الجهاد
المبارك والثنائية المشئومة!
14 ربيع
الأول 1441
11
نوفمبر 2019
لم يتوقف جهاد الأمة منذ أن أذن الله لها
به -بعد الهجرة إلى المدينة مباشرة- في قوله تعالى: ﴿أذن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا
وإن الله على نصرهم لقدير﴾، وبعد إيجابه وفرضه عليها فرض عين وفرض كفاية، كما في قوله
تعالى: ﴿وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين﴾، وسواء كان جهاد دفع أو جهاد
فتح عند وجود أسبابهما، كما قال تعالى: ﴿وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم﴾
﴿قاتلوا الذين يلونكم من الكفار﴾.
وما زالت الأمة تجاهد في سبيل الله لم يتعطل
الجهاد قط؛ كما قال الأئمة: (والجهاد ماض لا يبطله جور جائر)؛ لما في إقامته من المصالح
الكلية العامة لحفظ دار الإسلام وأهلها ودينهم.
وكل مسلم يقتل في حروب هذه الأمة مع أعدائها
هو شهيد لا يشترط للحكم له بالشهادة الدنيوية ورجاء الدرجة الأخروية إلا ثبوت الإسلام،
وتحقق قتله في الحرب مع العدو، من أي طائفة من أهل القبلة كان هذا الشهيد!
وكذا كل مسلم مقتول ظلما شهيدٌ، كشهيد المعركة،
خاصة من قتله سلطان جائر من أي طائفة كان!
ولعله لم يبتل المسلمون بفتنة كما ابتلوا
في هذا العصر الذي اجتاحتهم فيه الحملة الصليبية المعاصرة في الحرب العالمية الأولى،
فاحتلت العالم الإسلامي كله، واستباحت جيوشها عواصمه كلها، وغابت فيه سيادته وخلافته
عن الأرض حتى لم يعد للمسلمين على أرضهم سلطان، ولا لشريعتهم فيها مكان!
وكان من تلك الفتنة أن صار هناك (مسلم)
وآخر (إسلامي)! وغدا الجهاد فكرا تختص به فئام من المسلمين، لا فريضة وعبادة يجب أن
يؤديها كل مسلم قادر عليها بنفسه أو ماله!
وصارت جماعات إسلامية كبرى تتجنب الحديث
عن الجهاد فضلا عن أن تحرض الأمة عليه دع عنك قيامها به!
بل وتتبرأ من كل عضو فيها قد يذهب إلى الجهاد!
وصارت فصائل أخرى ترى الجهاد حكرا عليها،
فهي وحدها من يتحدث باسمه ويعرف مصلحته، وهي الوكيل الحصري له! بل ولا تكاد تعد جهاد
الأمة المعاصر جهادا! وهي التي قدمت وما تزال تقدم ملايين الشهداء في مواجهة هذه الحملة
الصليبية منذ جهاد عمر المختار وعبد الكريم الخطابي وعز الدين القسام ومن قبلهم وبعدهم
من العلماء والزعماء في كل بلد مسلم، بله أن تعتد هذه الفصائل بجهاد جبهة تحرير الجزائر
ومنظمة التحرير الفلسطينية وشهدائهما!
فتاريخ الجهاد والحركة الجهادية عند هذه
الفئة يبدأ منذ ١٩٨٠م وإن أبعدت فيبدأ من سنة ١٩٦٠!
لقد كانت هذه الثنائية (مسلم - إسلامي)
(مجاهد - جهادي) هي التي عزلت هذه الجماعات والفصائل عن أمتها وشعوبها وعاشت عالمها
الافتراضي حتى اصطدمت بالثورة العربية التي أعادت للجميع وعيه بالأمة وأنها هي بمجموعها
أمة الخيرية ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس﴾ وهي المعصومة المنصورة المرحومة الموعودة
بالاستخلاف في الأرض، كما تواترت بذلك النصوص، كقوله ﷺ: (إن الله زوى لي الأرض وإن ملك أمتي سيبلغ
ما زوي لي منها)، وقال: (لا تجتمع أمتي على ضلالة)، وقال: (أمتي كالمطر)، وقال: (ادخرت
شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)، وقال: (اللهم أمتي أمتي)!
لقد أثبتت الثورة أن الأمة وشعوبها هي العمق
الاستراتيجي، والرصيد الحقيقي، وسفينة النجاة للجميع، وأن الجماعات والفصائل طلائع
لها وقوارب إسعاف تباريها ولا تجاريها!
وقد رأت الأمة وشعوبها كيف أن حركات إسلامية
صارت تؤيد تغيير أحكام الميراث بدعوى المساواة، بينما يرفض ذلك سياسيون مسلمون ويدعون
إلى احترام أحكام الشريعة!
وكيف يجاهد عامة المسلمين بأنفسهم وأموالهم
بينما ينأى عن الجهاد ويتحالف مع المحتل الأمريكي والأوربي حركات تصنف على أنها إسلامية!
لقد تحقق للعدو بهذه الثنائية المشئومة
ما يريده، فتم عزل الأمة وشعوبها عن الجماعات والفصائل التي توهّمت أنها تخصّصت بهذه
الفروض الكفائية (السياسية) و(الجهادية) بينما واقع الحال أنها تخلت عن هذه الفروض
الشرعية، إذ ليس الجهاد مما يمكن اختصاص فئة به عن فئة، بل هو فريضة يخاطب بها كل مسلم
قادر عليها فرض عين أو فرض كفاية، ولا يتصور أن توجد جماعة يسعها كلها عدم القيام به
بدعوى اختصاصها بالسياسية! وكذا لا يتصور أن توجد جماعات تختص بالجهاد ويسعها ألا تخاطب
بأحكام الإمامة والسياسة!
لقد آن للأمة تجاوز هذا الفصام النكد بين
السياسة والجهاد والعبادة والعلم، فلا يسع جماعة ترك شيء مما أوجبه الله على عموم المسلمين
بذريعة التكامل بين الجماعات، وإنما قد يسع ذلك الأفراد كل بحسب عذره، أما جماعات كبرى
لا تقوم بالجهاد الذي هو ذرة سنام الإسلام، لا فرض عين، ولا فرض كفاية، ولا تحرض عليه،
ولا تدعو إليه، ولا تعدّ له؛ بذريعة أنها (حركات سياسية)؛ فهذا تفصٍ من أحكام الله،
وتعطيل لها، بلا حجة بل بالشبهة!
وكذا وجود (حركات جهادية) لا تقيم أحكام
الله السياسية، مع قدرتها على ذلك، ولا تعنى بها، ولا تقوم بما يجب لعموم المسلمين
من الحقوق، بدعوى أنها (حركة جهادية)، كل ذلك من الإعراض الجزئي عن حكم الله، ومن الفتنة
التي تعيشها الأمة اليوم، ﴿ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا﴾، ﴿فليحذر الذين
يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة﴾!
والواجب دعوة الأمة كلها إلى الجهاد في
سبيل الله كفريضة وعبادة، لا كفكر تجتذب بها الجماعات الأفراد؛ لينقطعوا عن أمتهم وشعوبهم
شعوريا ووجدانيا وذهنيا؛ لينتهي بهم الحال إلى قتالها واستباحة دمائها من أجل الفكر
والمنهج والجماعة بسبب هذه الثنائية المشئومة!