الإعلام
بدراسة حديث (لا تبدؤوا المشركين بالسلام)
مع الجمع بينه وبين أحاديث الباب
في ابتداء غير المسلمين بالسلام ورده
د.حاكم المطيري
أستاذ مساعد بقسم التفسير والحديث
كلية الشريعة ـ جامعة الكويت
ملخص البحث
هذا البحث دراسة حديثية نقدية لحديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة(لا تبدؤوا المشركين بالسلام)، وقد أخرجه مسلم في صحيحه، ووقع في بعض ألفاظه اختلاف بين رواته، وقد احتج به من قالوا بالمنع مطلقا من ابتداء غير المسلمين بالسلام، مع وجود أحاديث صحيحة أخرى تأمر بإفشاء السلام، وقد يبدو بينها تعارض ظاهري، وهو ما دعا الباحث إلى دراسة هذا الحديث، وبيان ما وقع فيه من اختلاف، والجمع بينه وبين الأحاديث الأخرى، مع جمع الأحاديث الواردة في الباب، في إفشاء السلام ورده، مع غير المسلمين، كما وردت في السنة النبوية، ليكون البحث وافيا في بابه في معرفة ما ورد في هذه القضية من أحاديث صحيحة.
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على النبي الأمين وآله وصحبه أجمعين وبعد:
فهذه دراسة حديثية نقدية لحديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة (لا تبدؤوا المشركين ـ وفي رواية اليهود والنصارى ـ بالسلام وإذا لقيتموهم فاضطروهم إلى أضيق الطريق).
ولا يخفى مدى الحاجة اليوم لمعرفة حكم مثل هذه المسألة التي تعم به البلوى حيث اختلطت الشعوب والأمم اختلاطا كبيرا غير مسبوق في تاريخها، وأصبح المسلمون منتشرين في كل بلد من بلدان المعمورة، وهم يختلطون ويعملون مع غيرهم من أهل الأديان الأخرى، وربما وقعوا في حرج بامتناعهم عن البدء بالتحية خاصة إذا اقتضى الحال ذلك كدخولهم على غير المسلمين في بيوتهم أو أعمالهم، كما يفيده حديث سهيل هذا، خاصة وأن ظاهر هذا الحديث يعارض عموم النصوص القرآنية والنبوية التي تأمر بإفشاء السلام بين الناس، وقد ذكر ابن حجر اختلاف السلف في هذه القضية بسبب تعارض النصوص ظاهريا فقال(منع ابتداء الكافر بالسلام قد ورد النهي عنه صريحا فيما أخرجه مسلم والبخاري في الأدب المفرد من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رفعه (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام واضطروهم إلى أضيق الطريق)... وقالت طائفة يجوز ابتداؤهم بالسلام فأخرج الطبري من طريق ابن عيينة قال يجوز ابتداء الكافر بالسلام لقوله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين) وقول إبراهيم لأبيه (سلام عليك).. وقال البيهقي بعد أن ساق حديث أبي أمامة أنه كان يسلم على كل من لقيه فسئل عن ذلك فقال (إن الله جعل السلام تحية لأمتنا وأمانا لأهل ذمتنا) هذا رأي أبي أمامة وحديث أبي هريرة في النهي عن ابتدائهم أولى. وأجاب عياض عن الآية وكذا عن قول إبراهيم عليه السلام لأبيه بأن القصد بذلك المتاركة والمباعدة وليس القصد فيهما التحية، وقد صرح بعض السلف بأن قوله تعالى (وقل سلام فسوف يعلمون) نسخت بآية القتال).([1])
فالتعارض بين الأدلة المانعة والمجوزة لابتدائهم بالسلام قد بلغت حد ادعاء المانعين النسخ وادعاء بعضهم التخصيص وذهاب بعضهم إلى تأويل الآيات، وقد أدت إلى اختلاف السلف منذ عهد الصحابة ومن بعدهم في هذه المسألة، بسبب التعارض الظاهري بين النصوص، فكان لا بد من دراسة هذا الحديث، ومعرفة معناه على الوجه الصحيح، بما يدفع عنه هذه المعارضة، وليتوافق مع النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية التي هي أصح منه سندا، وأصرح معنى.
وقد تم تقسيم هذه الدراسة إلى خمسة مباحث:
المبحث الأول: تخريج روايات حديث سهيل بن أبي صالح(لا تبدؤوا المشركين بالسلام).
المبحث الثاني: النصوص المعارضة لحديث سهيل.
المبحث الثالث: بيان وجه حديث سهيل وكشف علته .
المبحث الرابع: الأحاديث الواردة برد السلام على غير المسلمين.
المبحث الخامس: في بيان القول الراجح.
المبحث الأول: تخريج روايات حديث سهيل:
هذا الحديث لا يعرف بهذا اللفظ إلا من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا وقد اختلف عليه الرواة عنه في لفظه اختلافا شديدا فرواه عنه:
1ـ سفيان الثوري :وقد رواه عنه:
ـ وكيع وأبو نعيم وهو الفضل بن دكين قالا ثنا سفيان عن سهيل به بلفظ(إذا لقيتم اليهود في الطريق فاضطروهم إلى أضيقها ولا تبدؤوهم بالسلام) وهذا لفظ وكيع، وقال أبو نعيم (إذا لقيتم المشركين في الطريق فلا تبدؤوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيقها). ([2])
ـ عبد الرزاق عن سفيان به بلفظ (إذا لقيتم المشركين في طريق فلا تبدؤوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيقها).([3])
ـ يحي بن آدم عن سفيان به مثل رواية أبي نعيم.([4])
ـ محمد بن كثير عن سفيان به تارة كرواية عبد الرزاق بلفظ(طريق) وتارة كرواية يحيى بن آدم وأبي نعيم بلفظ(الطريق).([5])
ـ محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان به كما رواه يحيى بن آدم وأبو نعيم. ([6])
فهؤلاء خمسة من الحفاظ من أصحاب الثوري ـ وهم أبو نعيم وابن كثير والفريابي ويحي بن آدم وعبد الرزاق ـ يروونه بلفظ (إذا لقيتم المشركين في الطريق فلا تبدؤوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيقها)، وخالفهم وكيع عن سفيان فقال(اليهود)بدل (المشركين)، وقال عبد الرزاق(طريق) بدل(الطريق) ووافقه محمد بن كثير في رواية ابن السني، وخالفه في رواية البيهقي فقال(الطريق).
والفرق ظاهر راية (المشركين) ورواية (اليهود)، وكذا بين رواية (الطريق) المعرفة بأل، والتي تحتمل أل العهدية، أي الطريق المعهود للمخاطبين آنذاك، ورواية(طريق) وهي نكرة تفيد الإطلاق بمعنى إذا لقيتموهم في أي طريق، ويمكن الجمع بينهما بأن المراد أي طريق من الطرق المعهودة للمخاطبين آنذاك، وإن كان لا بد من الترجيح فلا شك أن رواية الجماعة أصح من رواية عبد الرزاق، وهو ما سيظهر جليا فيما سيأتي من دراسة لطرق الحديث وشواهده، إذ سيكون لمثل هذه العبارات دلالاتها المؤثرة في الحكم!
2ـ شعبة بن الحجاج : وقد رواه عنه جماعة من أصحابه وهم :
ـ أبو داود الطيالسي عن شعبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أهل الكتاب:( لا تبدؤوهم بالسلام وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقها).([7])
ـ عفان بن مسلم قال حدثنا شعبة أخبرني سهيل بن أبي صالح قال خرجت مع أبي إلى الشام فكان أهل الشام يمرون بأهل الصوامع فيسلمون عليهم فسمعت أبي يقول سمعت أبا هريرة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(لا تبدؤوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيقه).([8])
ـ محمد بن جعفر قال ثنا شعبة به عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أهل الكتاب:( لا تبدؤوهم بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها).([9])
ـ حفص بن عمر ثنا شعبة عن سهيل بن أبي صالح قال خرجت مع أبي إلى الشام فجعلوا يمرون بصوامع فيها نصارى فيسلمون عليهم، فقال أبي لا تبدؤوهم بالسلام! فإن أبا هريرة حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تبدؤوهم بالسلام وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيق الطريق).([10])
ـ وهب بن جرير عن شعبة به، وأحال على ما قبله بلفظ(لا تبدؤوهم بالسلام) يعني اليهود والنصارى).([11])
ـ عبد الصمد بن عبد الوارث عن شعبة بلفظ(لا تبدؤوا أهل الكتاب بالسلام وإذا رأيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه).([12])
ـ أبو الوليد الطيالسي عن شعبة نحو رواية محمد بن جعفر.([13])
ورواه أبو الوليد أيضا عن شعبة به بلفظ(أنه قال لا تبدؤوهم بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) يعني اليهود والنصارى.([14])
فليس في نص رواية شعبة عند عامة أصحابه الحفاظ الأثبات بيان من المقصود، وإنما فيها تفسير من الراوي أنه يعني اليهود والنصارى، وكأنه ليس في أصل الحديث عن أبي هريرة ذكر لمن ورد النهي بشأنهم، وإنما فيه نهي عن ابتدائهم، وهذا الإضمار يرجح ـ كما سيأتي ـ بأن هناك قصة اختصرها سهيل أو نسيها، وفرق بين لفظ (لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام) الذي يحتمل العموم والإطلاق، ولفظ(لا تبدؤوهم بالسلام) الذي يتحدث عن طائفة مخصوصة منهم ـ بدلالة الإضمار عنهم ـ نهى الشارع عن ابتدائهم آنذاك بالسلام لسبب من الأسباب!
3ـ عبد العزيز الدراوردي :عن سهيل به بلفظ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه).
هذا لفظ مسلم، ولفظ الترمذي (وإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقه).([15])
4ـ أبو عوانة الوضاح اليشكري:عن سهيل به بلفظ ( لا تبادروا أهل الكتاب بالسلام فإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه).([16])
5ـ جرير بن عبد الحميد :عن سهيل به، قال مسلم (وفي حديث جرير إذا لقيتموهم ولم يسم أحدا من المشركين).([17]) ولفظه عند البيهقي (إذا لقيتموهم فلا تبدؤوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيق الطريق) قال هذا للنصارى في النعت ونحن نراه للمشركين. ([18])
وهذه الرواية موافقة لرواية شعبة بن الحجاج، التي تؤكد أن سهيل بن أبي صالح كان يرويه بالاضمار على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخاطب أصحابه بخصوص قوم معهودين لهم بأن لا يبدؤوهم بالسلام، دون أن يذكر القصة والسياق الذي جاء فيه هذا النهي، غير إن جريرا كان يفسره أحيانا بأنه يعني كذا وكذا!
6ـ معمر بن راشد: عن سهيل به بلفظ (لا تبتدئوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها). ([19])
7ـ وهيب بن خالد:قال حدثنا سهيل به بلفظ قال (أهل الكتاب لا تبدؤوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيق الطريق).([20])
8 ـ يحيى بن سعيد الأنصاري: قال أخبرني سهيل بن أبي صالح به بلفظ (لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقه). ([21])
9ـ شريك بن عبد الله القاضي:
10ـ أبو بكر بن عياش:
11 ـ يحيى بن أيوب:
كلهم عن سهيل به بلفظ(لا تبدؤهم بالسلام يعني اليهود والنصارى).([22])
12 ـ زهير بن معاوية: عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إذا لقيتموهم فلا تبدؤوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيقها) قلت لزهير:اليهود والنصارى؟ قال (المشركين).([23])
بيان أوجه الاختلاف في حديث سهيل:
فهذه روايات أصحاب سهيل عنه وكلها صحيحة عنهم، وأكثرهم أئمة حفاظ أثبات، وقد وقع بينهم اختلاف شديد على سهيل في روايته للفظ هذا الحديث على وجوه:
1 ـ فتارة يقول(المشركين) كما رواه عنه زهير بن معاوية، وسفيان الثوري في رواية الجماعة عنه، وكذا فسره جرير بن عبد الحميد (نحن نراه في المشركين).
2 ـ وتارة يقول (أهل الكتاب) كما في رواية أبي عوانة ووهيب بن خالد.
3 ـ وتارة يقول(اليهود والنصارى) كما في رواية الدراوردي ومعمر وأكثر الرواة عن سهيل.
4 ـ وتارة يقول (اليهود) كما في رواية وكيع عن سفيان الثوري.
5ـ وتارة لا يسمي أحدا من المشركين، كما في رواية جرير بن عبد الحميد فإذا سئل عن المقصود قال (قال هذا للنصارى في النعت ونحن نراه للمشركين)!
6ـ وفي رواية شعبة قصة سهيل مع أبيه حين مروا بصوامع في الشام فقال قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تبدؤوهم بالسلام ..)، فإذا سئل شعبة قال يعني (اليهود والنصارى)، وتارة قال في (أهل الكتاب لا تبدؤوهم).
فقد كان أهل الحديث يروون هذا الحديث المشهور عن سهيل حيث رواه الثوري وشعبة ومعمر وغيرهم واختلفوا عليه في لفظه كما نبه عليه مسلم في صحيحه بعد روايته له حيث قال(وفي حديث وكيع (إذا لقيتم اليهود) وفي حديث ابن جعفر عن شعبة (قال في أهل الكتاب) وفي حديث جرير (إذا لقيتموهم ولم يسم أحدا من المشركين)).([24])
فكان أهل الحديث يتحققون من لفظه ويسألون أصحاب سهيل عنه فكان من يروونه بالإضمار بلفظ (إذا لقيتموهم) كما هي رواية جرير وزهير إذا سئلوا :من المقصود بذلك اليهود والنصارى كما في رواية أبي عوانة ووهيب بن خالد؟ أم المشركون كما في رواية الأكثر عن سفيان الثوري؟ أم اليهود كما في رواية وكيع عنه؟
فكانوا يجيبون كما قال زهير بأن المراد (المشركين) وكما قال جرير (قال هذا للنصارى في النعت ونحن نراه للمشركين) وهذه عبارة جرير لأنه أحد الرواة عن سهيل لهذا الحديث المختلف فيه فيصلح أن يقول(ونحن نراه للمشركين) أي نحن أصحاب سهيل الذين سمعناه منه بلفظ الإضمار نراه قصد المشركين عامة، وإن كان في القصة أنهم كانوا يمرون على نصارى الشام ...الخ، وشعبة يقول يعني اليهود والنصارى أو قال في أهل الكتاب أي ليس في نص الرواية عند شعبة (لا تبدؤوا اليهود والنصارى)أو (لا تبدؤوا أهل الكتاب)، وإنما نصها المرفوع(لا تبدؤوهم بالسلام..) إلا أن أبا صالح استعمله في حق النصارى من أهل الشام واستدل بهذا الحديث.
فالخلاف على سهيل في لفظه قديم كما هو ظاهر، ولا شك أن الاختلاف بين هذه الروايات اختلاف تغاير لا اختلاف تنوع فإن لفظ (المشركين)أعم من لفظ (أهل الكتاب) أو(اليهود والنصارى)، وهذه أعم من لفظ(اليهود)، والروايات المضمرة تحتمل المعهودين للمخاطبين، فلا عموم فيها، بينما الروايات المصرحة تفيد العموم، ولا يمكن الجمع بين هذه العبارات، ولا الترجيح بين هذه الروايات، إذ الرواة عن سهيل أئمة حفاظ أثبات!
