بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا الأمين ، وآله وصحبه أجمعين ، وبعد ..
فهذا بحث في الربويات الست الواردة في الأحاديث النبوية الشريفة ، التي طالما دار حولها الجدل بين الفقهاء في هل الحكم خاص بها وقاصر عليها ، أم يتناولها ويتعداها إلى غيرها ؟ وعلى الرأي الثاني : فما هي علة الحكم ليقاس على هذه الأصناف ما تحققت فيه هذه العلة ؟ فهل العلة هي التقدير ؟ أم الاقتيات والادخار ؟ أم الطعم ؟ أم التقدير والطعم معا ؟ وما القول الراجح في هذه المسألة ؟ وقد اجتهد الباحث في جمع أقوال الفقهاء فيها ، ودراسة بعض ألفاظها التي كانت من أسباب اختلافهم في تحديد العلة ، والتي تحتاج إلى بحث وتحقيق لمعرفة ما يصح منها وما لا يصح، إذ اختلف القائلون بتعدية حكم هذه الأصناف إلى غيرها في علة التحريم ، بناء على بعض الألفاظ الواردة في هذه الأحاديث كلفظ (وكذلك الميزان ) الذي يرجح كون العلة هي الوزن ، ولفظ (الطعام بالطعام) الذي يرجح كون العلة هي الطعم ، مما يستدعي بحث هذه الألفاظ ودراستها دراسة حديثية نقدية .
كما استدعى البحث عرض أقوال الفقهاء وبيان ما أجمعوا عليه في هذا الموضوع وما ختلفوا فيه ، وبيان حججهم ومناقشة كل فريق آراء مخالفيه ، وقد رأى الباحث بعد ذلك رأيا جديدا ،هو أقوى دليلا وأوضح سبيلا ،وهو أن الإلحاق بهذه الأصناف ينبغي أن يكون بجامع نفي الفارق المؤثر تحقيقا أو ترجيحا ، لا بجامع العلة التي تكلف الفقهاء استخراجها مع خفائها .
وقد تم تقسيم البحث على النحو التالي :
1- المبحث الأول : في الأحاديث الواردة في الباب .
2- المبحث الثاني : في بيان مذاهب الفقهاء في المسألة .
3- المبحث الثالث: أدلة كل مذهب ، ومناقشةكل فريق آراء مخالفيه.
4- المبحث الرابع : القول الراجح .
ثم الخاتمة وأهم النتائج ، ثم فهرس المصادر والمراجع .
المبحث الأول : الأحاديث الواردة في الباب :
(1) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تبيعوا الذهب بالذهب، إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق، إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز )) . وفي رواية : (( لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء )) [1].
وفي رواية: ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء))[2].
وفي رواية :( كنا نرزق تمر الجمع وهو الخلط من التمر وكنا نبيع صاعين بصاع . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا صاعين بصاع ولا درهمين بدرهم))[3]
وفي رواية: ((لا صاعي تمر بصاع، ولا صاعي حنطة بصاع، ولا درهم بدرهمين)). وفي رواية: (( الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم مثلا بمثل من زاد أو ازداد فقد أربى )) [4]
(2) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الذهب بالذهب وزناً بوزن، مثلاً بمثل، والفضة بالفضة، وزناً بوزن، مثلاً بمثل، فمن زاد أو استزاد فهو ربا))[5].
وفي رواية: ((التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، إلا ما اختلفت ألوانه))[6].
(3) عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على خيبر فجاءه بتمر جنيب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل تمر خيبر هكذا ؟ فقال لا والله يا رسول الله ! إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين ، والصاعين بالثلاثة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تفعل بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً . وقال في الميزان مثل ذلك))[7].
(4) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواءً بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد)). وفي رواية : (( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب ....إلا سواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى )) [8].
(5) عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الذهب بالذهب ربا، إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا، إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا، إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا، إلا هاء وهاء))[9].
(6) عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين))[10].
(7) عن أبي بكر ة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تبيعوا الذهب بالذهب، إلا سواءً بسواء، والفضة بالفضة إلا سواءً بسواء، وبيعوا الذهب بالفضة، والفضة بالذهب، كيف شئتم))[11]، (فسأله رجل فقال يداً بيد فقال هكذا سمعت)[12].
(8) عن فضالة بن عبيد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب، وهي من المغانم تباع ، فأمر رسول الله بالذهب الذي في القلادة فنـزع وحده ، ثم قال: ((الذهب بالذهب وزناً بوزن)). وفي رواية : ((لا تباع حتى تفصل )) وفي رواية : (( لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن )) [13].
(9) عن البراء بن عازب رضي الله عنه وزيد بن أرقم رضي الله عنه قالا: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الورق بالذهب ديناً))[14].
(10) عن معمر بن عبد الله: (أنه أرسل غلامه بصاع قمح فقال بعه ثم اشتر به شعيراً، فذهب الغلام فأخذ صاعاً وزيادة بعض صاع، فلما جاء معمراً أخبره بذلك فقال له معمر لم فعلت ذلك؟ انطلق فرده، ولا تأخذن إلا مثلاً بمثل فإني كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( الطعام بالطعام مثلاً بمثل)) وقال :وكان طعامنا يومئذٍ الشعير، قيل له: فإنه ليس بمثله. قال: إني أخاف أن يضارع )[15].
المبحث الثاني :في بيان مذاهب الفقهاء في المسألة :
أجمع الفقهاء على أنه يحرم ربا النساء وربا الفضل في البيع والسلم في هذه الأصناف الستة وهي الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح إذا كانت من جنس واحد كالذهب بالذهب، ويحرم فيها النساء إذا اختلفت هذه الأجناس واشتركت في العلة، ويباح فيها الفضل، كالذهب بالفضة والبر بالشعير ، ويباح فيها النساء إذا اختلفت في العلة كالذهب بالبر.
قال ابن قدامة: (فهذه الأعيان المنصوص عليها ثبت فيها الربا بالنص والإجماع، واختلف أهل العلم فيما سواها)[16].
وقال ابن حزم: (وكذلك الذي ذكرنا من وقوع الربا في الأنواع الستة المذكورة في البيع والسلم فهو إجماع مقطوع به، وما عدا الأنواع المذكورة فمختلف فيه)[17].
وقال النووي: (وأجمع العلماء على جواز بيع الربوي بربوي لا يشاركه في العلة متفاضلاً ومؤجلاً، وذلك كبيع الذهب بالحنطة، وبيع الفضة بالشعير وغيره من المكيل ، وأجمعوا على أنه لا يجوز بيع الربوي بجنسه وأحدهما مؤجل، وعلى أنه لا يجوز التفاضل إذا بيع بجنسه حالاً كالذهب بالذهب، وعلى أنه لا يجوز التفرق قبل التقابض إذا باعه بجنسه أو بغير جنسه مما يشاركه في العلة كالذهب بالفضة، والحنطة بالشعير وعلى أنه يجوز التفاضل عند اختلاف الجنس إذا كان يداً بيد، كصاع حنطة بصاعي شعير، ولا خلاف بين العلماء في شيء من هذا)[18]
واختلف الفقهاء فيما سوى هذه الأصناف على قولين:
(1) فذهب طاووس وقتادة وعثمان البتي والظاهرية إلى قصر الحكم على هذه الأصناف الستة وعدم قياس غيرها عليها.[19]
(2) وذهب جماهير الفقهاء إلى تعدية الحكم إلى غيرها مما تحققت فيه العلة التي من أجلها شرع الحكم في هذه الأصناف الستة، ثم اختلفوا في تحديد العلة على مذاهب:
أ ) فذهب أبو حنيفة إلى أن العلة التقدير، فكل موزون أو مكيل فإنه يجري فيه الربا.[20]
ب ) وذهب مالك إلى أن العلة الثمينة في الذهب والفضة، والاقتيات والادخار في الأربعة الأخرى.[21]
ج ) وذهب الشافعي إلى أن العلة في الذهب والفضة الثمينة، وفي الأربعة الأخرى الطعم، وخصه في رواية بما كان مكيلاً أو موزوناً.[22]
د) وذهب أحمد في أشهر الروايات عنه إلى مثل قول أبي حنيفة أن العلة الوزن والكيل، وفي رواية أخرى إلى مثل قولي الشافعي ، فالعلة في الذهب والفضة الثمينة، وفي الأربعة الأخرى الطعم، أو ما كان مطعوماً مكيلاً أو موزوناً.[23]
هـ ) وذهب ربيعة الرأي إلى أن الربا يجري فيما تجب فيه الزكاة.[24]
و) وذهب بعضهم إلى أن الربا يجري في كل ما كان من جنس واحد مطلقا، وإليه ذهب ابن سيرين وحماد بن سليمان وسعيد بن جبير.[25]
والحاصل أن ما اجتمع فيه الكيل والوزن والطعم من جنس واحد ، كالأرز والدخن والذرة والقطنيات والدهن والخل واللبن واللحم ونحوه ففيه الربا، وهذا قول أكثر أهل العلم ، وما انعدم فيه الكيل والوزن والطعم واختلف جنسه فلا ربا فيه عند أكثر أهل العلم، وما وجد فيه الطعم وحده ، أو الكيل أو الوزن من جنس واحد ففيه خلاف، واختلف أهل القياس فيه[26].
المبحث الثالث : أدلة كل مذهب ومناقشة مخالفيه له:
(1) أدلة من قصر الحكم على هذه الأصناف الستة وهم الظاهرية ومن وافقهم :
أ) الاحتجاج على إباحة كل ما عدا هذه الأصناف بعموم قوله تعال ى) وأحل الله البيع وحرم الربا ( [27] فكل بيع حلال إلا ما ثبت تحريمه ، وعدم البيان والتفصيل في هذا الأمر العظيم المأذون فاعله بالحرب من الله ورسوله دليل على أن الحكم خاص في هذه الأصناف الستة دون سواها ، قال ابن حزم: (فإذا أحل الله تعالى البيع وحرم الربا فواجب طلب معرفته ليجتنب وقد قال تعالى: )وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه( فصح أن ما فصل لنا بيانه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الربا أو من الحرام فهو ربا وحرام، وما لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال)[28].
