جاهد
مع أهل غزة
وإن
كرهت!
بقلم: أ.د. حاكم
المطيري
٣/ ٥/ ١٤٤٥هـ
١٧/ ١١/ ٢٠٢٣م
قال النبي ﷺ لمن جاء يبايعه على الإسلام وأبى البيعة على الصدقة والجهاد، خشية القتال
وكراهية الموت وذهاب المال، فقال له النبي ﷺ: (لا صدقة ولا جهاد فبمَ تدخل الجنة)!
فالجهاد بالنفس والمال والرأي والكلمة مما تكرهه النفوس لما فيه من جهد
ومشقة ولما يترتب عليه من تلف للأرواح والأموال وتعرض للأذى من العدو وأوليائه وجر
عداوتهم وقد أخبر الله عن هذه الكراهة فقال: ﴿كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن
تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾
فلا يسقط وجوب الجهاد خشية العدو الكافر وخشية أوليائه أو الخوف على التجارة
والأموال، ولا يسقطه كذلك كراهية من يجاهد العدو بسبب خلاف حزبي أو فكري أو نفسي، فقد
أجمع الصحابة على الجهاد مع كل من قام بالجهاد برا تقيا كان أو غير ذلك مادام القتال
في ذاته مشروعا خاصة إذا كان الجهاد فرض عين ودفع للعدو كما في #غزة و #فلسطين وغيرها
من بلدان المسلمين المحتلة.
وقد كان المأمون العباسي والمعتصم والواثق يقولون بالاعتزال وأكرهوا الأمة
وعلماءها عليه، فلم يتوقف أئمة السنة عن الجهاد معهم، ولم يتعطل الجهاد في عصرهم؛ لما
في القيام به من المصالح الكلية العامة والمحافظة على أرض الإسلام وحرماتها ووجود المسلمين
فيها.
وقد قال النبي ﷺ: (المسلم
أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) لعدوه ويتخلى عن نصرته.
وقال ابن حزم: (ولا إثم بعد الكفر بالله أعظم من إثم من نهى عن جهاد الكفار
وأمر بإسلام حريم المسلمين)!
ولا يحتاج أهل غزة وفلسطين -للدفاع عن أرضهم وتحريرها ولا تحتاج شعوب
الأمة للقيام بواجب نصرتهم- لفتاوى الهيئات العلمائية، فجهاد الدفع من فروض الأعيان،
وهو طبيعي غريزي يندفع الإنسان بفطرته إلى دفع العدوان عن نفسه وأهله وماله وأرضه،
ولا ينتظر فتوى من أحد ولا ينبغي له ذلك؛ إذ هو من المعلوم من الدين بالضرورة القطعية
كوجوب الصلوات الخمس والزكاة وصوم رمضان، وقد قال النبي ﷺ لمن سأله عن الإثم والبر فأجابه: (استفت قلبك واستفت نفسك وإن أفتاك الناس
وأفتوك)!
وحين انحاز العالم الإسلامي كله بدوله وجماعاته الإسلامية الوظيفية سنة
٢٠٠١ إلى الحملة الصليبية على أفغانستان؛ لم ينتظر أهلها فتوى من أحد ليضفي الشرعية
على جهادهم، ولم تجرؤ هيئة واحدة للفتوى في العالم الإسلامي كله سواء رسمية أو شعبية
على الإفتاء بوجوب الجهاد في أفغانستان، وتخلى العالم كله عنهم ورماهم عن قوس واحدة
باسم مكافحة الإرهاب، ومضى الجهاد والمجاهدون فيها حتى تحقق النصر لهم كما وعدهم الله ﴿إن تنصروا الله ينصركم﴾ وكما وصفهم النبي ﷺ: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين يقاتلون لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم)!
وإنه لا يكاد يتخلف أحد عن الجهاد في سبيل الله بنفسه أو ماله أو رأيه
أو كلمته رغبة عنه مع قدرته عليه بلا عذر وينهض إليه مرة أخرى!
أبى الله ذلك على الخالفين والمنافقين قدرا أن يقوموا له في موطن يحبه
الله ويرضاه للمؤمنين!
﴿إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين﴾
وانظر إلى كل من تخلفوا بالأمس عن جهاد الروم وحملتهم الصليبية على أفغانستان
والعراق -إلا من اشتبه عليه الأمر وتدارك وتاب- تخلفوا عنه اليوم في فلسطين وغزة!
قال الإمام أحمد وسئل عن الطائفة المنصورة فقال كما في مسائل ابن هانئ
٢/ ١٩٢: (هم أهل المغرب [الشام] إنهم هم الذين يقاتلون الروم، كل من قاتل المشركين
فهو على الحق) انتهى!
فإنه لا يجاهد الروم منذ معركة مؤتة وتبوك إلا المؤمنون لا المنافقون
فإنهم إخوان الكفار من اليهود والنصارى كما وصفهم الله ﴿ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون
لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا﴾ وأحسن القاعدين حالا الذين في قلوبهم مرض وهم من
يتولى المنافقين الذين يتولون الذين كفروا بدعوى أنهم أولوا أمر تجب طاعتهم! وأنها
من طاعة الله ورسوله! والله يقول عنهم: ﴿لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء
بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم﴾ لا من المؤمنين!