وإذا كان لا بد من الترجيح فأقوى الروايات هي رواية (المشركين)، ورواية (اليهود والنصارى)،
والاختلاف بينهما هو اختلاف تباين كما بين العام والخاص، (وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف به الحكم) كما قال ابن الصلاح في زيادة الثقة.([25])
فكيف إذا كان الخلاف بين الجماعة أنفسهم من الحفاظ الأثبات فالأمر أشد، إذ سببه الراوي نفسه لا الرواة عنه، وهذا اختلاف واضطراب منه يوجب التثبت في روايته وإن لم يقتض بالضرورة ردها، كما قال الحافظ ابن حجر: (الاختلاف عند النقاد لا يضر إذا قامت القرائن على ترجيح إحدى الروايات أو أمكن الجمع على قواعدهم).([26])وقال أيضا(فالتعليل بجميع ذلك من أجل مجرد الاختلاف غير قادح إذ لا يلزم من مجرد الاختلاف اضطراب يوجب الضعف).([27])
إذ من الاضطراب ما لا يوجب الضعف، ولا يمكن الجمع هنا بين الروايات عن سهيل بحمل العام على الخاص، إذ هو حديث واحد عنه عن أبيه، ومداره عليه، والمقصود معرفة لفظ الشارع، لا اجتهاد الراوي وفهمه، فإما أنه حفظه عن أبيه بلفظ (المشركين)، أو بلفظ (اليهود والنصارى)، فإذا لم يتأتى معرفة ذلك ـ لكون الرواة عنه حفاظ أثبات، ورواياتهم عنه كلها محفوظة، وقد رووا عنه كلا اللفظين، وهو ما يؤكد اضطراب سهيل فيه ـ وجب التوقف فيه، حتى يتم الكشف عن وجه الحديث برده إلى الشواهد والأصول الأخرى، فإذا تم ترجيح إحدى الروايات عنه بشواهده، لم يكن ذلك من باب ترجيح المحفوظ على الشاذ، إذ ترجيح إحدى الروايات عنه حينئذ ليس بالنظر إلى الرواة عنه من خلال تقديم رواية الأحفظ منهم أو الأكثر عددا لتكون هي المحفوظة والأخرى شاذة، وإنما سيكون بقرائن خارجية لا تعلق لها بحديث سهيل نفسه، وهي وإن كشفت عن وجه الخلل في روايته، فإنها لا تدفع عنه وقوع الاضطراب منه بسبب نسيانه لحديثه وعدم حفظه له، ومن ثم تكون الرواية المردودة رواية منكرة بسبب تفرد سهيل بها، لا شاذة خالف فيها بعض من رواها عن سهيل من ثقات أصحابه من هو أولى منه!
كلام الأئمة في سهيل :
وسهيل مع عدالته وصدقه قد تكلموا في ضبطه حتى قال عنه أبو حاتم (يكتب حديثه ولا يحتج به)([28])، وكذا قال ابن معين فيه (لا يحتج به).([29])
وهذا الجرح فسره الأئمة وهو أنه أصابته علة فنسي حديثه وتغير حفظه، فما زال أهل الحديث يتقون حديثه لذلك، كما جاء في الميزان(قال ابن المدينى: مات أخ لسهيل فوجد عليه فنسى كثيرا من الحديث.وقال ابن أبى خيثمة: سمعت ابن معين يقول: لم يزل أصحاب الحديث يتقون حديثه.وقال مرة: ضعيف.وسئل مرة فقال: ليس بذاك.وقال غيره: إنما أخذ عنه مالك قبل التغير).([30])
ولهذا تجنبه البخاري ولم يحتج به أصلا، ولم يخرج له شيئا سوى ثلاثة أحاديث أحدهما مقرونا بغيره، وآخرين في المتابعات، قال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح (سهيل بن أبي صالح السمان أحد الأئمة المشهورين المكثرين، وثقه النسائي والدارقطني وغيرهما، وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال ابن معين صويلح، وقال البخاري كان له أخ فمات فوجد عليه فساء حفظه، قلت له في البخاري حديث واحد في الجهاد مقرون بيحيى بن سعيد الأنصاري كلاهما عن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد وذكر له حديثين آخرين متابعة في الدعوات).([31])
وقد أجمل فيه القول الحافظ ابن حجر فقال عنه(صدوق تغير حفظه بأخرة)([32])، وقد تجنب النسائي تخريج حديثه هذا مع احتجاجه بسهيل، ولم يبوب البخاري في صحيحه ترجمة في النهي عن ابتداء المشركين أو أهل الكتاب بالسلام، وكأنه لم يصح عنده فيها شيء على شرطه!
وقد أنكر الدارقطني على البخاري تركه تخريج حديث سهيل في صحيحه مع شهرة نسخته وعدالته وتخريجه لمن هم مثله أو دونه.([33])
وقد سئل الدارقطني: لم ترك البخاري سهيلا في الصحيح ؟ فقال:( لا أعرف له فيه عذرا، فقد كان النسائي إذا حدث بحديث لسهيل، قال: سهيل والله خير من أبي اليمان، ويحيى بن بكير وغيرهما، وكتاب البخاري من هؤلاء ملآن، ترك البخاري سهيل بن أبي صالح في كتابه، وأخرج عن ابن بكير وفليح بن سليمان ، لا أعرف له وجها ولا أعرف فيه عذرا.قال الحاكم: روى له مسلم كثيرا، وأكثرها في الشواهد).([34])
وهذا الدارقطني الذي ينكر على البخاري ترك حديث سهيل يقرر اضطراب سهيل في بعض حديثه(فيشبه أن يكون سهيل حدث به مرة هكذا فحفظه عنه من حفظه كذلك لأنهم حفاظ ثقات ثم رجع سهيل إلى إرساله). ([35])
وكذا حكم عليه في الوهم في حديث آخر.([36])
وقال في حديث آخر(ويشبه أن يكون سهيل كان يضطرب فيه).([37])
وانظر قوله (يضطرب فيه) ومع ذلك صححه ابن حبان وحسنه الترمذي إذ ليس كل اضطراب يلزم منه الرد.
وكذا قال الدارقطني في حديث اختلف فيه على الثوري (والثوري رحمه الله كان يضطرب فيه ولم يثبت إسناده) ([38])، وقال عن حديث اختلف على سفيان بن عيينة في روايته (ابن عيينة يضطرب في هذا الحديث). ([39])
مع أن ترجيح بعض الروايات عنهم ممكن إلا أنه لم يرجح لكونه ثبت عنده أن سبب الاختلاف هو الراوي لا الرواة عنه، وإن كان بعضهم أحفظ من بعض، إذ المراد من قول الدارقطني وغيره من الأئمة في راو من الرواة(يضطرب في حديثه) تحميله المسئولية في الاختلاف عليه ودفع الوهم عمن رواه عنه، وبيان أن كل الروايات محفوظة عنه، ولا يصح ترجيح بعضها ـ حتى وإن كان بعض الرواة أقوى من بعض ـ ما دام قد صحت كل الروايات عنه، وترجح أن الاختلاف عليه منه هو لا منهم هم.
تفرد سهيل بهذا الحديث:
وقد أورد ابن عدي هذا الحديث في ترجمة سهيل في كتابه الكامل في الضعفاء([40])، وإنما يذكر في كامله عادة مناكير الراوي وغرائب حديثه التي يتفرد بها، وقد ذكر ابن عدي نفسه شرطه في مقدمة كتابه وأنه (ذاكر لكل رجل منهم مما رواه ما يضعف من أجله، أو يلحقه بروايته له اسم الضعف لحاجة الناس إليها، لأقربه على الناظر فيه).([41])
فهو إنما يورد في ترجمة الراوي عادة الأحاديث التي ضعف من أجلها أو يلحقه بروايته لها اسم الضعف، وليس بالضرورة أن ينص في كل حديث بأنه منكر أو ضعيف وهذا ما فهمه من صنيعه العلماء من بعده قال ابن حجر(وقال ابن عدي في الكامل ومن عادته فيه أن يخرج الأحاديث التي أنكرت على الثقة فقال فيه بعد أن ذكر كلامهم في عكرمة ولم أخرج هنا من حديثه شيئا لأن الثقات إذا رووا عنه فهو مستقيم ولم يمتنع الأئمة وأصحاب الصحاح من تخريج حديثه وهو أشهر من أن أحتاج إلى أن أخرج له شيئا من حديثه).([42])
وقال الزركشي في النكت (وكتاب الحافظ أبي أحمد بن عدي أصل نافع في معرفة المنكرات من الأحاديث).([43])
وقد أورد ابن عدي أحاديث عدة لسهيل ونص فقط على حديث واحد منها بأنه خطأ وهو حديث سهيل عن أبيه عن أبي هريرة (لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم) وقال ابن عدي عنه(إنما هو حديث أبي صالح عن أبي سعيد) وهذا الحديث هو أمثلها وأحسنها حالا بينما الأحاديث التي لم يتكلم عليها ابن عدي مما أوردها في ترجمة سهيل فيها ما هو معدود من الموضوعات فضلا عن المنكرات! وإنما نص على الخطأ في حديث(لا تسافر المرأة) لأنه تبين فيه وجه الوهم والخطأ، أما المناكير والغرائب في حديث الثقة والصدوق فلم يوقف فيها على وجه الخطأ والوهم ليتم النص عليه، إلا مجرد التفرد الذي يستنكره أئمة الحديث على الراوي وإن كان ثقة.
والدليل على ذلك أن ابن عدي أورد في ترجمة سهيل عن أبيه عن أبي هريرة (من قتل وزغا في أول ضربة كان له من الأجر..) ولم يتكلم عليه بشيء ثم أورد حديثه(فرخ الزنا لا يدخل الجنة) وقال (وهذا أيضا يعرف بسهيل)، والحديث الأول وهو (من قتل وزغا)في صحيح مسلم([44])!
وقد قال الذهبي (ومن غرائب سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة حديث (من قتل وزغا في أول ضربة ) وحديث( فرخ الزنى لا يدخل الجنة)).([45])
وهذا ما فهمه ابن طاهر المقدسي في ذخيرة الحفاظ الذي رتب فيه أحاديث الكامل على حروف المعجم حيث قال(حديث : فرخ الزنا لا يد خل الجنة . رواه سهيل : عن أبيه ، عن أبي هريرة. وهذا يعرف بسهيل ، وهو أحد ما أنكر عليه ).([46])
وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات.([47])
فهذان الحديثان مما أنكرا على سهيل مع إن ابن عدي لم يتكلم عليهما بشيء إلا بقوله (هذا يعرف بسهيل)أي لم يخطأ عليه من رواه عنه بل هو حديثه ثابت عنه معروف به.
وهذا الحديث (لا تبدؤوا المشركين بالسلام) مما أورده ابن عدي في كامله في ترجمة سهيل حيث لم يروه بهذا اللفظ أحد إلا سهيل، ولم يتابعه أحد لا عن أبيه، ولا من حديث أبي هريرة، ولا شاهد له ـ بهذا المعنى ـ عن غير أبي هريرة، وهي نكارة تستوجب التثبت منه، خاصة أنه يعارض نصوصا أخرى أصح منه إسنادا ومعنى!
وليس بالضرورة أن يكون كل حديث غريب أو فيه نكارة ـ حتى مما يورده ابن عدي في كامله للمترجم له ـ ضعيفا، إذ قد تزول النكارة برجوع الحديث إلى أصل يبينه ويزيل عنه الإشكال.
فالنكارة تطلق كثيرا ويراد بها التفرد في حد ذاته بقطع النظر عن القبول أو الرد كما قال اللكنوي(كثيرا ما يطلقون النكارة على مجرد التفرد).([48])
ثم قد تحتمل من الثقة الحافظ وربما ترد أما من دونه فالغالب عند الأئمة التوقف أو الرد حتى تزول النكارة بوجود المتابعات فإذا ردت فالحديث منكر .
فالنكارة في حد ذاتها لا تقتضي الرد كما قال النووي(فإنهم قد يطلقون المنكر على انفراد الثقة بحديث وهذا ليس بمنكر مردود إذا كان الثقة ضابطا متقنا).([49])
وقال ابن الصلاح (وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث)وقد قال شارحه العراقي(فينظر في هذا الراوي المنفرد: فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه كما فيما سبق من الأمثلة. وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده خارما له مزحزحا له عن حيز الصحيح.ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف، وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر).([50])
وإنما ترتفع النكارة بالمتابعات والشواهد كما قال ابن رجب (النكارة لا تزول عند يحيى القطان والإمام أحمد والبرديجي وغيرهم من المتقدمين إلا بالمتابعة وكذلك الشذوذ كما حكاه الحاكم) وعرف النكارة فقال( لم أقف لأحد من المتقدمين على حد المنكر من الحديث وتعريفه ، إلا على ما ذكره أبو بكر البرديجي الحافظ ، وكان من أعيان الحفاظ المبرزين في العلل : ( أن المنكر هو الذي يحدث به الرجل على الصحابة أو عن التابعين عن الصحابة لا يعرف ذلك الحديث ، وهو متن الحديث إلا من طريق الذي رواه فيكون منكراً)ذكر هذا الكلام في سياق ما إذا انفرد شعبة، أو سعيد بن أبي عروبة ، أو هشام الدستوائي بحديث عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهذا كالتصريح بأنه كل ما ينفرد به ثقة عن ثقة ، ولا يعرف المتن من غير ذلك الطريق فهو منكر كما قاله الإمام أحمد في حديث عبدالله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في النهي ، عن بيع الولاء و هبته)... وهذا الكلام يدل على أن النكارة عند يحيى القطان لا تزول إلا بمعرفة الحديث من وجه آخر وكلام أحمد قريب من ذلك...قال البرديجي بعد ذلك : ( فأما أحاديث قتادة الذي يرويها الشيوخ مثل حماد بن سلمة ، وهمام ، وأبان ، والأوزاعي ، ينظر في الحديث ، فإن كان الحديث يحفظ من غير طريقهم عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، أو عن أنس بن مالك من وجه آخر لم يدفع ، وإن كان لا يعرف عن أحد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا من طريق عن أنس إلا من رواية هذا الذي ذكرت لك، كان منكراً ) انتهى كلام ابن رجب.([51])
ولا شك بأن حديث سهيل هذا فيه نكارة تستوجب التثبت فيه مع أنه وفق كلام الأئمة منكر بلا خلاف ـ أما عند ابن معين وأبي حاتم والبخاري فلأنهم لا يحتجون به أصلا بل يضعفونه وأما عند من وثقه فلأنه ليس من الحفاظ الأثبات بلا خلاف كي يقبل تفرده على هذا النحو ـ و لم يتابع عليه ولهذا احتاج إلى إزالة نكارته بالشواهد، ولما كانت الشواهد تخالفه في إطلاقه وتعميمه وجب الجمع بينه وبينها ليستقيم معناه فتزول عنه نكارة لفظه من جهة، ويقوى إسناده من جهة أخرى، حيث إن سهيل ـ كما هو معروف عنه ـ تغير حفظه فقد يكون نسي حديثه فاختصره واضطرب في روايته ولا يزول ذلك الخلل إلا بعرض روايته على الروايات الأخرى التي قد تكشف وجه حديثه هذا.
ووجوب التوقف والتثبت لا يقتضي عدم صحة الحديث كما قال الشيخ طاهر الجزائري (ألا ترى أنهم يقولون إن الحديثين الصحيحين إذا تعارضا ولم يمكن الجمع بينهما ولا ترجيح أحدهما على الآخر توقف فيهما فالتوقف في الحديث لعارض لا يمنع من تسميته صحيحا).([52])
وكذا تخريج مسلم له لا يرفع عنه النكارة إذ القاعدة في ارتفاعها وجود المتابع أو الشاهد كما قال ابن حبان في مقدمة صحيحه(وإني أمثل للاعتبار مثالا يستدرك به ما وراءه وكأنا جئنا إلى حماد بن سلمة فرأيناه روى خبرا عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم لم نجد ذلك الخبر عند غيره من أصحاب أيوب فالذي يلزمنا فيه التوقف عن جرحه والاعتبار بما روى غيره من أقرانه فيجب أن نبدأ فننظر هذا الخبر هل رواه أصحاب حماد عنه أو رجل واحد منهم وحده فإن وجد أصحابه قد رووه علم أن هذا قد حدث به حماد وإن وجد ذلك من رواية ضعيف عنه ألزق ذلك بذلك الراوي دونه، فمتى صح أنه روى عن أيوب ما لم يتابع عليه يجب أن يتوقف فيه ولا يلزق به الوهن بل ينظر هل روى أحد هذا الخبر من الثقات عن ابن سيرين غير أيوب؟فإن وجد ذلك علم أن الخبر له أصل يرجع إليه، وإن لم يوجد ما وصفنا نظر حينئذ هل روى أحد هذا الخبر عن أبي هريرة غير ابن سيرين من الثقات؟ فإن وجد ذلك علم أن الخبر له أصل، وإن لم يوجد ما قلنا نظر هل روى أحد هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه و سلم غير أبي هريرة؟ فإن وجد ذلك صح أن الخبر له أصل ومتى عدم ذلك والخبر نفسه يخالف الأصول الثلاثة علم أن الخبر موضوع لا شك فيه ..). ([53])
الاعتذار عن تخريج مسلم لهذا الحديث:
ولا لوم على مسلم في تخريجه هذا الحديث عن سهيل، فقد أبان مسلم عن منهجه في مقدمة صحيحه فهو يخرج في الباب أولا أحاديث أهل الطبقة الأولى وهم أهل الحفظ والإتقان ويقدم حديثهم احتجاجا، ثم يخرج حديث أهل الطبقة الثانية من أهل العدالة والصدق استشهادا، وربما وقع في أحاديثهم اختلاف فيورده، لبيان ما فيه من اختلاف في لفظه، لا أنه يحتج بكل ما يرويه أو يصححه لهم من الألفاظ.