ب ) ضعف علل القياسيين وعجزهم عن إقامة الأدلة على هذه الدعاوى وإذا لم تظهر العلة فالقياس ممتنع، وهذه حجة من قصروا الحكم ممن يقولون بالقياس وعلى رأسهم ابن عقيل الحنبلي ، قال ابن القيم: (فطائفة قصرت التحريم عليها وأقدم من يروى هذا عنه قتادة، وهو مذهب أهل الظاهر ، واختيار ابن عقيل في آخر مصنفاته مع قوله بالقياس، قال: لأن علل القياسيين ضعيفة وإذا لم تظهر فيه علة امتنع القياس)[29].
وقال المقبلي: (وقد تكررت النصوص على الستة تكراراً يعلم معه أنه لو كان النظر إلى أمر اشتركت فيه هي وغيرها لجاء ولو في بعض الروايات بيان ذلك كما جاءت النصوص على تحريم الخمر وجاءت روايات ببيان أن العلة السكر... وكذلك سائر الأحكام المعللة والشارع أعلم وكلامه أفصح وأشرح وهو العصمة)[30].
ج ) وقوع الاختلاف الشديد بين الفقهاء في تحديد العلة، ومن ثم وقوع الاختلاف في تفريعاتهم يجعل من الأسلم قصر الحكم على ما ورد به النص وانعقد عليه الإجماع، وترك ما وراء ذلك، قال الصنعاني: (ولكن لما لم يجدوا علة منصوصة اختلفوا فيها اختلافاً كثيراً يقوي للناظر العارف أن الحق ما ذهبت إليه الظاهرية)[31].
مناقشة الجمهور أدلة الظاهرية :
أ ) قوله تعالى ) وأحل الله البيع وحرم الربا ( [32] يقتضي تحريم كل زيادة، إذ الربا في اللغة الزيادة إلا ما دل الإجماع على تخصيصه ، وهذا يعارض قول أصحاب هذا الرأي.[33]
ب ) إن ذكر هذه الأصناف الستة هو من باب الخاص يراد به العام ، وهو من الأدلة السمعية قال ابن رشد: (والفرق بين القياس الشرعي واللفظ الخاص يراد به العام ، أن القياس يكون على الخاص الذي يراد به الخاص فيلحق به غيره ، أعني أن المسكوت عنه يلحق بالمنطوق به من جهة الشبه الذي بينهما ، لا من جهة دلالة اللفظ ، لأن إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق به من جهة تنبيه اللفظ ليس بقياس إنما هو من باب دلالة اللفظ، وهذان الصنفان يتقاربان جداً لأنهما إلحاق مسكوت عنه بمنطوق وهما يلتبسان على الفقهاء كثيراً جداً ، فمثال القياس إلحاق شارب الخمر بالقاذف في الحد ، والصداق بالنصاب في القطع، وأما إلحاق الربويات بالمقتات أو بالمكيل أو بالمطعوم فمن باب الخاص أريد به العام، فتأمل هذا فإن فيه، غموضاً، والجنس الأول هو الذي ينبغي للظاهرية أن تنازع فيه وأما الثاني فليس ينبغي لها أن تنازع فيه لأنه من باب السمع)..[34]
ج ) دلالة ظاهر حديث ( الطعام بالطعام مثلا بمثل فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم ) فيه بيان أن اتفاق الجنس مؤثر في منع التفاضل وهذه دلالة لفظية لا قياسية . [35]
(2) أدلة من عللوا بالتقدير وهو الكيل أو الوزن وهم الحنفية ومن وافقهم:
( أ ) استدلوا على ذلك ببعض الأحاديث أو ببعض الألفاظ التي يؤخذ منها أن العلة في التحريم هي الكيل أو الوزن ومن ذلك : (1) حديث: ((وكذلك كل ما يكال ويوزن)).
(2) حديث: ((لا تبيعوا الصاع بالصاعين)).
(3) حديث ((وكذلك الميزان)). [36]
(ب) إن جعل علة الحكم التقدير بالوزن أو الكيل يوجب المماثلة في الصورة ، وبه يعرف التساوي حقيقة ، وبه تتحقق صيانة أموال الناس فهو أولى بالتعليل مما سواه.
قال الموصلي: (ولأن الحكم متعلق بالكيل والوزن إما إجماعاً ، أو لأن التساوي حقيقة لا يعرف إلا بهما، وجعل العلة ما هو متعلق الحكم إجماعاً أو معرف للتساوي حقيقة أولى من المصير إلى ما اختلفوا فيه ولا يعرف به التساوي حقيقة، ولأن التساوي والمماثلة شرط لقوله عليه الصلاة والسلام: ((مثلاً بمثل)) وفي بعض الروايات ((سواءً بسواء)) أو صيانة لأموال الناس، والمماثلة بالصورة أو المعنى أتم وذلك فيما قلناه، لأن الكيل والوزن يوجب المماثلة صورة، والجنسية توجبها معنى فكان أولى)[37].
مناقشة الفقهاء الآخرين أدلة هذا الرأي:
( أ ) إن ذكر الوزن والكيل في الأحاديث مثل (وزناً بوزن) و (كيلاً بكيل) ونحوها إنما ذكرت لبيان ما يتحصل به التساوي في هذه الأصناف المنصوص عليها ليس إلا كما قال: ((مثلاً بمثل سواءً بسواء)) ولا مدخل للعلية في ذكرها [38].
ولا فرق بين هذا وبين من قال لم ينص إلا على مأكول أو ثمن ، أو من قال لم ينص إلا على مطعوم أو مقتات ومدخر ومعدني وما يصلح به الطعام، أو من قال لم ينص إلا عل ما يزكى وعلى مالح الطعم فقط ، فليس بعض هذه الدعاوى أولى من بعض [39].
(ب) كما إن ذكر الوزن والكيل وصف طردي ليس في التعليل به مناسبة، كما أنه انتقض في بعض صوره دون وجود فرق مؤثر، فدل على أنه لا يصلح التعليل به وذلك في إجماعهم على جواز السلم في الموزونات من الحديد ونحوها ولو كان له أثر لحرم إلا يداً بيد.
قال البغوي: (والدليل على أن الوزن لا يجوز أن يكون علة اتفاق أهل العلم على أنه يجوز إسلام الدراهم والدنانير في غيرهما من الموزونات، ولو كان الوزن علة لكان لا يجوز، لأن كل مالين اجتمعا في علة الربا لا يجوز إسلام أحدهما في الآخر)[40].
وقال ابن القيم: (أجمعوا على جواز إسلامهما في الموزونات من النحاس والحديد وغيرهما، فلو كان النحاس والحديد ربويين لم يجز بيعهما إلى أجل بدراهم نقداً، فإن ما يجري فيه الربا إذا اختلف جنسه جاز التفاضل فيه دون النساء، والعلة إذا انتقضت من غير فرق مؤثر دل على بطلانها، وأيضاً فالتعليل بالوزن ليس فيه مناسبة فهو طرد محض، بخلاف التعليل بالثمنية فإن الدراهم والدنانير أثمان المبيعات، والثمن هو المعيار الذي يعرف به تقويم الأموال فيجب أن يكون محدوداً مضبوطاً)[41].
(ج) إن استدلالهم بعموم بعض الألفاظ الواردة في بعض الأحاديث غير مسلم لهم فيه، حيث ثبت أن ذلك من تصرف بعض الرواة الذين قصدوا الاختصار فأوهمت ألفاظهم العموم، وعلى فرض ثبوت هذه الألفاظ فإنها تحمل على أن المراد من ذلك القرض فإنه يحرم فيه مطلقاً الصاع بالصاعين.
وعلى فرض صحة الاستدلال بهذا العموم فإنه يلزم منه تحريم الصاع بالصاعين وإن اختلفت الأجناس وهم لا يقولون بذلك.
قال ابن حزم: (وأما حديث: ((لا يصلح صاعين بصاع)) فإنهم قالوا هذا عموم لكل مكيل. قال أبو محمد: وهذا خبر اختصره معمر[42] عن يحيى بن أبي كثير أو وهم فيه بيقين لا إشكال فيه ... لأن هذا خبر رواه عن يحيى بن أبـي كثيـر بإسنـاده: الأوزاعي[43]، وهشـــام الدستوائـي[44]، وشيبـان بن فـروخ[45] ... كلهم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا صاعي تمر بصاع، ولا صاعي حنطة بصاع، ولا درهمين بدرهم).
قال أبو محمد: فأسقط معمر[46] ذكر التمر والحنطة.
ثم لو صح لهم لفظ ابن أبي زائدة[47] ومعمر بلا زيادة من غيرهما ولا بيان من سواهما لما كان لهم فيه حجة لوجهين:
أحدهما: أنه ليس فيه ذكر جنس واحد ولا جنسين أصلاً، وهم يجيزون صاعي حنطة بصاع تمر وبكل ما ليس من جنس واحد ، وهذا خلاف عموم الخبر.
فإن قالوا: فسر هذا أخبار أُخر .قلنا :وكذلك فسرت أخبار أُخر ما أجمله معمر.
والوجه الثاني: أن يقال هذا في القرض لا في البيع. نعم !لا يجوز في القرض صاعان بصاع في شيء من الأشياء كلها... ويكفي من هذا أنهم مجمعون معنا على أن لفظة لا صاعين بصاع ليست على عمومها، فقالوا هم في كل مكيل من جنس واحد. وقلنا نحن هو في الأصناف المنصوص عليها فدعوى كدعوى وبرهاننا نحن صحة النص على قولنا، وبقي قولهم بلا برهان، فبطل تعلقهم بهذا الخبر )[48].
وقال في بيان معنى (الميزان) الوارد في حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري (وأما حديث سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة الذي فيه (وكذلك الميزان) فطلبنا ذلك فوجدنا حديث عبادة بن الصامت وأبي بكرة وأبي هريرة قد بين فيها مراده بقوله ههنا (وكذلك الميزان) وهو تفسيره عليه السلام هنالك أنه لا يحل ((الذهب بالذهب إلا وزناً بوزن، ولا الفضة بالفضة إلا وزناً بوزن)) فقطعنا أن هذا هو مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم )[49].
