الشعوبية
حقيقتها وموقف أهل السنة منها
ومناقشة شيخ الإسلام ابن تيمية لها
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
المقدمة:
الحمد لله الواحد الأحد، الملك الصمد، وصلى الله وسلم على النبي
الكريم، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين:
وبعد، فإن الأمة اليوم أحوج ما تكون لمعرفة عقيدتها وأصول دينها،
وهداية كتابها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، بعد أن عصفت بها في هذا العصر الفتن
الجاهلية كالعصبية القومية، وما يقابلها من المذاهب الشعوبية، التي تنتقص العرب
وتزدريهم، وتبغضهم وتعاديهم، هذه المذاهب التي بدأت تشيع بين المسلمين مع دعوة
القرآن لهم إلى الوحدة والاعتصام والأخوة كما قال تعالى: {إنما المؤمنون إخوة}
وقال سبحانه: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}.
وقد جاء هذا البحث ليدرس الشعوبية كفرقة عقائدية، ويبين حقيقتها،
وبداية ظهورها وأسبابه، ومضمون دعوتها، وأقسام فرقها، وموقف أهل السنة منها،
ومناقشة شيخ الإسلام ابن تيمية لها، والأصول والقواعد التي قررها بناء على الأدلة
النقلية والعقلية.
وقد تم تقسيم البحث
إلى ثلاثة مباحث:
الأول: حقيقة الشعوبية وتاريخ نشأتها وأسباب ظهورها.
المبحث الثاني: الشعوبية العقائدية وفرقها.
المبحث الثالث: موقف أهل السنة من الشعوبية ومناقشة ابن تيمية لها.
المبحث الأول: حقيقة الشعوبية وتاريخ نشأتها وأسباب
ظهورها:
تتجلى حقيقة الشعوبية من خلال تعريفها وتأريخ ظهورها، كحركة أدبية، ثم
كفرقة عقائدية، في المطلبين التاليين:
المطلب الأول: تعريف
الشعوبية:
تعريف الشعوبية لغة:
الشعوبية نسبة إلى الشعوب جمع
شعب، وتطلق غالبا على العجم.
تعريف الشعوبية اصطلاحا:
قال الزمخشري: (فلان شعوبي
ومن الشعوبية وهم الذين يصغرون شأن العرب ولا يرون لهم فضلًا على غيرهم).
وقال ابن منظور: (غلبت الشعوب
بلفظ الجمع على جيل العجم، حتى قيل لمحتقر أمر العرب شعوبي، أضافوا إلى الجمع
لغلبته على الجيل الواحد، كقولهم أنصاري، والشعوب فرقة تفضل العرب على العجم،
والشعوبي الذي يصغر شأن العرب، ولا يرى لهم فضلا على غيرهم).
المطلب الثاني: تاريخ
ظهور الحركة الشعوبية:
من خلال التتبع لبدايات شيوع استعمال هذا المصطلح يظهر منه أن الحركة
الشعوبية كانت قد ظهرت مبكرا، منذ القرن الأول، بعد الفتوح ودخول الفرس في
الإسلام، وما تلا ذلك من تنافس بين العرب والموالي في العهد الأموي، فلم يأت القرن
الثاني حتى بلغت الشعوبية أوجها، فقد كان أحمد بن بشير -من علماء القرن الثاني-
رأسا في الشعوبية، روى الخطيب البغدادي عن (ابن نمير وسئل عن أحمد بن بشير: فقال
كان صدوقا، حسن المعرفة بأيام الناس، حسن الفهم، وكان رأسا في الشعوبية، أستاذا
يخاصم فيها، فوضعه ذاك عند الناس.. توفى سنة سبع وتسعين ومائة).
ويبدو أنها بدأت في الأصل كحركة أدبية تفاخر العرب، وتذكر مآثر العجم،
ثم لم يأت القرن الثالث حتى صارت فرقة من الفرق الكلامية المعدودة من أهل البدع،
وقد عرض لها بالذكر كحركة أدبية الجاحظ في كتبه كما في البيان فقال: (ونبدأ على
اسم الله تعالى بذكر مذهب الشعوبية، ومن يتحلى باسم التسوية، وبمطاعنهم على خطباء
العرب، بأخذ المخصرة عند مناقلة الكلام، ومساجلة الخصوم بالموزون والمقفى
والمنثور..).
وقال أيضا: (واعلم أنك لم تر قوما قط أشقى من هؤلاء الشعوبية، ولا
أعدى على دينه، ولا أشد استهلاكا لعرضه، ولا أطول نصبا، ولا أقل غنما، من أهل هذه
النحلة، وقد شفى الصدور منهم طول جثوم الحسد على أكبادهم، وتوقد نار الشنآن في
قلوبهم، وغليان تلك المراجل الفائرة، وتسعر تلك النيران المضطرمة، ولو عرفوا أخلاق
كل ملة، وزي كل لغة، وعللهم في اختلاف إشارتهم، وألاتهم وشمائلهم وهيآتهم، وما علة
كل شيء من ذلك، ولم اختلقوه، ولم تكلفوه، لأراحوا أنفسهم ولخفت مؤونتهم على من
خالطهم).
وقد طالت الشعوبية كحركة أدبية وثقافية بالتنقيص والازدراء كل مظاهر
حياة العرب، في أكلها، ولبسها، وطريقة عيشها، كما ذكر أبو هلال العسكري ذلك عنهم
بقوله: (وعاب بعض الشعوبية العرب باتخاذ الثريد...قال حصين لفيروز أحب أن أتغذى
عندك، قال: فما تشتهي؟ قال: ثريدًا، قال: إني أكره أن أضع على مائدتي طعام الكلاب،
ولكني أتحمل ذلك لك!
قال أبو هلال: لو كان الثريد طعامًا خبيثًا مكروهًا لكان ما يقال فيه
سائغا، فأما وهو طعام مشتهى طيب، فلا اعتراض على العرب في اتخاذ طعام طيب، وليس
ترك العجم إياه قدحًا فيه، فكم من شيء مختار قد تركته العجم غفلة عنه أو جهلًا به،
وليس ثردهم في المرق يدل على أنهم أرادوا منع ما يفضل منه).
وقد تجاوزت الحركة الشعوبية الأدب ومذاهبه، إلى الدين وشعائره، حتى
تعرضوا لمقام النبوة، كما قال الجاحظ عنهم: (لأن الشعوبية قد طعنت في جملة هذا
المذهب على قضيب النبي وعنزته، وعلى عصاه ومخصرته، وعلى عصا موسى..).
