﴿قل صدق الله﴾
طبيعة الصراع في فلسطين
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
١٣/ ٤/ ١٤٤٥هـ
٢٨/ ١٠/ ٢٠٢٣م
من يحدد طبيعة الصراع على أرض فلسطين ليست الرواية الصهيونية ولا أختها
العربية القومية الجاهلية!
فكلاهما وجهان لعملة أوربية واحدة صنعتها وروجتها الحملة الصليبية البريطانية
الفرنسية منذ المؤتمر العربي في باريس ١٩١٣ واشتركتا معا تحت رايتها في حرب الخلافة
الإسلامية العثمانية واحتلال القدس سنة ١٩١٧ تحت قيادة الجنرال البريطاني أدموند اللنبي
وبالتجريدة المصرية الحجازية التي احتل بها أرض الشام! بعد تشكيل الفيلق العربي بقيادة
الشريف فيصل والفيلق اليهودي الذي درب في بريطانيا ثم مصر وقاتل في فلسطين جنبا إلى
جنب مع الفيلق العربي! وجاء على إثر اشتراك الطرفين العربي واليهودي في تحقيق هذا الإنجاز
التاريخي لصالح الحملة الصليبية الأخيرة إعلانُ اتفاق فيصل وحاييم وايزمان في باريس
١٩١٩ وهو الاتفاق الذي ما زال يحكم المشهد إلى اليوم!
فالصراع اليوم على أرض فلسطين بدأ مع الحملة الصليبية -ومن لحق بها من
العرب واليهود- التي غزت العالم الإسلامي وما تزال تحتل فلسطين والشام كلها لأسباب
دينية مسيحية توراتية يصرحون بها ولا يترددون بالإعلان عنها منذ الرئيس الأمريكي ولسون
حتى الرئيس بايدن!
وقد جعلت الحملة الصليبية أرض فلسطين وطنا لليهود كما تقضي بذلك الرؤية
البرتستانتية الصهيونية الدينية منذ وعد بلفور ١٩١٧ وقبل ظهور النازية في ألمانيا وتعرض
اليهود للاضطهاد والهولوكست بثلاثين سنة!
ومنذ احتلال القدس والمسلمون يجاهدون في سبيل الله لاستعادتها لأنها أرض
إسلامية وتحريرها فرض شرعي ديني لا لأنها وطن قومي عربي!
والقرآن يؤكد طبيعة هذا الصراع التاريخي بين أهل الكتاب وأهل الإسلام
وأن أسبابه كانت وستظل العداوة الدينية ولن تتوقف حتى يرتد المسلمون عن دينهم أو يظهر
المسلمون على عدوهم كما قال الله تعالى عن الكفار ﴿ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم
عن دينكم﴾ وقال: ﴿وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة﴾ وقال: ﴿ولن ترضى عنك اليهود
ولا النصارى حتى تتبع ملتهم﴾ وقال ﴿ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم
كفارا﴾ وقال ﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله
ولا باليوم الآخر … ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية﴾ وقال
عن وجوب نصرة المؤمنين في الدين ﴿وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر﴾ وقال: ﴿والذين
كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير﴾.
وهذا التداعي الغربي المسيحي الأممي لنصرة المحتل الصهيوني يؤكد هذه الحقيقة
القرآنية كما يصرحون هم بذلك ليل نهار وبأن حربهم للمسلمين حرب دينية!
فالجيوش الصليبية الأوربية اليوم لا تحتشد على غزة تصديقا للرواية الصهيونية
التي خدعت بها أوربا وخدعتنا بها وروجها السذج منا! بل أمريكا وأوربا تحشد جيوشها لحربنا
حفاظا على إنجازها التاريخي -كحملة صليبية كبرى- في استمرار السيطرة على العالم الإسلامي
وتحقيق الرواية الصهيونية البروتستانتية منذ الحرب العالمية الأولى وتأكيدا للحقيقة
القرآنية ﴿لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه
منهم﴾!
لقد صدقوا حين صرحوا بأنها حرب دينية وكذبوا في ادعائهم بأن المسلمين
يقتلونهم لأنهم يهود أو غير مسلمين! والتاريخ يشهد بأنهم كاذبون والعالم كله يعلم أنهم
كاذبون فما زال اليهود والنصارى وغير المسلمين على اختلاف مللهم يعيشون مع المسلمين
منذ الفتح الإسلامي بأمن وأمان وحرية دينية كما قال تعالى: ﴿لا إكراه في الدين﴾ وكما
قررت الشريعة حقوقهم في ظل الحكم الإسلامي بقاعدة (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) ففرق
الإسلام في أحكامه بين أهل ذمتنا ومن رضوا بولايتنا والعيش معنا على أرض الإسلام فلهم
حقوق المواطنة بالعدل والإحسان، وكذا من سالمنا من أهل الكتاب في أرضه على قاعدة ﴿وتعاونوا
على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾، ومن قاتلونا واعتدوا علينا وظاهروا
عدونا كما قال تعالى ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من
دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين
قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك
هم الظالمون﴾
فلا يكن نتنياهو وغراهام أجرأ من المسلمين في توصيف طبيعة الصراع على
أرض فلسطين، وإن كذبوا في تبرير عدوانهم وتحديد الظالم والمظلوم من الفريقين!