وقال النووي: (وأما قوله صلى الله عليه وسلم ((وكذلك الميزان)) فيستدل به الحنفية لأنه ذكر في هذا الحديث الكيل والميزان، وأجاب أصحابنا وموافقوهم بأن معناه وكذلك الميزان لا يجوز التفاضل فيه فيما كان ربوياً موزوناً)[50].
وقال الحافظ: (وقال في الميزان مثل ذلك، أي والموزون مثل ذلك لا يباع رطل برطلين، وقال الداودي أي لا يجوز التمر بالتمر إلا كيلاً بكيل أو وزناً بوزن)[51].
وقال البيهقي: (وقوله: ((وكذلك الميزان)) يشبه أن يكون من جهة أبي سعيد الخدري وذلك حين سئل عن الفضة بالفضة بفضل فقال: هو ربا، ثم روى هذا الحديث ثم قال وكذلك الميزان ... فقاسهما عليه فقال: وكذلك الميزان يعني الذي تسألوني عنه وهكذا قوله: وكل ما يكال أو يوزن)[52].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقد رواه مالك في الموطأ – رواية يحيى – 2/623 – ورواية أبي مصعب – 2/321 – وهو آخر من روى الموطأ عن مالك[53] –دون هذا اللفظ ، وكذا رواه عن مالك: قتيبة بن سعيد، كما عند البخاري 4/ 399 ح 2201و2202 ، وإسماعيل بن أبي أويس، كما عند البخاري – أيضاً – 7/631 ح 4244 ، ويحيى بن يحيى الحنظلي، كما عند مسلم 11/21 وابن القاسم، كما عند النسائي 7/271.كلهم رووه عن مالك عن عبد المجيد به دون لفظ ((والميزان مثل ذلك)) حتى قال ابن عبد البر: (كل من روى هذا الحديث عن عبد المجيد ذكر فيه الميزان سوى مالك)[54]، قال الحافظ ابن حجر: (وفي هذا الحصر نظر كما في الوكالة)[55]، إذ رواه البخاري 4/ 481ح2302 و2303عن عبد الله بن يوسف عن مالك به نحوه وفي آخره: (وقال في الميزان مثل ذلك).
فالظاهر أن مالكاً رحمه الله استظهر كون هذه اللفظة مدرجة فتركها وأسقطها من الموطأ فلم يروها عنه إلا عبد الله بن يوسف. وقد وقع وهم في بعض روايات الموطأ عن عبدالله بن يوسف ويحي بن يحي الليثي فجاء فيها عن مالك عن عبدالحميد لا عبدالمجيد ، وهو خطأ كما قال ابن عبدالبر ، وصوب الحافظ ابن حجر كما في الفتح 4/481 رواية الأكثر وهم من رووه عن مالك عن عبدالمجيد . وقد قال البيهقي في السنن 5/285: (أخرجاه من حديث مالك عن عبد المجيد دون قوله (وكذلك الميزان)، ورواه قتادة عن سعيد عن أبي سعيد[56] دون هذه اللفظة).
ولا شك أن قتادة أحفظ وأعلم من عبد المجيد ، وعدم ذكره لهذه اللفظة عن سعيد بن المسيب يوهنها ، ولم يرو هذا اللفظ أحد عن أبي سعيد الخدري ، ولا عن أبي هريرة ، ولا عن غيرهما من الصحابة ، وليس عبد المجيد من الأئمة الحفاظ الذين يحتمل منهم مثل هذا التفرد في لفظ حديث يكاد يبلغ حد التواتر لكثرة من رواه من الصحابة وأئمة التابعين ثم لا يوجد من يتابعه على هذه الزيادة ، فالظاهر أنه عبر عن لفظة (الذهب بالذهب وزناً بوزن) بهذه اللفظة ولم يدرك ما في عبارته من العموم ، خاصة وأنه ذكر حكم الصاع بالصاعين ولم يذكر في حديثه حكم الذهب بالذهب والفضة بالفضة.
وأما استدلالهم بحديث: ((وكذلك ما يكال ويوزن))[57] فرد عليهم أن إسناد هذا الحديث ضعيف، وأن هذه اللفظة مدرجة فليست هي من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل ولا من كلام أبي سعيد الخدري، قال ابن حزم: (ثم هو أيضاً من رواية حيان بن عبيد الله وهو مجهول، ثم لو انسند حديث أبي مجلز المذكور لما كانت لهم فيه حجة، لأن اللفظ الذي تعلقوا به من ((وكذلك ما يكال ويوزن)) ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو من كلام أبي سعيد لو صح ، وهو أيضاً عنه منقطع، لأن هذا خبر رواه نافع[58]، وأبو صالح السمان[59] وأبو المتوكل الناجي[60]،وسعيد بن المسيب[61]، وعقبة بن عبد الغفار[62] ، وأبو نضرة[63] ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن[64] ، وسعيد الجريري[65] ، وعطاء بن أبي رباح[66] ، كلهم عن أبي سعيد الخدري ، وكلهم ذكروا أنهم سمعوه منه، وكلهم متصل الأسانيد بالثقات المعروفين إليهم ليس أحد منهم ذكر هذا اللفظ فيه، وهو بيّنٌ في الحديث المذكور نفسه، لأنه لما تم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو مجلز ثم قال ، فابتدأ الكلام المذكور من ذكر (وكذلك ما يكال ويوزن) مفصولاً عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما يبعد أن يكون من كلام أبي مجلز وهو الأظهر فبطل من كل وجه)[67].
(3) أدلة من عللوا بالاقتيات والادخار وهو قول مالك وأصحابه ومن وافقهم :
استدلوا على مذهبهم بأن المعنى الذي يجمع بين الذهب والفضة هو كونها أثماناً، والمعنى الذي يجمع بين الأربعة الأخرى هو كونها أقواتاً مدخرة، وهذا الوصف أخص أوصافها فوجب التعليق به دون سواه ،ولأن هذه العلة يتعلق تأثيرها بكل واحد من المنصوص عليه ، لأنه لو لم يذكره لم يستفد تعلق الحكم بنوعه ، ولا يوجد ذلك في علل المخالفين ، لأن الطعم والكيل واحد فيها ولا عبرة عندهم في اختلافها ، فكان التعليل بالقوت والادخار أولى ، ولأن هذا المعنى ثابت لايتغير في الأشياء المعللة به ، بخلاف الكيل والوزن ، وأما علة الذهب والفضة فهي الثمنية وهي علة قاصرة لتعذر القياس عليهما ، وهو غير مانع من صحة العلة مع التعبد بالقياس. [68]
وقال ابن عبد البر: (إلا في الذهب والورق فلم يقس عليهما غيرهما لأنهما أثمان المبيعات وقيم المتلفات ، وكذلك قول أصحاب مالك في الذهب والورق ، وعللوا الأربعة بأنها أقوات مدخرة فأجازوا التفاضل فيما لا يدخر إذا كان يداً بيد)[69].
قال الدردير في شرحه : ( علة حرمة ربا النساء في الطعام الربوي وغيره مجرد الطعم ، أي كونه مطعوما ، لا على وجه التداوي فيمنع بعضه ببعض إلى أجل، ويجوز التفاضل فيها ولو بالجنس في غير الربوي منها يدا بيد ، وعلة حرمة ربا الفضل فيه أي في الطعام : اقتيات وادخار) .[70]
وقال الصاوي : ( الربا في النقد معلل وهل علته غلبة الثمنية أو مطلق الثمنية؟ينبني على ذلك حكم الفلوس فتخرج على الأول دون الثاني ). [71]
وقال ابن القيم بعد أن رجح مذهب مالك: (وسر المسألة أنهم مُنعوا من التجارة في الأثمان بجنسها لأن ذلك يفسد عليهم مقصود الأثمان ، ومُنعوا من التجارة في الأقوات بجنسها لأن ذلك يفسد عليهم مقصود الأقوات)[72].
مناقشة المخالفين لهم في استدلالهم :
وقد نوقش أهل هذا الرأي بطردهم الحكم في أصناف لم تتحقق فيها العلة التي عللوا بها وهي الاقتيات والادخار ، لأن الثوم أو البصل والكراث والخل والفلفل بل والملح الذي جاء فيه النص ليس منها شيء يكون قوتاً أصلاً، بل بعضها يقتل إذا أكل منه نصف وزن ما يؤكل مما يتقوت به كالملح،وتفسد عليهم هذه العلة أيضاً في اللبن والبيض فإنهما لا يمكن ادخارهما والربا عندهم يدخل فيها، وتفسد أيضا عليهم في الكمون والشونز والحلبة وليس شيئاً من ذلك قوتاً والربا عندهم في كل ذلك[73].
(4) أدلة من عللوا بالطعم وهم الشافعية ومن وافقهم :
استدلوا على ما ذهبوا إليه بأحاديث :
( أ ) حديث: ((نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلاً بمثل)).
(ب) حديث: ((قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً مختلفاً فتبايعناه بيننا بزيادة فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نأخذه إلا كيلاً بكيل)).
(ج) حديث: ((لا تباع الصبرة من الطعام بالصبرة من الطعام، ولا الصبرة من الطعام بالكيل المسمى)). [74]
قال البغوي: (وقال في الجديد يثبت فيها بوصف الطعم ويثبت في جميع الأشياء المطعومة مثل الثمار والفواكه والبقول والأدوية ونحوها سواء كانت مكيلة أو موزونة أو لم تكن، لما روى عن معمر بن عبد الله قال كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الطعام بالطعام مثلاً بمثل)) فالنبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم باسم والطعام مشتق من الطعم، وكل حكم علق باسم مشتق من معنى يكون ذلك المعنى علة فيه ... ولأن الشرع لما ضم الملح الذي هو أدنى ما يطعم إلى البر الذي هو أعلى المطعومات دل ذلك على أن ما بين النوعين من المطعومات لاحق بها)[75].
