وتقاتل دونه! والشيوعية كذلك!
ولا وجود للدولة المحايدة إلا في ذهن رئيس ما يسمى كذبا وزورا (اتحاد علماء
المسلمين)!
فالدولة إما أن تحكم بما أنزل الله أو تحكم بحكم الطاغوت والأهواء ﴿يريدون
أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به﴾!
وليس في الواقع إلا الإسلام أو الشرك، والإيمان أو الكفر، ولا ثالث بينهما
إلا في دين اتحاد الريسوني!
وكذلك حال الدول اثنتان لا ثالث لها، فإما أن تكون دولة إسلامية أو دولة
جاهلية سواء علمانية ليبرالية أو شيوعية أو صليبية أو وثنية!
فهذه من أوضح حقائق الدين ﴿فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك
بالعروة الوثقى﴾ وهذه حقيقة كلمة التوحيد لا إله إلا الله!
ومن أجل ذلك قال تعالى عن استخلاف الله للمؤمنين في الأرض -بإقامة الدولة
النبوية في المدينة ثم على كل جزيرة العرب- ثم وعده إياهم بالخلافة وفتح الأرض من أجل
إقامة دينه والتمكين له وتحقيق الأمن للمؤمنين فلا يفتنون في أنفسهم ولا في دينهم
﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض.. وليمكنن لهم دينهم
الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا﴾ فلا يشركون
لا في عبادتي وطاعتي ولا في حكمي وأمري ﴿وأن احكم بينهم بما أنزل الله﴾ ﴿ومن لم
يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾ ﴿أفحكم الجاهلية يبغون﴾ ﴿يريدون أن يتحاكموا
إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به﴾ ﴿ولا يشرك في حكمه أحدا﴾ وفي قراءة: ﴿ولا
تشرك في حكمه أحدا﴾!
ولوضوح هذا الأصل القطعي والمعلوم من الدين بالضرورة نص الفقهاء عليه تارة
بأنه بدهي بضرورة العقل! وتارة بأنه لا قيام للدين إلا بالإمامة والخلافة الشرعية التي
تحكم به! وتارة بالإجماع القطعي!
فقال ابن حزم عن ضرورة الدولة في الإسلام لإقامة الاحكام: (غير ممكن عقلا
إقامة الدين إلا بها)!
وقال الغزالي: (من ضرورات الشرع الذي لا سبيل إلى تركه)!
وقال القرطبي: (ركن من أركان الدين الذي به قوام المسلمين)!
وقال ابن تيمية: (من أعظم واجبات الدين بل لا قوام للدين إلا بها)!
وقال ابن خلدون: (واجب في الشرع بالإجماع)!
وقد كان علي عبد الرازق أول من أثار هذه الشبهة بنفخ شيطاني ونفث بريطاني
حيث كانت بريطانيا التي تحتل آنذاك مصر - وشاركت في الحملة الصليبية مع فرنسا وروسيا
في الحرب العالمية الأولى التي أسقطت الخلافة - تعمل على عدم عودة الخلافة وإقامة دولة
إسلامية بكل ما أوتيت من قوة وفق مشروع ثقافي تعليمي بخطاب ديني مبدل فكان كتاب علي
عبدالرازق (الإسلام وأصول الحكم) هو الذي عبر عن هذا الخطاب سنة ١٩٢٥م فرد عليه علماء
عصره قاطبة وعد قولا باطلا وكفرا بواحا فاعتذر كاتبه عنه!
فدارت السنون فإذا خطابه يصدر من أكبر اتحاد علماء للمسلمين يدّعى أن فيه
ألف عالم!
ثم لا يصدر عنهم ما يزيل الشبهة ويرفع الفتنة! مع أنه اتحاد طوعي لا يجبر
أحد على الانتماء إليه! ولا خوف يمنع أعضاءه من البراءة من هذه الدعوة العلمانية التي
تنسب لاتحادهم حتى يعتذر لهم بأنه لا ينسب لساكت قول!
فكان سكوتهم إقرارا صريحا منهم لما صدر عن رئيسهم وتواطؤا على هذا القول
العظيم! في ظل تداعي الحملة الصليبية على جزيرة العرب لتنصيرها وسلخها من دينها وبمباركة
من الريسوني نفسه للبابا ووثيقته وقداسه! فوجب شرعا بيان حالهم وكشف باطلهم وحرم أخذ
الفتوى عنهم لفقدهم الأهلية الشرعية للتوقيع باسم علماء المسلمين إلا من أنكره منهم
وتبرأ إلى الله من هذه الدعوة بقول صريح لا لبس فيه ولا تدليس!
﴿لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ... كانوا
لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون﴾!
فاللهم إنا نبرأ إليك منهم ومن اتحادهم ومن دعوتهم فاللهم لا تقم لهم راية
ولا تبلغ لهم غاية هم ومن وراءهم ومن يؤيدهم ويدعمهم ويدافع عنهم وعن مشروعهم لشرعنه
العلمانية باسم الحرية والديمقراطية والليبرالية!
ألا هل بلغت اللهم فاشهد!
رجب 1440- مارس 2019