لقد كان سقوط الخلافة الأموية التي ترتكز قوتها أصلا على العرب، وقيام
الخلافة العباسية سنة 132هـ التي كان عامة أنصارها من خراسان، مؤذنا ببداية عصر
جديد سيكون للموالي والعجم دور كبير فيه، وما يحتاجه ذلك من تبريرات أدبية وفكرية
وعقائدية، تسوغ اعتماد الخلافة العباسية عليهم دون العرب، وقد حلل الجاحظ أسباب
قيام هذه الحركة، والدوافع النفسية وراءها، حيث كان الموالي يشعرون بالنقص تجاه
العرب الفاتحين، وما حباهم الله من العلو والسيادة على الأمم بفضل جهادهم في سبيل
نشر الإسلام، وحمل رسالة الله للعالمين، وما يستتبع ذلك من حسد وغيرة، ثم تنابز
وتفاخر، ثم عداوة وتقاتل، حيث قال: (وقد يكون أن ينقدح في قلوب الناس عداوات
وأضغان، سببها التحاسد الذي يقع بين الجيران، والمتفقين في الصناعة، وربما كانت
العداوة من جهة العصبية، فإن عامة من ارتاب بالإسلام إنما كان أول ذلك رأي
الشعوبية، والتمادي فيه، وطول الجدال، المؤدي إلى القتال، فإذا أبغض شيئا أبغض
أهله، وإن أبغض تلك اللغة أبغض تلك الجزيرة، وإذا أبغض تلك الجزيرة أحب من أبغض
تلك الجزيرة، فلا تزال الحالات تنتقل به حتى ينسلخ من الإسلام، إذ كانت العرب هي
التي جاءت به، وكانوا السلف والقدوة).
وقد كانت الشعوبية أكثر ما تشيع في غير العرب خاصة الفرس، كما ذكر ذلك
الجاحظ بقوله: (وصادفوا الناس وقد انتظموا معاني الفساد أجمع، وبلغوا غايات البدع،
ثم قرنوا بذلك العصبية التي هلك بها عالم بعد عالم، والحمية التي لا تبقي دينا إلا
أفسدته، ولا دنيا إلا أهلكتها، وهو ما صارت إليه العجم من مذهب الشعوبية، وما قد
صار إليه الموالي من الفخر على العجم والعرب).
ومع كون الشعوبية في الأصل حركة غير عربية، ولم تجد رواجا بين العرب،
إلا أن من العرب من تأثر بها، كضرار بن عمرو الغطفاني المعتزلي المتكلم، فقد قالوا
عنه: (كانت في أبي عمرو ضرار بن عمرو ثلاثة من المحال: كان كوفيا معتزلا، وكان من
بني عبد الله بن غطفان، ويرى رأي الشعوبية، ومحال أن يكون عربي شعوبيا).
المبحث الثاني: الشعوبية العقائدية وفرقها:
المطلب الأول: الشعوبية
كفرقة عقائدية:
وقد ذكر أئمة أهل السنة منذ عصر الإمام أحمد هذه الفرقة كطائفة من أهل
الأهواء والبدع في الدين، وكان أول من ذكرهم من أئمة السنة الإمام أحمد بن حنبل
حيث جاء عنه من رواية الكرماني لعقيدته: (ونعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها،
ونحبهم لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، فإن حبهم إيمان وبغضهم نفاق، ولا نقول
بقول الشعوبية وأراذل الموالي، الذين لا يحبون العرب، ولا يقرون لها فضل، فإن لهم
بدعة ونفاقا وخلافا).
وروى أحمد بن جعفر الأصطخري عن أحمد قوله: (والشعوبية وهم أصحاب بدعة
وضلالة، وهم يقولون إن العرب والموالي عندنا واحد، لا يرون للعرب حقا، ولا يعرفون
لهم فضلا، ولا يحبونهم، بل يبغضون العرب، ويضمرون لهم الغل والحسد والبغضة في
قلوبهم، وهذا قول قبيح ابتدعه رجل من أهل العراق).
كما ذكرهم عبد القاهر البغدادي كفرقة من فرق أهل البدع المتأثرة بدين
الباطنية، حيث قال عنهم: (والذي يروج عليهم مذهب الباطنية أصناف: أحدها العامة
الذين قتلت بصائرهم بأصول العلم والنظر كالنبط والأكراد وأولاد المجوس، والصنف
الثاني الشعوبية الذين يرون تفضيل العجم على العرب، ويتمنون عود الملك إلى العجم).
وقد عرف عبد القاهر الباطنية بقوله: (الذي يصح عندي من دين الباطنية
أنهم دهرية زنادقة، يقولون بقدم العالم، وينكرون الرسل والشرائع كلها، لميلها إلى
استباحة كل ما يميل إليه الطبع).
المطلب الثاني: أقسام
الشعوبية:
ليست الشعوبية فرقة واحدة، كما يظهر من كلام من ردوا عليها من أئمة
أهل السنة، بل هي تنقسم إلى فرقتين:
الأولى: الشعوبية المفضلة التي تفضل غير العرب على العرب، وهم الغالية
في الشعوبية.
الثانية: الشعوبية المساوية، التي ترى مساواة جنس العرب بغيرهم، وتنفي
أي فضل للعرب على غيرهم.
وقد ذكر أهل التسوية ابن قتيبة في كتابه (تفضيل العرب)،
ورد عليهم، وقال ابن عبد ربه الأندلسي: (ومن حجة الشعوبية على العرب أن قالت: إنا
ذهبنا إلى العدل والتسوية، وإلى أن الناس كلهم من طينة واحدة، وسلالة رجل واحد،
واحتججنا بقول النبي عليه الصلاة والسلام: (المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم ويسعى
بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم)،
وقوله في حجة الوداع، وهي خطبته التي ودع فيها أمته وختم بها نبوته: (أيها الناس،
إن الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية وفخرها بالآباء، كلكم لآدم وآدم من تراب، ليس
لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى)، وهذا القول من النبي عليه الصلاة والسلام موافق
لقول الله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، فأبيتم إلا فخرا، وقلتم لا تساوينا
العجم، وإن تقدمتنا إلى الإسلام).
وقد قال بعض المتكلمين من أهل السنة بقول أهل المساواة، ظنا منهم أنه
ليس مذهبا للشعوبية، وأن الشعوبية هي فقط التي تقول بتفضيل غير العرب على العرب،
دون من يقول بالمساواة، وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية لهذا القول ومن قال به من
المتكلمين، فقال: (وذهبت طائفة إلى عدم التفضيل بين هذه الأجناس، وهذا قول طائفة
من أهل الكلام كالقاضي أبي بكر بن الطيب وغيره، وهو الذي ذكره القاضي أبو يعلى في
المعتمد، وهذا القول يقال له مذهب الشعوبية، وهو قول ضعيف من أقوال أهل البدع، كما
بسط في موضعه، وبينا أن تفضيل الجملة على الجملة لا يقتضي تفضيل كل فرد على كل
فرد، كما أن تفضيل القرن الأول على الثاني، والثاني على الثالث، لا يقتضي ذلك، بل
في القرن الثالث من هو خير من كثير من القرن الثاني، وإنما تنازع العلماء هل في
غير الصحابة من هو خير من بعضهم على قولين).