مناقشة استدلالهم :
( أ ) إن ذكر الطعام في بعض الأحاديث الواردة في هذا الباب إنما هو مثل ذكر الوزن أو الكيل أو العدد، وليس مجرد ذكرها دليلا على أنها مناط الحكم، وليس أحدهما أولى بالتعليل من غيره.
ومما يدفع هذا القول أنه قد ثبت في الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر العدد كما في حديث عثمان عند مسلم بلفظ ((لا تبيعوا الدينار بالدينارين)) وفي رواية من حديث أبي سعيد ((ولا درهمين بدرهم)) ولم يعتبر العدد أحد [76].
(ب) استدلالهم على عموم تحريم الربا في كل مطعوم ببعض الألفاظ الواردة في بعض الأحاديث استدلال ضعيف لأسباب منها:
(1) إن هذه ألفاظ مجملة بينتها روايات أخرى.
(2) أو هي اختصار من بعض الرواة فصلتها الروايات الأخرى.
(3) وعلى فرض ثبوتها عن الشارع فإن العرف المقارن للخطاب وهو إطلاقهم اسم الطعام على البر أو الشعير من مخصصات العموم.[77]
قال ابن حزم: (ولا حجة لهم في الخبر المذكور لأنه إنما فيه (الطعام بالطعام مثلاً بمثل) وليس فيه المنع عنه بأكثر ولا إباحته إنما هو مسكوت عنه فوجب طلبه من غير هذا الخبر ، وأيضاً فإن لفظة الطعام لا تطلق في لغة العرب إلا على البر وحده، كما رويناه من طريق أبي سعيد الخدري وهو حجة في اللغة: ((كنا نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير...))[78] فلم يوقع اسم الطعام إلا على البر وحده...
واحتجوا أيضاً بما حدثناه أحمد بن محمد ... عن أبي سعيد الخدري قال: ((قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً مختلفاً فتبايعناه بيننا بزيادة، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نأخذه إلا كيلاً بكيل))[79].
وبما رويناه من طريق أحمد بن شعيب[80] ... عن جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تباع الصبرة من الطعام بالصبرة من الطعام، ولا الصبرة من الطعام بالكيل من الطعام المسمى)).
فهذان حديثان صحيحان إلا أنهما لا حجة لهم فيهما لأن اسم الطعام كما قلنا لا يقع عند العرب مطلقاً إلا على البر فقط كما ذكرنا عن أبي سعيد الخدري آنفاً ... وهذان الخبران مخالفان لقول مالك وأبي حنيفة جملة إن حملاهما على أن الطعام واقع على كل ما يؤكل مبطلان لقولهما في الربا .
وأما حديث أبي سعيد فكما قلنا، ويبطل أيضاً احتجاجهم به بأنه قد رواه عن ابن إسحاق من هو أحفظ وأضبط من ابن فضيل ... عن أبي سعيد الخدري قال: ((قسم فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً من التمر مختلفاً ، بعضه أفضل من بعض،فذهبنا نتزايد فيه فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كيلاً بكيل))[81]، فبطل تعلقهم بذلك.
وأيضاً فإنه لا اختلاف بيننا وبينهم في أن ذلك الطعام الذي فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم إنما كان صنفاً واحداً إما تمراً وإما شعيراً وإما براً أو غير ذلك، لأن فيه نهيهم عن أن يبيعوه بعضه ببعض بزيادة، هذا ما لا شك فيه، فإذا هو كذلك فتسميته بالطعام ليس من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمكن أن ينازعونا في معناه ثم يحملوه على عمومه، وإنما هو من كلام أبي سعيد، وقد أخبرنا عن أبي سعيد أنه لا يطلق اسم الطعام إلا على البر، ثم لا يماروننا في أن حكم ذلك الخبر إنما هو في ذلك المقسوم هذا نص مقتضى الخبر يقيناً ضرورة ولا بد، فلا حجة لهم فيه في جميع أصناف ما يريدون أن يسموه طعاماً إلا بقياس فاسد ينازعون فيه، وهم لا يدعون معرفة ما كان من صنف ذلك الطعام فيمكنهم عندنا أن يحتجوا به لو صح لهم أنه لم يكن براً أو تمراً أو شعيراً ، لأن هذا هو قولنا في هذه الأصناف الثلاثة فبطل تعلقهم بخبر أبي سعيد بيقين.
واستدركنا في حديث جابر ما رويناه من طريق أحمد بن شعيب[82]... عن جابر بن عبد الله: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر))...
وقد رويناه مسنداً صحيحاً من طريق مسلم بن الحجاج[83] ... عن جابر بن عبد الله: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر)) ... فبطل التعلق بهذين الخبرين جملة)[84].
(ج) إن أدلة من علل بالطعم وحده ضعيفة، وهي أيضاً معارضة بأدلة من استدل بالتقدير وحده مع ضعفها أيضاً، فوجب الرجوع إلى أصل الحل فيما وجد فيه الطعم وحده أو التقدير وحده.
قال ابن قدامة: (وما وجد فيه الطعم وحده أو الكيل أو الوزن من جنس واحد ففيه روايتان واختلف أهل العلم فيه، والأولى إن شاء الله تعالى حله، إذ ليس في تحريمه دليل موثوق به ولا معنى يقوي التمسك به، وهي مع ضعفها يعارض بعضها بعض، فوجب إطراحها أو الجمع بينهما والرجوع إلى أصل الحل الذي يقتضيه الكتاب والسنة والاعتبار)[85].
د) إنه لو كان الطعم وحده علة تحريم التفاضل فيها لاقتصر على ذكر واحد من هذه الأصناف الأربعة الواردة في الحديث لتساوي الأكل في جميعها ، فدل ذكرها على أن كل صنف منها فيه تنبيه على العلة ، وأن نصه على كل واحد منها أفاد ما لا يفيده الاقتصار على أحدها ، وليس هذا مستفادا مع التعليل بمجرد الطعم وحده أو الكيل وحده . [86]
(5) دليل من عللوا بالطعم والتقدير وهو قديم قولي الشافعي ورواية عن أحمد اختارها ابن قدامة:
إن الشارع قد اعتبر الطعم في بعض النصوص والوزن والكيل في نصوص أخرى فلزم الجمع بينها قال ابن قدامة: (لأن لكل واحد من هذه الأصناف أثراً في الحكم مقروناً بجميعها في المنصوص عليه، فلا يجوز حذفه، ولأن الكيل والوزن والجنس لا يقتضي وجوب المماثلة وإنما أثره في تحقيقها في العلة ما يقتضي ثبوت الحكم لا ما تحقق شرطه، والطعم بمجرده لا تتحقق المماثلة به لعدم المعيار الشرعي فيه، وإنما تجب المماثلة في المعيار الشرعي وهو الكيل والوزن، ولهذا وجبت المساواة في المكيل كيلاً وفي الموزون وزناً، فوجب أن يكون الطعم معتبراً في المكيل والموزون دون غيرهما، والأحاديث الواردة في هذا الباب يجب الجمع بينها وتقييد كل واحد منها بالآخر فنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام إلا مثلاً بمثل يتقيد بما فيه معيار شرعي وهو الكيل والوزن، ونهيه عن بيع الصاع بالصاعين يتقيد بالمطعوم المنهي عن التفاضل فيه)[87].
ويرد على استدلالهم ما يرد على استدلال من عللوا بالطعم وحده كما في مناقشة الفريق الرابع ، وما يرد على استدلال من عللوا بالتقدير وحده وهو الكيل والوزن كما سبق بيانه في مناقشة أهل المذهب الثاني ، فلا مدخل للعلية في مجرد ذكر التقدير والطعم في بعض الألفاظ ، فهو كذكر العدد في بعضها الآخر ومع ذلك لم تستفد منه العلية ، وليس هذا الجمع بين هذين القولين بأولى من الجمع بين قولي من عللوا بالتقدير ومن عللوا بالقوت والادخار ، فيجب أن يكون القوت معتبرا في الموزون والمكيل دون غيرهما، ويجمع بين الأحاديث الواردة في الباب فتقيد أحاديث التقدير بأحاديث الأقوات المطعومة ، وأحاديث الأقوات بأحاديث التقدير بالوزن والكيل ، وليس هذا الجمع بأقل حظا في النظر من جمع أصحاب هذا الرأي الذي اختاره ابن قدامة .
المبحث الرابع : القول الراجح :
وبعد استعراض مذاهب الفقهاء وأدلتهم، ومناقشة كل فريق أدلة الفريق الآخر، يظهر للباحث ما يلي :
أولا: إن الإجماع انعقد على جريان الربا في هذه الأصناف الستة دون سواها، وإن الأصناف الأخرى وقع فيها اختلاف شديد، وتباينت فيها أقوال الفقهاء تبايناً يدل دلالة ظاهرة على أن القضية اجتهادية، إذ العلة التي يعللون بها من الخفاء بمكان مما أدى إلى اختلاف أقوال الإمام الواحد فيها، فهذا الشافعي يعلل في القديم بالطعم والتقدير، وفي الجديد بالطعم وحده، وهذا الإمام أحمد يعلل بالتقدير في أشهر الروايات عنه، وبالطعم في رواية أخرى، وبالطعم والتقدير في رواية ثالثة. ولذا قال ابن رشد : ( جميع من ألحق المسكوت ههنا بالمنطوق به فإنما ألحقه بقياس الشبه لا قياس العلة ) [88] وهو أضعف أنواع القياس.
ومن ثم فدعوى ظهور العلة هنا هي دعوى بلا برهان، والواقع يشهد على خلاف ذلك فلو كانت ظاهرة لاشتركت فيها العقول مع إدراكها للأمارة على سواء، وهذا كمدعي خصوصية فيما اشتركت فيه العقول ولا يقبل منه ذلك[89].
ثانيا : إنه لا خلاف بين الفقهاء في أن الشارع إنما شرع هذا الحكم لحكمة ، ولم يخالف فيه حتى من قصروا الحكم على الأصناف الستة كما قال المقبلي[90].
