لقد أصبح الناس يدعون اليوم إلى دين، إن لم يكن ممسوخًا مشوهًا فهو مختزل ناقص لا تصلح عليه أمة ولا تستقيم عليه ملة، بل هو أغلال وآثار الإسلام الحق منها براء، أدى إلى هذا الواقع، الذي يعيشه العالم الإسلامي اليوم من تخلف، وانحطاط، وشيوع للظلم والفساد، فكان لا بد من مراجعو الخطاب السياسي الإسلامي.
وأعلم أن ما توصلت إليه سيثير سخط كثيرين، إذ ليس من السهل هز عقائد الناس ونسف مفاهيمهم، التي نشأوا عليها حتى غدت هي الدين ذاته في نظرهم، بينما هي في واقع الأمر ثقافة مجتمعات توارثتها على مر الأجيال، صاغت الدين وأحكامه وفق حاجاتها ومصالحها وقيمها، فآلت أمورها إلى ما آلت إليه، لا بسبب الدين بل بسبب انحرافها في الدين عن مبادئه وغاياته ومقاصده بالتأويل الفاسد والتحريف الكاسد، حتى لم يعد دين الناس اليوم هو الدين الذي كان عليه الصحابة-رضي الله عنهم-مع كون القرآن ما زال غضًا طريًا كما نزل، إلا أن حيل بين الناس وبينه بمفهوم مئات العلماء وشروحهم وتأويلهم حتى لا يكاد المسلم اليوم يقرأ آية من كتبا الله، مهما كانت صريحة قطعية في دلالتها، حتى يراجع عشرات الكتب لينظر ماذا فهم منها الآخرون، وهذا هو الفرق بين الصحابة رضي الله عنهم-الذين كان القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم هما اللذين يحددان لهم الطريق فانخلعوا من ثقافة مجتمعهم وقيمه ومصالحه، وقطعوا كل علاقة تربطهم بهذه الثقافة-وبين المسلمين اليوم، الذين لم تعد القرآن ولا السنة هما اللذين يحددان لهم معالم الطريق، بل المفسرون والشراح والعلماء، الأحياء منهم والأموات، مع اختلاف عصورهم وفهومهم وثقافاتهم؟!!
لتنزيل الكتاب : الكتاب مجزأ PDF