المبحث الثالث: موقف أهل السنة من الشعوبية ومناقشة ابن
تيمية لها:
تصدى أئمة أهل السنة للشعوبية
منذ ظهورها في المجالين الأدبي والعقائدي، فذكروا أدلتهم، وناقشوها، وردوا على
شبههم، وحكموا عليهم بالابتداع، ومخالفة السنن، وقد كان الإمام أحمد من أول من
بينوا بطلان مذهب الشعوبية العقائدي، ونصوا على مخالفتهم للسنة، حيث جاء عنه
(ونعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها، ونحبهم لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، فإن
حبهم إيمان وبغضهم نفاق، ولا نقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي، الذين لا يحبون
العرب، ولا يقرون لها فضل، فإن لهم بدعة ونفاقا وخلافا).
وكان من أشهر من تصدى لهم من
المتقدمين من أهل السنة ابن قتيبة في كتابه (تفضيل العرب)، وقد أورد أدلة الشعوبية
النقلية، وأبطل استدلالهم بها، فقال كما نقله عنه ابن عبد ربه (رد ابن قتيبة على
الشعوبية: قال ابن قتيبة في كتاب (تفضيل العرب): وأما أهل التسوية فإن منهم قوما
أخذوا ظاهر بعض الكتاب والحديث، فقضوا به ولم يفتشوا عن معناه، فذهبوا إلى قوله عز
وجل: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، وقوله: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين
أخويكم}، وإلى قول النبي عليه الصلاة والسلام في خطبته في حجة الوداع: (أيها
الناس، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها بالآباء، ليس لعربي على عجمي
فخر إلا بالتقوى، كلكم لآدم وآدم من تراب)، وقوله: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى
بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم)، وإنما المعنى في هذا أن الناس كلهم من
المؤمنين سواء في طريق الأحكام والمنزلة عند الله عز وجل والدار الآخرة، ولو كان
الناس كلهم سواء في أمور الدنيا ليس لأحد فضل إلا بأمر الآخرة، لم يكن في الدنيا
شريف ولا مشروف، ولا فاضل ولا مفضول. فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا
أتاكم كريم قوم فأكرموه)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أقيلوا ذوي الهيئات
عثراتهم)، وقوله صلى الله عليه وسلم في قيس بن عاصم: (هذا سيد الوبر)..).
المطلب الثاني: مناقشة
شيخ الإسلام ابن تيمية للشعوبية:
وقد أطال شيخ الإسلام في
مناقشة الشعوبية، والرد عليهم، وتقرير أصول أهل السنة في هذه قضية التفضيل، ومن
هذه الأصول والقواعد التي قررها في هذا الموضوع:
أولا: بيانه لحقيقة
الشعوبية:
فقد عرّف شيخ الإسلام مذهب الشعوبية تعريفا يشمل فرق الشعوبية كلها من
المفضلة والمساوية، فقد قال: (وذهبت فرقة من الناس إلى أن لا فضل لجنس العرب على
جنس العجم، وهؤلاء يسمون الشعوبية، لانتصارهم للشعوب التي هي مغايرة للقبائل، كما
قيل القبائل للعرب، والشعوب للعجم، ومن الناس من قد يفضل بعض أنواع العجم على
العرب).
وقال أيضا: (وذهبت طائفة إلى عدم التفضيل بين هذه الأجناس، وهذا قول
طائفة من أهل الكلام كالقاضي أبي بكر بن الطيب وغيره، وهو الذي ذكره القاضي أبو
يعلى في المعتمد، وهذا القول يقال له مذهب الشعوبية، وهو قول ضعيف من أقوال أهل
البدع).
ثانيا: تقرير أفضلية
جنس العرب على غيرهم وأنه قول أهل السنة والأثر:
فقد نصّ شيخ الإسلام ابن تيمية على مذهب أهل السنة في هذه القضية، وأن
جنس العرب أفضل من جنس غير العرب، حيث قال: (فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة
اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم، عبرانيهم وسريانيهم رومهم وفرسهم وغيرهم،
وأن قريشا أفضل العرب، وأن بني هاشم أفضل قريش، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أفضل بني هاشم، فهو أفضل الخلق نفسا وأفضلهم نسبا، وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني
هاشم لمجرد كون النبي صلى الله عليه وسلم منهم، وإن كان هذا من الفضل بل هم في
أنفسهم أفضل، وبذلك ثبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أفضل نفسا ونسبا وإلا
لزم الدور).
وقد احتج شيخ الإسلام ابن تيمية على كون هذا مذهب أهل السنة والأثر
بما (ذكر أبو محمد حرب بن إسماعيل بن خلف الكرماني صاحب الإمام أحمد في وصفه للسنة
التي قال فيها: هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها،
المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم
عليها، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها، فهو مبتدع خارج
عن الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم وعبد
الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم، فكان
من قولهم أن الإيمان قول وعمل ونية... إلى أن قال ونعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها،
ونحبهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حب العرب إيمان وبغضهم نفاق) ولا
نقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي الذين لا يحبون العرب، ولا يقرون بفضلهم، فإن
قولهم بدعة وخلاف.
ويروون هذا الكلام عن أحمد
نفسه في رسالة أحمد بن سعيد الأصطخري عنه إن صحت، وهو قوله وقول عامة أهل العلم).
ثالثا: بيان حقيقة
التفضيل عند أهل السنة والأثر:
فقد حقق شيخ الإسلام ابن تيمية القول في حقيقة التفضيل عند أئمة أهل
السنة، وأنه تفضيل جنس على جنس، لا فرد على فرد، ومن ثم فلا يترتب عليه أثر في
التكليف، ولا أثر في الثواب والعقاب، إذ كل فرد مرهون بعمله لا بنسبه ولا بجنسه،
حيث قال: (بينا أن تفضيل الجملة على الجملة لا يقتضي تفضيل كل فرد على كل فرد، كما
أن تفضيل القرن الأول على الثاني، والثاني على الثالث، لا يقتضي ذلك، بل في القرن
الثالث من هو خير من كثير من القرن الثاني، وإنما تنازع العلماء هل في غير الصحابة
من هو خير من بعضهم على قولين).
ثالثا: بيان أسباب ظهور بدعة الشعوبية:
كما بيّن شيخ الإسلام أسباب ظهور الشعوبية وانتقاصها للعرب وفضلهم،
وعزاها إلى نفاق عملي أو اعتقادي، فقال: (والغالب أن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا
عن نوع نفاق إما في الاعتقاد وإما في العمل، المنبعث عن هوى النفس، مع شبهات اقتضت
ذلك، ولهذا جاء في الحديث "حب العرب إيمان وبغضهم نفاق").
رابعا: تحذيره من خطورة الخوض في هذه المسألة
بالهوى للشعوبية أو العصبية العربية:
فقد حذر شيخ الإسلام من الخوض في مسألة التفضيل بالهوى والعصبية، وفيه
إشارة إلى ما وقع في هذه القضية من تنابز وافتراق بين المسلمين، وما يجب على
الجميع من حقوق الأخوة، والاعتصام بحبل الله جميعا، وعدم التفرق بسبب العصبيات،
حيث يقول: (مع أن الكلام في هذه المسائل لا يكاد يخلو عن هوى للنفس ونصيب للشيطان
من الطرفين، وهذا محرم في جميع المسائل، فإن الله قد أمر المؤمنين بالاعتصام بحبل
الله جميعا، ونهاهم عن التفرق والاختلاف، وأمر بإصلاح ذات البين، وقال النبي صلى
الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا
اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا
تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم
الله)، وهذان حديثان صحيحان وفي الباب من نصوص الكتاب والسنة مالا يحصى).