وأن الحكمة التي شرع من أجلها الحكم هي دفع الضرر عن الناس والحفاظ على معايشهم[91].
وذلك يتحقق وبالمحافظة على أمرين ضروريين:
الأول: النقد الذي هو ثمن للمشتريات وقيم للمتلفات، وهو يتمثل في الذهب والفضة، وجمع الشارع بينهما وعدم إضافة ثالث لهما مع تواتر النصوص دليل على أن القصد كونها أثماناً ونقداً فمنع الشارع من اتخاذها سلعة يتضارب بها التجار.
الثاني: الأقوات والأطعمة الضرورية التي بها قوام حياة الناس فحرم فيها الربا لدفع الضرر عن الناس..
قال ابن القيم : (وسر المسألة أنهم منعوا من التجارة في الأثمان بجنسها لأن ذلك يفسد عليهم مقصود الأثمان، ومنعوا من التجارة في الأقوات لأن ذلك يفسد عليهم مقصود الأقوات، وهذا المعنى بعينه موجود في التبر والعين لأن التبر ليس فيه صنعة يقصد لأجلها، فهو بمنزلة الدراهم التي قصد الشارع ألا يفاضل بينها ولهذا قال: ((تبرها وعينها سواء)) فظهرت حكمة تحريم النساء في الجنس والجنسين، وربا الفضل في الجنس الواحد، وأن هذا من تحريم المقاصد، وتحريم الآخر من تحريم الوسائل)[92].
ثالثا: ومما لا شك فيه أن الشريعة محكمة لا تفرق مطلقاً في الحكم بين المتشابهات، كما أنها لا تجمع بين المتناقضات والمختلفات في حكم واحد، وهذه من السنن الجارية في أحكام الشريعة الإسلامية، قال ابن القيم: (وأما أحكامه الأمرية الشرعية فكلها هكذا مشتملة على التسوية بين المتماثلين وإلحاق النظير بنظيره واعتبار الشيء بمثله، والتفريق بين المختلفين وعدم تسوية أحدهما بالآخر وشريعته سبحانه منزهة أن تنهى عن شيء لمفسدة فيه ثم تبيح ما هو مشتمل على تلك المفسدة أو مثلها أو أزيد منها، فمن جوز ذلك في الشريعة فما عرفها حق معرفتها ولا قدرها حق قدرها، وكيف يظن بالشريعة أنها تبيح شيئاً لحاجة المكلف إليه ومصلحته ثم تحرم ما هو أحوج إليه والمصلحة من إباحته أظهر؟!)[93].
وإذا نظر الباحث في هذه القضية وجد أن الذين قصروا الحكم على الأصناف الستة قد فرقوا بينها وبين أصناف أخرى مشابهة لها من كل وجه مشابهة تامة حد انتفاء الفارق المؤثر بينها في الحكم ، كما أن الحكمة والمصلحة التي تحققت من تحريم الربا في هذه الأصناف الستة متحققة فيها تماماً، وهذا تفريق في الحكم لا تعرفه الشريعة المحكمة.
كما يجد في المقابل من تكلف استخراج علة للحكم، ومن ثم طرد الحكم في كل فرع تحققت فيه هذه العلة الخفية، حتى أفضى به الأمر إلى الاضطراب، وإلى المساواة بين أصناف أخرى، يظهر للباحث أنه لا تشابه بينها، كما لا تتحقق المصلحة والحكمة التي من أجلها شرع الحكم في الأصل، فمن قاس الحناء على البر بجامع الكيل، أو الخشب على الذهب بجامع الوزن، أو قاس السقمونيا وما شابهها من الأدوية على البر بجامع الطعم، فقد جمع بين المختلفات بدعوى بلا برهان ،حتى قال ابن قدامة: (وما وجد فيه الطعم وحده أو الكيل أو الوزن وحده من جنس واحد ففيه روايتان، واختلف أهل العلم فيه، والأولى إن شاء الله تعالى حله إذ ليس في تحريمه دليل موثوق به ولا معنى يقوي التمسك به، وهي مع ضعفها يعارض بعضها بعضاً فوجب اطراحها أو الجمع بينها والرجوع إلى أصل الحل الذي يقتضيه الكتاب والسنة والاعتبار)[94].
وقد نص الشارع على هذه الأصناف الستة، وتواتر النص عنه عليها، وفي القول بأن المراد كل مكيل أو موزون أو مطعوم إهدار لمدلولات هذه الألفاظ، وصار لا فرق بين أن ينص الشارع عليها في مواطن كثيرة بلا زيادة أو نقص، وبين قولهم المراد كل مكيل أو موزون أو مطعوم، وصار ذكرها وعدم ذكرها سواء على قول من يقول بذلك.
كما في نص الشارع على الذهب والفضة دون سواها، وتواتر ذلك عنه دليل على اختصاصها بمعان دون غيرها، وإلا لذكر معها ولو مرة واحدة غيرها من المعادن التي هي أكثر استعمالاً وشيوعاً مثل الحديد والنحاس، أو أندر شيوعاً وأغلى ثمناً مثل الأحجار الكريمة ونحوها، فلما لم يكن شيء من ذلك دل ذلك على اختصاصها بالحكم لمعنى في نفسها وهو كونها نقداً وثمناً للأشياء ولم يكن عندهم نقد سواها، فمن قال بأن المراد كل ما يوزن لمجرد كونها مما يوزن فقد أهدر مدلولات الألفاظ، وصار ذكر الذهب والفضة عنده وذكر غيرها سواء فأفضت هذه التعليلات إلى إهدار مدلولات الألفاظ بلا دليل.
رابعا : الإلحاق في الشريعة ـ وهو إلحاق فرع بأصل في الحكم ـ نوعان:
(1) إلحاق بجامع العلة، ويشترط فيه استخراج العلة من الأصل، ثم التحقق من وجودها في الفرع، ثم يأخذ الفرع حكم الأصل، فهو قائم على تخريج المناط وتحقيقه وهو: قياس لا خلاف فيه.
(2) إلحاق بنفي الفارق، ولا يشترط فيه استخراج العلة، وإنما يكفي التحقق من عدم وجود الفارق المؤثر ليأخذ الفرع حكم الأصل، وهذا الذي وقع الخلاف في كونه قياساً، إلا أنه لا خلاف بين الفقهاء في وجوب العمل به، لأنه من دلالة اللفظ عند جماهيرهم، وهو تنقيح المناط والقياس في معنى الأصل، أو القياس الجلي، وهو مفهوم الموافقة.[95]
قال الأمين الشنقيطي: (الإلحاق من حيث هو ضربان الأول الإلحاق بنفي الفارق، والثاني الإلحاق بالجامع، وضابط الأول أنه لا يحتاج فيه إلى التعرض للعلة الجامعة بل يكتفى فيه بنفي الفارق المؤثر في الحكم)[96].
وبناء على ما سبق فإن الصواب هو الإلحاق بهذه الأصناف لا بجامع العلة ، وإنما بجامع تحقق أو ترجح نفي الفارق المؤثر بين هذه الأصناف الستة وما شابهها ، ما دام لهذه الأصناف الستة التي ورد بها النص شبيه ومثيل حد انتفاء الفارق المؤثر ، فيجب إلحاق الشبيه بشبيهه والمثيل بمثيله بنفي الفارق المؤثر في الحكم سواء كان هذا من باب القياس الجلي والقياس بمعنى الأصل ، أو من باب الأدلة السمعية بدلالة مفهوم الموافقة، وهو ما دل عليه النص لا في محل النطق، فأصبحت هذه الأصناف الستة في دائرة منطوق النص، وما شابهها متى انتفى الفارق المؤثر في دائرة مفهوم النص.
فإذا حقق الباحث النظر وجد أن مشابهة الأرز والسلت والدخن والذرة والعلس للبر والشعير مشابهة تامة إلى حد القطع بانتفاء الفارق المؤثر، والمعنى الذي من أجله شرع الحكم في البر والشعير متحقق فيها ، فهذه الحبوب هي أقوات العالم الضرورية فعليها تقتات شعوب الأرض كلها، وهي مشابهة للبر والشعير زرعاً وحباً واستخداماً ، صورة ومعنى ، مشابهة تامة تمنع من التفريق بينها في الحكم ، سواء قلنا أن هذا هو القياس الجلي الذي قال عنه ابن القيم: (أو تكون الصورة المحرمة بالقياس مساوية من كل وجه للمنصوص على تحريمها)، أو قلنا إنه مفهوم الموافقة الذي يقول عنه ابن رشد: (فمثال القياس إلحاق شارب الخمر بالقاذف في الحد ، والصداق بالنصاب في القطع، وأما إلحاق الربويات بالمقتات أو بالكيل أو بالمطعوم فمن باب الخاص أريد به العام، والجنس الأول هو الذي ينبغي للظاهرية أن تنازع فيه ، وأما الثاني فليس ينبغي لها أن تنازع فيه لأنه من باب السمع).
وما ذكره ابن رشد هو الفهم الدقيق لهذه القضية، إلا أنه كان بصدد الرد على نفاة القياس وتبرير تعليلات القياسيين، وإنما يكفينا من قوله إن إلحاق غير هذه الستة بها لا يشترط أن يكون بالقياس بل ذهب إلى أنه ليس منه، وأن ذلك مما يلتبس على الفقهاء، وإنما هو من باب المفهوم الذي نبه عليه النص، وهذا لا يكون باستخراج العلة وطردها في كل فرع كما ذهب إليه القياسيون هنا ، وإنما يكون بالتحقق من انتفاء الفارق بين الأصل والفرع فيكون للمسكوت عنه حكم المنطوق به لما بينهما من تشابه وتماثل.
وإذا كان فقهاء المدينة والشام قد جعلوا البر والشعير صنفاً واحداً لما بينهما من التشابه التام فإن ما بين الأرز والدخن والسلت والذرة وما بين البر والشعير من تشابه مثل ما بينهما أو أكثر، ولهذا كان ابن سعد وابن وهب يجعلان الأرز والدخن والذرة صنفاً واحداً لما بينهما من التشابه التام قال النووي: (هذا دليل ظاهر في أن البر والشعير صنفان وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة والثوري وفقهاء المحدثين وآخرين، وقال مالك والليث والأوزاعي ومعظم علماء المدينة والشام من المتقدمين أنها صنف واحد، وهو محكي عن عمر وسعيد وغيرهما من السلف رضي الله عنهم، واتفقوا على أن الدخن صنف، والذرة صنف، والأرز صنف، إلا الليث بن سعد وابن وهب فقالا هذه الثلاثة صنف واحد)[97].
