﴿وأقيموا الشهادة
لله﴾
بقلم أ.د. حاكم المطيري
٢٧/ ١/ ١٤٤٦هـ
٢/ ٨/ ٢٠٢٤م
ثبوت وصف "الشهادة" لمسلم، وإطلاق اسم "الشهيد" عليه،
حكم شرعي عظيم، وحق لله تعالى وحده -كغيره
من الأسماء الشرعية التي سمى الله بها عباده كالإسلام والإيمان- وفضل يختص به الله
من يشاء من عباده عند وفاتهم، لا يخضع للأهواء النفسية، أو السياسية الحزبية، والمذهبية،
والطائفية، ولا لحظوظ النفوس وحزازاتها، وضغائنها وخلافاتها، وحبها وبغضها، وصداقتها
وعداوتها، ولا إلى ما سلف للعبد نفسه من عمل على خلاف مقتضياتها، كما قال النبي ﷺ: (إنما الأعمال بخواتيمها).
فكل مسلم توفي بأحد الأسباب التي نص الشرع على أن من مات بها شهيد، فهو
شهيد في حكم الدنيا قطعا، وفي حكم الآخرة رجاءً وطمعا، ويترتب على هذا الوصف أحكام
عملية خاصة بالشهداء بأعيانهم عند غسلهم، وكفنهم، والصلاة عليهم، فليست مجرد أحكام
نظرية مطلقة لا يعرف أهلها.
والشهداء قسمان:
الأول: الشهيد المقتول، سواء:
١- قُتل بيد العدو الكافر، زمن الحرب، وهو المنصوص عليه في كل آيات القرآن
الكريم، المخصوص بوصف الشهادة واسم الشهيد.
٢- أو قُتل بغير معركة، ظلما، كقتيل السلطان الجائر، بغير حق، كما في
الصحيح: (من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو
شهيد، ومن قتل دون نفسه فهو شهيد).
وكما في الحديث: (سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه
فقتله).
وشهيد المعركة هو الذي يدفن بثيابه، ولا يغسل، ولا يصلى عليه، عند جمهور
الفقهاء، لعظيم مكانته عند الله، فلا يحتاج لمن يصلي عليه أصلا أو يشفع له؛ لأنه هو
من يشفع لغيره، وكذا قتيل السلطان الجائر ظلما، وذهب بعض الفقهاء إلى أنهم يصلى عليهم
جميعا.
الثاني: الشهيد غير المقتول، كمن مات بالغرق، والحريق، والهدم، والطاعون،
والمبطون.. إلخ.
ولهذا قال النبي ﷺ للصحابة:
ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: من قتل في سبيل الله فهو شهيد! فقال ﷺ: (إن شهداء أمتي إذن لقليل!) ثم ذكر أسباب الشهادة وهي كثيرة...
وهؤلاء شهداءٌ اسمًا ووصفًا في الحكم الدنيوي، ولهم كأجر الشهداء في سبيل
الله في الحكم الأخروي، دون مكانتهم ودرجتهم، وليست لهم أحكام الشهداء العملية في الدنيا،
فيغسلون ويصلى عليهم بلا خلاف.
فمن ثبت له هذان الوصفان:
١- وصف الإسلام: وهو ثابت قطعا لكل مسلم في حكم الظاهر، إلا من ثبتت ردته
وكفره وخروجه عن دائرة الإسلام.
٢- ووصف الشهادة وسببها الذي مات به، وعده الشارع شهادةً، كالقتل والغرق
والحرق والهدم ونحوها.
فمن ثبت له هذان الوصفان يقينا؛ فقد ثبت له قطعا وصف الشهادة وأحكامها
الدنيوية بلا مثنوية، سواء كان الميت بها رجلا أو امرأة، كبيرا أو طفلا صغيرا، صالحا
أو فاسقا، سنيا أو بدعيا، كما نص عليه ابن حجر وغيره من الفقهاء، ولا خلاف فيه بين
الفقهاء حيث عرفوا الشهيد بصيغة العموم بلا قيد: (كل مسلم مقتول في المعركة بيد العدو
الكافر …).
ولا خلاف بين الفقهاء بأنه لا يشترط لثبوت أحكام الشهادة واسم الشهيد
أكثر من كون المتوفى مسلما، توفي بأحد أسباب الشهادة التي نص عليها الشارع.
فهي أحكام شرعية جعلية تثبت وتترتب أحكامها بوجود أسبابها وشروطها.
ووصف الشهادة الدنيوية لا يقتضي سقوط المظالم وحقوق العباد يوم القيامة،
كما في الصحيح: (يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين).
فكل مسلم يموت مقتولا بيد العدو الكافر، أو ظلما، أو غرقا، أو حرقا، أو
بالهدم، أو بالطاعون، أو مبطونا؛ فهو شهيد لا يحجب عنه الاسم والوصف الذي سماه به الله
ورسوله، كما لا يحجب عنه وصف الإسلام، لعداوة أو بغضاء أو لاختلاف سياسي حزبي أو مذهبي؛
لأن الأسماء والأحكام الشرعية حق لله لا تدخلها الأهواء ولا اختلاف الآراء.