فاعتقاد فضل العرب اتباعا للنصوص الواردة في فضلهم، لا ينقص من حقوق
الأخوة بين المسلمين، ولا يجعل للعرب بالنسب من الحقوق ما ليس لغيرهم من المسلمين؛
ولهذا يحرم التفاخر بذلك، كما يحرم البغي والتطاول والتجاوز، كما قال شيخ الإسلام:
(وإنما يتم الكلام بأمرين:
أحدهما: أن الذي يجب على المسلم إذا نظر في الفضائل، أو تكلم فيها، أن
يسلك سبيل العاقل الذي غرضه أن يعرف الخير ويتحراه جهده، وليس غرضه الفخر على أحد،
ولا الغمط من أحد، فقد روى مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار المجاشعي قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم إنه: (أوحي إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا
يبغي أحد على أحد).
فنهى سبحانه على لسان رسوله
صلى الله عليه وسلم عن نوعي الاستطالة على الخلق، وهي الفخر والبغي، لأن المستطيل
إن استطال بحق فقد افتخر، وإن كان بغير حق فقد بغى، فلا يحل لا هذا ولا هذا.
فإن كان الرجل من الطائفة
الفاضلة مثل أن يذكر فضل بني هاشم، أو قريش، أو العرب، أو الفرس، أو بعضهم، فلا
يكون حظه استشعار فضل نفسه والنظر إلى ذلك، فإنه مخطئ في هذا، لأن فضل الجنس لا
يستلزم فضل الشخص، كما قدمناه فرب حبشي أفضل عند الله من جمهور قريش، ثم هذا النظر
يوجب نقصه وخروجه عن الفضل، فضلا عن أن يستعلي عبدا أو يستطيل.
وإن كان من الطائفة الأخرى
مثل العجم أو غير قريش أو بني هاشم، فليعلم أن تصديقه رسول الله صلى الله عليه
وسلم فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، ومحبة من أحبه، والتشبه بمن فضله الله، والقيام
بالدين الحق الذي بعث الله به عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم؛ يوجب له أن
يكون أفضل من جمهور الطائفة المفضلة، وهذا هو الفضل الحقيقي!
وانظر إلى عمر بن الخطاب رضي
الله عنه حين وضع الديوان، وقالوا له يبدأ أمير المؤمنين بنفسه، فقال: لا ولكن ضعوا
عمر حيث وضعه الله تعالى. فبدأ بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم من
يليهم حتى جاءت نوبته في بني عدي، وهم متأخرون عن أكثر بطون قريش، ثم هذا الاتباع
للحق ونحوه قدمه على عامة بني هاشم فضلا عن غيرهم من قريش).
خامسا: الاحتجاج على
تفضيل العرب بالأدلة النقلية والسنة الصحيحة:
فقد ذكر شيخ الإسلام الأدلة النقلية الصحيحة من السنة، التي تثبت فضل
جنس العرب، فقال: (والدليل على فضل جنس العرب ثم جنس قريش ثم جنس بني هاشم:
1- ما رواه الترمذي
من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن العباس
بن عبد المطلب رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله إن قريشا جلسوا فتذاكروا أحسابهم
بينهم فجعلوا مثلك كمثل نخلة في كبوة من الأرض؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم، ثم خير القبائل فجعلني في خير قبيلة، ثم
خير البيوت فجعلني في خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا) قال الترمذي: هذا
حديث حسن وعبد الله بن الحارث هو ابن نوفل.
الكبا بالكسر والقصر والكبة الكناسة والتراب الذي يكنس من البيت وفي
الحديث الكبوة وهي مثل الكبة، والمعنى أن النخلة طيبة في نفسها، وإن كان أصلها ليس
بذاك، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه خير الناس نفسا ونسبا.
2- وروى الترمذي
أيضا من حديث الثوري عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن المطلب بن أبي
وداعة قال جاء العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنه سمع شيئا، فقام
النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: (من أنا؟) فقالوا: أنت رسول الله صلى
الله عليك وسلم! قال: (أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. ثم قال: إن الله خلق
الخلق فجعلني في خيرهم، ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة، ثم جعلهم قبائل
فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا، وخيرهم نفسا) قال
الترمذي: هذا حديث حسن.
أخبر صلى الله عليه وسلم أنه ما انقسم الخلق فريقين إلا كان هو في خير
الفريقين، وقوله في الحديث خلق الخلق فجعلني في خيرهم، ثم خيرهم فجعلهم فرقتين
فجعلني في خير فرقة، يحتمل شيئين:
أحدهما: أن الخلق هم الثقلان أو هم جميع ما خلق في الأرض وبنو آدم
خيرهم، وإن قيل بعموم الخلق حتى يدخل فيه الملائكة، فكان فيه تفضيل جنس بني آدم
على جنس الملائكة وله وجه صحيح، ثم جعل بني آدم فرقتين، والفرقتان: العرب والعجم،
ثم جعل العرب قبائل، فكانت قريش أفضل قبائل العرب، ثم جعل قريشا بيوتا فكانت بنو
هاشم أفضل البيوت.
الثاني: ويحتمل أنه أراد بالخلق بني آدم، فكان في خيرهم أي ولد إبراهيم
أو في العرب، ثم جعل بني إبراهيم فرقتين بني إسماعيل وبني إسحاق، أو جعل العرب
عدنان وقحطان، فجعلني في بني إسماعيل أو بني عدنان، ثم جعل بني إسماعيل أو بني
عدنان قبائل، فجعلني في خيرهم قبيلة وهم قريش.
وعلى كل تقدير فالحديث صريح في تفضيل العرب على غيرهم.
3- ومثله أيضا في
المسألة ما رواه أحمد ومسلم والترمذي، من حديث الأوزاعي عن شداد بن عمار عن واثلة
بن الأسقع، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله اصطفى كنانة من
ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني
هاشم).
ورواه أحمد والترمذي من حديث محمد بن مصعب عن الأوزاعي ولفظه: (إن
الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة) الحديث.
وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.
وهذا يقتضي أن إسماعيل وذريته
صفوة ولد إبراهيم، فيقتضي أنهم أفضل من ولد إسحاق، ومعلوم أن ولد إسحق الذين هم
بنو إسرائيل أفضل العجم، لما فيهم من النبوة والكتاب، فمتى ثبت الفضل على هؤلاء
فعلى غيرهم بطريق الأولى، وهذا جيد إلا أن يقال الحديث يقتضي أن إسماعيل هو
المصطفى من ولد إبراهيم، وأن بني كنانة هم المصطفون من ولد إسماعيل، وليس فيه ما
يقتضي أن ولد إسماعيل أيضا مصطفون على غيرهم، إذ كان أبوهم مصطفى، وبعضهم مصطفى
على بعض.