وهذا يدل على أن فقهاء السلف قد تحققوا من انتفاء الفارق المؤثر بين هذه الأصناف إلى الحد الذي جعلهم يختلفون فيها هل هي صنف واحد فيحرم فيها التفاضل والنساء ؟ أم أصناف يحرم فيها النساء دون التفاضل ؟
ولذا كان جابر بن عبد الله رضي الله عنه قد (كره مد ذرة بمد حنطة نسيئة)[98].
كما كان معمر بن عبد الله رضي الله عنه يجعل البر والشعير صنفاً واحداً ويعلل ذلك بقوله: (إني أخاف أن يضارع) فقد جعل للنظير حكم النظير فمن باب أولى أن يأخذ الأرز حكم البر في تحريم جريان ربا الفضل والنسيئة في الجنس بجنسه، وربا النسيئة في الجنس بالأجناس الأخرى، فما دام الصحابي رضي الله عنه قد جعل البر والشعير جنساً واحداً للمضارعة والمشابهة بينهما، فلا أقل من أن يجعل الأرز مع البر جنسين مختلفين يجري فيهما ربا النساء، وكذا كل ما شابههما.
ولهذا قال محمد بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن إمام الكاملية الأصولي الشافعي في مسألة افتراضية: (... فقياس السفرجل على التفاح أجلَى لأن الجامع بينه وبين البر هو الطعم وهو حاصل في التفاح مع الزيادة باللون والطعم والشكل...)[99].
والمقصود منه بيان أن مراعاة الشبه في اللون والشكل معتبرة عند الفقهاء في هذا الباب وأنه كلما زادت المضارعة والمشابهة بين النوعين كان القياس أجلى والإلحاق أولى .
وكذا يأخذ حكم الذهب والفضة ما تحققنا فيه انتفاء الفارق المؤثر، وتحققت فيه الحكمة التي من أجلها شرع الحكم فيهما ، وترتب على تحريم الربا فيه المصلحة التي ترتبت على تحريمه فيهما وهي المحافظة على قوام أثمان الناس لحفظ مصالحهم ودفع الضرر عنهم ، وهذا متحقق في النقود تحققاً تاماً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما الدرهم والدينار فما يعرف له حد طبيعي ولا شرعي بل مرجعه إلى العادة والاصطلاح، وذلك لأنه في الأصل لا يتعلق به المقصود بل الغرض أن يكون معياراً لما يتعاملون به والدراهم والدنانير لا تقصد بنفسها بل هي وسيلة إلى التعامل بها، ولهذا كانت أثماناً بخلاف سائر الأموال فإن المقصود الانتفاع بها نفسها، فلهذا كانت مقدرة بالأموال الطبيعية أو الشرعية، والوسيلة المحضة التي لا يتعلق بها غرض لا بمادتها ولا بصورتها يحصل بها المقصود كيف كانت)[100].
وبهذا يمكن إلحاق النظير بنظيره دون حاجة إلى القياس بالعلة الجامعة ، وإنما تناولها النص بمفهومه كما تناول الذهب والفضة بمنطوقه، حيث إن المسكوت عنه مثل المنطوق به لتحقق انتفاء الفارق المؤثر بينها.
فجميع الأثمان تأخذ حكم الذهب والفضة من أي مادة كانت كالدولار والجنيه والدينار، ورقاً كانت أو معدناً، ما دامت أثماناً للأشياء، وكذا التمر يأخذ حكمه ما شابهه من الثمار متى انتفى الفارق المؤثر بينهما ، وأشبه الثمار به الزبيب فكلاهما ورد النص الخاص بإخراج الزكاة منه، وكذا ورد النص بخرصهما دون سواهما، وكذا ورد النص بتحريم المزابنة فيهما ولهذا قال الشافعي: (ولا يخرص زرع لأنه لا يبين للخارص وقته والحائل دونه وأنه لم يختبر فيه من الصواب ما اختبر في النخل والعنب وأن الخبر فيهما خاص وليس غيرهما في معناهما لما وصفت)[101]، وقال أيضاً: (ولا يؤخذ من شيء من الشجر غير النخل والعنب فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الصدقة منهما فكانا قوتاً)[102].
ولهذا اختار الشوكاني وصديق خان - مع أنهما ممن يقصر الحكم على الأصناف الستة - ثبوت الربا في العنب، قال صديق خان: (ومما يدل على أن الربا يثبت في غير هذه الأجناس حديث ابن عمر في الصحيحين قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة أن يبيع الرجل ثمر حائطه إن كان نخلاً بتمر كيلاً، وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيب كيلاً، وإن كان زرعاً أن يبيعه بكيل طعام نهى عن ذلك كله))، وفي لفظ مسلم: ((وعن كل ثمر بخرصه)) فإن هذا يدل على ثبوت الربا في الكرم والزبيب)[103].
وقال الشوكاني: ( المزابنة بيع ثمر النخلة ما دام فيها، ومثل ذلك بيع العنب في أصوله، وبيع الزرع قبل قطعه بأجناس هذه الثلاثة الأجناس التي قد جفت ويبست، فإن كل ذلك مزابنة، ووجه المنع عدم العلم بالتساوي في الجنس الربوي)[104].
وكذا الملح إن وجد له نظير أخذ حكمه لا بالعلة الجامعة وإنما بتحقق نفي الفارق المؤثر، وإن لم يكن له نظير فله من الخصوصية ما ليس لغيره من الأطعمة، نعم قد يقال السكر فهو يشابهه من وجوه، وحاجة الناس إليه في طعامهم كما هي حاجتهم إلى الملح , والأجسام تحتاج إليه حاجة ضرورية كما تحتاج إلى الملح.
والحاصل أن ما انتفى فيه الفارق المؤثر بينه وبين هذه الأصناف الستة أخذ حكمها سواء تحقق القطع بانتفاء الفارق أو تحقق الظن الراجح.
وبهذا يمكن الجمع بين الأقوال والتقريب بينها وفق الأدلة دون تكلف استخراج علل لا تسلم من القدح والنقض والمعارضة، فمن علل بالتقدير انتقض عليه بإجماعهم على جواز السلم في الموزونات مثل الحديد والنحاس فدل ذلك على أنه وصف طردي لا أثر له في الحكم، كما أنه لا ضابط فيما يوزن أو يكال فقد يوزن في بلد ما يكال في بلد ، وقد يعد في بلد ما يوزن في بلد أخرى[105].
ومن عللوا بالاقتيات والادخار رد عليهم بأن الملح ليس قوتاً يقتات عليه الناس، كما أنهم طردوا الحكم في أصناف ليست من الأقوات ولا من المدخرات فدل ذلك على اضطرابهم وتناقضهم، ومن عللوا بالطعم استدلالاً بعموم بعض الألفاظ تكلفوا ما لا يمكن إثباته فإن لفظ (الطعام بالطعام) لم يرد إلا في حديث واحد، ثبت أنه مروي بالمعنى ، وعلى فرض ثبوته فهو من العام الذي أريد به الخاص، أو العام المخصوص بالعرف المقارن للخطاب، وقد ثبت عن أبي سعيد الخدري وعن معمر وغيرهما أنهم يطلقون على البر والشعير الطعام، وقد صرح معمر رضي الله عنه أن طعامهم يوم نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن (الطعام بالطعام) كان الشعير، ثم أين هو العام الذي لم يدخله التخصيص؟ حتى يأتي من علل بالطعم إلى هذه اللفظة ويبني عليها هذه الفروع التي لا حصر لها حتى أدخل كل مطعوم وإن لم يكن يطلق عليه اسم الطعام، وقد جاءت لفظة الطعام معرفة بأل العهديه، فالمراد الطعام المعهود لديهم، ولم يكن عندهم من الطعام إلا التمر والشعير والبر.
فكيف لم تنهض عنده كل هذه الأدلة القوية لتخصيص هذا العموم المدعى الذي لم يوافق عليه أكثر الفقهاء ؟!.
وإذا كان هذا القول ـ الذي وصل إليه الباحث ـ لم يتكلف استخراج العلل الخفية، فإنه في المقابل لم يجمد على الألفاظ، ولم يفرق بين المتشابهات، بل عمل بمنطوق النص ومفهومه فأخذ حكمها كل ما انتفى فيه الفارق المؤثر ووجد فيه المعنى الذي شرع الحكم من أجله وترتب على تحريم الربا فيه المصلحة المراعاة عند تشريع هذا الحكم، وبهذا تحقق حماية أمرين عظيمين عليهما قوام حياة الناس ومعايشهم وهما :
(1) الأثمان والنقود التي هي الوسيط في تبادلاتهم المالية، وهي المعيار للقيم والأموال ، وفي جعلها سلعة يجري فيها الربا ما يفضي إلى تذبذبها وعدم استقرارها وتكدسها في أيد قليلة فيلحق الضرر بالعامة.
(2) الأطعمة الضرورية التي عليها قوام معايشهم التي لا تخرج من هذه الأصناف إما براً أو شعيراً أو أرزاً أو سلتاً أو دخناً أو ذرة أو ما شابهها التي هي أقوات العالم كله، وليس كذلك كل مطعوم أو مقتات، فإنها وإن شابهت البر والشعير من وجه، فإن الفارق المؤثر متحقق، بخلاف هذه الحبوب المتشابهة صورة ومعنى زرعاً وحباً واستخداماً تشابهاً تاماً يمنع من التفريق بينها في الحكم.
