كتاب
ابن تيمية ومعركة
الحرية
رؤية فكرية سياسية
لمواجهة الحملات الصليبية
بين يدي الكتاب:
الحمد الله الملك الحق، قوله الحق، ووعده حق، القائل ﴿هُوَ الَّذي أَرسَلَ
رَسولَهُ بِالهُدى وَدينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ
المُشرِكونَ﴾..
وصل اللهم على النبي الهادي الأمين، الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وحرزا
للأميين، القائل كما في الصحيحين (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين)..
وبعد فما زالت الأمة تخوض معركة كبرى مع هذه الحملات الصليبية الأوربية،
التي اجتاحت العالم الإسلامي منذ مئة سنة بل يزيد، واستباحت حرمات الأمة كلها، وما
تزال تشن عليها حروبها، وتقتل شعوبها، وإذا العالم يتداعى على المسلمين شرقا وغربا،
فإذا الصين التي تحتل تركستان الشرقية، تسوم الإيغور سوء العذاب وتفتنهم عن دينهم،
وإذا الهند والهندوس يشنون حربا على المسلمين فيها لتهجيرهم منها، وكأنما التاريخ يعيد
نفسه، فإذا ذاكرتها تعود مرة أخرى إلى القرن السابع الهجري حين اجتاحتها الحملات المغولية
شرقا، والصليبية غربا، وانهار العالم الإسلامي مدة قرن كامل منذ بدأ جنكيز خان غزوه
للمشرق الإسلامي سنة ٦١٦ إلى سنة ٧١٦ حين استعادت الأمة ثقتها بنفسها وبدينها، وبإيمانها
بوعد الله لها، واستأنفت جهاد عدوها، فعادت من جديد، لتكمل مسيرتها حتى تحقق وعد الله
لها بفتح القسطنطينية سنة ٨٥٧ هجرية بعد قرنين من ذلك الانهيار، لتدخل جيوش الخلافة
الإسلامية أوربا فاتحة حتى حاصرت عاصمة النمسا فيينا ٩٣٥ هجرية!
وقد كان لشيخ الإسلام المجدد ابن تيمية الأثر الأبرز في تلك الملحمة التي
سطرتها الأمة وهي تواجه الحملات المغولية والصليبية في آن واحد، حتى قال هو عن تلك
الأحداث (طبق خبرها، واستطار في جميع ديار المسلمين شررها، وأطلع فيها النفاق ناصية
رأسه، وكشر فيها الكفر عن أنيابه وأضراسه، وكاد فيها عمود الكتاب أن يجتث ويخترم، وحبل
الإيمان أن ينقطع ويصطلم)!
فتصدى لها ابن تيمية بإيمان الولي الواثق، وعزيمة المجاهد الصادق، يحرض
الأمراء، ويذكر العلماء، ليقوموا بواجبهم تجاه العدو وجهاده ودفع عدوانه، فاستجابوا
له، وتداعوا إليه، حتى تحقق النصر.
وهو ما جعله اليوم غرضا للحملات الصليبية والفرق الباطنية يرمى عن قوس
واحدة، إذ أدرك العدو أن فكره ودعوته وكتبه باتت تلهم شعوب الأمة من جديد لتخوض معركة
التحرير كما خاضتها في عصره، حتى عقد العدو له المؤتمرات تلو المؤتمرات لمواجهة فكره
المتطرف كما زعموا بالدعوة إلى الاعتدال والوسطية التي ترعاها الحملة الصليبية اليوم
عبر جماعاتها القاديانية التي انحازت إلى المحتل الأمريكي الأوربي الروسي في العالم
الإسلامي وتعاونت معه تحت شعار التسامح ونبذ العنف ونشر الديمقراطية كما حدث في العراق
وأفغانستان وسوريا وليبيا واليمن!
وقد جاء هذا الكتاب في سيرة ابن تيمية -والذي نشر في سلسلة مقالات قبل
ست سنوات- ليقص على النشء -الذين لم تلوث الجماعات القاديانية عقولهم، ولا الفرق الباطنية
فطرهم ونفوسهم- نبأ حياة هذا المجدد العظيم، من (نكبة التهجير إلى معركة التحرير)،
ليقف على حقيقة دعوته، ويستلهم تجربته، ويعرف المشكلات التي واجهته، وكيف عالج عللها،
وذلل سبلها، وخاض لججها، وفك عقدها، ببصيرة العالم الرباني الفقيه، وذكاء السياسي المجاهد
النبيه، وقلما يجتمعان بعد عصر الصحابة والخلفاء الراشدين، إلا في أفذاذ من علماء الأمة
لا يكاد يذكر منهم على مر العصور كمثل ابن تيمية!
فعسى أن يحقق هذا الكتاب الغاية منه، وعسى أن يقرأه من ادّخرهم الله في
عالم الغيب لنصرة دينه، فيبعث فيهم من روحه ما يقيم بهم في الأرض خلافته، ويظهر بهم
على العالمين كلمته وحجته، وما ذلك على الله بعزيز ﴿وَقالَ الَّذينَ كَفَروا لِرُسُلِهِم
لَنُخرِجَنَّكُم مِن أَرضِنا أَو لَتَعودُنَّ في مِلَّتِنا فَأَوحى إِلَيهِم رَبُّهُم
لَنُهلِكَنَّ الظّالِمينَ. وَلَنُسكِنَنَّكُمُ الأَرضَ مِن بَعدِهِم ذلِكَ لِمَن خافَ
مَقامي وَخافَ وَعيدِ. وَاستَفتَحوا وَخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنيدٍ﴾.
وكتبه من مهجره:
أ.د. حاكم المطيري
اليوم الخميس غرة ذي الحجة سنة ١٤٤٣
الموافق ٣٠ يونيو ٢٠٢٢م
إسطنبول - بشاك شهير
تنزيل الكتاب