فيقال لو لم يكن هذا مقصودا
في الحديث لم يكن لذكر اصطفاء إسماعيل فائدة، إذا كان لم يدل على اصطفائه ذريته،
إذ يكون على هذا التقدير لا فرق بين ذكر إسماعيل وذكر إسحق، ثم هذا منضما إلى بقية
الأحاديث دليل على أن المعنى في جميعها واحد.
واعلم أن الأحاديث في فضل قريش ثم في فضل بني هاشم فيها كثرة، وهي تدل
أيضا على ذلك، إذ نسبة قريش إلى العرب كنسبة العرب إلى الناس، وهكذا جاءت الشريعة
كما سنومئ إلى بعضه).
سادسا: الاحتجاج
بالأدلة العقلية على تفضيل العرب وبيان سبب ذلك:
فكما احتج شيخ الإسلام بالأدلة النقلية الصحيحة على صحة ما ذهب إليه
أهل السنة وعامة أهل العلم، من القول بتفضيل جنس العرب، فقد احتج لهم كذلك بالأدلة
العقلية، والتي تظهر بمعرفة أسباب التفضيل المعقولة المعنى، وهي ترجع إلى ثلاثة أسباب
رئيسة: كمال عقولهم، وكمال أخلاقهم، وكمال ألسنتهم وبيانهم، حيث يقول مفصلا ذلك: (وسبب
هذا الفضل والله أعلم ما اختصوا به في عقولهم وألسنتهم وأخلاقهم وأعمالهم، وذلك أن
الفضل إما بالعلم النافع، وإما بالعمل الصالح:
1-
والعلم له مبدأ وهو قوة العقل، الذي هو الحفظ والفهم، وتمام وهو قوة
المنطق الذي هو البيان والعبارة، والعرب هم أفهم من غيرهم وأحفظ، وأقدر على البيان
والعبارة، ولسانهم أتم الألسنة بيانا، وتمييزا للمعاني جمعا وفرقا، يجمع المعاني
الكثيرة في اللفظ القليل، إذا شاء المتكلم الجمع جمع، ثم يميز بين كل شيئين
مشتبهين بلفظ آخر مميز مختصر، كما نجده في لغتهم من جنس الحيوان، فإنهم مثلا
يعبرون عن القدر المشترك بين الحيوان بعبارات جامعة، ثم يميزون بين أنواعه في
أسماء كل أمر من أموره من الأصوات، والأولاد، والمساكن، والأظفار، إلى غير ذلك من
خصائص اللسان العربي التي لا يستراب فيها.
2-
وأما العمل فان مبناه على الأخلاق وهي الغرائز المخلوقة في النفس،
وغرائزهم أطوع للخير من غيرهم، فهم أقرب للسخاء والحلم والشجاعة والوفاء وغير ذلك
من الأخلاق المحمودة، لكن كانوا قبل الإسلام طبيعة قابلة للخير، معطلة عن فعله،
ليس عندهم علم منزل من السماء، ولا شريعة موروثة عن نبي، ولا هم أيضا مشتغلون ببعض
العلوم العقلية المحضة كالطب والحساب ونحوهما، إنما علمهم ما سمحت به قرائحهم من
الشعر والخطب، وما حفظوه من أنسابهم وأيامهم، وما احتاجوا إليه في دنياهم من
الأنواء والنجوم، أو من الحروب، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى
الذي ما جعل الله في الأرض ولا يجعل منه أعظم قدرا، وتلقوه عنه بعد مجاهدته
الشديدة لهم، ومعالجتهم على نقلهم عن تلك العادات الجاهلية، والظلمات الكفرية التي
كانت قد أحالت قلوبهم عن فطرتهم، فلما تلقوا عنه ذلك الهدى العظيم زالت تلك الريون
عن قلوبهم، واستنارت بهدى الله الذي أنزل على عبده ورسوله، فأخذوا هذا الهدى
العظيم بتلك الفطرة الجيدة، فاجتمع لهم الكمال بالقوة المخلوقة فيهم، والكمال الذي
أنزل الله إليهم، بمنزلة أرض جيدة في نفسها لكن هي معطلة عن الحرث، أو قد نبت فيها
شجر العضاه والعوسج وصارت مأوى الخنازير والسباع، فإذا طهرت عن المؤذي من الشجر
والدواب، وازدرع فيها أفضل الحبوب والثمار، جاء فيها من الحرث مالا يوصف مثله،
فصار السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أفضل خلق الله بعد الأنبياء، وصار
أفضل الناس بعدهم من تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة من العرب والعجم...
3-
وأيضا فإن الله لما أنزل كتابه باللسان العربي وجعل رسوله مبلغا عنه
الكتاب والحكمة بلسانه العربي، وجعل السابقين إلى هذا الدين متكلمين به، لم يكن
سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان، وصارت معرفته من الدين، وصار
اعتياد التكلم به أسهل على أهل الدين في معرفة دين الله).
سابعا: اقتضاء
التفضيل المحبة لهم في الله والتوقير:
وهذا من أصول أهل السنة، وهو
أثر من آثار إثبات فضيلة العرب ثم قريش ثم بني هاشم، وهو محبتهم في الله، وحفظ
مكانتهم وتوقيرهم، فإذا كانت المحبة بين جميع المؤمنين والمسلمين من الإيمان
والدين، وكذا توقير المسلم للمسلم حق للمسلم على المسلم، فمحبة العرب المسلمين
وتوقيرهم أوجب وأحق؛ لكونهم أول من آمن وأسلم وجاهد، ولأن كل من أسلم من الأمم
بعدهم إلى يوم القيامة، فبسبب جهاد العرب المسلمين وتضحياتهم دخلوا الإسلام، وهذه
السابقة توجب محبتهم وحفظ مكانتهم، هذا بالإضافة إلى مكانهم ونسبهم من رسول الله
صلى الله عليه وسلم، ومكان رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، وهذا ما أمر به
النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في
بيان وجوب محبة العرب: (جنس العرب يستحق من المحبة والموالاة ما لا يستحقه سائر
أجناس بني ادم، وهذا على مذهب الجمهور الذين يرون فضل العرب على غيرهم، وفضل قريش
على سائر العرب، وفضل بني هاشم على سائر قريش، وهذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد
وغيره، والنصوص دلت على هذا القول، كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:
(إن الله اصطفى قريشا من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم)،
وكقوله في الحديث الصحيح: (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية
خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)، وأمثال ذلك).
