الجماعة الجماعة .. الشورى
والاستقامة!
١٥ محرم
١٤٤١ هـ
١٤سبتمبر ٢٠١٩م
وجوب الجماعة والاجتماع على
أساس الأخوة والمحبة أصل من أصول الإسلام، فقد وجدت الأمة بمفهومها الإيماني بمكة بعد
البعثة، وبمفهومها السياسي بالمدينة بعد البيعة والهجرة، وأساسهما الأخوة والمحبة.
وأما الإمارة والسمع والطاعة
بالمعروف لأولي الأمر فيهما، الذين يمثلون جماعتها -ابتداءً من الإمام العام الذي هو وكيل عنها كلها،
تختاره بالشورى والرضا، إلى العريف الخاص الذي يمثل بعضها- فكل هذا فرع لذلك الأصل
العظيم؛ لتنظيمه، ورعايته، والمحافظة عليه، كما قال عمر: (لا إسلام إلا بجماعة، ولا
جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة)، وفي الصحيح: (إنما الإمام جُنة) يعني درع
يحمي الأمة!
فلا يقوم فرع بلا أصل، ولا يشتغل
بالفرع قبل وجود الأصل، ولا تقوم الجماعة إلا باختيار أهلها، وباجتماع القلوب وتآلفها،
وهي المنّة والنعمة التي امتنّ الله على المؤمنين وعلى النبي ﷺ بها، وجعلها آية على الهداية لهم، والرحمة بهم، وسببا للنصر والفتح عليهم،
﴿واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا﴾
﴿هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين. وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت
بين قلوبهم﴾!
فالاشتغال بجمع الكلمة، والتأليف بين القلوب، بالوسائل المشروعة أولى وأوجب
طبعا وعقلا وشرعا!
وأول تلك الوسائل وأصلها وأوجبها
هو الشورى بين المؤمنين، حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يطغى أحد على أحد، ابتداءً من
اختيار الأمير العام بلا إكراه ولا إجبار، كما قال عمر: (الإمارة شورى بين المسلمين)،
وانتهاءً بتدبير شئون الجماعة بالشورى بلا استبداد بالرأي ولا استئثار، وهي من أعظم
أسباب الجماعة والاجتماع ﴿ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر
لهم وشاورهم في الأمر﴾.
ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما
صلح به أولها، ولن تعود خلافة راشدة على منهاج النبوة، إلا بالخطاب الراشدي، وبسنن
الخلافة الراشدة، وبوجود الجماعة الراشدة ﴿وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك
هم الراشدون﴾، وكل من خرج عن هدي الخلفاء الراشدين كان فيه من الفسق والعصيان والطغيان
بقدر خروجه عن سبيلهم، وهو الصراط المستقيم الذي كانوا عليه، والذي أمر الله كل من
جاء بعدهم بالاستقامة عليه، فقال: ﴿فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا.. ولا تركنوا
إلى الذين ظلموا﴾، وقال تعالى: ﴿والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم﴾!