وسهيل من أهل هذه الطبقة وقد ذكر مسلم حديثه في آخر الباب بعد حديث أنس وعائشة في رد السلام على أهل الكتاب، كما ذكر اختلاف الرواة عليه في هذا اللفظ، وقد اعتذر الحاكم عن مسلم بأنه أكثر من تخريج حديث سهيل في الشواهد لا في الأصول، مع أن أصل هذا الحديث ثابت من حديث أبي بصرة الغفاري وله شاهد من حديث أبي عبد الرحمن الجهني وابن عمر فلا يضر مسلم إذا أخرجه في صحيحه في المتابعات والشواهد وذكر الخلاف في لفظه .
وقد قال مسلم(ثم إنا إن شاء الله مبتدئون في تخريج ما سألت وتأليفه على شريطة سوف أذكرها لك وهو إنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقسمها على ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس ...فأما القسم الأول فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى، من أن يكون ناقلوها أهل استقامة في الحديث، وإتقان لما نقلوا، لم يوجد في روايتهم اختلاف شديد، ولا تخليط فاحش، كما قد عثر فيه على كثير من المحدثين وبان ذلك في حديثهم، فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخبارا يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان كالصنف المقدم قبلهم، على أنهم وإن كانوا فيما وصفنا دونهم فإن اسم الستر والصدق وتعاطى العلم يشملهم، كعطاء بن السائب ويزيد بن أبى زياد وليث بن أبى سليم وأضرابهم من حمال الآثار ونقال الأخبار، فهم وإن كانوا بما وصفنا من العلم والستر عند أهل العلم معروفين فغيرهم من أقرانهم ممن عندهم ما ذكرنا من الإتقان والاستقامة في الرواية يفضلونهم في الحال والمرتبة ..).([54])
فهذا نص مسلم في كونه أدخل في كتابه خاصة في الشواهد حديث الطبقة الثانية ممن يشملهم وصف أهل الأمانة والصدق وإن لم يكونوا من أهل الحفظ والإتقان مما وقع في حديثهم ما وقع فيه من الخلل ما أنزلهم عن رتبة الطبقة الأولى كليث بن أبي سليم وعطاء بن السائب، ولا شك بأن سهيلا من أهل هذه الطبقة، فإذا أخرج له مسلم حديثا في الشواهد أو حديثا فيه خلل في لفظه فذكره وأورد الروايات المختلفة في لفظه، لم يكن في ذلك حجة على مسلم في كونه أخرج كل هذه الألفاظ، ومن ثم فهي كلها صحيحة عنده!
ومن ذلك أنه أخرج رواية شريك في حادثة الإسراء وفيها ألفاظ تخالف ما رواه الحفاظ فقال الصنعاني (قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين بعد ذكر رواية شريك إنه قد زاد فيه زيادة مجهولة وأتى فيه بألفاظ غير معروفة، فقد روى حديث الإسراء جماعة من الحفاظ المتثبتين والأئمة المشهورين كابن شهاب وثابت البناني وقتادة يعني عن أنس، ولم يأت أحد منهم بما أتى به شريك، وشريك ليس بالحفاظ عند أهل الحديث، وكذلك أنكر من حديث شريك قوله إن شق صدره وغسله في تلك الليلة، إذا عرفت هذه الأقاويل عرفت أنه لا اعتراض على مسلم في إيراده لحديث شريك بعد بيانه ما فيه من الزيادة والنقصان والتقديم والتأخير).([55])
وقال ابن الصلاح (شرط مسلم في صحيحه أن يكون الحديث متصل الإسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه سالما من الشذوذ ومن العلة وهذا هو حد الحديث الصحيح في نفس الأمر فكل حديث اجتمعت فيه هذه الأوصاف فلا خلاف بين أهل الحديث في صحته، وما اختلفوا في صحته من الأحاديث فقد يكون سبب اختلافهم انتفاء وصف من هذه الأوصاف بينهم خلاف في اشتراطه كما إذا كان بعض رواة الحديث مستورا أو كما إذا كان الحديث مرسلا وقد يكون سبب اختلافهم في صحته اختلافهم في أنه هل اجتمعت فيه هذه الأوصاف أو انتفى بعضها وهذا هو الأغلب في ذلك، وذلك كما إذا كان الحديث في رواته من اختلف في ثقته وكونه من شرط الصحيح فإذا كان الحديث قد تداولته الثقات غير أن في رجاله أبا الزبير المكي مثلا أو سهيل بن أبي صالح أو العلاء بن عبد الرحمن أو حماد بن سلمة قالوا فيه هذا حديث صحيح على شرط مسلم وليس بصحيح على شرط البخاري لكون هؤلاء عند مسلم ممن اجتمعت فيهم الأوصاف المعتبرة ولم يثبت عند البخاري ذلك .. وقد روينا عن مسلم في باب صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم من صحيحه أنه قال ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا يعني في كتابه الصحيح وإنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه، وهذا مشكل جدا فإنه قد وضع فيه أحاديث قد اختلفوا في صحتها لكونها من حديث من ذكرناه ومن لم نذكره ممن اختلفوا في صحة حديثه ولم يجمعوا عليه..). ([56])
فمسلم إذا أورد الحديث وساق رواياته والخلاف في لفظه فليس هذا تصحيحا منه لكل لفظ وارد فيها بل هو أشبه بالإعلال ببيان ما في الروايات من اختلاف وهذا واضح جلي لمن طالع صحيحه وخبره.
وقد قال أبو مسعود الدمشقي عن زيادة سليمان التيمي في صحيح مسلم (وإذا قرأ فأنصتوا): (إنما أراد مسلم بإخراج حديث التيمي تبيين الخلاف في الحديث على قتادة، لا أنه يثبته).([57])
أي أنه أراد بيان علته والخلاف فيه على راويه قتادة لا إثبات صحته.
وقد أخرج مسلم حديث سهيل هذا في آخر الباب ولم يقدمه بل جعل الأصل في الباب حديث أنس وحديث عائشة ثم جاء بحديث سهيل هذا ونبه على الاختلاف في لفظه فقال (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ح وحدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وأبو كريب قالا حدثنا وكيع عن سفيان ح وحدثنى زهير بن حرب حدثنا جرير كلهم عن سهيل بهذا الإسناد وفى حديث وكيع (إذا لقيتم اليهود) وفى حديث ابن جعفر عن شعبة (قال في أهل الكتاب)وفى حديث جرير (إذا لقيتموهم) ولم يسم أحدا من المشركين).
وقد يكون مسلم لا يرى اختلافا بين حديث سهيل ـ في الجملة ـ والأحاديث الأخرى في الباب كما نبه عليه ابن عبد البر من أن رواية سهيل بمعنى حديث الجهني سواء فقال (...عن أبي عبد الرحمن الجهني قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (إني راكب غدا إلى يهود فلا تبدؤوهم بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم)وروى جماعة من الأئمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى حديث أبي عبد الرحمن الجهني سواء)([58])انتهى كلام ابن عبد البر.
وحديث الجهني واضح وصريح بأنه في قصة حصار بني قريضة فكأن مسلما يرى أن حديث سهيل أو بعض رواياته ـ كرواية وكيع عن الثوري عن سهيل ـ كحديث الجهني وأبي بصرة الغفاري سواء وليس بالضرورة أن يوافق مسلم الفقهاء الذين احتجوا بهذا الحديث على إطلاقه وعمومه.
والمقصود أن تخريج مسلم لحديث في الشواهد مع تنبيهه على الخلاف في لفظه يمنع من الادعاء بأنه يصححه مطلقا وإنما يصححه من حيث الجملة ـ أي أصل الحديث ـ فيما وافق فيه أحاديث الباب لا فيما خالفها فيه من الألفاظ.
كما لا يرفع تخريج مسلم لحديث ما الخلاف فيه إذا كان فيه خلاف سابق بل تبقى القضية اجتهادية ينظر فيها إلى قول كل طرف ويحكم فيها بحسب الأدلة لا بحسب التقليد فليس أبو حاتم ومن معه بأقل من مسلم في هذا الفن، فإذا قال عن سهيل (لا يحتج به) واحتج به مسلم وجب النظر إلى قوله بعين الاعتبار حتى يحكم الدليل بينهما.
المبحث الثاني:النصوص المعارضة ظاهريا لحديث سهيل:
وحديث سهيل هذا يعارض ظاهره أحاديث عامة بإفشاء السلام أصح منه إسنادا وأصرح معنى فمنها:
1 ـ حديث البراء في الصحيحين (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ...وإفشاء السلام).([59])
2ـ حديث عبد الله بن سلام وكان أول شيء قاله النبي صلى الله عليه وسلم أول يوم دخل فيه المدينة (يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام).([60])
3ـ حديث عبد الله بن عمرو أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ قال (تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف).([61])
وهذه الأحاديث المشهورة الصحيحة كلها تفيد العموم وهي موافقة لظاهر القرآن تمام الموافقة كما في قوله تعالى في شأن المشركين(سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين)([62])، وقوله(فاصفح عنهم وقل سلام)([63]) قال ابن جرير الطبري أي( ..(سلام عليكم) ورفع سلام بضمير عليكم أو لكم)([64]).
وفي حديث سهيل تخصيص لعموم هذه النصوص الظاهرة في دلالتها على العموم والشمول، وليس يقوى على تخصيصها إلا نص صحيح ظاهر الدلالة على التخصيص ـ بل إن حديث سهيل ليس مخصصا فقط بل هو ناسخ لحكم الآيات القرآنية الدالة على جواز ابتداء المشركين بالسلام حال الصفح عنهم، حيث رفع حديث سهيل هذا الحكم بالكلية ومنع من ابتداء المشركين وأهل الكتاب بالسلام، وهو حجة من قالوا بالمنع وادعوا النسخ وليس لهم دليل غيره!!
وقد احتج بعموم هذه الآيات جماعة من السلف على مشروعية ابتداء المشركين بالسلام ومن ذلك:
1 ـ عن شعيب بن الحبحاب قال:كنت مع علي بن عبد الله البارقي فمر علينا يهودي أو نصراني فسلم عليه فقال شعيب:قلت إنه يهودي أو نصراني!فقرأ علي آخر سورة الزخرف {وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون.فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون}([65]).([66])
2 ـ عن المسعودي عن عون بن عبد الله قال:سأل محمد بن كعب عمر بن عبد العزيز عن ابتداء أهل الذمة بالسلام فقال:ترد عليهم ولا تبتدئهم.
قلت:فكيف تقول أنت؟ قال:ما أرى بأسا أن نبدأهم!
قلت :لم ؟ قال :لقول الله تعالى {فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون}.([67])
3 ـ ابن عيينة قال يجوز ابتداء الكافر بالسلام لقوله تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين}وقول إبراهيم لأبيه {سلام عليك}([68]).
كما احتج بعموم النصوص القرآنية والنبوية جماعة من الصحابة وسلف الأمة عملا أو قولا منهم:
1ـ أبو أمامة الباهلي:
رواه إسماعيل بن عياش عن محمد بن زياد الألهاني وشرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة (أنه كان لا يمر بمسلم ولا يهودي ولا نصراني إلا بدأه بالسلام)وعن أبي أمامة مرفوعا(أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نفشي السلام).([69])
وفي رواية (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نفشي السلام).([70])
وفي رواية عن محمد بن زياد قال:كنت آخذ بيد أبي أمامة فأنصرف معه إلى بيته فلا يمر بمسلم ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا قال:سلام عليكم !سلام عليكم !سلام عليكم !حتى إذا انتهى إلى باب داره التفت إلينا ثم قال:يا بني أخي (أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نفشي السلام).([71])
وفي رواية عن محمد بن زياد الألهاني عن أبي أمامة الباهلي:أنه كان يسلم على كل من لقيه.قال:فما علمت أحدا سبقه بالسلام إلا يهوديا مرة، اختبأ له خلف أسطوانة فخرج فسلم عليه، فقال له أبو أمامة:ويحك يا يهودي ما حملك على ما صنعت؟ قال:رأيتك رجلا تكثر السلام فعلمت أنه فضل فأحببت أن آخذ به.فقال أبو أمامة:ويحك إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن الله جعل السلام تحية لأمتنا وأمانا لأهل ذمتنا).([72])
والصحيح أن هذا اللفظ موقوف على أبي أمامة قوله، ولا يصح مرفوعا.
2ـ عبد الله بن مسعود:
عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال (أقبلت مع عبد الله ـ ابن مسعود ـ فصحبه دهاقين من أهل الحيرة فلما دخلوا الكوفة أخذوا في طريقهم غير طريقهم فالتفت إليهم فرآهم قد عدلوا فأتبعهم السلام فقلت أتسلم على هؤلاء الكفار؟ فقال (نعم صحبوني وللصحبة حق).([73])
وعن شعبة عن المغيرة وسليمان الأعمش عن إبراهيم عن علقمة:أنه كان رديف عبد الله يعني ابن مسعود على حمار فصحبهم الناس من الدهاقين في الطريق فلما بلغوا قنطرة أخذوا طريقا آخر فالتفت عبد الله فلم ير منهم أحدا فقال أين أصحابنا؟قال:قلت أخذوا الطريق الآخر!فقال عبد الله عليكم السلام! قال:قلت أليس هذا يكره؟قال:( هذا حق الصحبة).([74])
وعن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن تميم بن سلمة قال (مشى مع عبد الله ناس من أهل الشرك فلما بلغ باب القصر سلم عليهم).([75])
3ـ أبو الدرداء وفضالة بن عبيد:
عن إسماعيل بن عياش عن ابن عجلان (أن عبد الله وأبا الدرداء وفضالة بن عبيد كانوا يبدؤون أهل الشرك بالسلام).([76])
4ـ عمار بن ياسر:
عن صلة بن زفر عن عمار بن ياسر قال (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان:الإنفاق من الإقتار، وإنصاف الناس من نفسك، وبذل السلام للعالم)([77])
5 ـ ابن عباس:
عن عمار الدهني عن رجل عن كريب عن ابن عباس أنه كتب إلى رجل من أهل الكتاب:السلام عليك.([78])
6ـ أهل الشام:
عن شعبة عن سهيل بن أبي صالح قال خرجت مع أبي إلى الشام فجعلوا يمرون بصوامع فيها نصارى فيسلمون عليهم فقال أبي لا تبدؤوهم بالسلام فإن أبا هريرة حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تبدؤوهم بالسلام وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيق الطريق).([79]) ورواية (لا تبدؤوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيقه).([80])
فهذه الرواية تدل على أن هذا القول وهو ابتداء أهل الكتاب بالسلام مذهب مشهور شائع في التابعين من أهل الشام وأبو أمامة وأبو الدرداء ممن سكنوا الشام.
وقد حاول ابن عبد البر حمل ذلك على الجواز من فعلهم لا على الاستحباب فتأول حديث (لا تبدؤوا اليهود بالسلام) على معنى (لا يجب عليكم أن تبدؤوا اليهود )حيث قال (وقد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم ، أنهم كانوا يبدءون بالسلام كل من لقوه من مسلم أو ذمي. فالمعنى في ذلك ، والله أعلم ، أنه ليس بواجب أن يبدأ المسلم المار القاعد الذمي ، والراكب المسلم الذمي الماشي، كما يجب ذلك بالسنة على من كان على دينه ، فإن فعل فلا حرج عليه. فكأنه قال صلى الله عليه وسلم (ليس عليكم أن تبدؤوهم بالسلام) بدليل ما روى الوليد بن مسلم عن عروة بن رويم ، قال : رأيت أبا أمامة الباهلي يسلم على كل من لقي من مسلم وذمىّ ، ويقول : هي تحيةٌ لأهل ملتنا، وأمان لأهل ذمتنا، واسم من أسماء الله نفشيه بيننا.ومحال أن يخالف أبو أمامة السنة ، لو صحت في ذلك بل المعنى على تأويلنا والله أعلم ، ومن حجة من ذهب إلى هذا قوله عز وجل : " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ") انتهى كلام ابن عبد البر .([81])
وهو كما ترى صريح في تأويل حديث سهيل ليس على المنع من ابتداء غير المسلم بالسلام بل على معنى أنه ليس ابتداؤهم بالسلام واجبا على المسلمين بل جائز، ولا يخفى ما فيه من تكلف، إذ واضح من فعل أبي أمامة أنه كان يسلم عليهم استحبابا عملا بظاهر حديث(أمرنا بإفشاء السلام)، ولو ذهب ابن عبد البر إلى ما ذهب إليه إسحاق بن راهويه ـ كما سيأتي ـ من تأويله حديث سهيل على أن المراد المنع من بذل الأمان لهم في حال الحرب لما أشكل عليه فعل هؤلاء الصحابة في حال السلم والأمن.