وقال أيضا (وقد بيّن صلى الله
عليه وسلم أن هذا التفضيل يوجب المحبة لبني هاشم ثم لقريش ثم للعرب، فروى الترمذي
من حديث أبي عوانة عن يزيد بن أبي زياد أيضا عن عبد الله بن الحارث حدثني المطلب
بن أبي ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أن العباس بن عبد المطلب دخل على رسول الله
صلى الله عليه وسلم مغضبا وأنا عنده، فقال: (ما أغضبك؟) فقال: يا رسول الله ما لنا
ولقريش إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة، وإذا لقونا لقونا بغير ذلك؟ قال:
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمر وجهه، ثم قال: (والذي نفسي بيده لا
يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله) ثم قال: (أيها الناس من آذى عمي فقد
آذاني، فإنما عم الرجل صنو أبيه) قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
ورواه أحمد في المسند مثل هذا
من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن يزيد هذا.
ورواه أيضا من حديث جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث
بن عبد المطلب بن ربيعة قال: دخل العباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
يا رسول الله إنا لنخرج فنرى قريشا تتحدث فإذا رأونا سكتوا، فغضب رسول الله صلى
الله عليه وسلم ودر عرق بين عينيه ثم قال: (والله لا يدخل قلب امرئ إيمان حتى
يحبكم لله ولقرابتي)..).
ثامنا: اختصاص العرب
ببعض الأحكام الشرعية:
كما إن من آثار التفضيل الاختصاص ببعض الأحكام الشرعية، ومن ذلك
اختصاصهم:
1- اختصاصهم بفضيلة النبوة
والخلافة، وغيرها من الأحكام الشرعية:
قال شيخ الإسلام في بيان
ذلك: (فإن الله تعالى خص العرب ولسانهم بأحكام تميزوا بها، ثم خص قريشا على سائر
العرب بما جعل فيهم من خلافة النبوة، وغير ذلك من الخصائص، ثم خص بني هاشم بتحريم
الصدقة واستحقاق قسط من الفيء إلى غير ذلك من الخصائص، فأعطى الله سبحانه كل درجة
من الفضل بحسبها، والله عليم حكيم، {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس}،
{والله أعلم حيث يجعل رسالته}..).
2- وجوب اتباعهم والتشبه بهم:
فقد أوجب الله على
المؤمنين جميعا إلى يوم القيامة اتباع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من العرب
المهاجرين والأنصار كما في قوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار
والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم}، واتباعهم يقتضي التشبه بدلهم وهديهم وخلقهم
وسمتهم، وذلك لكمالهم في الدين والخلق، ولهذا جاء في الحديث: (من تشبه بقوم فهو
منهم).
قال ابن تيمية في بيان سبب ذلك: (وكان الناس إذ ذاك الخارجون عن هذا
الكمال قسمين: إما كافر من اليهود والنصارى، لم يقبل هدى الله. وإما غيرهم من
العجم الذين لم يشركوهم فيما فطروا عليه، وكان عامة العجم حينئذ كفارا من الفرس
والروم، فجاءت الشريعة باتباع أولئك السابقين على الهدى الذي رضيه الله لهم،
وبمخالفة من سواهم، إما لمعصيته، وإما لنقيصته، وإما لأنه مظنة النقيصة، فإذا نهت
الشريعة عن مشابهة الأعاجم، دخل في ذلك ما عليه الأعاجم الكفار قديما وحديثا، ودخل
في ذلك ما عليه الأعاجم المسلمون مما لم يكن عليه السابقون الأولون، كما يدخل في
مسمى الجاهلية العربية ما كان عليه أهل الجاهلية قبل الإسلام، وما عاد إليه كثير
من العرب من الجاهلية التي كانوا عليها، ومن تشبه من العرب بالعجم لحق بهم، ومن
تشبه من العجم بالعرب لحق بهم، ولهذا كان الذين تناولوا العلم والإيمان من أبناء
فارس إنما حصل ذلك بمتابعتهم للدين الحنيف بلوازمه من العربية وغيرها، ومن نقص من
العرب إنما نقص بتخليهم عن هذا، وإما بموافقتهم للعجم فيما جاءت السنة أن يخالفوا
فيه فهذا أوجه).
وقد فصل شيخ الإسلام هنا القول في المقصود بالعرب الذين يجب التشبه
بهم، والعجم الذين يكره التشبه بهم، حيث وقع اشتباه في ذلك، فقال: (اسم العرب
والعجم قد صار فيه اشتباه، فإنا قد قدمنا أن اسم العجم يعم في اللغة كل من ليس من
العرب، ثم لما كان العلم والإيمان في أبناء فارس أكثر منه في غيرهم من العجم كانوا
أفضل الأعاجم، فغلب لفظ العجم في عرف العامة المتأخرين عليهم، فصارت حقيقة عرفية
عامية فيهم.
واسم العرب في الأصل كان اسما
لقوم جمعوا ثلاثة أوصاف:
أحدها: أن لسانهم كان باللغة
العربية.
الثاني: أنهم كانوا من أولاد
العرب.
الثالث: أن مساكنهم كانت أرض
العرب، وهي جزيرة العرب التي هي من بحر القلزم إلى بحر البصرة، ومن أقصى حجر
باليمن إلى أوائل الشام، بحيث تدخل اليمن في دارهم ولا تدخل فيها الشام، وفي هذه
الأرض كانت العرب حين البعث وقبله، فلما جاء الإسلام وفتحت الأمصار؛ سكنوا سائر
البلاد من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب، وإلى سواحل الشام وأرمينية، وهذه كانت
مساكن فارس والروم والبربر وغيرهم ثم انقسمت هذه البلاد قسمين:
1-
منها ما غلب على أهله لسان
العرب حتى لا تعرف عامتهم غيره، أو يعرفونه وغيره، مع ما دخل على لسان العرب من
اللحن، وهذه غالب مساكن الشام والعراق ومصر والأندلس ونحو ذلك، وأظن أرض فارس
وخراسان كانت هكذا قديما.
2-
ومنها ما العجمة كثيرة فيهم أو غالبة عليهم، كبلاد الترك وخراسان
وأرمينية وأذربيجان ونحو ذلك، فهذه البقاع انقسمت إلى ما هو عربي ابتداء، وما هو
عربي انتقالا، وإلى ما هو عجمي، وكذلك الأنساب ثلاثة أقسام:
·
قوم من نسل العرب وهم باقون على العربية لسانا ودارا، أو لسانا لا
دارا، أو دارا لا لسانا.
·
وقوم من نسل العرب بل من نسل هاشم، ثم صارت غير العربية لسانهم ودارهم
أو أحدهما.
·
وقوم مجهولو الأصل، لا يدرون أمن نسل العرب هم أو من نسل العجم، وهم
أكثر الناس اليوم، سواء كانوا عرب الدار واللسان، أو عجما في أحدهما.
وكذلك انقسموا في اللسان
ثلاثة أقسام:
·
قوم يتكلمون بالعربية لفظا ونغمة.
·
وقوم يتكلموا بها لفظا لا نغمة، وهم المتعربون الذين ما تعلموا اللغة
ابتداء من العرب، وإنما اعتادوا غيرها ثم تعلموها كغالب أهل العلم ممن تعلم
العربية.
·
وقوم لا يتكلمون بها إلا قليلا.
