براءة يوسف
نظرات في معنى الهمّ في
قوله تعالى عن يوسف: {وَهَمَّ بِهَا}
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
الحَمْدُ لله وكفى،
وصلى الله وسلم على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن لسنته وسبيله اقتفى وبعد..
فهذه مناظرة ظريفة
وقصة طريفة حدثت سنة 1997 -حين وصولي للدراسة في جامعة برمنغهام- بيني وبين الشيخ الفاضل
محمد الحبر يوسف وكان إمام مسجد أمانة معاذ الخيرية وخطيبه، ونعم الأخ كان علما وأدبا
وسماحة خلق ورحمة، وقد دخلت عليه يوما المكتبة وهو يقرأ في أضواء البيان للشيخ الشنقيطي،
وكانت له به عناية، وبعلم التفسير عموما، وإذا هو يقرأ في سورة يوسف، فبادرني بالسؤال:
ما تقول في قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ
رَبِّهِ} فهل وقع منه همّ؟
فقلت له: الظاهر
عندي أنه لم يقع، فما يقول الشنقيطي فيها؟
فقال: يرى أنه همّ
بها؛ كما هو قول عامة السلف!
فقلت: لا أظن الشنقيطي
كما أعرفه من منهجه يذهب إلى هذا الرأي!
فقال: هذا كلامه
بين يدي! وأخذ يقرأه فإذا هو يذكر قول أئمة التفسير، وكأنه يفهم من قوله الميل لهم!
فقلت: أكمل القراءة
لا يمكن أن يرجح هذا القول، وإنما هاب أن يخالف الأئمة وإن كان يميل إلى خلاف قولهم.
ثم أكمل القراءة
وإذا الشنقيطي يقول: (والأجرى على قواعد العربية عدم وقوع الهم) ثم ذكر كلام الأئمة!
فتنازعنا في ما
الذي ترجّح عند الشنقيطي فيها، وما الرّاجح فيها؟
فقال لي الشيخ محمد:
تأمل الآيات واكتب فيها ما يفتح الله عليك.
فرجعت إلى البيت
وكنت أسكن مع الأخ الكريم أحمد اللوغاني، وشرعت في كتابة نظرات وتأملات في آية الهم
في سورة يوسف، فلما فرغت منها أتيته بها من الغد، فقرأها الشيخ محمد وكتب عليها اعتراضاته،
وأعطانيها، فرجعت بها وكتبت الإجابة عما استشكله، فإذا البحث يصبح محاكمة ليوسف عليه
السلام وإثبات براءته حتى من الهمّ!
فلما قرأها الشيخ
محمد أثنى على ما كتبت، ومع ذلك أصر على رأيه فيها، وأنه رأي الشيخ الشنقيطي!
فتركته، فلما جاء
من الغد أو بعد يومين؛ أتيت إلى أمانة معاذ، فلما رآني أخذ يكبر بأعلى صوته: الله أكبر
الله أكبر!
فقلت: ما بك؟
فقال: رأيت رؤيا
عظيمة!
قلت: خيرا إن شاء الله!
قال: رأيت كأني
في درس الشيخ الشنقيطي والطلبة حوله وهو يفسر القرآن - ونسيت هل ذكر في الرؤيا أنه
يفسر سورة يوسف أو بشكل عام - وإذا الشنقيطي يقول بأعلى صوته: معاذ الله، معاذ الله!
فقلت للشيخ محمد:
ها قد أجابك الشيخ الشنقيطي نفسه، ونفى عن نفسه ما نسبته إليه، فلا تعد!
فأخذ الشيخ محمد
يسبح الله ويتعجب من الرؤيا والقصة كلها!
ثم بعد ثلاث سنوات
طلب مني ندوة في ديوان الشيخ د. جاسم الفهيد، فكانت نظرات تربوية في سورة يوسف، وذكرت
ما يؤكد نفي الهم عن يوسف فيها، فاستشكل الحضور هذا القول، وأخذت أجيب عن اعتراضاتهم،
فلما قلت: ما تقولون في قول امرأة العزيز {مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا}
هل يصدق على من همّ بها أنه أراد سوءا؛ فتكون صادقة في اتهامه أم لا؟
فقال الشيخ جاسم
على الفور: هذه هي الفاصلة والحاسمة!
وهذا ما وجدته مما
كتبته آنذاك بخط يدي من النظرات في هذه الآيات، ولم أجد ما كتبه الشيخ محمد الحبر من
استشكالات.
تنزيل النظرات