"روح الروح"
أ.د. حاكم المطيري
١١/ ٥/ ١٤٤٥هـ
٢٥/ ١١/ ٢٠٢٣م
مشهد من روح الله ورحمته، ونفحة سماوية إيمانية ألهم الله بها الشيخ خالد
نبهان؛ ليكون قدوة للصابرين في هذه المحنة، جمع فيه ساعة المصيبة وفقد الأحبة وتوديع "روح الروح" بين شدة الشوق والحب والحنين،
والثبات والصبر والرضا واليقين، وقلما تجتمع هذه المعاني في لحظة واحدة -إذ المعهود
أنه كلما اشتد الشوق والحب اشتد الحزن والجزع عند الفقد وقل الصبر- إلا في الأفذاذ
من الرجال ممن ملأ الله قلوبهم رحمة وإيمانا ورضا وتسليما وسكينة ﴿هو الذي أنزل السكينة
في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله
عليما حكيما﴾ [الفتح: ٤].
وقد عبر الشيخ خالد -رضي الله عنه وأرضاه- عن كل هذه المعاني الإنسانية
والإيمانية بعفوية لا إرادية وفي لحظة فريدة قلما تتكرر، ويسر الله توثيقها ونشرها؛
ليرى المسلمون من واقعهم المشاهد ما كانوا يقرأونه في قصص الصابرين ممن مضى من صالحيهم
وثباتهم في المحن!
في وقت هم أحوج ما يكونون فيه للثبات والصبر والرضا واليقين، في عصر الملاحم
والأخدود العظيم الذي ذهب ضحيته الملايين من المسلمين المستضعفين في العراق والشام
واليمن وغزة وفلسطين!
لقد كان بين ضمة خالد لحفيدته والتعبير عن حبه لها بعبارة "هذه
روح الروح" وبين وضعه إياه على السرير والوداع الأخير لها بعبارة "الله معك"
اختصار لقصة الإنسان والإيمان منذ كان الإنسان وكان الإيمان!
فالموت في نظر المؤمن هو بدء الحياة الحقيقية حيث الله والدار الآخرة
والنعيم والخلود الذي ينتظره ويتمناه فهو في سير دائم إلى لقاء الله ﴿وما هذه الحياة
الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون﴾ والحيوان مصدر
للدلالة على أكمل صور الحياة الحقيقة الأبدية .
وقد بشر الله بها أولياءه المؤمنين فقال: ﴿ألا إن أولياء الله لا خوف
عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي
الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم﴾ [يونس: ٦٢-٦٤]
والبشرى لا تكون بشرى إلا لمن استبشر بها حقا وآمن بها صدقا وانعكس عليه
ذلك سلوكا وواقعا فلا يعتريه عند المصيبة أو الموت جزع ولا خوف ولا حزن ولا يتحقق ذلك
إلا بالولاية لله وبالإيمان والتقوى!
والبشرى في الحياة الدنيا تعم كل ما يستبشر به المؤمن ويرجوه من معية
الله له ونزول سكينته عليه ورحمته ولطفه به ورضاه عنه ﴿رضي الله عنهم ورضوا عنه﴾
وكما رضي الله لهم قضاءه وقدره مع حبه لهم ﴿يحبهم ويحبونه﴾ كذلك هم يسلمون
بما رضيه الله لهم ويرضونه.
ودرجة الرضا أعلى من درجة الصبر فهي مقام عبودية يبلغ به المؤمن حال
التسليم الكامل للأمر بالطاعة، وللقضاء والقدر بالقبول، كما قال يحيى بن معاذ (وقد
سئل متى يبلغ العبد إلى مقام الرضا؟ فقال: إذا أقام نفسه على أربعة أصول فيما يعامل
به ربه ، فيقول :
١- إن أعطيتني قبلت.
٢- وإن منعتني رضيت.
٣- وإن تركتني عبدت.
٤- وإن دعوتني أجبت).
وكان النبي ﷺ قد علم زيد بن ثابت دعاء، وأمره أن يتعاهده ويتعاهد به أهله : (اللهم
إني أسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى
لقائك).
فاللهم ارض عن الشيخ خالد رضا لا تسخط بعده أبدا وعن أهل غزة أجمعين رضا
يملأ قلوبهم إيمانا وتسليما وعجل اللهم نصرهم وفرج همهم وكربهم وتقبل شهداءهم واشف
جرحاهم وفك أسراهم وارض عنا معهم والمؤمنين أجمعين آمين آمين