رسالة ابن لادن
ومعركة غزة!
أ.د. حاكم المطيري
٢/ ٥/ ١٤٤٥هـ
١٦/ ١١/ ٢٠٢٣م
أصبحت رسالة ابن لادن لأمريكا -التي حذرها فيها من المشاركة في قتل
الشعب الفلسطيني- الأكثر تداولا اليوم في وسائل التواصل الأمريكي والعالمي وهي
الترند الأول فيها لتعيد من جديد قصة هذه الرسالة التي ابتدأت أحداثها باقتحام
رئيس الوزراء الصهيوني إريل شارون المسجد الأقصى سنة ٢٠٠٠م وتفجرت على إثره
الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي امتدت خمس سنوات وتداولت وسائل الإعلام آنذاك
صورة قتل الجيش الصهيوني الطفل محمد الدرة بشكل وحشي وهو يختبئ خلف ظهر أبيه في ٣٠
سبتمبر ٢٠٠٠ التي أثارت الرأي العام العالمي وأدانت الجمعية العامة في الأمم
المتحدة العدوان الصهيوني حتى لم يبق إلا أمريكا وحدها تدافع عن هذا الإجرام
الوحشي حينها أصدر أسامة بن لادن بيانا بالصوت والصورة يحذر فيه الولايات المتحدة
من أنها لن تنعم بالأمن حتى ينعم به الشعب الفلسطيني!
ولم تأبه أمريكا بالتحذير فكانت أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ التي دفعتها
إلى شن حملة صليبية كبرى لغزو أفغانستان وكانت استطلاعات الرأي العام آنذاك تؤكد
تأييد شعوب العالم العربي والإسلامي لابن لادن بنسبة وصلت في بعض البلدان إلى ٩٠٪
كرد فعل على الدعم الأمريكي للعدوان الصهيوني!
ثم أرسل ابن لادن رسالة أخرى للشعب الأمريكي بعد غزو أفغانستان يحمل
فيها أمريكا مسئولية العدوان واستطاعت أمريكا بعد ذلك بتحالفها الدولي وصم ردة
الفعل هذه بالإرهاب بينما ظلت جرائمها وجرائم المحتل الصهيوني التي ذهب ضحيتها
الملايين حقا مشروعا للدفاع عن النفس!
وكان الأنكى والأمر أن الجميع انحاز بعدها لأمريكا وتحالفها الشيطاني
لمكافحة الإرهاب! وظلت تمارس أشد أنواع الإجرام في أفغانستان ثم العراق ثم سوريا
دون أن يقف أحد في وجهها حتى جاء ٧ اكتوبر فأعاد التذكير بيوم ١١ سبتمبر كردة فعل
على العدوان الصهيوني الأمريكي على الشعب الفلسطيني وأعاد للعقل العربي والإسلامي
وعيه وذاكرته تجاه العدو الحقيقي التي فقدها منذ اكتوبر ٢٠٠١ حتى استعادها يوم ٧
اكتوبر ٢٠٢٣!
فما سر الرسالة!
لقد أحدثت رسالة ابن لادن -بعد عشرين سنة من كتابتها- في الشعب
الأمريكي من الأثر والتفاعل معها ما لم يحدثه فيه كل ما نشره الإعلام العربي
والإسلامي في تغطية أحداث غزة!
وهي ظاهرة تستحق الوقوف عندها وتدبرها ومعرفة سرها بعيدا عن هوى
النفوس وحزازاتها الحزبية والفكرية!
فقد ينبت المرعى على دمن الثرى
وتبقى حزازات النفوس كما هي
وهي الحزازات التي أعمت وأصمت حتى صار المنكر معروفا والمعروف منكرا
وكُذب الصادق وصُدق الكاذب حتى انجلى الأمر عن خطب جلل!
وبعيدا عن أهداف من روجوا اليوم للرسالة واحتفوا بها في عالمنا
العربي والإسلامي ممن وصموا الرجل بالإرهاب بالأمس وانحازوا إلى الحملة الصليبية
وخندق مكافحة الإرهاب المزعوم حتى إذا قلبت لهم أمريكا ظهر المجن وتخلت عنهم وعن
خدماتهم عادوا يسمعونها من تهديد الرجل ووعيده وهو ميت ما لا يستطيعون قوله لها
وهم أحياء بالملايين وهي تحتل بلدانهم وتقتل شعوبهم ليس أولها العراق ولا آخرها
سوريا واليمن وغزة!
كيف لرسالة رجل موصوم بالإرهاب مقتول في الحرب بيد الجيش الأمريكي أن
تحييه من جديد ليقف مرة أخرى في وجه الإرهاب الأمريكي الأوربي العالمي لتصبح
رسالته الأكثر قراءة لدى الشعب الذي قتله؟
ولا تفسير لذلك إلا الشجاعة والصدق في أسلوب الخطاب -الذي كتب ابن
لادن به الرسالة ونفخ فيها من روحه فظلت كلماتها حية تشع صدقا وتنضح شجاعة- وهو
المفقود منذ عقود في الإعلام العربي والإسلامي حين يوجه رسائله للغرب المستعمر فهو
خطاب بكائي استخذائي استجدائي يراهن على الضمير الإنساني والمشترك الحضاري الذي لا
وجود له إلا في سوق الأوهام وهداريسها وهوسها في ظل سطوة الجيوش الغربية والأساطيل
البحرية والمصانع الحربية التي لا وظيفة لها إلا إشعال الحروب وقتل الشعوب! حتى
قال الرئيس الأمريكي نيكسون في كتابه "الفرصة السانحة": حضارتنا تنتعش
في زمن الحرب أكثر منها في زمن السلام!
الصدق في القول والشجاعة في الفعل هو كل ما يحتاجه العرب والمسلمون
اليوم لتفهم الشعوب الغربية ودولها وحكوماتها حقيقة الصراع وأبعاده ولتضع الحرب
أوزارها على خطة عدل سواء لا ظلم ولا عدوان، وما عدا ذلك ستظل مشاهد غزة تتكرر في
كل بلد عربي وإسلامي يفكر أهله بالتحرر من سطوة هذه الحملة الصليبية الصهيونية!
ولله در أبي القاسم الشابي حين قال وصدق:
إن السلام حقيقة مكذوبة
والعدل فلسفة اللهيب الخابي
لا عدل إلا إن تعادلت القوى
وتصادم الإرهاب بالإرهاب