تحرير حلب
ويوم المرحمة
بقلم أ.د. حاكم المطيري
٢٨/ ٥/ ١٤٤٦هـ
٣٠/ ١١/ ٢٠٢٤م
شرع النبي ﷺ -وهو نبي الرحمة
والملحمة- أحكام يوم الفتح والمرحمة، فقال يوم فتح مكة وقد قال سعد بن عبادة : (اليوم
يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشا)! فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال: (كذب سعد
بل اليوم يوم المرحمة، اليوم تستر الحرمة، ويعز الله قريشا)، ونادى في أهل مكة (اذهبوا
فأنتم الطلقاء) وكانوا على كفرهم، وعفى وصفح عنهم، إلا عن نفر من أكابر مجرميهم لم
يعف عنهم، وأمر بقتلهم، على جرائم اقترفوها، فوجب على أمته الاقتداء به، واتباع هديه،
كما قال تعالى: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾، وقال: ﴿قل إن كنتم تحبون الله
فاتبعوني يحببكم الله﴾، وجاءت أحكام الفتح تعبيرا عن غايات الإسلام نفسه من تشريع القتال
في سبيل الله وهي دفع الظلم والعدوان، وإقامة العدل والإحسان، وتحقيق الغاية من بعثته
ﷺ كما قال تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة
للعالمين﴾، وتعبيرا عن حقيقة الفتح ومفهومه في الإسلام وهو الانفتاح بالعفو والصفح،
والسعة في الحياة بعد الضيق، كما قال ربعي بن عامر لرستم: (إن الله بعثنا لنخرج العباد
من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن
جور الأديان إلى عدل الإسلام).
فليس يوم الفتح
يوم ثأر وفتن وإحن وملحمة، بل يوم عفو وأمن وكرم ومرحمة، كما قال تعالى: ﴿فهل عسيتم
إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم﴾..
فالمسلمون عبر
تاريخهم كله لا يثأرون يوم الفتح لقتلاهم، فهم شهداء في سبيل الله، وأجرهم على الله،
وإنما يعفون ويصفحون ويرحمون، فبهذا أمرهم دينهم، وهذه سنة نبيهم ﷺ، ولهذا بعثهم الله
ليملئوا الأرض عدلا ورحمة، بعد أن ملئت جورا وظلما وقسوة، وليحرروا المستضعفين من سجون
الطغاة والمجرمين، حتى لا يخاف ضعيف، ولا يظلم عسيف، وبحسب المستضعفين في الأرض الأمن
في السلم، والعدل في القسم، والإنصاف في الحكم.