وقد تضمنت بعض الأحاديث العامة في إفشاء السلام أحكاما عدة كحديث (أمرنا بسبع)، وقد احتج الشراح والفقهاء بعموم ألفاظها إلا ما دل الدليل على المنع من التعميم ومن ذلك (يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام) ومعلوم أن صلة الأرحام واجبة ومشروعة حتى مع غير المسلمين منهم كالوالدين إذا كانا غير مسلمين وكذا إطعام الطعام لم يقل أحد بأنه خاص بالمسلمين بل هو عام حتى مع غير المسلمين وهو من أعمال البر بلا خلاف.
كما قال البيهقي(وقد ذكرنا في كتاب السنن الرخصة في الإنفاق عليهم بحق الرحم عند الحاجة وفي عيادتهم إذا مرضوا وهو يرجو إسلامهم وتكفين من مات من رحمه ومواراته ومجازاة من كانت له عنده يد).([82])
وقال القرطبي(اتفقت الملة على أن صلة الرحم واجبة وأن قطيعتها محرمة وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء وقد سألته :أأصل أمي؟ قال (نعم صلي أمك) فأمرها بصلتها وهي كافرة. فلتأكيدها دخل الفضل في صلة الكافر).([83])
وكذا حديث أمرنا بسبع فقد ورد فيه(تشميت العاطس وإبرار القسم ونصرة المظلوم وإفشاء السلام وإجابة الداعي واتباع الجنائز)وفي رواية (ورد السلام).
فهذا عام وجاءت نصوص أخرى تؤكده في حق المسلم على أخيه المسلم لمزيد الاختصاص والعناية ويبقى العام على عمومه ما لم يقم دليل على خلافه، أما إفشاء السلام فواضح وبه عمل جماعة من الصحابة كما سبق ذكره عملا بعموم الكتاب والسنة، وكذا نصرة المظلوم بلا خلاف لمن قدر على نصرته مسلما كان المظلوم أو غير مسلم، وتشميت العاطس ثبت بالنصوص أن النبي كان يشمت يهود بقوله (يهديكم الله ويصلح بالكم)، وإجابة الداعي مشروعة وقد دعا يهودي النبي صلى الله عليه وسلم على طعام فأجابه.
قال ابن عبد البر (قال البراء: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع فذكر منها إجابة الداعي وذكر منها أشياء منها ما هو فرض على الكفاية ومنها ما هو واجب وجوب سنة فكذلك إجابة الدعوة).([84])
وقال الشبيهي المغربي(أمرنا النبي صلى الله عليه بسبع: أي أمر إيجاب أو ندب. بعيادة المريض:وهي مندوبة ولو كان ذميا. واتباع الجنائز: وهو مندوب أيضا إلا إذا لم يوجد من يقوم بالميت، فيصير تجهيزه ودفنه فرض كفاية. وتشميت العاطس: سنة كفاية بشرط الحمد. وإبرار المقسم: مندوب. ونصر المظلوم: واجب لمن قدر عليه ولو كان ذميا).([85])
وقال ابن علان الشافعي (قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: (أمرنا بعيادة المرضى) ندباً في سائر الأوقات فلا تكره إلا إن شقت على المريض (واتباع الجنائز) أي تشييعها والمكث إلى الفراغ من دفنها (وتشميت العاطس) إذا حمد الله تعالى والأمر في هذه الثلاث للندب (وإبرار المقسم) بنحو أقسمت عليك با أو نحو وا لتفعلن كذا فيسن له حيث لا مانع تخليصاً له عن ورطة الاستهتار بحقه في الأول وحنثه في الثاني (ونصر المظلوم) ولو ذمياً يمنع الظالم عن ظلمه وجوباً على من قدر على ذلك بفعله أو قوله وهذا يرجع إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا واجب عيناً تارة وكفاية أخرى).([86])
وقال ابن حجر (قال بن دقيق العيد إذا نظرنا إلى قول من قال من أهل اللغة أن التشميت الدعاء بالخير دخل الكفار في عموم الأمر بالتشميت وإذا نظرنا إلى من خص التشميت بالرحمة لم يدخلوا، قال ولعل من خص التشميت بالدعاء بالرحمة بناه على الغالب، لأنه تقييد لوضع اللفظ في اللغة قلت وهذا البحث أنشأه من حيث اللغة وأما من حيث الشرع فحديث أبي موسى دال على أنهم يدخلون في مطلق الأمر بالتشميت لكن لهم تشميت مخصوص وهو الدعاء لهم بالهداية وإصلاح البال وهو الشأن ولا مانع من ذلك بخلاف تشميت المسلمين فإنهم أهل الدعاء بالرحمة بخلاف الكفار).([87])
وأما اتباع الجنائز فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا أن يواري أباه حين توفي قال العيني(وبه استدل أصحابنا بهذا الحديث على أن المسلم إذا مات له قريب كافر يغسله ويدفنه، وقال صاحب "الهداية":و إن مات الكافر وله ولي مسلم يغسله ويكفنه ويدفنه، بذلك أمرَ علي في حق أبيه أبي طالب).([88])
فهؤلاء شراح الحديث من السلف والخلف نصوا على عموم هذه الأحاديث في المسلم وغير المسلم في بعض هذه الأوامر ولم يشكل عليهم ذلك، ويتحصل من مجموع أقوالهم أنه عام في إفشاء السلام وصلة الأرحام وإطعام الطعام ورد السلام ونصرة المظلوم وعيادة المريض وتشميت العاطس وإجابة الدعوة، فمنها ما الأمر فيه على سبيل الوجوب بالنسبة لغير المسلم كنصرة المظلوم لمن قدر عليه، وصلة الرحم للوالدين ونحوهما، ورد السلام، وتشميت العاطس منهم إذا حمد الله، ومنها ما هو على سبيل الندب والاستحباب كإفشاء السلام، وإطعام الطعام، وإجابة الدعوة، وإتباع الجنازة إذا كان المقصود مواراتها ودفنها ويكون واجبا إذا لم يكن هناك من يدفنه غيره.
وكذا إبرار القسم حيث أن معناه معقول وأن المقصود من ذلك تعظيم الأيمان بالله فالراجح العموم كما قال ابن الجوزي(وأما إبرار القسم فلمعنيين أحدهما لتعظيم المقسم به والثاني لئلا يحنث الحالف). ([89]) وقال العيني(الوجه الخامس في إبرار القسم وهو خاص فيما يحل وهو من مكارم الأخلاق فإن ترتب على تركه مصلحة فلا). ([90])
ومعلوم أن مكارم الأخلاق تكون مع المسلم وغير المسلم كما في الحديث (إنما بعثت لأتمم صالح ـ أو مكارم ـ الأخلاق).([91])
المبحث الثالث:بيان وجه حديث سهيل وكشف علته:
فهذه الآثار عن هؤلاء الصحابة ـ ابن مسعود وأبي أمامة وفضالة بن عبيد وأبي الدرداء ـ كلها تدل على أنهم فهموا العموم من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية ولم يخصصها عندهم شيء، ولم يذكر النووي ولا الحافظ في الفتح ولا ابن عبد البر ولا غيرهم حجة لمن خصصوا عموم هذه النصوص إلا حديث سهيل عن أبيه!
وقد اجتمع فيه ثلاث علل تستوجب التثبت فيه:
الأولى:إن سهيل بن أبي صالح ساء حفظه كما قال البخاري، ولهذا تجنب الاحتجاج به في صحيحه، وقال أبو حاتم ويحيى بن معين لا يحتج به!
الثانية: أنه تفرد به، ولم يتابع على روايته هذه، لا عن أبيه، ولا عن أبي هريرة، حتى ذكر حديثه هذا ابن عدي في الكامل، ولم يرو أحد غير سهيل لفظة(واضطروهم إلى أضيق الطريق)!
الثالثة:أنه ثبت اضطرابه في روايته، فتارة يقول(المشركين)، وتارة(أهل الكتاب)، وتارة (اليهود)، فوجب التثبت منه.
فهل سمع سهيل من أبيه عن أبي هريرة الحديث بلفظ (إذا لقيتم اليهود فلا تبدؤوهم بالسلام) أم سمعه بلفظ(إذا لقيتم أهل الكتاب) أم (إذا لقيتم المشركين) أم (لا تبدؤوهم بالسلام)على الاضمار لقوم معهودين للمخاطبين؟ وهل رواها سهيل بالمعنى واجتهد فيها؟ أم قاس على اليهود أهل الكتاب؟ أم قاس المشركين على أهل الكتاب؟ أم كان الاجتهاد من أبيه في قياس النصارى في الصوامع على يهود بني قريضة حين منع النبي صلى الله عليه وسلم من ابتدائهم بالسلام دون مراعاة الفرق بين المحاربين وغيرهم؟
فهذه الألفاظ ليس كل واحد منها حديثا مستقلا واردا عن الشارع ليجب الجمع بينها ويقال يبقى العام منها وهو (المشركين)على عمومه وذكر بعض أفراده أي (اليهود) و(أهل الكتاب) لا يفيد التخصيص بل مزيد العناية ...الخ
وإنما هو حديث واحد مداره على راو واحد متكلم في حفظه، وقد اختلف عليه أصحابه الحفاظ الأثبات في هذه الألفاظ، ولا يمكن نسبة الخطأ إليهم، فكان الصحيح القول بأنه هو مصدر هذا الاختلاف، حيث اضطرب في روايته تارة يرويه على هذا الوجه، وتارة على ذلك، وتارة على ذاك.
ومما يؤكد أنه خلاف مؤثر كون مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده وغيرهما نبهوا على الخلاف بين أصحاب سهيل بعضهم يقول(اليهود) وبعضهم(أهل الكتاب) وبعضهم (المشركين).
بل إن الرواة عن أصحاب سهيل كانوا يتحققون منهم هل قال سهيل(المشركين) أم (أهل الكتاب)؟ كما فعل أصحاب زهير بن معاوية وجرير بن عبد الحميد لأنهم يدركون الفرق بين مدلول كل لفظ وما يترتب عليه من حكم!
والسؤال هنا هل بين هذه الألفاظ اختلاف في دلالاتها أم لا؟ وهل هو اختلاف مؤثر في الحكم أم لا؟ وهل هو فيما تعم به البلوى أم لا؟
ولا شك بأن بينها اختلافا ظاهرا ومؤثرا يترتب عليه اختلاف في الحكم فيما تعم به البلوى فلفظ المشركين أعمها كلها فيدخل فيه كل من لم يكن مسلما، وأهل الكتاب أخص من المشركين وأعم من اليهود، فيدخل فيه اليهود والنصارى والصابئة على قول من يقول بأنهم من أهل الكتاب، ولفظ اليهود أخص هذه الألفاظ الثلاث كلها، فلا يدخل فيه إلا هذه الطائفة من أهل الكتاب الذين على دين موسى، فليس الاختلاف بينها اختلاف تنوع بل اختلاف تغاير وتباين كما بين العام والخاص.
فإذا ثبت ذلك فإن الحكم يختلف باختلافها فإذا رجحت رواية اليهود ـ دون النظر إلى الشواهد الأخرى ـ فالحكم حينئذ خاص باليهود وإنما قد يلحق بهم غيرهم قياسا عليهم، وقد يرده المخالف بأن النصوص العامة في إفشاء السلام تبقى على عمومها، ويخرج منها اليهود فقط بدلالة هذا الحديث الخاص بهم لشدة إيذائهم وعداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين فاستحقوا عدم ابتدائهم بالسلام .
أما إذا ترجح لفظ (المشركين) فيكون المنع عاما من ابتداء غير المسلمين بالسلام على اختلاف مللهم وأديانهم.
ولا يصلح الاحتجاج بأن أبا صالح والد سهيل كان يمر بصوامع النصارى ويقول لا تبدؤوهم بالسلام ..الخ
لأن هذا قد يكون اجتهادا منه والمطلوب هو لفظ روايته لا رأيه، وروايته لم يروها عنه إلا ولده سهيل واضطرب فيها ومما يؤكد ذلك قول الرواة عنه كجرير بن عبد الحميد (قال هذا للنصارى في النعت ونحن نراه للمشركين)، وقول زهير بن معاوية حين سأله علي بن الجعد عن لفظ سهيل قلت لزهير:(اليهود والنصارى؟ قال المشركين).
وقد رواه جماعة من الصحابة بلفظ آخر يدل على وجه الحديث، ويكشف عن وهم سهيل وأنه قد يكون اختصره ورواه بالمعنى فلم يضبطه، أو يكون نسيه، فقد رواه:
1 ـ أبو عبدالرحمن الجهني:
رواه محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي عبد الرحمن الجهني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إني راكب غدا إلى اليهود فلا تبدؤوهم بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم).([92])
2 ـ أبو بصرة الغفاري:
رواه محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد عن أبي بصرة الغفاري سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال :(إني راكب غدا إلى يهود فلا تبدؤوهم بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم).([93])
ورواه ابن لهيعة قال ثنا يزيد بن أبى حبيب عن أبى الخير ـ مرثد اليزني ـ قال سمعت أبا بصرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إنا غادون إلى يهود فلا تبدؤوهم بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم).([94]) وفي رواية عن أبي بصرة:قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إنا ذاهبون غدا إلى اليهود فإذا لقيتموهم فسلموا عليكم فقولوا وعليكم ) فلقيناهم وسلموا علينا فقلنا وعليكم. ([95])
ورواه عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبى حبيب عن أبى بصرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إنا غادون على يهود فلا تبدؤوهم بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم).([96])
وفي رواية عن عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي بصرة الغفاري :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم :( إني راكب إلى يهود فمن انطلق معي منكم فلا تبدؤوهم بالسلام فإن سلموا فقولوا وعليكم) فلما جئناهم سلموا علينا فقلنا وعليكم.([97])
والحديث صحيح على كل حال ولا يضره الاختلاف في اسم الصحابي، سواء كان الغفاري أو الجهني، هذا إذا لم يثبت عنهما جميعا، كما رواه محمد بن إسحاق عن يزيد بن حبيب عل الوجهين.
3 ـ عبد الله بن عمر :
رواه البيهقيقال ـ الثوري ـ
رواه سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إنكم لاقون اليهود غدا، فلا تبدؤوهم بالسلام، فإن سلموا عليكم فقولوا وعليك).
قال البيهقي:أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث سفيان. ([98])
وأصله في البخاري ومسلم مختصرا من حديث مالك عن ابن دينار عن ابن عمر بلفظ (إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليك فقل وعليك).([99])
ورواه البخاري أيضا ـ من حديث سفيان ومالك ـ بلفظ( إن اليهود إذا سلموا على أحدكم إنما يقولون سام عليك فقل عليك). ([100])
ورواه مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر عن ابن دينار به بلفظ(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن اليهود إذا سلموا عليكم يقول أحدهم السام عليكم فقل عليك) وعن سفيان بلفظ(فقولوا وعليك).([101])
ورواه ابن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن سفيان ـ الثوري ـ عن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن اليهود إذا لقوكم وقالوا السام عليكم فقولوا لهم وعليكم).([102])
ورواه أحمد قال ثنا سفيان ـ ابن عيينة ـ سمعته من ابن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا سلم عليك اليهودي فإنما يقول السام عليك فقل وعليك)وقال مرة (إذا سلم عليكم اليهود فقولوا وعليكم فإنهم يقولون السام عليكم). ([103])
ورواه أيضا أحمد فقال ثنا وكيع ثنا سفيان وعبد الرحمن عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن اليهود إذا لقوكم قالوا السام عليكم فقولوا وعليكم).([104])
ولفظ ابن أبي شيبة صريح في أنه رتب الحكم وهو قوله(فقولوا لهم وعليكم) على السبب وهو قوله(إن اليهود إذا لقوكم وقالوا السام عليكم).
فهذه الروايات من حديث ابن عمر قد تكون مختصرة، اختصرها ابن دينار، وبينتها رواية الثوري عنه المطولة عند البيهقي(إنكم لاقون اليهود غدا، فلا تبدؤوهم بالسلام، فإن سلموا عليكم فقولوا وعليك).
