لندن
وأحزاب الضرار!
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
٥/ ١/ ١٤٤٥هـ
٢٣/ ٧/ ٢٠٢٣م
بريطانيا هي المسئولة عن إدارة العلاقة بين العرب والترك وهندستها وضبط
إيقاعها توتيرا وتهدئة، ومنع أي تقارب بين القوميتين الرئيسيتين في المنطقة منذ سقوط
الخلافة العثمانية حتى اليوم! وقد كانت لندن تدير هذه السياسية عبر القوى القومية العلمانية
التركية والعربية التي تولت السلطة في المنطقة تحت النفوذ الغربي ثم لاحقا عبر الجماعات
والأحزاب الإسلامية الوظيفية التركية والعربية على حد سواء!
وقد أدى التقارب التركي الخليجي الأخير إلى استنفار دوائر القرار في لندن
التي ترى تعزيز علاقة تركيا بالمنطقة العربية وازدياد نفوذها -والذي قد يتنامى في المستقبل
على حساب النفوذ البريطاني- مهددا لوجودها الاستعماري التاريخي في الخليج بينما ترى
واشنطن تركيا حليفا في النيتو قادرا على مشاركتها في تحمل أعباء حماية المنطقة عسكريا
تحت النفوذ الأمريكي الذي يتوقع أيضا انحساره خلال عقدين!
وما إن وقعت تركيا اتفاقيات التعاون الاقتصادية والعسكرية مع دول الخليج
الأسبوع الماضي حتى تفجرت الساحة الإعلامية فيها وبدون سابق إنذار ضد تركيا وحكومتها
لتصبح فجأة بين عشية وضحاها وقبل أن يجف حبر تلك الاتفاقيات إلى عدو للعرب وللاجئين
السوريين حيث تخلت تركيا -كما تدعي الحملة الإعلامية العربية من لندن- عن جميع أصدقائها
العرب، وقلبت لهم ظهر المجن وخانت عهودها!
مع أن تركيا ما زالت تؤوي أربعة ملايين عربي بشكل رسمي لم يثبت حتى الآن
أنه تم ترحيل أحد منهم بلا سبب قانوني كما صرح اليوم الناشط الحقوقي السوري محمود حج
علي في حسابه على التويتر!
وكل من يعرف تركيا وعاش فيها يعلم بأن الحملات الأمنية وترحيل اللاجئين
غير القانونيين لم تتوقف قط حيث يعبر الحدود إليها الآلاف كل يوم من كل الدول المحيطة
بها للبحث عن فرص العمل أو العبور من خلالها إلى أوربا، وكذلك يتم ترحيل الآلاف منهم
يوميا، وهي مشكلة تعاني منها تركيا منذ عشرين سنة، وزادت بسبب النهضة التي تشهدها،
فليست قضية اللاجئين هذه سببا منطقيا لهذه الحرب الإعلامية الممنهجة بشكل احترافي لا
تجيده إلا دوائر الاستخبارات الغربية وجماعاتها الوظيفية لتأجيج الصراع القومي العربي
من جديد وبالأحزاب والجماعات نفسها التي جاءت للسلطة على ظهر الدبابة البريطانية الأمريكية!
وهذا لا ينفي وقوع تجاوزات بحق اللاجئين اعترف بها وزير الداخلية نفسه،
ووعد بعلاجها كما شارك في التصدي لهذه التجاوزات كثير من الكتاب والمفكرين الأتراك
والعرب؛ حرصا منهم على تركيا وأمنها واستقرارها.
وهذا بخلاف الحملة الإعلامية العربية البريطانية، والهجوم على الحكومة
التركية الذي شارك فيه جهتان كلاهما على علاقة وطيدة بالغرب وبلندن على وجه الخصوص،
وهما:
١- أحزاب المعارضة العلمانية في تركيا التي ترى ورقة اللاجئين هي آخر ورقة
لديها لتأزيم الساحة السياسية قبيل انتخابات البلدية القادمة بالتحريض عليهم وعلى العرب
عامة وعلى اللغة العربية لأنها شعار الإسلام الذي تحاربه هذه الأحزاب بحربها للغة العربية.
٢- وبعض قوى الثورة العربية خاصة
الحركة الإسلامية التي ترى أن التقارب التركي الخليجي قد جاء على حساب مصالحها وستفقد
أهميتها السياسية التي اكتسبتها بعد الربيع العربي خاصة بعد رهانها الخاسر ووقوفها
مع حزب السعادة الإسلامي وحزب المستقبل حلفاء حزب الشعب الأتاتوركي في انتخابات الرئاسة
٢٠٢٣ م!
وهناك تناغم جلي بين خطاب المعارضة التركية العلمانية اليوم في هجومها
على الحكومة بدعوى إبقائها للاجئين العرب، وخطاب المعارضة الإسلامية العربية في هجومها
على الحكومة التركية بدعوى إخراجها للاجئين العرب أيضا!
وبدلا من أن تشن الأقلام العربية حربها على الأحزاب العلمانية التركية
-التي اتخذت من تهجير اللاجئين السوريين شعارا في حملتها الانتخابية بتأييد من حزبي
السعادة والمستقبل الإسلاميين- شنت هذه الأقلام هجومها على:
١- تركيا التي ما تزال توجه حصارا اقتصاديا بسبب انحيازها للأمة وشعوبها
وقضاياها.
٢- وعلى الشعب التركي المسلم -الذي أسقط كل مرشحي المعارضة الذين دعوا
إلى طرد اللاجئين العرب- بوصفه بالشعب العنصري.
٣- وعلى الحكومة التي دفعت ثمنا باهضا في دفاعها عن اللاجئين حتى كادت
تخسر السلطة بسبب ذلك وما زالت!
لقد تورط كثير من الكتاب العرب بحسن نية في المشاركة في هذه الحملة -المسعورة
المشبوهة- دفاعا عن حقوق الإنسان ورفضا للظلم، وهو واجب شرعي وشعور إنساني كريم نبيل
إلا أن الحملة لم تستهدف نصرة اللاجئين -التي باعتهم هذه الجماعات- بل اتخذتهم كقميص
عثمان للضغط على تركيا وحكومتها لمصالح حزبية ضيقة من طرف، ولمصالح قوى دولية وإقليمية
من أطراف أخرى لم تستسلم بعد لهزيمتها في الانتخابات الرئاسية التركية، وما زالت تتربص
بتركيا وبشعبها الدوائر!