السياسة الشرعية
والشرعية السياسية
بقلم أ.د. حاكم المطيري
٢٣/ ١٢/ ١٤٤٤هـ
١١/ ٧/ ٢٠٢٣م
تمثل حركة الملا عمر والإمارة الإسلامية في كلا عهديها ما قبل إقامة
دولتها في أفغانستان وما بعدها -بما في ذلك مواجهة الحملة الصليبية الروسية ثم
الأمريكية الأوربية- الامتداد الطبيعي والتاريخي والموروث الفقهي للأمة الإسلامية
سياسيا وفكريا وحركيا، وامتدادا لحركة تحررها وجهادها كما حركة الشهيد الأمير أحمد
عرفان في الهند والأمير عبد القادر في الجزائر وعمر المختار في ليبيا وعبدالكريم
الخطابي في المغرب؛ فهي تمثل الوريث الشرعي والشرعية التاريخية على مستوى النظرية
والممارسة لهذه الحركات التي لم تنقطع منذ احتل الاستعمار الغربي العالم الإسلامي
حتى اليوم.
بينما قطعت الحركة الإسلامية المعاصرة علاقتها بهذا الامتداد
التاريخي شيئا فشيئا حتى انسلخت من كل الموروث الإسلامي السياسي والفقهي بما في
ذلك الإيمان بوحدة الأمة السياسية وبالخلافة كنظام سياسي وبوحدة دار الإسلام بل
نفت وجود هذه الدار اليوم واعتبرت كل ذلك مرحلة تاريخية انتهت تماهيا مع النظام
الغربي ونظامه الدولي ونظرياته السياسية العلمانية!
وباتت هذه الحركة -التي اتخذت من العواصم الغربية نفسها مركزا
لنشاطها ودعوتها برعاية أوربية كما القاديانية- امتدادا للنظام السياسي الوظيفي في
العالم الإسلامي الذي تشكل منذ سقوط الخلافة في ظل الحملة الصليبية فهي تؤمن وتدعو
لكل ما يدعو إليه من الوطنية والديمقراطية والالتزام بقرارات الشرعية الدولية!
وبلغ الأمر بهذه الحركات أن انحازت إلى العدو الغربي حين غزا
أفغانستان ٢٠٠١ ثم العراق ٢٠٠٣ وشاركت في الحكومات التي أقامها المحتل الأمريكي
فيهما والانتخابات التي أشرف عليها في غزة ٢٠٠٦م!
ولا يمكن لهذه الحركات المعاصرة حتى لو وصلت إلى السلطة -كما حدث
للنهضة في تونس والعدالة في المغرب وقبلهما الحركة الإسلامية في السودان- أن تعبّر
فعلا عن الإسلام ونظامه السياسي الراشد بقدر تعبيرها عن النظام الوطني الوظيفي
البرغماتي الذي خرجت من رحمه وترعرعت في أحضانه وحملت جيناته الطبيعية!
ولهذا تحاول هذه الحركات منذ انسحاب المحتل الأمريكي من أفغانستان
تطويع الإمارة الإسلامية في أفغانستان لشروط النظام الغربي وتدعوها إلى التعاون
معه وإقامة نظام ديمقراطي يعود من خلاله النفوذ الأمريكي مرة أخرى عبر صناديق
الاقتراع!
لقد كانت شعوب الربيع العربي آخر ضحايا هذه الحركات الإسلامية
الوظيفية التي تؤمن بالقوى الغربية أشد من إيمانها بالله!
وبالديمقراطية أشد من إيمانها بالحرية!
وبالوطنية والقومية أشد من إيمانها بوحدة الأمة الإسلامية!