وقد يكون ابن دينار يروي الحديثين عن ابن عمر المطول كما رواه الثوري في قصة بني قريظة، والمختصر في قصة اليهودي الذي قال السام عليكم، كما سيأتي بيانه في حديث عائشة وجابر وأنس.
ويشهد لروايته المطولة حديث أبي بصرة الغفاري(إني راكب غدا إلى يهود فلا تبدؤوهم بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم)، وحديث الجهني( إني راكب غدا إلى اليهود فلا تبدؤوهم بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم).
فهذه هي القصة التي ورد فيها هذا الحديث ـ الذي تصرف بعض الرواة باختصاره ـ حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم لحصار اليهود، ولا يبعد أن يكون سهيل أيضا قد اختصره فأخل بمعناه، وقد تنبه ابن عبد البر إلى أن رواية سهيل بمعنى حديث الجهني سواء فقال([105])(..عن أبي عبد الرحمن الجهني قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إني راكب غدا إلى يهود فلا تبدؤوهم بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم)وروى جماعة من الأئمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى حديث أبي عبد الرحمن الجهني سواء).
فهذه الأحاديث الصحيحة عن هؤلاء الصحابة كلها جاءت في حادثة خروج النبي صلى الله عليه وسلم لحصار يهود بني قريضة بعد خيانتهم في غزوة الخندق، فأمر الصحابة أن لا يبدؤوهم بالسلام، وأن يضطروهم إلى أضيق الطريق، لأنهم أهل حرب، وفي رد السلام عليهم بذل للأمان لهم، ففسرت هذه الأحاديث الإجمال الوارد في حديث أبي هريرة الذي لم يشهد الحادثة لكونه أسلم بعدها بسنتين في السنة السابعة للهجرة، بينما حصار بني قريضة بعد الخندق في السنة الخامسة، فليس هذا الحديث على عمومه في المشركين ولا في عموم أهل الكتاب، بل ولا في كل اليهود، ولا على إطلاقه بل هو في حال الحرب مع أهل الحرب، فلا يدخل فيه أهل ذمتنا، ولا المعاهد ولا المسالم من أهل الشرك.
وقد فسر إسحاق بن راهويه هذا الحديث بأن المراد منه منع بذل الأمان لليهود حين خرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم لحصارهم، لكونهم أهل حرب قال إسحاق(إذا كانت حاجة إليه فلك أن تبدأه بالسلام، ومعنى قول النبي (لا تبدؤوهم بالسلام)لما خاف أن يدعوا ذلك أمانا وكان قد غدا إلى يهود).([106])
وكذا فسر شيخ الإسلام ابن تيمية سبب ورود حديث النهي عن بدء اليهود بالسلام كما نقله عنه ابن القيم (أما قول النبي لا تبدؤوهم بالسلام، وهذا لما ذهب إليهم ليحاربهم وهم يهود قريظة فأمر ألا يبدؤوا بالسلام، لأنه أمان وهو قد ذهب لحربهم، سمعت شيخنا يقول ذلك).([107])
وقال ابن القيم (قد قيل إن هذا في قضية خاصة حين ساروا إلى بني قريضة قال (لا تبدؤوهم بالسلام) فهل هذا حكم عام لأهل الذمة مطلقا؟أم يختص بمن حاله مثل حال أولئك؟هذا موضع نظر، ولكن قد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه)والظاهر أن هذا حكم عام، وقد اختلف السلف والخلف في ذلك فقال أكثرهم :لا يبدؤون بالسلام وذهب آخرون إلى جواز ابتدائهم كما يرد عليهم، روي ذلك عن ابن عباس وأبي أمامة وابن محيريز وهو وجه في مذهب الشافعي رحمه الله لكن صاحب هذا الوجه قال :يقال له: السلام عليك فقط بدون ذكر الرحمة وبلفظ الإفراد :وقالت: طائفة :يجوز الابتداء لمصلحة راجحة من حاجه تكون له إليه أو خوف من أذاه أو لقرابة بينهما أو لسبب يقتضي ذلك، يروى ذلك عن إبراهيم النخعي وعلقمة وقال الأوزاعي:إن سلمت فقد سلم الصالحون وإن تركت فقد ترك الصالحون.واختلفوا في وجوب الرد عليهم فالجمهور على وجوبه وهو الصواب، وقالت طائفة :لا يجب الرد عليهم كما لا يجب على أهل البدع وأولى، والصواب الأول والفرق أنا مأمورون بهجر أهل البدع تعزيرا لهم وتحذيرا منهم بخلاف أهل الذمة) ([108])انتهى كلامه.
وما ذكره إسحاق ابن راهويه وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم في بيان سبب ورود الحديث هو الصحيح الذي تشهد له الروايات الصحيحة.
وقد بوب البخاري باب(التسليم في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين) وأخرج فيه حديث أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب يعود سعد بن عبادة بعد غزوة بدر وأنه(مر في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود وفيهم عبد الله بن أبي ابن سلول، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه ثم قال لا تغبروا علينا، فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبي ابن سلول أيها المرء لا أحسن من هذا إن كان ما تقول حقا، فلا تؤذنا في مجالسنا، وارجع إلى رحلك فمن جاءك منا فاقصص عليه).([109])
ورواه البيهقي بلفظ (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بمجلس فيه أخلاط من المسلمين واليهود والمشركين عبدة الأوثان فسلم عليهم أجمعين)قال البيهقي أخرجاه في الصحيح.([110])
وهو في مصنف عبد الرزاق دون قوله(أجمعين). ([111])
وهذه سنة فعلية تؤكد عموم الآيات القرآنية ومشروعية ابتداء غير المسلمين بالسلام، والقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصد بالسلام المسلمين منهم فقط فيه نظر، وهو تكلف لا يؤيده ظاهر الحديث، إذ الظاهر أن المجلس كان لعبد الله بن أبي بن سلول، وهو رأسهم ورئيسهم، وهم الأكثر فيه، وفي وقوف النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ودعوتهم للإسلام وقراءة القرآن أوضح دليل على أنه إنما وقف وسلم عليهم ليدعوهم للإسلام لا ليجلس معهم، وكل من تكلفوا الجمع والتأويل إنما حملهم على ذلك حديث سهيل عن أبيه(لا تبدؤوا المشركين بالسلام).([112])
ويشهد لهذه السنة الفعلية أيضا حديث أبي هريرة في الصحيحين قال الله يا آدم(اذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يجيبونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، قال فذهب فقال:السلام عليكم!فقالوا السلام عليك ورحمة الله!قال فزادوه ورحمة الله).([113])
فهذا صريح في كون هذه التحية عامة، تحية آدم وذريته من بعده، يحيي بها بنو آدم بعضهم بعضا.
فكل ما سبق ذكره من أدلة قرآنية وأحاديث نبوية صحيحة مشهورة ترجح ما ذهب إليه أبو أمامة الباهلي وعبد الله بن مسعود وفضالة بن عبيد وأبو الدرداء وابن عباس رضي الله عنهم ومن قال بقولهم في جواز ابتداء غير المسلمين بالسلام، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة اللهم ما يروى عن :
1 ـ ابن عمر أنه (مر بنصراني فسلم عليه فرد عليه فأخبر أنه نصراني فلما علم رجع إليه فقال رد علي سلامي) ([114])، قال الشيخ الألباني (رجاله ثقات غير عبد الرحمن بن محمد بن زيد بن جدعان مجهول الحال، وله شاهد من حديث عقبة بن عامر الجهني).([115])
ولفظه عند البيهقي من طريق ابن وهب عن السري بن يحيى (فقال رد علي سلامي قال له نعم! لقد رددته عليك قال ابن عمر أكثر الله مالك و ولدك).
وقد رواه عبدالرزاق عن معمر عن قتادة (أن ابن عمر سلم على يهودي لم يعرفه فأخبر فرجع فقال رد علي سلامي فقال قد فعلت).([116])
2 ـ أثر عقبة بن عامر:(أنه مر برجل هيأته هيأة مسلم فسلم فرد عليه وعليك ورحمة الله وبركاته، فقال له الغلام إنه نصراني!فقام عقبة فتبعه حتى أدركه فقال إن رحمة الله وبركاته على المؤمنين، لكن أطال الله حياتك وأكثر مالك وولدك)!
وفي رواية (أنه مر برجل هيئته هيئة رجل مسلم، فسلم، فرد عليه عقبة:وعليك ورحمة الله وبركاته!فقال له الغلام أتدري على من رددت؟فقال أليس برجل مسلم فقالوا لا ولكنه نصراني!فقام عقبة فتبعه حتى أدركه فقال:إن رحمة الله وبركاته على المؤمنين، لكن أطال الله حياتك وأكثر مالك).([117])
وهذه قصة ابن عمر نفسها التي رواه ابن وهب أيضا، فتارة يرويها عن ابن عمر وتارة عن عقبة بن عامر! غير إنه في حديث عقبة كان الباديء بالسلام النصراني، وإنما رجع عقبة في زيادته بالرد عليه(ورحمة الله وبركاته)، لا في رد السلام كله، ولهذا علل ذلك بقوله(إن رحمة الله وبركاته على المؤمنين، لكن أطال الله حياتك وأكثر مالك)، بينما في قصة ابن عمر كان ابن عمر الباديء، ورجع عن السلام نفسه!
والظاهر أن القصة لا تكاد تثبت إلا عن ابن عمر.
المبحث الرابع: الأحاديث الواردة برد السلام على غير المسلمين:
وقد جاء في الاقتصار في الرد على اليهود إذا سلموا بـ (وعليكم) أحاديث أخرى غير حديث أبي بصرة الغفاري وأبي عبد الرحمن الجهني منها:
1ـ حديث ابن عمر في الصحيحين كما سبق تخريجه، وقد رواه أيضا أحمد قال ثنا سفيان ـ ابن عيينة ـ سمعته من ابن دينار عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم :(إذا سلم عليك اليهودي فإنما يقول السام عليك! فقل وعليك!وقال مرة :إذا سلم عليكم اليهود فقولوا وعليكم، فإنهم يقولون السام عليكم). ([118])
2ـ وحديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليكم!قالت عائشة ففهمتها فقلت وعليكم السام واللعنة!قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مهلا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله ) فقلت يا رسول الله أو لم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قد قلت وعليكم).([119]) وفي رواية(أن يهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليكم فقالت عائشة عليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم . قال ( مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش )، قالت أو لم تسمع ما قالوا؟ قال ( أو لم تسمعي ما قلت ؟ رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في).([120])
3 ـ وحديث جابر بن عبدالله قال:سلم ناس من يهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليك يا أبا القاسم فقال (وعليكم) فقالت عائشة وغضبت ألم تسمع ما قالوا؟ قال (بلى قد سمعت فرددت عليهم وإنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا).([121])
4 ـ حديث أنس بن مالك قال:مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال السام عليك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وعليك)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتدرون ما يقول؟ قال السام عليك)، قالوا يا رسول الله ألا نقتله ؟ قال(لا إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم).([122])
وفي رواية عن أنس:أن يهوديا مر على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال السام عليكم!فرد عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما قال السام عليكم)فأخذ اليهودي فجيء به فاعترف قال النبي صلى الله عليه وسلم (ردوا عليهم ما قالوا).([123])وفي رواية(ردوا عليه كما قال).([124])
أي اقتصروا على ذلك ولا تقتلوه كما أراد بعض الصحابة.
فهذه الأحاديث الصحيحة ليس فيها كلها إلا مشروعية الرد بالمثل بقوله(وعليكم)أي وعليكم ما تقولون خيرا أو شرا، والحكم فيها معلل حيث قال(إذا سلم عليك اليهودي فإنما يقول السام عليك! فقل وعليك!وقال مرة:(إذا سلم عليكم اليهود فقولوا وعليكم، فإنهم يقولون السام عليكم)، والفاء لترتيب الحكم المذكور على سببه، وفي الحديث تعليل صريح للحكم(فإنهم يقولون السام عليكم)، كما في هذه الأحاديث نهي عن الفحش والتفحش وهو الزيادة بالرد عليهم كما فعلت عائشة بقولها(عليكم السام والذام)(يا أخوان القردة والخنازير..)، كما لم يأذن للصحابة بقتل أو إيذاء من قال ذلك من أهل الكتاب، وأمر بالرفق بهم!
ولا يفهم من هذه الأحاديث العموم ولا الإطلاق، وإنما هي فيمن يسلم على المسلمين بصيغة الذم أو الدعاء بالشر، فيقتصر عليه بقول(وعليكم) على سبيل المجازاة والمعاملة بالمثل، دون الاضطرار للفحش والتفحش، وهذا من أدب الإسلام، ومكارم الأخلاق التي جاء بها، أما من سلم أو حيا تحية طيبة، فالواجب الرد بأحسن منها أو بمثلها، ولا يحتج بهذه الأحاديث على الاقتصار بقوله(وعليكم)كما ذهب إليه الجمهور، فهذا معارض لعموم قوله تعالى{وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها}. ([125])
فالواجب بنص الكتاب الرد بالمثل أو بالأحسن، لا الاقتصار على الأدنى كقول(وعليكم)، إذ هذا خاص فيمن قال السام عليكم ونحوها، وليست هذه أصلا تحية فلا تدخل في عموم الآية ـ إذ التحية هي الدعاء بالحياة ـ بل السام دعاء بالشر، فيقتصر في الرد عليها بقول(وعليك)أو (وعليكم)أي ما قلتم.
قال ابن جرير الطبري:({وإذا حييتم بتحية} إذا دعي لكم بطول الحياة والبقاء والسلامة {فحيوا بأحسن منها أو ردوها}يقول:فادعوا لمن دعا لكم بذلك بأحسن مما دعا لكم {أو ردوها} يقول:أو ردوا التحية).([126])
وقد اختصر بعض رواة حديث أنس هذا فرووه مختصرا دون ذكر القصة فأخلوا بالمعنى :
فرواه أحمد ثنا هشيم أنبأنا عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن جده أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم).([127])
ورواه أحمد ثنا يحيى عن شعبة ثنا قتادة وابن جعفر قالا ثنا شعبة قال سمعت قتادة عن أنس قال سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا :إن أهل الكتاب يسلمون علينا فكيف نرد عليهم؟ قال (فقولوا وعليكم) وحجاج مثله، قال شعبة لم أسأل قتادة عن هذا الحديث هل سمعته من أنس؟([128])
وقتادة مدلس مشهور بالتدليس([129])، ولم يوقفه شعبة على السماع، وكأنه يشك في سماعه لهذا الحديث بهذا اللفظ المختصر من أنس، لأن لفظه عام وكأن الصحابة يسألون عن حكم الرد على أهل الكتاب عموما، فأمرهم أن لا يزيدوا على (وعليكم)، مع إنه إنما قال ذلك فيمن قال السام عليكم، لا في حق كل من سلم من أهل الكتاب كما يوهمه هذا اللفظ المشكل!
ولهذا لم يخرج البخاري ولا مسلم هذا الحديث من طريق قتادة عن أنس مع جلالته!
ورواه أحمد أيضا ثنا إسماعيل بن علية أنا ابن عون عن حميد بن زادويه قال قال أنس بن مالك (نهينا أو قال :أمرنا أن لا نزيد أهل الكتاب على وعليكم).([130])
فهذه الروايات مختصرة من الرواية المطولة عن أنس في قصة اليهودي الذي سلم وقال السام عليكم، فأراد بعض الصحابة الفتك به وقتله، فنهاهم النبي عن ذلك، وأمرهم أن لا يزيدوا على قولهم(وعليكم)، أي لا يزيدوا في الاعتداء عليه ولا يفحشوا معه بالقول، وأن يقتصروا على ذلك، فاختصره بعض الرواة، واجتزأه من سياق القصة، وصار(أمرنا أن لا نزيد أهل الكتاب على وعليكم) ففهم منه أنه نهاهم عن زيادة (السلام) بعد قول(وعليكم)أو زيادة(ورحمة الله وبركاته)، مع أنه إنما نهاهم عن الزيادة بالفحش والسب كما فعلت عائشة، وأمرهم بالاقتصار على (وعليكم)!
المبحث الخامس: في بيان القول الراجح:
والصحيح من هذه الأحاديث كلها أنه لا يمنع من ابتداء أحد بالسلام من غير المسلمين إلا في حال واحدة وهي حال الحرب، حتى لا يكون أمانا، تترتب عليه أحكام الأمان، أما ما عدا ذلك فيستحب إفشاء السلام على كل أحد مسلم كان أو غير مسلم، كما جاء عن أكثر الصحابة الذين ورد عنهم قول في هذه المسألة رضي الله عنهم.