وهذان القسمان منهم من تغلب عليه العربية، ومنهم من تغلب عليه العجمة،
ومنهم من يتكافأ في حقه الأمران، إما قدرة وإما عادة:
فإذا كانت العربية قد انقسمت
نسبا ولسانا ودارا، فإن الأحكام تختلف باختلاف هذا الانقسام خصوصا النسب واللسان،
فإن ما ذكرناه من تحريم الصدقة على بني هاشم، واستحقاق نصيب من الخمس، ثبت لهم
باعتبار النسب، وإن صارت ألسنتهم أعجمية، وما ذكرنا من حكم اللسان العربي وأخلاق
العرب يثبت لمن كان كذلك، وإن كان أصله فارسيا، وينتفي عمن لم يكن كذلك وإن كان
أصله هاشميا.
والمقصود هنا أن ما ذكرته من
النهي عن التشبه بالأعاجم، إنما العبرة فيه بما كان عليه صدر الإسلام من السابقين
الأولين، فكل ما كان إلى هداهم أقرب فهو المفضل، وكل ما خالف ذلك فهو المخالف،
سواء كان المخالف ذلك اليوم عربي النسب، أو عربي اللسان، وهكذا جاء عن السلف... عن
أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي قال: من ولد في الإسلام فهو عربي.
وهذا الذي يروى عن أبي جعفر
لأن من ولد في الإسلام فقد ولد في دار العرب واعتاد خطابها وهكذا كان الأمر.
....عن أبي هريرة يرفعه قال: (من تكلم بالعربية فهو عربي، ومن أدرك له
اثنان في الإسلام فهو عربي) هكذا فيه وأظنه ومن أدرك له أبوان، فهنا إن صح هذا
الحديث، فقد علقت العربية فيه بمجرد اللسان، وعلقت في النسب بأن يدرك له أبوان في
الدولة الإسلامية العربية... ومن تأمل ما ذكرناه في هذا الباب عرف مقصود الشريعة
فيما ذكرناه من الموافقة المأمور بها، والمخالفة المنهي عنها، كما تقدمت الدلالات
عليه، وعرف بعض وجوه ذلك وأسبابه، وبعض ما فيه من الحكمة).
تاسعا: بيان كون بغض
العرب من الكفر أو سبب للكفر:
وقد قرر شيخ الإسلام في مناقشته للشعوبية بأن بغض العرب واحتقارهم كفر
أو سبب للكفر، كما جاءت بذلك السنن، فقال: (ومن الأحاديث التي تذكر في هذا المعنى
ما رويناه من طرق معروفة... عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إنا لقعود بفناء النبي
صلى الله عليه وسلم إذ مرت بنا امرأة، فقال بعض القوم: هذه ابنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فقال أبو سفيان: مثل محمد في بني هاشم مثل الريحانة في وسط النتن!
فانطلقت المرأة فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم
يعرف في وجهه الغضب، فقال: (ما بال أقوال تبلغني عن أقوام إن الله خلق السموات
سبعا فاختار العليا منها، وأسكنها من شاء من خلقه، ثم خلق الخلق فاختار من الخلق
بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا،
واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا خيار، من خيار، من خيار، فمن
أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم).
وأيضا في المسألة ما رواه
الترمذي.. عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا
سلمان لا تبغضني فتفارق دينك) قلت: يا رسول الله كيف أبغضك وبك هداني الله؟ قال:
(تبغض العرب فتبغضني) قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا يعرف إلا من حديث أبي بدر
شجاع بن الوليد.
فقد جعل النبي صلى الله عليه
وسلم بغض العرب سببا لفراق الدين، وجعل بغضهم مقتضيا لبغضه، ويشبه أن يكون النبي
صلى الله عليه وسلم خاطب بهذا سلمان وهو سابق الفرس ذو الفضائل المأثورة تنبيها
لغيره من سائر الفرس، لما أعلمه الله من أن الشيطان قد يدعو النفوس إلى شيء من
هذا، كما أنه صلى الله عليه وسلم لما قال: (يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله
شيئا، يا عباس عم رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله لا
أغني عنك من الله شيئا، سلوني من مالي ما شئتم)، كان في هذا تنبيه لمن انتسب
لهؤلاء الثلاثة أن لا يغتروا بالنسب ويتركوا الكلم الطيب والعمل الصالح.
وهذا دليل على أن بغض جنس
العرب ومعاداتهم كفر أو سبب للكفر، ومقتضاه أنهم أفضل من غيرهم، وأن محبتهم سبب
قوة الإيمان؛ لأنه لو كان تحريم بغضهم كتحريم بغض سائر الطوائف لم يكن سببا لفراق
الدين، ولا لبغض الرسول، بل كان يكون نوع عدوان، فلما جعله سببا لفراق الدين، وبغض
الرسول، دل على أن بغضهم أعظم من بغض غيرهم، وذلك دليل على أنهم أفضل، لأن الحب
والبغض يتبع الفضل، فمن كان بغضه أعظم دل على أنه أفضل، ودل حينئذ على أن محبته
دين، لأجل ما فيه من زيادة الفضل، ولأن ذلك ضد البغض، ومن كان بغضه سببا للعذاب
لخصوصه، كان حبه سببا للثواب، وذلك دليل على الفضل.
وقد جاء ذلك مصرحا به في حديث
آخر رواه أبو طاهر السلفي في (فضل العرب) من حديث أبي بكر بن أبي داود حدثنا عيسى
بن حماد زغبة حدثنا علي بن الحسن الشامي حدثنا خليد بن دعلج عن يونس بن عبيد عن
الحسن عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حب (أبي بكر
وعمر من الإيمان، وبغضهما من الكفر، وحب العرب من الإيمان، وبغضهم من الكفر).
وقد احتج حرب الكرماني وغيره
بهذا الحديث، وذكروا لفظه: (حب العرب إيمان وبغضهم نفاق وكفر).
وهذا الإسناد وحده فيه نظر!
لكن لعله روي من وجه آخر، وإنما كتبته لموافقته معنى حديث سلمان، فإنه قد صرح في
حديث سلمان بأن بغضهم نوع كفر، ومقتضى ذلك أن حبهم نوع من إيمان فكان هذا موافقا
له).
عاشرا: بيان الأحاديث
الضعيفة والموضوعة في فضائل العرب:
وقد عرض شيخ الإسلام ابن تيمية لما قد يحتج به أهل العصبية من العرب،
من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، فقال (رويت أحاديث النكرة ظاهرة عليها مثل:
1-
ما رواه الترمذي...قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (من غش العرب لم يدخل في شفاعتي، ولم تنله مودتي)، قال
الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حصين بن عمر الأحمسي عن مخارق، وليس
حصين عند أهل الحديث بذاك القوي.
قلت: هذا الحديث معناه
قريب من معنى حديث سلمان فان الغش للنوع لا يكون مع محبتهم بل لا يكون إلا مع
استخفاف بهم أو مع بغض لهم فليس معناه بعيدا، لكن حصين هذا الذي رواه قد أنكر أكثر
الحفاظ أحاديثه قال يحيى بن معين ليس بشيء..
