تحرير العراق أم احتلاله
بقلم : د. حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
زارنا في يوم الثلاثاء 31/12/2002 المستشار السياسي للسفارة الأمريكية ريتشارد بل ودار بيننا حديث طويل من الساعة الثامنة مساء العاشرة والنصف حول موقف الحركة السلفية الرافض للحرب التي تريد الولايات المتحدة شنها على العراق وقال بأنه لا يفهم أسباب هذا الرفض خصوصاً وأن بلاده هي التي حررت الكويت وذكر بأن مهمته هي رصد الساحة السياسية ومعرفة توجهات القوى والحركات فيها والكتابة إلى حكومته بذلك ولذلك طلب عقد هذا اللقاء معنا لمعرفة وجهة نظرنا فقلت له بداية نحن لم ننس موقف الولايات المتحدة وما قامت به من أجل تحرير الكويت إلا أن هذا لا يمكن أن يكون على حساب سيادة الكويت واستقلالها وإلا نكون قد تحررنا من الغزو العراقي لنقع تحت سيطرة الاستعمار الأمريكي؟! ولا فرق عندنا بين احتلال وآخر ولا نتصور بأن هناك شعباً حراً يرضى بذلك.
فقال: ومن قال بأننا نريد السيطرة على الخليج؟ فقلت له: عندما تقوم أمريكا بإحاطة الخليج بكل هذه القواعد العسكرية واستخدامها لشن الحروب على الدول المجاورة دون أخذ إذن من حكومات دون الخليج بل ودون استشارتها كما اعترف بذلك وزراء خارجية هذه الدول لشعوبهم وأنهم لا يستطيعون منع أمريكا من استخدام هذه القواعد؟! ودون مراعاة مصالح شعوب المنطقة والتزاماتها القومية والدينية كل ذلك يؤكد أن أمريكا قد تحولت من دولة حليفة إلى قوة استعمارية وأن دول الخليج فقدت قرارها السيادي لتعود أوضاع المنطقة إلى ما كانت عليه قبل استقلالها عن سيطرة الحماية البريطانية الاستعمارية التي لم يبلغ نفوذها ووجودها العسكري آنذاك في الخليج العربي حجم الوجود والنفوذ الأمريكي الحالي.
وقلت له: إن الاتفاقيات الأمنية هي لحماية دول الخليج من أي اعتداء خارجي لا لتحويل المنطقة إلى قاعدة عسكرية للاعتداء على الآخرين خاصة وأن الدستور الكويتي يحظر الحرب الهجومية كما أن ميثاق الجامعة العربية يحظر الاعتداء أو التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء وباستخدام القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج لشن حرب على دولة عربية أخرى نكون أمام إشكالية كبرى خاصة وأن الدين الإسلامي يحرم تحريماً قاطعاً مثل هذا الاعتداء على الآخرين ولم تراع أمريكا كل هذه الإشكاليات ودفعت حكومات المنطقة وشعوبها إلى حرب ثالثة جديدة سوف ندفع نحن فاتورتها الباهظة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً ونفسياً ولن تكون الحرب الأخيرة بل كل المؤشرات تؤكد أن أمريكا تخطط لشن حرب رابعة على إيران انطلاقا من الخليج العربي أيضاً لتنفيذ مخططاتها الاستعمارية على حساب استقرار دول الخليج وازدهارها ليصبح الوجود العسكري الأمريكي مصدر خطر ورعب واضطراب لا سبب أمن واستقرار كما كانت تتوقع شعوب الخليج التي بدأ خوفها يتنامى وبدأت تستشعر خطر هذا الوجود العسكري على أمنها واستقلالها ومصالحها وثقافتها خاصة بعد الضغط الأمريكي على دول المنطقة لتغيير مناهجها التربوية بدعوى مكافحة الإرهاب مع العلم أن الوجود الأمريكي في الخليج لم يتعرض منذ خمسين سنة لأي اعتداء قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر مما يؤكد أن لا دخل لمناهج التعليم في هذه الحوادث وأن على الإدارة الأمريكية الحالية أن تبحث عن الأسباب الفعلية لمثل هذه الحوادث وعن أسباب تنامي شعور العداء ضدها في العالم العربي والإسلامي بعد انحيازها الكامل لحكومة شارون ورفضها حتى مجرد إدانة الجرائم الإسرائيلية في أرض فلسطين واعترافها بالقدس عاصمة لها وتبرير قتل المدنيين من الأطفال والنساء من الشعب الفلسطيني.
وقد نفى المستشار السياسي أن تكون حكومته قد تدخلت بخصوص مناهج التعليم كما أكد خطر النظام العراقي على دول المنطقة وخطر أسلحة الدمار التي لديه وضرورة إسقاطه وإقامة نظام ديمقراطي في العراق وانتقد مقالي المنشور في الرأي العام بعنوان "كولن باول وتجارة الأوهام" وأكد تحسن الأوضاع في أفغانستان بعد التدخل الأمريكي لا كما جاء في مقالي المذكور؟!
فقلت له: هل مهمتكم إسقاط الأنظمة الاستبدادية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول؟ وهل ستقومون بهذا العمل مع كل الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي وما أكثرها وبعضها حليف للولايات المتحدة؟ فأجاب بالنفي.