وقد رجح القرطبي([131]) أن ظاهر القرآن مع من جواز الابتداء بالسلام عليهم لعموم النصوص فقال(وجوز تحية الكافر وأن يبدأ بها ـ بعض السلف ـ قيل لابن عيينة:هل يجوز السلام على الكافر؟ قال: نعم !قال الله تعالى:{لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}[الممتحنة: 8] وقال:{ قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم}[الممتحنة: 4] الآية، وقال إبراهيم لأبيه:{سلام عليك}قلت:الأظهر من الآية ما قاله سفيان بن عيينة). ([132])
ثم لم يجد القرطبي ما يدفع به هذا القول إلا حديث سهيل حيث قال(وفي الباب حديثان صحيحان:روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه ) خرجه البخاري ومسلم ـ كذا قال القرطبي وهو وهم فإن البخاري لم يخرجه ـ وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد:(أن النبي صلى الله عليه وسلم ...مر في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفيهم عبد الله بن أبي ابن سلول، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه ثم قال:لا تغبروا علينا!
فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم).فالأول يفيد ترك السلام عليهم ابتداء لأن ذلك إكرام والكافر ليس أهله، والحديث الثاني يجوز ذلك، قال الطبري:ولا يعارض ما رواه أسامة بحديث أبي هريرة فإنه ليس في أحدهما خلاف للآخر، وذلك أن حديث أبي هريرة مخرجه العموم، وخبر أسامة يبين أن معناه الخصوص، وقال النخعي:إذا كانت لك حاجة عند يهودي أو نصراني فابدأه بالسلام.فبان بهذا أن حديث أبي هريرة (لا تبدؤوهم بالسلام)إذا كان لغير سبب يدعوكم إلى أن تبدؤوهم بالسلام من قضاء ذمام أو حاجة تعرض لكم قبلهم أو حق صحبة أو جوار أو سفر.قال الطبري:وقد روي عن السلف أنهم كانوا يسلمون على أهل الكتاب، وفعله ابن مسعود بدهقان صحبه في طريقه، قال علقمة:فقلت له يا أبا عبد الرحمن أليس يكره أن يبدؤوا بالسلام؟! قال:نعم ولكن حق الصحبة([133])، وكان أبو أمامة إذا انصرف إلى بيته لا يمر بمسلم ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا سلم عليه فقيل له في ذلك فقال:أمرنا أن نفشي السلام.وسئل الأوزاعي عن مسلم مر بكافر فسلم عليه فقال:إن سلمت فقد سلم الصالحون قبلك، وإن تركت فقد ترك الصالحون قبلك، وروي عن الحسن البصري أنه قال:إذا مررت بمجلس فيه مسلمون وكفار فسلم عليهم)([134]) انتهى كلام القرطبي.
وكذلك يجب الرد على من سلم من المشركين على القول الراجح وبه قال الجمهور، قال القرطبي (العاشرة:واختلف في رد السلام على أهل الذمة هل هو واجب كالرد على المسلمين وإليه ذهب ابن عباس والشعبي وقتادة تمسكا بعموم الآية وبالأمر بالرد عليهم في صحيح السنة).([135])
كما لا يقتصر في الرد على (وعليكم) إلا في حالتين فقط :
الأولى : في حالة الحرب، فلا يجابون ـ إذا ابتدؤوه ـ بقول(وعليكم السلام)، لأنه أمان يترتب عليه ما يترتب على الأمان من أحكام، وهو ينافي حال الحرب معهم، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غزوة بني قريظة: (إني راكب إلى يهود فمن انطلق معي منكم فلا تبدؤوهم بالسلام فإن سلموا عليكم فقولوا وعليكم فلما جئناهم سلموا علينا فقلنا وعليكم).
وهذا ما دل عليه حديث أبي بصرة وأبي عبد الرحمن الجهني وحديث الثوري عن ابن دينار عن ابن عمر عند البيهقي مطولا مفصلا.
فلا يبدؤون بالسلام ولا يرد عليهم بالسلام لكونه أمانا ينافي حال الحرب.
الثانية:إذا سلموا بصيغة الدعاء بالشر كقولهم (السام عليكم)، فيرد عليهم بلفظ (وعليكم)، على سبيل المجازاة بلا فحش ـ كما قال صلى الله عليه وسلم ـ في رواية سفيان بن عيينة عن ابن دينار ـ :(إذا سلم عليك اليهودي فإنما يقول السام عليك! فقل وعليك!وقال مرة ـ أي سفيان أو شيخه ـ:(إذا سلم عليكم اليهود فقولوا وعليكم، فإنهم يقولون السام عليكم).
وأصرح منها رواية سفيان الثوري ـ عند ابن أبي شيبة ـ عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن اليهود إذا لقوكم وقالوا السام عليكم فقولوا لهم وعليكم).
وهذا ما دل عليه حديث عائشة وجابر وأنس وعبد الله بن عمر.
أما ما عدا ذلك، فإذا حيوا بتحية طيبة، فالمأمور به بنص الكتاب الرد بالأحسن وهو الأفضل كما يفيده تقديم ذلك في سياق الآية([136]) أو ردها كما هي، وعدم الاقتصار على ما هو دونها كما هو ظاهر قوله تعالى{وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها}([137]).
وهذا قول ابن عباس قال:ردوا السلام على من كان يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا ذلك بأن الله يقول{وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها}.([138])
وكذلك يدخل في عموم الآية إذا قال المشرك (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) وجب الرد بمثل ذلك، كما صح عن ابن عباس أيضا:قال:لو قال لي فرعون:بارك الله فيك قلت:وفيك وفرعون قد مات.([139])
وقد أورده البخاري في الأدب المفرد في باب(كيف يدعو للذمي)، فمقصود ابن عباس بيان مشروعية الدعاء لغير المسلم بالبركة والخير، كما ورد عن ابن عمر وعقبة بن عامر في أنهما دعيا لذمي(أكثر الله مالك وولدك)، وهي البركة الدنيوية!
قال ابن القيم (فصل:كيف نرد عليهم إذا تحقق لدينا أنهم قالوا السلام عليكم؟ فلو تحقق السامع أن الذمي قال له (سلام عليكم) لا شك فيه فهل له أن يقول (وعليك السلام) أو يقتصر على قوله (وعليك)؟فالذي تقتضيه الأدلة الشرعية وقواعد الشريعة أن يقال له (وعليك السلام) فإن هذا من باب العدل والله يأمر بالعدل والإحسان، وقد قال تعالى {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أوردوها} فندب إلى الفضل وأوجب العدل، ولا ينافي هذا شيئا من أحاديث الباب بوجه ما، فإنه إنما أمر بالاقتصار على قول الراد (وعليكم) بناء على السبب المذكور الذي كانوا يعتمدونه في تحيتهم وأشار إليه في حديث عائشة رضي الله عنها فقال (ألا ترينني قلت وعليكم لما قالوا السام عليكم) ؟ ثم قال (إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم) والاعتبار وإن كان لعموم اللفظ فإنما يعتبر عمومه في نظير المذكور لا فيما يخالفه، قال تعالى {وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول} فإذا زال هذا السبب وقال الكتابي (سلام عليكم ورحمة الله) فالعدل في التحية يقتضي أن يرد عليه نظير سلامه)([140]) انتهى كلامه.
فالدعاء لغير المسلمين بالخير والصلاح والرزق والبركة جائز كما في قوله تعالى في شأن الوالدين وإن كانا مشركين{واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا}([141])
قال الطبري (وقد تأول قوم قول الله:{ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى}([142]) الآية أن النهي من الله عن الاستغفار للمشركين بعد مماتهم لقوله:{من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}وقالوا:ذلك لا يتبينه أحد إلا بأن يموت على كفره وأما وهو حي فلا سبيل إلى علم ذلك فللمؤمنين أن يستغفروا لهم.
ذكر من قال ذلك:حدثنا سليمان بن عمر الرقي حدثنا عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري عن الشيباني عن سعيد بن جبير([143]) قال:مات رجل يهودي وله ابن مسلم لم يخرج معه فذكر ذلك لابن عباس فقال:كان ينبغي له أن يمشي معه ويدفنه ويدعو له بالصلاح ما دام حيا فإذا مات وكله إلى شأنه! ثم قال:{وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه} لم يدع.
حدثنا ابن وكيع قال حدثنا فضيل عن ضرار بن مرة عن سعيد بن جبير قال:مات رجل نصراني فوكله ابنه إلى أهل دينه فأتيت ابن عباس فذكرت ذلك له فقال:ما كان عليه لو مشى معه وأجنه واستغفر له؟ ثم تلا:{وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه} الآية)([144]).
وقال الحافظ ابن حجر (أخرج أبو داود وصححه الحاكم([145]) من حديث أبي موسى الأشعري قال كانت اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول يرحمكم الله فكان يقول (يهديكم الله ويصلح بالكم) قال بن دقيق العيد إذا نظرنا إلى قول من قال من أهل اللغة أن التشميت الدعاء بالخير دخل الكفار في عموم الأمر بالتشميت، وإذا نظرنا إلى من خص التشميت بالرحمة لم يدخلوا، قال ولعل من خص التشميت بالدعاء بالرحمة بناه على الغالب لأنه تقييد لوضع اللفظ في اللغة.قلت ـ أي ابن حجر ـ وهذا البحث أنشأه من حيث اللغة، وأما من حيث الشرع فحديث أبي موسى دال على أنهم يدخلون في مطلق الأمر بالتشميت، لكن لهم تشميت مخصوص وهو الدعاء لهم بالهداية وإصلاح البال، وهو الشأن، ولا مانع من ذلك بخلاف، تشميت المسلمين فإنهم أهل الدعاء بالرحمة بخلاف الكفار) ([146]) انتهى.
وهذا فيه نظر أيضا فإن الرحمة قد تكون أيضا دنيوية، كالدعاء بصلاح البال لغير المسلم إذا عطس، وقد أمر القرآن بالدعاء للوالدين بالرحمة وإن كانا مشركين ماداما حيين، قال القرطبي في آية{وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا}(وقيل:ليس هذا موضع نسخ فهو دعاء بالرحمة الدنيوية للأبوين المشركين ما داما حيين، كما تقدم، أو يكون عموم هذه الآية خص بتلك لا رحمة الآخرة، لاسيما وقد قيل إن قوله {وقل رب ارحمهما} نزلت في سعد بن أبي وقاص فإنه أسلم فألقت أمه نفسها في الرمضاء متجردة فذكر ذلك لسعد فقال:لتمت فنزلت الآية، وقيل:الآية خاصة في الدعاء للأبوين المسلمين، والصواب أن ذلك عموم) ([147]) انتهى.
بل إن الدعاء لهم بلفظ (يهديكم الله ويصلح بالكم)، قد يكون أفضل من يرحمكم الله أو يغفر الله لكم، قال ابن عبد البر (واختار الطحاوي قوله (يهديكم الله ويصلح بالكم) لأنه أحسن من تحيته ـ أي قول المشمت يرحمكم الله أو يغفر الله لكم ـ لأن حال من هدي وأصلح باله فوق المغفور له).([148])
وقال الحافظ ابن حجر (وقد أخذ به الطحاوي من الحنفية واحتج له بقول الله تعالى {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها} قال والذي يجيب بقوله (غفر الله لنا ولكم) لا يزيد المشمت على معنى قوله (يرحمك الله) لأن المغفرة ستر الذنب، والرحمة ترك المعاقبة عليه، بخلاف دعائه له بالهداية والإصلاح فإن معناه أن يكون سالما من مواقعة الذنب صالح الحال فهو فوق الأول فيكون أولى).
والمقصود أن الرد بالمثل على من سلم من المشركين وقال(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) يقتضي أن يقول الراد(وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته)، ولا يحتج بحديث اليهود وتعاطسهم عند النبي صلى الله عليه وسلم وقوله لهم(يهديكم الله ويصلح بالكم)، فهذه سنة في تشميت غير المسلمين، بالدعاء لهم بالهداية وصلاح الحال، وهو الدعاء نفسه الذي يقوله العاطس المسلم لمن شمته من المسلمين، حين يقول(يرحمك الله) فيجاب بلفظ(يهديكم الله ويصلح بالكم)، فلا يقاس عليها السلام المأمور فيه بنص الكتاب برده بأحسن منه أو بمثله.
خاتمة البحث
وختاما فقد درس الباحث دراسة حديثية نقدية حديث سهيل (لا تبدؤوا المشركين بالسلام)وهو راو مختلف فيه فمن الأئمة من وثقه كأحمد ومسلم الذي أخرج له فعيب عليه أخراج حديثه ـ كما ذكره الحاكم ـ ومن الأئمة من ضعفه وترك الاحتجاج به كابن معين وأبي حاتم والبخاري ولم يخرج له في صحيحه احتجاجا وعاب الدارقطني عليه ذلك أيضا.
ولا خلاف بأن ترك من تركه إنما سببه كثرة ما وقع في حديثه من خطأ واختلاف بسبب سوء حفظه لعلة أصابته، فحين يأتي الباحث لدراسة حديث من أحاديث هذا الضرب من الرواة المختلف فيهم ويجد في بعض حديثه خللا ما فإنه وإن رجح صدقه وعدالته ـ موافقة لم وثقوه وصححوا حديثه ـ فإنه كذلك وكما تقتضيه الدراسة النقدية الموضوعية رجح كونه أخطأ ووهم واضطرب في هذا الحديث الذي وقع فيه خلل ـ موافقة لمن تكلموا فيه وتركوه واتقوا حديثه ـ فاحتاج الباحث أولا إلى إثبات وقوع الخلل في الرواية وذكر ما فيها من علة حينئذ، وهو ما يقتضي إبراز جانب الضعف في الراوي الذي يظهر من خلاله عدم استبعاد وقوع الوهم منه ثم لما أبان عن ذلك، احتاج إلى التوفيق بينه وبين الأحاديث الأخرى بالقدر الذي وافقها فيه ليثبت أنه وإن وقع في حديثه خلل جزئي، إلا أنه له أصل صحيح يرجع إليه لدفع الوهم الكلي، فتنزل الباحث في دراسته النقدية مع كلا الفريقين سواء من وثقوه أو من ضعفوه.
فإن قيل هو ثقة مخرج في صحيح مسلم، قيل على فرض الاحتجاج به فليس هو من الأئمة المتفق عليهم بل غايته ثقة متكلم فيه حتى قال في التقريب(صدوق تغير حفظه)فليس مثله من يقوى على التفرد حتى على قواعد من وثقوه!
وإن قيل هو ضعيف لا يحتج به أصلا قيل فإن حديثه هذا له شواهد صحيحة تقويه وترفع من درجته برده إليها وعرضه عليها!
ومعلوم عند أهل الفن أنه ليس كل علة توجب ضعف الحديث ولا كل اضطراب واختلاف يوجب رده، وقد ظهر للباحث أن هذا الحديث فيه ثلاث علل :
1 ـ ضعف في حفظ سهيل يوجب التثبت وتجنب ما قد يقع في روايته من الخطأ والوهم.
2 ـ وتفرد يوجب التوقف حتى توجد المتابعات والشواهد التي تدل على أن للحديث أصلا .
3 ـ واختلاف واضطراب يوجب جمع رواياته للوقوف على الصحيح منها.
ولذلك قام الباحث بما يلي :
1 ـ جمع أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه ورجح كونه عدلا صدوقا يخطأ في الرواية ما يوجب التأكد من عدم وقوع شيء من الوهم في حديثه هذا.
2 ـ كما جمع الباحث روايات حديث سهيل فإذا أصحابه الحفاظ الأثبات يختلفون عليه في لفظه تارة يقول(اليهود) وتارة يقول(أهل الكتاب) وتارة يقول (المشركين) وهذا الخلاف من سهيل نفسه لا من أصحابه، ولا يمكن الجمع بينه لما بينها من التغاير والتباين كما بين العام والخاص، لا كما بين الألفاظ المترادفة وخلاف التنوع، ما يوجب التوقف في هذا اللفظ حتى يأتي ما يرجح أحد هذه الألفاظ.
3 ـ كما قام الباحث بالبحث عن متابعاته وشواهده، فوقف فيه على نكارة وتفرد، فلم يتابع سهيل أحد على روايته لا عن أبيه ولا عن أبي هريرة ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ العام المطلق، وليس مثله من يقبل منه هذا التفرد، حتى قال أبو حاتم ويحيى بن معين(لا يحتج به)، ولم يخرج له البخاري احتجاجا، وقد ذكر ابن عدي هذا الحديث في غرائب حديثه ومناكيره، خاصة لفظ(اضطروهم إلى أضيق الطريق) هكذا على سبيل العموم والإطلاق.