قلت: ولذلك لم يحدث أحمد ابنه
عبد الله بهذا الحديث في الحديث المسند، فإنه قد كان كتبه عن محمد بن بشر عن عبد
الله بن عبد الله بن الأسود عن حصين كما رواه الترمذي فلم يحدثه به، وإنما رواه
عبد الله عنه في المسند وجادة، قال وجدت في كتاب أبي حدثنا محمد بن بشر وذكره،
وكان أحمد رحمه الله على ما تدل عليه طريقته في المسند، إذا رأى أن الحديث موضوع،
أو قريب من الموضوع لم يحدث به، ولذلك ضرب على أحاديث رجال، فلم يحدث بها في
المسند، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو
أحد الكاذبين).
2-
وكذلك روى عبد الله بن أحمد في مسند أبيه... عن علي رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبغض العرب إلا منافق).
وزيد بن جبيرة عندهم منكر الحديث.
3-
وكذلك روى أبو جعفر محمد بن عبد الله الحافظ الكوفي المعروف
بمطين...عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب
العرب لثلاث لأنه عربي، والقرآن عربي، ولسان أهل الجنة عربي).
قال الحافظ السلفي هذا
حديث حسن، فما أدري أراد حسن إسناده على طريقة المحدثين؟ أو حسن متنه على الاصطلاح
العام؟
وأبو الفرج بن الجوزي ذكر هذا الحديث في الموضوعات، وقال قال الثعلبي:
لا أصل له. وقال ابن حبان: يحيى بن زيد يروي المقلوبات عن الأثبات فبطل الاحتجاج
به والله أعلم.
4-
وأيضا في المسألة ما روى أبو بكر البزار.. عن أوس بن ضمعج قال: قال سلمان: نفضلكم يا معاشر العرب لتفضيل رسول
الله صلى الله عليه وسلم إياكم، لا ننكح نساءكم، ولا نؤمكم في الصلاة.
وهذا إسناد جيد، وأبو أحمد هو والله أعلم محمد بن عبد الله الزبيري،
من أعيان العلماء الثقات، وقد أثنى على شيخه، والجوهري وأبو إسحاق السبيعي أشهر من
أن يثنى عليهما، وأوس بن ضمعج ثقة روى له مسلم.
وقد أخبر سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل العرب، فإما
إنشاء وإما إخبار، فإنشاؤه صلى الله عليه وسلم حكم لازم، وخبره حديث صادق، وتمام
الحديث قد روي عن سلمان من غير هذا الوجه، رواه الثوري عن أبي إسحاق عن أبي ليلى
الكندي عن سلمان الفارسي أنه قال: (فضلتمونا يا معاشر العرب باثنتين لا نؤمكم في
الصلاة، ولا ننكح نساءكم). رواه محمد بن أبي عمر العدني وسعيد بن منصور في سننه
وغيرهما.
وهذا مما احتج به أكثر الفقهاء الذين جعلوا العربية من الكفاءة
بالنسبة إلى العجمي، واحتج به أحمد في إحدى الروايتين على أن الكفاءة ليست حقا
لواحد معين، بل هي من الحقوق المطلقة في النكاح، حتى إنه يفرق بينهما عند عدمها،
واحتج أصحاب الشافعي وأحمد بهذا على أن الشرف مما يستحق به التقديم في الصلاة.
5-
ومثل ذلك ما رواه محمد بن أبي عمر العدني قال حدثنا سعيد بن عبيد
أنبأنا علي بن ربيعة عن ربيع بن نضلة: (أنه خرج في اثني عشر راكبا كلهم قد صحب
محمدا صلى الله عليه وسلم وفيهم سلمان الفارسي، وهم في سفر فحضرت الصلاة، فتدافع
القوم أيهم يصلي بهم، فصلى بهم رجل منهم أربعا، فلما انصرف قال سلمان: ما هذا؟ ما
هذا؟ مرارا نصف المربوعة، قال مروان يعني نصف الأربع، نحن إلى التخفيف أفقر، فقال
له القوم: صل بنا يا أبا عبد الله أنت أحقنا بذلك! فقال لا أنتم بنو إسماعيل
الأئمة، ونحن الوزراء). وفي المسألة آثار غير ما ذكرته في بعضها نظر وبعضها
موضوع).
قائمة المصادر
والمراجع:
- أساس البلاغة: محمود جار الله الزمخشري، ط 1، دار الكتب، بيروت.
- اقتضاء الصراط المستقيم: شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، تحقيق محمد
حامد الفقي، ط سنة 1369 السنة المحمدية، مصر.
- الأوائل: لأبي هلال العسكري، ط 1، مصورة، القاهرة.
- البيان والتبيين: عمرو الجاحظ، تحقيق فوزي عطوي، ط1 سنة 1968 م، دار
صعب، بيروت.
- تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي، ط1، الكتب العلمية، بيروت.
- الحيوان: عمرو الجاحظ، تحقيق عبد السلام هارون، ط سنة 1996م دار
الجيل، بيروت.
- الرسائل: عمرو الجاحظ، ط1، الكتب العلمية، بيروت.
- سلسلة الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الرابعة
سنة 1398هـ، المكتب الإسلامي ـ بيروت.
- سلسلة الأحاديث الضعيفة: محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة
الرابعة سنة 1398هـ، المكتب الإسلامي، بيروت.
- طبقات الحنابلة: ابن أبي يعلى الحنبلي، تحقيق محمد حامد الفقي، ط 1،
دار المعرفة، بيروت.
- العقد الفريد: ابن عبد ربه الأندلسي، ط 1، بيروت.
- فتح الباري: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق محب الدين الخطيب، ترقيم
عبد الباقي ط1 سنة 1410هـ نشر دار الكتب العلمية، بيروت.
- الفرق بين الفرق: عبد القاهر البغدادي، ط سنة 1977، دار الآفاق، بيروت.
- لسان العرب: محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، الطبعة الأولى،
دار صادر ـ بيروت.
- المسند: أحمد بن حنبل، ط3، تصوير المكتب الإسلامي.
- المسند: أحمد بن حنبل، تحقيق أحمد شاكر، ط1 سنة 1377هـ، دار المعارف، القاهرة.
- منهاج السنة النبوية: أحمد بن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، ط1، مؤسسة
قرطبة.
العقد الفريد، ابن عبد ربه، (1 /414).
منهاج السنة النبوية، ابن تيمية، (4/364).
منهاج السنة النبوية، ابن تيمية، (4/364).
اقتضاء الصراط، ابن تيمية، (ص148).
منهاج السنة النبوية، ابن تيمية، (4/364).
اقتضاء الصراط، ابن تيمية، (ص150- 154)
باختصار.
اقتضاء الصراط، ابن تيمية، (ص152).
اقتضاء الصراط، ابن تيمية، (ص154).
أبو
داود في السنن ح رقم 4033 وقال الشيخ الألباني في تعليقه عليه (حسن صحيح)، وقال
ابن حجر في الفتح 10/271 (رواه أبو داود بسند حسن).
اقتضاء الصراط، ابن تيمية، (ص 159).