وما سوى ذلك من الأطعمة التي لم يتناولها النص بمنطوقه أو مفهومه لوجود الفرق المؤثر في الحكم فالأصل فيها الإباحة، وفي تحريمها ضرر وتضييق بلا دليل صحيح صريح في أمر من أهم أمور الناس، مما يفضي إلى الإضرار بمصالحهم، وهذا على خلاف مقاصد الشريعة التي إنما جاءت للحفاظ على مصالح العباد ودفع الضرر عنهم. والله تعالى أعلم .
خاتمة البحث وأهم النتائج
أولا : لا خلاف بين الفقهاء في جريان ربا الفضل والنساء في الربويات الست ، و أنه إذا اختلفت هذه الأصناف فجائز فيها ربا الفضل دون النساء.
ثانيا : أن من قاسوا عليها غيرها لم يتفقوا على علة الحكم فيها ، بل اختلفوا في تحديدها اختلافا شديدا ، مما يؤكد خفاءها وأنها لسيت علة ظاهرة ، ولا القياس عليها قياسا جليا .
ثالثا : كما لا كبير خلاف بين الفقهاء في أن تشريع هذا الحكم فيها لحكمة وغاية وهما المحافظة على مصالح العباد ومعايشهم ودفع الضرر عنهم فيما فيه قوام حياتهم الاقتصادية .
رابعا : أن الصواب هو إلحاق غيرها بها لا بجامع العلة ، بل بجامع نفي الفارق المؤثر على سبيل القطع أو الظن الراجح ، كإلحاق الأرز والسلت والدخن والعلس ونحوها بالبر والشعير ، وإلحاق العنب والتين ونحوهما بالتمر، وإلحاق السكر بالملح .
خامسا : أن هذا القول يقرب بين أقوال من عدوا الحكم واختلفوا في العلة ليقتصر على ما هو محل اتفاق بينهم إذ لا خلاف بينهم في جريان الربا في الأرز والسلت والدخن ونحوها ، سواء عللوا بالطعم ، أو عللوا بالقوت والادخار، أو عللوا بالكيل ، إذ تحققت كل هذه الأوصاف في هذه الأنواع، كما يقرب هذا القول بين أقوالهم وأقوال من قصروا الحكم على هذه الأصناف الستة لتضيق دائرة الخلاف ، إذ الإلحاق بنفي الفارق لا يختلف في الاحتجاج به حتى نفاة القياس لأنه من باب دلالة اللفظ وهو مفهوم الموافقة .
سادسا : أن في هذا القول تيسيرا على الناس في معاملاتهم ، ورفعا للحرج عن المؤسسات المالية والتجارية التي تتحرى في معاملاتها أحكام الشريعة الإسلامية ، وتواجه صورا كثيرة من العقود والتبادل التجاري بين السلع والبضائع ، وفي الأخذ بأقوال جماهير الفقهاء الذين عدوا الحكم بالقياس حرج دون أدلة صريحة صحيحة ، كما في الإقتصار على أقوال الظاهرية ومن وافقهم وقوع فيما قد يضارع هذه الربويات مما يقطع فيه بنفي الفارق المؤثر.
المراجع والمصادر
· إرشاد الفحول _ محمد بن علي الشوكاني _ تصوير دار المعرفة _ بيروت .
· الإشراف على نكت مسائل الخلاف – القاضي عبدالوهاب البغدادي – تحقيق الحبيب بن طاهر – ط أولى دار ابن حزم – بيروت .
· إعلام الموقعين _ محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية _ تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد _ طبعة دار الفكر _ بيروت .
· الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع – محمد بن محمد الخطيب الشربيني – بعناية علي معوض وعادل عبدالموجود – ط أولى 1414 هـ دار الكتب العلمية – بيروت .
· الأم _ للإمام محمد بن إدريس الشافعي _ تصوير دار الفكر _ بيروت .
· بدائع الصنائع _ الكاساني _ تصوير دار الكتاب العربي _ بيروت .
· بداية المجتهد ونهاية المقتصد – محمد بن أحمد بن رشد الحفيد – تصوير دار الفكر – بيروت .
· بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب مالك – أحمد الصاوي – ط 1409 دار المعرفة – بيروت .
· التمهيد _ يوسف بن عبد البر _ طبعة ثانية _ سنة 1402هـ - وزارة الأوقاف المغربية.
· تهذيب الكمال _ جمال الدين يوسف المزّي _ تحقيق: بشار عواد _ ط1 سنة 1992م _ الرسالة _ بيروت.
· تيسير مختصر الوصول شرح منهاج الأصول للبيضاوي _ ابن إمام الكاملية _ نسخة مخطوطة.
· حاشية ابراهيم البيجوري على شرح الغزي على متن أبي شجاع – بعناية محمد عبدالسلام شاهين – ط أولى 1415هـ - دار الكتب العلمية – بيروت .
· الاختيار لتعليل المختار _ عبدالله بن محمود الموصلي الحنفي _ طبعة دار الدعوة _ مصر.
· الروضة الندية _ صديق بن حسن القنوجي _تحقيق أحمد شاكر _ تصوير الكتاب العلمية _ بيروت .
· سبل السلام _ محمد بن إسماعيل الصنعاني _ تحقيق زمرلي والجمل _ ط4 سنة 1407هـ دار الكتاب العربي_ بيروت.
· السنن _ محمد بن يزيد بن ماجه _ تحقيق فؤاد عبد الباقي _ طبعة أولى _ المكتبة الإسلامية _ اسطنبول.
· السنن الصغرى ـ أحمد بن شعيب النسائي _ بعناية عبدالفتاح أبو غدة _ ط2 1409هـ _ البشائر _ بيروت.
· السنن الكبرى _ أحمد بن الحسين البيهقي _ طبعة أولى _ دائرة المعارف العثمانية _ تصوير دار المعرفة _ بيروت.
· السيل الجرار _ محمد بن علي الشوكاني _ تحقيق محمود زايد _ ط1 سنة 1405هـ _ دار الكتب العلمية_ بيروت.
· شرح الدردير على مختصر خليل – أحمد بن محمد الدردير – تصوير دار المعرفة 1409 هـ بيروت .
· شرح السنة- الحسين بن مسعود البغوي - تحقيق الأرنؤوط والشاويش _ ط2 سنة 1403هـ _ المكتب الإسلامي_ بيروت.
· الشرح الكبير _ أحمد بن محمد الدردير _ دار إحياء الكتب العربية _ مصر.
· صحيح محمد بن إسماعيل البخاري مع فتح الباري _ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني - تحقيق محب الدين الخطيب _ ترقيم عبدالباقي_ ط1 سنة 1410هـ _ نشر دار الكتب العلمية _ بيروت .
· صحيح مسلم بن الحجاج بشرح محي الدين النووي _ ط3 سنة 1404- نشر دار إحيار التراث العربي_ بيروت.
· الكافي – محمد بن أحمد القرطبي – دار الكتب العلمية – بيروت .
· كشاف القناع عن متن الإقناع – منصور البهوتي – مراجعة هلال مصطفى – ط 1402 هـ دار الفكر – بيروت .
· مجموع الفتاوى _ أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية _ بعناية عبدالرحمن بن قاسم _ طبعة عالم الكتب _ الرياض .
· المحلى _ علي بن أحمد بن حزم _ تحقيق أحمد شاكر _ تصوير دار الفكر _ بيروت .
· مذكرة في أصول الفقه - محمد الأمين الشنقيطي _ تصوير دار القلم _ بيروت
· المستدرك _ محمد بن عبدالله الحاكم - ط1 سنة 1335هـ _ دائرة المعارف العثمانية .
· المسند _ الإمام أحمد بن حنبل _ طبعة أولى الميمنية _ مصر _ تصوير المكتب الإسلامي _ بيروت.
· المصنف _ أبي بكر بن أبي شيبة _ تحقيق كمال الحوت _ طبعة أولى _ سنة 1988م _ بيروت .
· المصنف _ عبد الرزاق الصنعاني _ تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي _ ط1 سنة 1982م _ المكتب الإسلامي _ بيروت .
· معرفة السنن والآثار _ أحمد بن الحسين البيهقي _ تحقيق سيد كسروي _ الطبعة الأولى سنة 1413هـ _ دار الكتب العلمية _ بيروت.
· المعونة على مذهب عالم المدينة – القاضي عبدالوهاب البغدادي – تحقيق محمد حسن الشافعي – ط أولى 1418 هـ دار الكتب العلمية – بيروت .
· المغني _ عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي _ ط1 سنة 1985- دار الفكر _ بيروت.
· مغني المحتاج _ محمد بم محمد الخطيب الشربيني _ نشر دار الفكر _ بيروت .
· المقنع _ عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي _ ط3 منشورات السعيدية _ الرياض .
· المنار في المختار من البحر الزخار _صالح بن مهدي المقبلي _ ط1 سنة 1988_ الرسالة _ بيروت.
· الموافقات _ إبراهيم بن موسى الشاطبي _ بعناية محمد عبدالله دراز _ تصوير دار المعرفة _ بيروت.
· الموطأ _ الإمام مالك بن أنس _ تحقيق عبدالباقي _ طبعة سنة 1406هـ _ دار إحياء التراث العربي .
· الموطأ _ الإمام مالك بن أنس _ رواية أبي مصعب _ تحقيق بشار عواد _ الطبعة الأولى سنة 1412هـ _ الرسالة _ بيروت .
· الهداية شرح البداية – برهان الدين المرغيناني - ط أولى 1410 هـ دار الكتب العلمية – بيروت .
· الوسيط في المذهب – محمد بن محمد الغزالي – تحقيق علي القره داغي – ط أولى 1417 هـ وزارة الأوقاف – قطر .
([1]) البخاري مع الفتح ج4/ 379ح2176و 2177 ، ومسلم مع الشرح ج11 ص8 – 11 .
([3]) البخاري 4/ 311 ح2080 .
([4]) مسلم ج11 ص 23 - 25.
([7]) البخاري ج4 / 399ح2201 و 2202 4/ 481 ح2302و2303، ومسلم ج11 ص20و21 ، واللفظ للبخاري كما في 4/481 .
([9]) البخاري ج4 ص 377ح 2170و2174 ، ومسلم ج11 ص12.