4 ـ ثم جمع الباحث شواهد الحديث ـ حديث أبي بصرة والجهني وابن عمر ـ فإذا كلها في قصة طويلة تفسر الاختصار في حديث سهيل واتفقت مع حديث سهيل بلفظ (إذا لقيتم اليهود فلا تبدؤوهم بالسلام) وزادت عليه بإيراد القصة وقوله (إنا غادون غدا) وزادت كذلك (وإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم).
فصح هذا القدر من حديث سهيل وهو القدر الذي وافق فيه الأحاديث الأخرى وثبت عدم صحة لفظة (المشركين) ولا لفظة (أهل الكتاب) وأنها من تصرف سهيل ولم يتابع عليها ولا شاهد لها فكانت روايته التي رواها عنه وكيع عن الثوري بلفظ (اليهود) هي الموافقة للأحاديث الأخرى.
فثبت أن ن هذا الحديث جاء في سياق قصة تكشف عن معناه، وأنه ليس على عمومه، ولا على إطلاقه، وأن سهيل اختصره فأخل فيه، أو نسيه، أو أنه هو أو أبوه اجتهد في قياس أهل الكتاب والنصارى الذين كان يجدهم في الشام على اليهود الذين ورد فيهم الحديث، أو حمل الحديث على عمومه اجتهادا منه، بينما رواه أبو بصرة الغفاري وأبو عبد الرحمن الجهني وعبد الله بن عمر، في سياق خروج النبي صلى الله عليه وسلم لحصار بني قريضة، فنهى أصحابه عن ابتدائهم بالسلام، وأمرهم أن يقتصروا بالرد على(وعليكم)، حتى لا يكون أمانا يمنع من حربهم، كما أمرهم بالتضييق عليهم في الطريق للسبب ذاته وهو أنه جاء لحربهم.
رابعا:كما إنه جاءت أحاديث صحيحة عامة عن جماعة من الصحابة منهم البراء بن عازب وعبدالله بن سلام وعبد الله بن عمرو وأبي أمامة الباهلي تأمر بإفشاء السلام على العالم من يعرف ومن لا يعرف، وهي موافقة لظاهر الآيات القرآنية.
خامسا: إن السنة الفعلية للنبي صلى الله عليه وسلم جاءت موافقة لسنته القولية فثبت عنه أنه جاء لمجلس فيه أخلاط من المشركين واليهود والمسلمين وسلم عليهم أجمعين ودعاهم إلى الإسلام وقرأ عليهم القرآن.
سادسا:وكذلك ثبت عن جماعة من الصحابة كابن مسعود وأبي أمامة الباهلي وروي عن فضالة بن عبيد وأبي الدرداء وابن عباس أنهم كانوا يبتدئون بالسلام غير المسلم، أو يسلمون على كل أحد يمرون به مسلما كان أو غير مسلم، أخذا منهم بعموم النصوص القرآنية والنبوية، وقد ذهب إلى جواز ذلك النخعي وابن عيينة والأوزاعي ـ وأقر القرطبي أنه هو الظاهر من النصوص القرآنية، لولا وجود حديث سهيل هذا ـ ووافقهم إسحاق بن راهويه والطبري فيما إذا كان هناك سبب يقتضي ابتداءهم بالسلام كصحبة وحاجة وجوار وسفر ونحوها من الأسباب، والراجح الجواز مطلقا لعموم الأدلة، وإنما يمنع ابتداؤهم بالسلام في حالة الحرب فقط.
سابعا:وإن المشروع في الرد على من حيّا وسلم مسلم كان أو غير مسلم الرد بأحسن أو بمثل ما سلم وحيا به، لعموم قوله تعالى{وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها}.
ثامنا:وإن الاقتصار في الرد على غير المسلمين بقول(وعليكم)إنما هو في حالين الأولى حال الحرب حتى لا يكون ذكر السلام أمانا، والثانية في حال الإساءة والدعاء بالشر في التحية، فيقتصر في الرد على (وعليكم)، ولا يزاد على ذلك، وهذا من أدب الإسلام وهديه ورفقه بالخلق.
تاسعا:كما إن من سلم من غير المسلمين بالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجب الرد عليه بمثل ما قال، كما رجحه ابن القيم، لظواهر النصوص القرآنية.
عاشرا:إن هذه الآداب القرآنية والنبوية هي من محاسن الإسلام ورحمته بالإنسانية، ورفقه بالخلق كافة، ومن كمال الشريعة المطهرة التي جاءت بالعدل والقسط والبر والرحمة في تنظيم العلاقة بين المسلمين وغيرهم.
المراجع والمصادر
الأدب المفرد: محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق فؤاد عبد الباقي، الطبعة الثالثة سنة 1409هـ، البشائر، بيروت.
الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان:ترتيب ابن بلبان، تحقيق:شعيب الأرنؤوط الطبعة الثانية ، 1414 - 1993 ، مؤسسة الرسالة – بيروت.
أحكام أهل الذمة: محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق : يوسف أحمد البكري - شاكر توفيق العاروري، الطبعة الأولى ، 1418 – 1997، رمادى للنشر - دار ابن حزم - الدمام – بيروت.
الاستذكار: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر، تحقيق:سالم محمد عطا ومحمد علي معوض الطبعة الأولى 1421 – 2000، دار الكتب العلمية – بيروت.
إعلام الموقعين :محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد طبعة دار الفكر ، بيروت .
الإلزامات والتتبع: الدارقطني، تحقيق مقبل الوادعي، دار الكتب العلمية، بيروت.
التاريخ الكبير : محمد بن إسماعيل البخاري، ط سنة 1361هـ ، إدارة المعارف العثمانية، الهند.
التحرير والتنوير: الطاهر بن عاشور ، طبعة أولى مصورة.
تحفة الأشراف: أبو الحجاج يوسف بن الزكي المزي، تحقيق عبد الصمد شرف الدين، ط2 سنة 1403هـ، المكتب الإسلامي، بيروت .
تفسير ابن كثير :أبو الفداء إسماعيل بن عمر ابن كثير، طبعة سنة 1413هـ، دار المعرفة ، بيروت.
تفسير القرطبي ـ الجامع لأحكام القرآن ـ محمد بن أحمد بن فرح القرطبي، طبعة سنة 1405هـ ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
تفسير الطبري ـ جامع البيان ـ: محمد بن جرير الطبري، الطبعة الأولى سنة 1412هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.
التقريب: أحمد بن علي ابن حجر، تحقيق محمد عوامة، ط3 سنة 1411هـ، دار الرشيد، سوريا.
التقييد والإيضاح : زين الدين العراقي، تحقيق عبد الرحمن عثمان، ط 1969، المكتبة السلفية، المدينة المنورة.
التمهيد: يوسف بن عبد البر ، طبعة ثانية سنة 1402هـ ، وزارة الأوقاف المغربية.
تهذيب التهذيب: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني، الطبعة الأولى ، 1404 - 1984، دار الفكر ، بيروت.
تهذيب الكمال: المزي، تحقيق بشار عواد، ط1 سنة 1413هـ، الرسالة، بيروت.
توجيه النظر : طاهر الجزائري، تحقيق أبو غدة، ط1 سنة 1416، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب.
توضيح الأفكار: الصنعاني، تحقيق صلاح عويضه، ط 1 سنة 1417، الكتب العلمية، بيروت.
الثقات: ابن حبان، ط1 سنة 1393هـ ، دائرة المعارف العثمانية ، الهند .
الجامع الصحيح المختصر:محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق مصطفى البغا، الطبعة الثالثة 1400 – 1987، دار ابن كثير، اليمامة – بيروت.
جامع التحصيل : العلائي، تحقيق حمدي السلفي، ط2 سنة 1407، عالم الكتب، بيروت.
الجامع: الترمذي، تحقيق أحمد شاكر ، وكمال الحوت ، دار الكتب العلمية، بيروت .
الجرح والتعديل: ابن أبي حاتم، تحقيق المعلمي، ط1 سنة 372هـ دائرة المعارف العثمانية، الهند.
حلية الأولياء : أبو نعيم الأصبهاني، دار الكتب العلمية ، بيروت.
الدر المنثور :جلال الدين السيوطي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية ، بيروت.
ذخيرة الحفاظ: ابن طاهر المقدسي، تحقيق الفريوائي، ط 1 سنة 1419، السلف، الرياض.
الرفع والتكميل: عبد الحي اللكنوي، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، ط 3 سنة 1407، مكتب المطبوعات، حلب.
زاد المعاد في هدي خير العباد: محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق :شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط، الطبعة الرابعة عشر ، 1407 – 1986، مؤسسة الرسالة ـ بيروت.
سلسلة الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الرابعة سنة 1398هـ ، المكتب الإسلامي ـ بيروت.
سلسلة الأحاديث الضعيفة:محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الرابعة سنة 1398هـ ، المكتب الإسلامي، بيروت.
السنن :سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني، ، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر.
السنن :محمد بن يزيد بن ماجه، تحقيق فؤاد عبد الباقي ، طبعة أولى، المكتبة الإسلامية اسطنبول.
السنن الصغرى:أحمد بن شعيب النسائي، بعناية عبد الفتاح أبو غدة، ط2 1409هـ البشائر، بيروت.
السنن الكبرى: أحمد بن شعيب النسائي، تحقيق البنداري، ط1 سنة 1411هـ، دار الكتب العلمية، بيروت .
السنن الكبرى: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، الطبعة الأولى، دائرة المعارف العثمانية، تصوير دار المعرفة، بيروت.
سؤالات الحاكم للدارقطني : الحاكم ، تحقيق موفق عبد القادر، ط 1 سنة 1404، دار المعاف، الرياض.
سؤالات السلمي للدارقطني: السلمي، تحقيق طلال الحيان، ط 1 سنة 1995 .
سير أعلام النبلاء :محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق جماعة، ط9 سنة 1413هـ، الرسالة، بيروت.
شرح سنن أبي داود : بدر الدين العيني، ط 1 سنة 1420 هـ، مكتبة الرشد، الرياض.
شرح علل الترمذي : ابن رجب، نور الدين عتر، ط 1 دمشق.
شعب الإيمان:أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق : محمد السعيد بسيوني زغلول
الطبعة الأولى ، 1410 دار الكتب العلمية – بيروت.
صحيح مسلم بن الحجاج بشرح محي الدين النووي: ط3 سنة 1404 نشر دار إحياء التراث العربي بيروت.
صحيح مسلم :مسلم بن الحجاج، ترقيم عبد الباقي، ط1، المكتبة الإسلامية، استانبول.
صيانة صحيح مسلم: ابن الصلاح، تحقيق موفق عبد القادر، ط2 سنة 1408، دار الغرب، بيروت.
ضعيف الأدب المفرد : محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى سنة 1994م ، دار الصديق .
الطبقات: محمد بن سعد، تحقيق محمد عبدالقادر، ط1 سنة 1410هـ دار الكتب العلمية، بيروت.
طبقات المدلسين: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: د. عاصم بن عبدالله القريوتي، الطبعة الأولى ، 1403 – 1983، مكتبة المنار – عمان.
علوم الحديث : ابن الصلاح ، ط 1 سنة 1984م، مكتبة الفاربي.
الفوائد:تمام بن محمد الرازي أبو القاسم، تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الأولى ، 1412، مكتبة الرشد – الرياض.
فتح الباري: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق محب الدين الخطيب، ترقيم عبد الباقي ط1 سنة 1410هـ نشر دار الكتب العلمية، بيروت .
الكاشف : محمد بن أحمد الذهبي ، تحقيق عوامة ، الطبعة الأولى سنة 1416هـ، دار القبلة، جدة.
الكامل في الضعفاء: عبد الله بن عدي الجرجاني، تحقيق سهيل زكار، ط3 سنة 1409، دار الفكر، بيروت.
كشف المشكل: ابن الجوزي، تحقيق علي البواب، ط 1 سنة 1418، الوطن، الرياض.
لسان الميزان: أحمد بن علي ابن حجر، ط1 دار الكتاب الإسلامي، القاهرة .
المجروحين: محمد بن حاتم بن حبان، تحقيق محمود زايد، ط2 سنة 1402هـ دار الوعي، حلب.
مسائل الأمام أحمد وإسحاق بن راهويه: رواية إسحاق بن منصور، تحقيق خالد الرباط وجماعة، ط1 1425 هـ دار الهجرة ـ الرياض.
مجمع الزوائد :أبو بكر الهيثمي، الطبعة الثالثة سنة 1402هـ، الكتاب العربي ، بيروت.
مجموع الفتاوى: أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، جمع ابن القاسم، طبعة سنة 1412هـ عالم الكتب، الرياض.
المستدرك على الصحيحين: محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري، ترقيم:مصطفى عبد القادر عطا، الطبعة الأولى ، 1411 - 1990 دار الكتب العلمية، بيروت.
المستدرك: محمد بن عبدالله الحاكم ط1 سنة 1335هـ دائرة المعارف العثمانية .
المسند: أحمد بن حنبل، ط3، تصوير المكتب الإسلامي .
المسند : أحمد بن حنبل ، تحقيق أحمد شاكر، ط1 سنة 1377هـ، دار المعارف، القاهرة.
المسند : علي بن الجعد ، تحقيق عامر أحمد، ط 1 سنة 1410، مؤسسة دار نادر، بيروت.
مسند الشاميين: سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، تحقيق :حمدي بن عبد المجيد السلفي، الطبعة الأولى ، 1405 – 1984، مؤسسة الرسالة – بيروت.
مسند أبي يعلى: أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى الموصلي التميمي، تحقيق :حسين سليم أسد، الطبعة الأولى ، 1404 – 1984، دار المأمون للتراث – دمشق.
المصنف: أبو بكر بن أبي شيبة، تحقيق كمال الحوت ، طبعة أولى سنة 1988م بيروت.
المصنف:عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ط1 سنة 1982م المكتب الإسلامي، بيروت .
المعجم الأوسط : سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق محمود الطحان، الطبعة الأولى سنة 1405هـ، المعارف، الرياض.
المعجم الكبير: سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق حمدي عبد المجيد، ط2، وزارة الأوقاف العراقية.
الموطأ:مالك بن أنس، تحقيق عبد الباقي، طبعة سنة 1406هـ ، دار إحياء التراث العربي .
الموضوعات : ابن الجوزي، ط دار المعرفة ، بيروت.
النكت على ابن الصلاح : بدر الدين الزركشي، تحقيق زين العابدين فريج، ط 1 سنة 1419 هـ ، دار أضواء ، الرياض.
النكت على ابن الصلاح : ابن حجر، تحقيق ربيع المدخلي، ط1 سنة 1404 هـ ، مركز البحث العلمي، المدينة المنورة.
([2]) أحمد في المسند2/444 عن وكيع وأبي نعيم، والبخاري في الأدب المفرد ح رقم 1111 عن أبي نعيم .ومسلم في الصحيح ح رقم 2167 من طريق وكيع.
([4]) أحمد في المسند 2/525 .
([5]) ابن السني في عمل اليوم والليلة ح رقم 240 كرواية عبد الرزاق، والبيهقي في شعب الإيمان ح رقم 9381 كرواية يحيى بن آدم وأبي نعيم.
([6]) البيهقي في السنن الكبرى 9 /203 .
([7]) مسند الطيالسي ح رقم 2424 .
([8]) أحمد في المسند 2/346 ح 8542 .
([9]) أحمد في المسند 2/459 ح 9921 .ومسلم في صحيحه ح رقم 2167 عن محمد بن المثنى عنه.
([10]) أبو داود في السنن ح رقم 5205 .
([11]) الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/341 .
([12]) ابن حبان كما في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ح رقم 501 .
([13]) ابن السني في عمل اليوم والليلة ح رقم 240 .
([14]) ابن عساكر في تاريخ دمشق 41/246 وإسناده صحيح إلى شعبة.
([15]) صحيح مسلم ح رقم 2167 ، والترمذي في السنن ح رقم 2700 وقال (حسن صحيح).
([16]) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ح رقم 500 .
([17]) صحيح مسلم ح رقم 2167 .
([18]) البيهقي في السنن الكبرى 9/203 ح 18506 ورواه أيضا في الآداب ح رقم 669 .
([19]) عبد الرزاق في المصنف ح رقم 9837 وقرنه بالثوري وساق لفظ الثوري، وأحمد في المسند 2/ 266 عن عبد الرزاق عن معمر وحده وهذا لفظه.
