الدولة المستحيلة
والأسئلة المنطقية!
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
١٤/ ٣/ ١٤٤٥هـ
٢٩/ ٩/ ٢٠٢٣م
هل الدولة الإسلامية مستحيلة أو ممكنة؟ سؤال مضلل؛ لأنه يقوم على فرضية
عدم حدوثها مع أنها قامت ودامت ١٣٠٠ عام!
وقد تقرر عند علماء المنطق بأن حدوث الشيء ولو مرة واحدة دليل على إمكانه
وعدم استحالته فيخرج بالحدوث من دائرة المستحيل إلى دائرة الممكن يقينا.
ثم إن النظم السياسية الوضعية بكل نظرياتها وأنماطها التي عرفها العالم
أقامت دولا بعد أن لم تكن كالشيوعية التي لم يسبق لها أن أقامت دولة وكانت فكرة خيالية
حين طرحها ماركس حتى غدت واقعا بعد الثورة البلشفية في روسيا ١٩١٧ ثم أقامت أنظمة شيوعية
في الصين ونصف العالم بالثورة والقوة!
وقامت النازية في ألمانيا والفاشيستية في إيطاليا وقامت دولة ولاية الفقيه
في إيران ولم يسبق لها نظير في تاريخ الإسلام!
بينما الدولة في الإسلام ابتداء من دولة النبوية ثم الخلافة الراشدة ثم
الخلافة العامة قامت ودامت ١٣٠٠ عام وهي أطول النظم السياسية عمرا في التاريخ السياسي!
وهنا يأتي السؤال: ما الذي أدى لسقوط الخلافة؟ وهل كان سقوطها داخليا
برفض الأمة لها وتخليها عنها أم بعوامل خارجية؟ ومن الذي يمنع من عودتها منذ سقوطها؟
ومن يمنع من قيام دولة ديمقراطية مستقلة في العالم العربي فضلا عن دولة
وخلافة إسلامية؟
ما الذي يجعل الديمقراطية ممكنة في كل دول العالم إلا في العالم العربي
غدت مستحيلة؟
وهنا يخرج النقاش والبحث عن مجاله الفكري النخبوي الواهم والحالم إلى
المجال السياسي الواقعي لتحديد من يقيم الدول في عالمنا العربي؟ ومن يقف وراء قيام
أنظمتها وسقوطها والاعتراف بشرعيتها؟!
إنه الغرب الاستعماري والحملة الصليبية
التي تحتل المنطقة العربية والإسلامية منذ سقوط الخلافة حتى اليوم وما
تزال الأمة وشعوبها في معركة تحرر من نفوذ هذه القوى الاستعمارية الغربية وهو ما تجلى
في أوضح صوره في الغزو الروسي لسوريا والغزو الأمريكي للعراق وهذه الحملة نفسها هي
التي كانت وراء الانقلاب على ثورات شعوب الربيع العربي ٢٠١١م
فأزمة الأمة هي أزمة فقدان للسيادة وعجز عن التحرر من الاحتلال الخارجي
العسكري وليس فقط أزمة حرية في ظل أنظمة مستبدة!
وهذا هو السبب الحقيقي الواقعي الذي يجعل من قيام دولة ديمقراطية فضلا
عن الخلافة إسلامية أمرا مستحيلا تحت ظل نفوذ الاحتلال الغربي وضربا من الخيال!
ثم ما الذي لا يمكن تطبيقه من أصول النظام السياسي الإسلامي الراشدي حتى
يقال أنه مستحيل إقامته؟
فالنظام الإسلامي يقوم على أساس:
١- حق الأمة وشعوبها في اختيار السلطة بالشورى والرضا سواء بالانتخاب
المباشر أو غير المباشر بحيث تعبر السلطة عن الأمة وسيادتها وهويتها وخصوصيتها.
٢- رقابة الأمة على السلطة عبر القضاء ومجالس الشورى كما فعل عمر بن الخطاب
الذي كان له مجلس شورى.
٣- مرجعية الإسلام الدستورية والتشريعية للدولة.
٤- حق الأمة في الوحدة التي كانت عليها حتى سقطت تحت الاحتلال الغربي
الذي قام بتقاسم أقاليمها وإذا كان الاتحاد الأوربي قد حقق لشعوبه الوحدة والبرلمان
الأوربي والدستور الأوربي والمحكمة الأوربية والعملة النقدية فالعالم الإسلامي أقدر
على تحقيق ذلك.
٥- حق الأمة في السيادة والدفاع عن وجودها ودينها وهويتها.
إن الواقع الدولي والقطري الحالي لن يدوم فلم ينته التاريخ بعد! وقد يتغير
كل شيء خلال فترة قصيرة فلا يكون هناك أمم متحدة ولا مجلس أمن لمن يعرف حركة التاريخ!
وتصور أن العالم الإسلامي لن يتحرر ولن يتغير ولن يتحد مرة أخرى تصور
سطحي واهم!
إن التحدي اليوم أمام الأمة وشعوبها هو كيف تبلور نظامها السياسي العقائدي
الذي يعبر عن هويتها وخصوصيتها ويعبر عن الخطاب الإسلامي الراشدي كما في الحديث: (عليكم
بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)؟
فلن تقيم الأمة خلافة راشدة ما لم تقم قبلها أنظمة راشدة تمهد لهذه المهمة
التاريخية التي تمضي إليها الأمة كما بشر بذلك النبي ﷺ: (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة).
كما أقام النبي ﷺ دولته
النبوية في المدينة كنموذج للدولة في الإسلام حتى دخلت كل جزيرة العرب تحت سلطانها
لتمهد لقيام الخلافة الراشدة التي امتد سلطانها على ثلاث قارات منذ عهد الخليفة الراشد
الثالث عثمان إلى آخر خليفة من آل عثمان!
فالمهمة التاريخية التي تنتظر الفرصة الآن كيف تستطيع الأمة تحرير بلد
مركزي من بلدانها تقوم فيه الدولة الراشدة التي تستلهم قيم الخلافة الراشدة وتحولها
إلى مشروع سياسي ملهم لشعوب الأمة كلها.