الرائد
في رصف الأصول والقواعد
تأليف: أ.د. حاكم المطيري
المقدمة:
الحمد الله، وصل اللهم على نبينا محمد بن عبدالله، وعلى آله صحبه ومن والاه،
وبعد:
فهذا كتاب (الرائد في رصف الأصول والقواعد)، وقد اشتمل على:
١- نظم (الوصول إلى نظم علم الأصول) في أصول الفقه، وكان نظمه في أواخر
ذي الحجة سنة ١٤٢٣ - ٢٠٠٢م.
٢- ونظم (الإبريز في نظم كتاب الوجيز) في القواعد الفقهية.
وكان كتاب «الوجيز» للشيخ محمد صدقي البورنو الغزي، من مقررات كلية الشريعة
بجامعة الكويت، وهو من أجود كتب القواعد الفقهية وأجمعها، وهذب فيه وحرر القواعد الكبرى
والصغرى كما في كتاب السيوطي «الأشباه والنظائر في القواعد الفقهية» على مذهب الشافعية،
وكتاب ابن نجيم على مذهب الحنفية، وغيرها من كتب القواعد، وقد قرأناه في الكلية على
الأستاذ مصطفى العرجاوي سنة ١٩٨٨م، وكنت أحفظ الكتاب عن ظهر قلب، وقد يسر الله لي نظمه
بعد فراغي من مرحلة الماجستير من جامعة أم القرى، وزدت على ما في الوجيز، من الفوائد
والضوابط المبثوثة في غيره من كتب القواعد، كما في نظم القواعد للشيخ عبدالرحمن السعدي،
وكنت قد قرأت نظم السعدي أيام الطلب على تلميذه الشيخ الأديب العابد الزاهد عبدالله
بن صالح الفالح، وذلك في الجامع الكبير بعنيزة، وكنت حينها أحضر دروس الشيخ ابن عثيمين،
وكان الشيخ الفالح منقطعا للعبادة والذكر في المسجد، ويأتي إليه وقت الضحى، فينزوي
في زواياه حتى لا يشغله أحد عن خلوته، فأتيته وعرفته بنفسي، فأخذت أتلطف معه بالحديث،
حتى أنس بي، فاستأذنته بأن أقرأ عليه، فاعتذر في أول الأمر، فلما رأى حرصي أذن لي فقرأت
عليه نظم شيخه السعدي في القواعد، ثم جئته في اليوم التالي وقرأت عليه بعض المتون في
التوحيد، وأملى عليّ ترجمته.
وكان رحمه الله قد قرأ «الروض المربع» في مذهب الحنابلة على الشيخ السعدي
سبع مرات، وكان في العربية والنحو مرجعا فيهما، وكان الشيخ ابن عثيمين ربما سأله وراجعه
فيما أشكل، وقد عمر حتى جاوز التسعين سنة وتوفي سنة ١٤٣٣هـ- ٢٠١٢م، وكانت قراءتي عليه
قبل وفاته بعشرين سنة تقريبا.
وقد نظمت «الإبريز في نظم الوجيز»، ثم قرأته على الشيخ الفقيه الأديب المعمر
الزاهد العابد إبراهيم بن جراح الحنبلي، وهو أخو شيخنا الفقيه المعمر محمد بن جراح،
وكان كالشيخ عبدالله الفالح في زهده وانقطاعه وامتناعه عن التدريس، وكان أهل العلم
والأدب في الكويت يعرفونه ويعرفون مكانته، ويعرضون عليه كتبهم وشعرهم، وهو شاعر رائق
الشعر ولا أدل على ذلك من قصيدته التائية في رثاء أخيه الشيخ محمد إذ يقول فيها:
ما كنت أحسب أن تطول حياتي
قد كنت أرجو أن أفوز بدعوة
فسبقتني ضيفا لربك للذي
شِقّي لأنت ومن تساقط شقه
حتى أراك سبقتني بمماتِ
مبرورة لي منك أو بصلاةِ
يُقري النزيل لديه بالجناتِ
كان الردى منه على خطواتِ
وكان ما ظنه الشيخ فلم يعش بعد وفاة أخيه طويلا.
ولم أكن أعرف الشيخ إبراهيم آنذاك إلا بالاسم، وكنا نقرأ على أخيه شيخنا
محمد بن جراح في الفقه الحنبلي، فلما توفي الشيخ محمد، أخبرني الشيخ وليد المنيس عن
الشيخ إبراهيم، وأين أجده، وقال بأنه لا يرضى بالقراءة عليه، فزرته في مسجده يوم الأربعاء
٢ ربيع الآخر سنة ١٤١٨هـ، فوجدته يقرأ في مقامات الحريري، واستأذنته بقراءة بعض المنظومات
فاعتذر، وقال عطني إياها وسأقرأها وأراجعها، فقلت له بأنه لا يطيب لي حتى أقرأها أنا
عليه، وأستفيد من ملحوظاته عليها، فلما رأى أني لن أدعه حتى يوافق على ما طلبت، أذن
لي بالقراءة، فلما فرغت من قراءة نظم الحديث، سر به، وأثنى عليه، فقلت له بأن لي نظم
في القواعد الفقهية وأحب قراءته عليه، فوافق فأتيته عصر يوم السبت ٥ ربيع الآخر، وقرأت
عليه «الإبريز في نظم الوجيز»، فاستحسنها، وأخذ يدعو لي.
فرحمهم الله جميعا، وجزاهم الله عنا خير ما جزى العلماء الربانيين عن أمتهم،
فقد كانوا علماء حكماء، جعلهم الله أوعية للعلم والحكمة، يرد عليهم طالبوها، فيصدرون
وقد حمل كل قدر ما كتب الله له.
وقد كنت نشرت هذه المنظومات في كتابي «روائع المتون وبدائع الفنون»، وقام
كثير من طلبة العلم بقراءتها علي، كما قام بعض المشايخ الأفاضل بشرحها، كشيخنا العلامة
علي سالم بكير الشافعي الحضرمي من علماء اليمن، وكان قد شرح نظم الفرائض في بعض دروسه،
والشيخ د. نور الدين أبو حمزة من أهل العلم في الجزائر، وكان قد شرح نظم القواعد الفقهية
في دورة علمية، وغيرهم من أهل العلم والفضل.
وقد رأيت إفراد هذه المنظومات ونشرها على حدة، بعد تحريرها وإصلاح ما قد
وقع في الطبعة الأولى من أخطاء، لتعم الفائدة، ويجد أهل كل فن بغيتهم التي يقصدونها،
فنشرت أولا «رائعة الابتدا في نظم الآجرومية وقطر الندى»، ثم هذا الكتاب الثاني «الرائد
في رصف الأصول والقواعد»، وقد رأيت إتماما للفائدة إلحاق شرح الشيخ د. نور الدين أبو
حمزة، لنظم الإبريز، والتعليق عليه، فقد كان من أجود الشروح للنظم، وإن اقتصر في شرحه
على القواعد الكبرى منه، ففيه غنية للمبتدي، وبغية للمنتهي.
فاللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، واجعله حجة لنا
لا علينا، خالصا لوجهك الكريم، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
آمين آمين
وصلى الله وسلم على نبينا الأمين، وآله وصحبه أجمعين.
إسطنبول - بشاك شهير
يوم الثلاثاء
٢٧ ذو القعدة ١٤٤٥هـ
الموافق ٤ /٦/ ٢٠٢٤م
تنزيل الكتاب