([20]) البخاري في الأدب المفرد ح رقم 1103 .
([21]) فوائد تمام ح رقم 909 من طريق إسماعيل بن عياش ويزيد بن يوسف كليهما عن يحيى بن سعيد، وإسماعيل في حديثه عن غير الشاميين ضعف وقد صحح الإمام أحمد حديثه عن يحيى بن سعيد كما في تهذيب التهذيب 1/ 282 (قال عبد الله بن أحمد سئل أبي عنه فقال نظرت في كتابه عن يحيى بن سعيد أحاديث صحاح، وفي المصنف يعني مصنف إسماعيل أحاديث مضطربة ...وقال دحيم إسماعيل في الشاميين غاية وخلط عن المدنيين وكذا قال البخاري والدولابي ويعقوب بن شيبة وقال ابن عدي إذا روى عن الحجازيين فلا يخلو من غلط إما أن يكون حديثا برأسه أو مرسلا يوصله أو موقوفا يرفعه وحديثه عن الشاميين إذا روى عنه ثقة فهو مستقيم وهو في الجملة ممن يكتب حديثه ويحتج به في حديث الشاميين خاصة)، وقد توبع في حديثه هذا، كما صرح بالسماع، فزال ما يخشى من التدليس والوهم.
([22]) الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/341 .
([23]) علي بن الجعد في المسند ح رقم 2672 .
([24]) صحيح مسلم ح رقم 2167 .
([25]) علوم الحديث النوع السادس عشر .
([26]) مقدمة فتح الباري ص366 .
([27]) مقدمة فتح الباري ص 346 .
([28]) الجرح والتعديل 4/246 .
([29]) الجرح والتعديل 4/246 .
([30]) ميزان الاعتدال 2/244 .
([31]) مقدمة فتح الباري ص 408 .
([32]) تقريب التهذيب رقم 2675 .
([33]) انظر سؤلات الحاكم للدارقطني رقم 263 .
([34]) سير الأعلام للذهبي 5/460 ، وسؤلات السلمي للدارقطني رقم 154 .
([36]) العلل ح رقم 3259 .
([40]) الكامل في الضعفاء 3/449 .
([41]) الكامل في الضعفاء 1/2 .
([42]) فتح الباري 1/429 .
([43])النكت على مقدمة ابن الصلاح 2/157 .
([45]) سير أعلام النبلاء 5/459 .
([46]) ذخيرة الحفاظ 3/1662 .
([48])الرفع والتكميل ص 200 .
([49]) شرح النووي على صحيح مسلم 1/57 .
([50]) التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح 1/104 .
([51])شرح علل ابن رجب 1/ 243 .
([52])توجيه النظر إلى أصول الأثر 1/ 514 .
([53]) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 1/155 .
([54]) مقدمة الصحيح 1/2 .
([55]) توضيح الأفكار 1/123 .
([56]) صيانة صحيح مسلم 72 .
([57]) انظر الإلزامات والتتبع للدارقطني تعليق المحقق ص 213.
([59]) البخاري في صحيحه ح رقم 5881 كتاب الأدب باب إفشاء السلام، ومسلم في صحيحه ح رقم 2066.
([60]) الترمذي ح رقم 2485 وقال (حديث صحيح)، وابن ماجه ح رقم 3251 واللفظ له، وصححه الحاكم 4/176ح رقم 7277 .
([61])البخاري في صحيحه ح رقم 12، ومسلم ح رقم 39.
([62]) سورة القصص آية 55 ..
([63]) سورة الزخرف آية 89 .
([64]) جامع البيان 11/220 تفسير أية 89 من سورة الزخرف.
([66]) ابن أبي شيبة في المصنف 5/259 وإسناده صحيح.
([67]) ابن أبي في المصنف 5/249 ورجاله رجال الصحيح إلا أن سماع يزيد بن هارون من المسعودي بعد اختلاطه غير أن يحي بن معين صحح حديثه عن عون وهذا منها كما في الكواكب النيرات رقم 35 .
([68])انظر فتح الباري 11/39 .
([69]) ابن أبي شيبة في المصنف 5/249 و5/247 ، وعنه ابن ماجه في السنن ح رقم 3693 وقال البوصيري :إسناده صحيح رجاله ثقات.وهذا إسناد صحيح فإنه من رواية إسماعيل بن عياش عن أهل بلده وثقات شيوخه كمحمد بن زياد وشرحبيل بن مسلم صحيحة يحتج بها، كما في تهذيب التهذيب 1/282 .
([70])الطبراني في المعجم الكبير 8/111 ، وفي مسند الشاميين ح رقم 821 بأسانيد صحيحة إلى إسماعيل وبقية حدثني محمد بن زياد، وقد صرح بقية بالسماع فزال ما يخشى من تدليسه.
([71]) البيهقي في شعب الإيمان 6/425 ، وحلية الأولياء 6/112 بأسانيد صحيحة إلى بقية وقد صرح بالسماع فزال ما يخشى من تدليسه.
([72]) الطبراني في المعجم الكبير 8/109، والأوسط ح رقم 3210 وقال (تفرد به عمرو)، ومسند الشاميين ح رقم 817 عن بكر بن سهل الدمياطي عن عمرو بن هاشم البيروتي عن إدريس بن زياد به، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 8/63 و69 (رواه الطبراني في الأوسط وفيه من لم أعرفه وعمرو بن هاشم البيروتي وثق وفيه ضعف)وقال أيضا(رواه الطبراني عن شيخه بكر بن سهل الدمياطي ضعفه النسائي وقال غيره مقارب الحديث)، ورواه أيضا البيهقي في شعب الإيمان 6/436، وقال ابن عدي في الكامل رقم 740 عن عمرو بن هاشم البيروتي(عمرو ليس به بأس ولم أر للمتقدمين فيه كلام وقد تكلموا فيمن هو أمثل منه بكثير)، قلت والصحيح أنه لا يثبت مرفوعا قوله (تحية لأهل ملتنا وأمانا لأهل ذمتنا)، والصواب وقفه على أبي أمامة قوله، فقد ذكره ابن عبد البر فقال (روى الوليد بن مسلم عن عروة بن رويم قال رأيت أبا أمامة يسلم على كل من لقي من مسلم وذمي ويقول هي تحية لأهل ملتنا وأمان لأهل ذمتنا واسم من أسماء الله نفشيه بيننا) وهذا أصح إسنادا.
([73]) ابن أبي شيبة في المصنف 5/259 .وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
([74]) البيهقي في شعب الإيمان 6/463 أثر رقم 8909 ، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
([75]) الطبراني في المعجم الكبير 9/193 ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 8/83 (رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح إلا أن تميم بن سلمة لم يدرك ابن مسعود)، وقد صح عن ابن مسعود من طرق أخرى.
([76]) ابن أبي شيبة المصنف 5/249، عن إسماعيل بن عياش، وهذا الأثر من رواية ابن عياش عن ابن عجلان المدني، وفيها ضعف، وتتقوى بشواهدها.
([77]) عبد الرزاق في المصنف 10/386 عن معمر عن أبي إسحاق السبيعي عن صلة به، وابن أبي شيبة في المصنف 6/172 عن وكيع عن الثوري عن أبي إسحاق به وإسناده صحيح، وانظر فتح الباري 1/82 ح رقم 28 حيث أورده البخاري معلقا عن عمار .
([78])ابن أبي شيبة المصنف 5/248 عن وكيع عن الثوري عن الدهني به، ورجال إسناده رجال الصحيح إلا أنه فيه راو مبهم.
([79]) أبو داود في السنن ح رقم 5205 .
([80]) أحمد في المسند 2/346 ح 8542 .
([81]) بهجة المجالس ص 160 .
([82]) شعب الإيمان 7/44 .
([83]) الجامع لأحكام القرآن 5/6 .
([85]) الفجر الساطع على الصحيح الجامع 7/87 .
([86])دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين 2/297 .
([87]) فتح الباري 10/604 .
([88]) شرح سنن أبي داود 6/169 .
([89]) كشف المشكل من حديث الصحيحين 1/454.
([90]) عمدة القاري 12/143 .
([91]) أحمد 2/381 ، والحاكم 2/670 وقال (صحيح على شرط مسلم) كلاهما بلفظ (صالح الأخلاق)، والبيهقي 10/191، بلفظ (مكارم الأخلاق).
([92]) ابن أبي شيبة في المصنف 5/250، وعنه ابن ماجه في السنن ح رقم 3699 ، عن ابن نمير عن ابن إسحاق به، وأحمد في المسند 4/143 عن ابن أبي عدي و4/233 عن يزيد بن هارون وابن أبي عدي عن ابن إسحاق حدثني يزيد به، قال أحمد:خالفه عبد الحميد بن جعفر وابن لهيعة قالا عن أبي بصرة.قال ثنا أبو عاصم عن عبدالحميد بن جعفر قال أبو بصرة !
وأبو يعلى في مسنده ح رقم 936 عن أبي خيثمة عن ابن نمير به وفيه قال أبو عبد الرحمن الجهني(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إني راكب غدا إلى يهود)، والطبراني مسند الشاميين ح رقم 743 من طرق عن عبد الرحيم بن سليمان وابن نمير وعلي بن مسهر ويونس بن بكير وشريك بن عبد الله كلهم عن ابن إسحاق به، والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/341 ح 6737 و6738 وإسناده حسن عن عبد الأعلى وعبد الرحيم بن سليمان عن ابن إسحاق به.
قال البوصيري في زوائد ابن ماجه (في إسناده ابن إسحاق وهو مدلس.وليس لأبي عبد الرحمن هذا سوى هذا الحديث عند المصنف ، وليس له شيء في بقية الكتب الستة)، وتعقبه الألباني في إرواء الغليل 5/111 بقوله (قد صرح ـ أي ابن إسحاق ـ بالتحديث عند الإمام أحمد في إحدى روايتيه عنه فزالت شبهة تدليسه وإنما علته الاختلاف عليه ومخالفته لغيره) وقد رجح الحافظ في الفتح 11/44 أن المحفوظ رواية من رواه من حديث أبي بصرة الغفاري لا الجهني.
قلت ولا يبعد أن يكون ابن إسحاق قد سمعه من ابن أبي حبيب على الوجهين من حديث الجهني ومن حديث الغفاري كما صح عنه، فقد كان ابن إسحاق واسع الرواية، وهو أعلم الناس بالمغازي والسير وهذا الحديث منها ـ وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب 9/34 ـ ولهذا رجح أبو داود كلا الوجهين فقد قال بعد حديث أنس في الباب ح رقم 5207(وكذلك رواية عائشة وأبي عبد الرحمن الجهني وأبي بصرة الغفاري).
فالحديث إسناده حسن إلى الجهني، رجاله رجال الشيخين إلا ابن إسحاق فمن رجال مسلم.
([93]) البخاري في الأدب المفرد ح رقم 1101 و ح رقم 1102 ، وصححه الألباني، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير ح رقم 2162 ولفظه (إني منطلق غدا إلى يهود).
([94]) أحمد في المسند 6/398، وفي إسناده ابن لهيعة وقد توبع، والحديث صحيح.
([95])الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/341 ح 6740 و6741 من طريق عبد الله بن وهب، والطبراني في المعجم الكبير ح رقم 2164 من طريق أسد بن موسى، وابن لهيعة صحح له الأئمة أحاديث العبادلة عنه ومنهم ابن وهب.
([96]) أحمد في المسند 6/398، عن وكيع به وإسناده حسن، والحديث صحيح.
([97])الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/341 ح 6741 ، والطبراني في المعجم الكبير ح رقم 2162، والبيهقي في شعب الإيمان ح رقم 8904 ، بإسناد صحيح إلي عبد الحميد بن جعفر به.
([98]) البيهقي في السنن الكبرى 9/203 أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنبأ أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا محمد بن يوسف الفريابي قال ذكر سفيان، قال الألباني في إرواء الغليل 5/111(بإسناد صحيح على شرط الشيخين وقد عزاه إليهما البيهقي عقبه ويعني أصل الحديث كعادته وإلا فليس عندهما (فلا تبدؤوهم بالسلام).
([99]) الجامع الصحيح ح رقم 5902 .
([100]) الجامع الصحيح ح رقم 6529.
([101]) صحيح مسلم ح رقم 2164.
([102]) المصنف 5/250 ، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
([103])المسند 2/9 ، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
([104])المسند 2/58 ، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
([106])مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 1/87 .
([107])أحكام أهل الذمة 3/1326 .
([108])زاد المعاد 2/338 .
([109])الجامع الصحيح كتاب الاستئذان ح رقم 5899 .
([110])شعب الإيمان 6/464 .
([111]) المصنف 10/392 وإسناده على شرط الصحيحين.
([112])انظر فتح الباري 11/39 ، وشرح النووي 14/145 .
([113]) البخاري ح رقم 3148، ومسلم ح رقم 2841 .
([114]) البخاري في الأدب المفرد أثر رقم 1115 .
([115]) إرواء الغليل 5/114، وانظر تهذيب التهذيب 6/240 والتقريب رقم 4001 في ترجمة عبد الرحمن بن محمد حيث نقل توثيق النسائي وابن حبان له فليس هو مجهول الحال على الصحيح، وانظر الاختلاف في شأنه في تهذيب الكمال 17/393 . ورواه ابن سعد في الطبقات 8/166 ، وإسناده على شرط مسلم، وفيه العمري متكلم في حفظه.والبيهقي في شعب الإيمان 6/462 من طريق ابن وهب عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر وإسناده صحيح، ومن طريق ابن وهب عن السري بن يحيى عن سليمان التيمي به ورجاله ثقات غير أن التيمي لم يسمع من ابن عمر ، وانظر تهذيب التهذيب 4/176 .
([116])المصنف 10/392 .وهذا إسناد صحيح إلى قتادة إلا إنه لم يسمع من ابن عمر غير أنه يتقوى بما سبق، وانظر جامع التحصيل رقم 633 .
([117]) البخاري في الأدب المفرد ح رقم 1112 حدثنا سعيد بن تليد قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني عاصم بن حكيم أنه سمع يحيى بن أبي عمرو السيباني عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني، والبيهقي في السنن الكبرى 9/203 من طريق ابن وهب به.وقال الألباني في تعليقه على الأدب المفرد ، وفي إرواء الغليل 5/114 (إسناد حسن).
([118]) المسند2/9 وإسناده على شرط الصحيحين.
([119]) البخاري في الجامع الصحيح ح رقم 2777 و5678 ، ومسلم ح رقم 2165 .
([120]) البخاري في الجامع الصحيح ح رقم 5683 .
([121]) صحيح مسلم ح رقم 2165 .
([122])البخاري في الجامع الصحيح ح رقم 5627 .
([123]) أحمد في المسند 3/289 وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
([124])المسند 5/410 رقم 3089 ، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
([125]) سورة النساء آية 86 .
([126]) جامع البيان للطبري 4/190 سورة النساء آية 86 .
([127])المسند 3/99 وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
([128])المسند 3/115 وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
([129])انظر طبقات المدلسين للحافظ ابن حجر رقم 92 .
([130])المسند 3/113 وإسناده ضعيف قال الألباني في الإرواء 5/116 (حميد هذا مجهول)وهو كما قال.
([131]) الجامع لأحكام القرآن 11/103 .
([132]) الجامع لأحكام القرآن 11/103 .
([133]) رواها البيهقي في شعب الإيمان ح رقم 8910 ، وفي الإسناد شريك بن عبدالله وفيه ضعف، والروايات الصحيحة ليس فيها (نعم)ولا (بلى).
([134]) الجامع لأحكام القرآن 11/103 .
([135]) الجامع لأحكام القرآن 5/283 .
([136]) سورة النساء آية 86 .
([137]) وانظر التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور ص 997.
([138])البخاري في الأدب المفرد رقم 1107 وقال الألباني في تعليقه عليه (حسن )، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف 5/250 من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس نحوه.
([139]) البخاري في الأدب رقم 1113 ، وقال الألباني في تعليقه عليه صحيح، وهو كما قال، ورواه أيضا الطبراني في المعجم الكبير 10/262 .
([140]) أحكام أهل الذمة 1/426 .
([141])سورة الإسراء آية 24 .
([144]) جامع البيان 6/490 .
([145]) أبو داود في السنن ح رقم 5038 ، والحاكم في المستدرك 4/298 وصححه.
([146]) فتح الباري 10/604 ح رقم 5867 .
([147]) الجامع لأحكام القرآن 10/207 .
([148])التمهيد 17/332، والاستذكار 8/482 .