الخليج العربي بين الاستبداد والاستعمار
بقلم د. حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
هل سقطت منطقة الخليج والجزيرة العربية فعلاً تحت سيطرة الاستعمار الغربي من جديد؟ وهل لدينا حقاً قابلية للاستعمار واستعداد نفسي للخضوع للأجنبي؟ لقد أثبت تاريخ شعوب المنطقة السياسي أنها من أكثر الشعوب قابلية للاستعمار ولهذا لم تعرف المنطقة حركة تحرر وطني ضد الوجود الاستعماري البريطاني الذي سيطر على الخليج والجزيرة العربية أكثر من نصف قرن([1]) تحت اسم الحماية دون أي مقامة وطنية أو شعبية تذكر على خلاف الوضع في أكثر دون العالم آنذاك التي رفضت شعوبها الاستعمار وتصدت له حتى تحررت وحصلت على استقلالها. لقد تأقلمت شعوب المنطقة سريعاً مع الاستعمار البريطاني آنذاك نفسياً وثقافياً واستطاع المندوب البريطاني([2]) أن يدير وحده شئون الخليج والجزيرة والعراق دون كبير عناء؟ ولعل أخطر ما في الأمر نجاح الاستعمار في توظيف علماء الدين المسلمين في خدمته وخدمة مخططاته الاستعمارية وإضفاء الشرعية عليها والتعامل معه كمعاهد لا كمستعمر؟ لقد كانت الروح القومية([3]) لا الإسلامية هي التي كان لها أكبر الأثر في استثارة الشباب ضد الوجود الاستعماري في الوقت الذي استطاع الاستعمار والحكومات الحليفة له تدجين الدين وعلمائه وتحطيم الروح الإسلامي التي ترفض رفضاً قاطعاً الخضوع للأجنبي وترى الدخول تحت حكمه وسيطرته كفراً يخرج من الإسلام ويصطدم بأصوله القطعية؟ لقد تحدث ديكسون([4]) في كتابه الكويت وجاراتها عن أثر المد القومي على شعوب المنطقة فقال: والمؤسف في ذلك كله أنه في الوقت الذي يتزايد فيه شعور الشبان المتطرفين القوميين ضد الأجانب وضد البريطانيين بصورة خاصة فإن عرب الصحراء القدامى وكبار تجار المدينة النافذين الذين مازالوا يحبون ويحترمون الإنجليز بدءوا يتحولون ببطء ضد الغربيين لأسباب تختلف تماماً فهؤلاء وهم مؤمنون متدينون يرون في التأثير الغربي بماديته خطراً يهدد عاداتهم وأخلاقهم وتقاليدهم وديانتهم .. وهكذا نجد أن العربي المرح ! الذي ينتمي للمدرسة القديمة أصبح ضد الأجنبي على الرغم من أن الأسباب الموجبة لهذا الشعور ليست مماثلة للأسباب الدافعة لأبناء الجيل الجديد؟!
ويظهر جلياً من كلام ديكسون قابلية المجتمعات الخليجية للاستعمار والخضوع للأجنبي التي تكن له مشاعر الحب والاحترام !! وأن تحول هذه المشاعر لم يكن بسبب رفضها للاستعمال أو تطلعها للحرية والاستقلال بل السبب خوفها من قيم الغرب المادية على عاداتها ودينها لكونها مجتمعات مؤمنة متدينة؟! وأنه لولا المد القومي في العالم العربي آنذاك الذي ألقى بظلاله على المنطقة كلها ودفع الشباب في المجتمعات الخليجية للتطلع للحرية والاستقلال لما تغيرت أوضاع المنطقة عما هي عليه قبل ذلك إذ كان عرب الصحراء وكبار التجار المؤمنون المتدينون يكنون للمستعمر مشاعر الحب والاحترام ولم تحل ثقافتهم الإسلامية ولا تدينهم دون الخضوع للأجنبي واحترامه مدة نصف قرن بعد تدجين الحكومات دين المجتمع وثقافته على يد رجال الدين أنفسهم لتكون المجتمعات أكثر قابلية واستعداداً للخضوع للاستبداد من جهة والاستعمار من جهة أخرى وإضفاء الشرعية على ذلك الواقع باسم الدين؟! وهذا يفسر لنا سبب تقبل المجتمعات الخليجية عودة الاستعمار وقواعده العسكرية وسيطرته السياسية من جديد على شئون المنطقة كلها بعد ضعف التيار القومي وانحساره ونجاح الاستعمار مرة ثانية في توظيف الدين الإسلامي في خدمته بصدور الفتاوى التي تضفي الشرعية على وجوده وتحرم رفضه أو مقاومته ولو بالكلمة الحرة والوسائل السلمية!
([1]) عن طريق عدد من المعاهدات بين دول الخليج بدأت مع حكام البحرين وعمان وما يعرف الآن بالإمارات العربية المتحدة عام (1820)، الكويت (1899)، ثم عبد العزيز بن سعود (1915)، قطر (1916).
([2]) السير بيرسي كوكس (1864- 1937) المقيم السياسي في الخليج والعراق.
([3]) تهدف القومية إلى تحقيق استقلال الشعب العربي والوحدة بين كافة أقطاره، وقد بدأت في مطلع القرن العشرين واتسع نشاطها بعد ظهور دولة إسرائيل (1948).
([4]) ديكسون (1919-1959)، المعتمد البريطاني في الكويت من عام (1929 إلى 1936) ومن ثم عين بطلب من حاكم الكويت آنذاك أحمد الجابر الصباح بمنصب كبير الممثلين الحلين لشركة نفط الكويت المحدودة.