فقلت: لسنا وحدنا فقط من يرفض هذه الحرب بل حتى الحكومات الحليفة لكم تستشعر خطورتها وتخشى نتائجها ونحن نتحدث عن حرب لا عن نزهة فأنتم قد تعلمون متى تبدأ الحرب غير أنكم لا تعلمون متى تقف وما نتائجها وقد أثبتت تجربتكم في أفغانستان صحة هذه التخوفات فقد أصبح الوضع فيها أسوأ مما كان العالم يتوقع إذ ما تزال الأوضاع فيها شاهدة على فشل الوعود الأمريكية بإقامة النظام وتحقيق السلام؟
وقلت له: إننا مع إسقاط النظام العراقي على يد شعبه ومع دعم المعارضة العراقية وإقامة نظام جديد يشارك الشعب العراقي كله في اختياره وهذا ما لا تريده الإدارة الأمريكية التي تحاول تهميش هذه المعارضة وإقصاء من لا تريد مشاركته مما أدى إلى تخوف المعارضة العراقية نفسها من أبعاد المخطط الأمريكي والشك في أهدافها وأنها تريد السيطرة على العراق وثرواته لا إقامة نظام ديمقراطي.
وقلت له: إننا مع إسقاط نظام صدام وكل الأنظمة الاستبدادية إلا أننا ضد تدمير العراق وتحطيمه لما يترتب على ذلك من آثار خطيرة على الأمن القومي العربي ككل في ظل وجود الخطر الإسرائيلي وترسانته النووية التي تهدد العالم العربي والإسلامي ولا يمكن للكويت إلا أن تتأثر سلباً وإيجاباً بما يجري في المنطقة ولا يمكن سلخها من قوميتها العربية ودينها الإسلامي تحت أي ذريعة كدعوى الوطنية أو الليبرالية.
ثم تحدث د. ساجد العبدلي وأكد تخوف شعوب المنطقة من ازدواج المعايير وشكها في أهداف الحرب على العراق خاصة بعد إعلان الولايات المتحدة عزمها على شن الحرب دون انتظار نتائج لجان التفتيش التي ينتظر العالم كله كلمتها النهائية في هذا الموضوع؟!
وقال أيضاً: ما معنى الموافقة على إرسال هذه اللجان الدولية وهل ستتراجع الولايات المتحدة عن شن الحرب إذا ما أكدت اللجان عدم وجود أسلحة محظورة؟ فإذا كانت الإجابة بالنفي فسيثبت للشعوب العربية أن موضوع اللجان والقرارات الدولية ليس سوى مسرحية فكيف تستطيعون بعد ذلك إقناع الرأي العام العربي بمشروعية هذه الحرب؟
ثم تحدث د. حسين السعيدي رئيس المكتب السياسي للحركة السلفية الذي أكد خطورة مبدأ التدخل الأمريكي والضغط على حكومات المنطقة لتغيير مناهجها التعليمية بدعوى مكافحة الإرهاب وحذر من خطورة الانسياق وراء تحليلات التيار الليبرالي في المنطقة الذي يحاول استعداء الولايات على حكومات المنطقة وعلى التيار الإسلامي لتحقيق مكاسب خاصة به وتمرير مشاريعه المرفوضة من قبل شعوب المنطقة.
كما تحدث د. جاسم الفهيد الذي أكد أن من حق شعوب المنطقة أن تناشد حكوماته لتعزز من قدراتها العسكرية لتقوم دول الخليج بحماية نفسها بنفسها فما السبب في رفضكم مثل هذه الدعوة مع أنها في صالح الجميع؟
ثم وجهت سؤالاً للمستشار عن السبب وراء الاهتمام بموضوع حقوق المرأة السياسية في الخليج العربي هذه الأيام قبل الحديث عن حق شعوب الخليج نفسها في المشاركة في اختيار حكوماتها عن طريق الاختيار والانتخاب الحر ولو على الأقل في ظل ملكيات دستورية؟ وكيف تتحدثون عن حقوق المرأة السياسية بينما تغضون الطرف عن حقوق الشعوب السياسية التي لم تحصل عليها شعوب المنطقة إلى الآن؟ مع العلم أننا نرفض مثل هذا التدخل في شؤوننا الداخلية ونحن نفضل أن نصل إلى تحقيق ما نصبو إليه ولو بعد سنوات من أن نصل إليه الآن بضغط أجنبي والشعوب العربية تفضل أن نصل إلى تحقيق ما نصبو إليه ولو بعد سنوات من أن نصل إليه الآن بضغط أجنبي والشعوب العربية تفضل ألف مرة أن تصبر على العيش تحت حكم نظام استبدادي من أن تتحرر لتصبح تحت نفوذ أجنبي استعماري ونحن نؤمن بأنه لا يمكن أن تتحقق الحرية لشعوب المنطقة ولو كانت حكوماتها ديمقراطية ما دامت تحت سيطرة استعمار أجنبي تكون إرادته فوق إرادتها وقراره فوق قرارها.
فأجاب المستشار على سؤالي بقوله: عندما تكون أمامك طاولة لا تستطيع قلبها ـ وأشار إلى طاولة الشاي أمامه وفوقها عدد من الكاسات ـ فماذا تفعل؟ وأجاب على الفور :ليس أمامك إلا إعادة ترتيبها؟