([11]) البخاري ج4 ص477 ح2175، ومسلم ج11 ص16.
([14]) البخاري 4/ 382ح 2180و2181 ، مسلم ج11 ص16.
([16]) المغني ج4 ص26 ، وانظر المعونة للقاضي عبدالوهاب 2/ 3 ، بداية المجتهد لابن رشد 2 /9.
([19]) المحلى ج8 ص468، و المغني ج4 ص26/28.
([20]) بدائع الصنائع للكاساني ج5 ص183 ، والهداية شرح البداية للمرغيناني 3/67 .
([21]) الشرح الكبير / للدردير / ج3 ص37 ، وبلغة السالك للصاوي 2/ 15 و24 .
([22]) الوسيط للغزالي 3/48 ،والإقناع للشربيني 2/15 ، ومغني المحتاج ج2 ص22 .
([23]) المقنع لابن قدامة ج2 ص64 ، وكشف القناع للبهوتي 3/251 .
([24]) المحلى ج8 ص469 ، و المغني ج4 ص26/28.
([25]) انظر المصدرين السابقين .
([26]) انظر المغني ج4 ص26/28.
([27]) البقرة 275 : وانظر المغني 4/26 .
([29]) أعلام الموقعين ح2 ص155.
([31]) سبل السلام ج3 ص73.
([34]) بداية المجتهد 1/ 3 .
([35]) الإشراف للقاضي عبدالوهاب 2/527 .
([36]) سيأتي تخريج هذه الألفاظ ودراستها عند مناقشتهم ، انظر ص 15-20 .
([37]) الاختيار ج2 ص30 ، والهداية 3/ 68 ، وانظر بداية المجتهد 2/ 99 فقد مال إلى هذا الرأي وأنه أقوى العلل إذ به يتحقق العدل في المعاملات بوجود التساوي .
([38]) انظر السيل الجرار ج3 ص64.
([39]) انظر المحلى ج4 ص485.
([40]) شرح السنة ج 8 ص57 ، وانظر الإشراف لعبد الوهاب 2/ 532 .
([41]) أعلام الموقعين ج 2 ص155.
([42]) رواية معمر رواها عبد الرزاق في المصنف 8/33 عنه عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً فيه: ((لا صاعين بصاع ولا درهمين بدرهم)).
([43]) رواية الأوزاعي عند النسائي 7 / 272 – 273 ومن طريقه ابن حزم في المحلى 8/481.
([44]) رواية هشام عند أحمد في المسند 3/49 و 50 – 51 والنسائي 7/272.
([45]) رواية شيبان عند البخاري مع الفتح 4/311 ح2080 بلفظ: ((لا صاعين بصاع ولا درهمين بدرهم)) ، ورواه مسلم 11/23 ومن طريقه ابن حزم في المحلى 8/481 باللفظ المذكور.
([46]) كلا لم يختصره معمر ولم يهم فيه كما توهم ابن حزم فقد رواه شيبان – كما عند البخاري – كما رواه معمر فدل على أن يحيى بن أبي كثير هو الذي كان يختصره أحياناً فرواه عنه الأوزاعي وهشام الدستوائي مطولاً، ورواه معمر عنه مختصراً، وسمع شيبان منه الحديث على الوجهين مطولاً – كما عند مسلم – ومختصراً – كما عند البخاري – وقد يكون يحيى بن أبي كثير قد سمع كلا اللفظين من أبي سلمة بن عبد الرحمن كما يؤيده ما يأتي.
([47]) رواية ابن أبي زائدة عند ابن أبي شيبة في المصنف 4/497 عنه عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً ((لا يصلح درهم بدرهمين ولا صاع بصاعين..))، وقد رواه عبدة بن سليمان كما عند ابن ماجه 2/758 ح2256، والنضر بن شميل والفضيل بن موسى كما عند ابن حزم في المحلى 8/479 ثلاثتهم عن محمد بن عمرو بلفظ ((لا يصلح صاع تمر بصاعين..)) وهذا لفظ عبدة بن سليمان، ولفظ النضر وفضيل: ((لا يصلح، هذا لا يصلح صاعين بصاع..)) قال ابن حزم فقوله عليه السلام: ((هذا لا يصلح صاعين بصاع)) إشارة إلى التمر المذكور في الخبر. وما قاله ابن حزم هو الصواب كما تدل عليه سائر الروايات ومخرج الحديث واحد فيجب الجمع بينها وإن كان لا بد من الترجيح فرواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أرجح من رواية محمد بن عمرو عنه فهو قرين الزهري ومن أعلم الناس بحديث أهل المدينة بل كان شعبة يقدم يحيى على الزهري انظر تهذيب الكمال 31/508، ورواية الأوزاعي وهشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير تفسر رواية معمر. وقد رواه قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أنّى لكم هذا التمر؟! فقالوا: هذا تمر ابتعنا صاعاً بصاعين من تمرنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلح ذلك…)) رواه أحمد في المسند 3/45 و 67 والنسائي 7/272 ولفظه: ((لا تفعل فإن هذا لا يصح...)).
([48]) المحلى ج8 ص481 باختصار.
([49]) المحلى ج8 ص481 باختصار.
([52]) معرفة السنن والآثار 4/306.
وما قاله البيهقي هو الظاهر فإن كل من روى حديث أبي هريرة وكل من روى حديث أبي سعيد الخدري لم يذكروا هذه اللفظة ؟!
ولم ترد إلا في رواية عبد المجيد بن سهيل عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم!
كما عند البخاري 13/391 ح7350 ومسلم 11/20 – 21 من طريق سليمان بن بلال عن عبد المجيد به.....................................................................................
([53]) انظر مقدمة بشار عواد لرواية أبي مصعب 1 / 40 – 41.
([56]) انظر الحاشية ص 14ففيها تخريج رواية قتادة.
([57]) رواه الحاكم في المستدرك 2/43 والبيهقي 5/286 من طريق حيان بن عبيد الله عن أبي مجلز لاحق بن حميد عن أبي سعيد الخدري في قصة طويلة بين ابن عباس وأبي سعيد. قال الحاكم: (صحيح الإسناد)، وقال البيهقي: (قال أبو أحمد [ابن عدي الحافظ]: هذا الحديث من حديث أبي مجلز تفرد به حيان، قلت: [أي البيهقي]: حيان تكلموا فيه، ويقال في قوله (وكذلك الميزان) في الحديث الأول أنه من جهة أبي سعيد الخدري وكذلك هذه اللفظة إن صحت...)، وقال الذهبي في حاشيته على المستدرك: (حيان فيه ضعف وليس بالحجة)، وقال عنه ابن عدي في الكامل 2/426: (عامة ما يرويه إفرادات ينفرد بها) ومثله لا يقبل منه مثل هذا التفرد في حديث يرويه كثير من الأئمة عن أبي سعيد الخدري على فرض أنه ثقة فكيف وهو متكلم فيه؟! والظاهر أن هذه الزيادة – إن صحت – هي من كلام أبي مجلز كما قال ابن حزم.
([58]) رواية نافع عند البخاري 4/379 ح2177 ومسلم 11/8 – 11.
([59]) رواية أبي صالح عند البخاري 4/381 ح2178 ومسلم 11/ 11 و 25.
([60]) رواية أبي المتوكل عند مسلم 11/ 14 – 15.
([61]) انظر ما سبق حاشية ص 13 و14 .
([62]) رواية عقبة عند البخاري 4/ 490 ح2312 ، ومسلم 11 / 22.
([63]) رواية أبي نضرة عند مسلم 11/ 22 – 23 .
([64]) انظر ما سبق حاشية ص 13 و14.
([65]) سعيد الجريري إنما يرويه عن أبي نضرة كما عند مسلم؟!
([66]) لم أقف على روايته ولعله عطاء بن يسار كما عند ابن حزم في المحلى 8/475.
([68]) انظر الإشراف للقاضي عبدالوهاب 2/531- 532 ، والمعونة له2/ 5-6 ، وبداية المجتهد 2/98 .
([69]) التمهيد ج4 ص89.وانظر أيضا الكافي له ص 309 ، والمعونة للقاضي عبدالوهاب 2/5- 6
([70]) الشرح الصغير على مختصر خليل 2/24 .
([71]) بلغة السالك لأقرب المسالك 2/24 .
([72]) أعلام الموقعين ج2 ص157.
([73]) انظر المحلى ج8 ص469.
([74]) سيأتي تخريج هذه الألفاظ ودراستها عند مناقشتهم ، انظر ص 25 .
([75]) شرح السنة ج8 ص58 ،وانظر بداية المجتهد 2/99 .
([76]) السيل الجرار ج3 ص65.
([77]) أصول الفقه للشنقيطي ص221.
([78]) البخاري ج3 ص473 ح1506.
([79]) ورواه أحمد في المسند 3/81 ولفظه: ((فمنعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتبايعه إلاّ كيلاً بكيل لا زيادة فيه)).
([80]) سنن النسائي 7/269.
([81])رواه ابن أبي شيبة في المصنف 4/496 عن عبد الله بن نمير عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن عطاء بن يسار به، ومن طريقه ابن حزم في المحلى 8/475.
([82]) سنن النسائي 7 / 269 – 270 .
([83]) صحيح مسلم 10/ 172.
([84]) المحلى ج8 ص473/ 476 بتصرف واختصار.
([86]) الإشراف للقاضي عبد الوهاب 2/ 528 بتصرف .
([88]) بداية المجتهد 2/ 98 .
([92]) إعلام الموقعين ج2 ص157 باختصار.
([93]) إعلام الموقعين ج1 ص195.
([95]) انظر إرشاد الفحول ص194.
([96]) مذكرة في أصول الفقه ص249و 251 .
([97]) النووي شرح مسلم ج11 ص13.
([98]) المصنف / ابن أبي شيبة ج4 ص507 ح22598.
([99]) تيسير مختصر الوصول شرح منهاج الأصول للبيضاوي ل 86 / أ نسخة مخطوطة.
([100]) الفتاوى ج19 ص251.
([103]) الروضة الندية ج2 ص109.
([105]) انظر المحلى ج8 ص483.