دراسة لحديث الجساسة
وبيان ما فيه من العلل
في الإسناد والمتن
بقلم د. حاكم المطيري
كلية الشريعة
جامعة الكويت
2009
ملخص البحث
البحث دراسة في حديث فاطمة بنت قيس في قصة الجساسة، وبيان ما فيه من العلل في الإسناد والمتن، التي دعت البخاري إلى تركه وعدم تخريجه له في صحيحه، وتخريج ما يعارضه وهو حديث ابن صياد، ودراسة متابعاته وشواهده، وبيان الأدلة النقلية والعقلية التي تعارضه، حتى حكم بعض المتقدمين وبعض المعاصرين بغرابة إسناده، ونكارة متنه.
وقد كنت سمعت الشيخ ابن عثيمين في بعض دروسه ينكر متنه دون التعرض لإسناده، فعزمت على دراسته دراسة حديثية، فكتبت هذا البحث في حدود سنة 1997م ثم أجلت نشره إلى ما بعد الدكتوراه ثم بعثته بعد سنة 2000م للتحكيم في مجلة كلية الشريعة بجامعة الكويت فاعتذرت بعدم النشر لطول البحث فاختصرته كثيرا ـ وهذه هي النسخة المختصرة ـ وأرسلته إلى عدد من المجلات العلمية لتحكيمه في المملكة العربية السعودية وفي مصر فاعتذرت كلها مع اعتراف بعض المحكمين في تقاريرهم بأن البحث يدل على أن من كتبه عالم ضليع في علم علل الحديث! إلا أن جلالة صحيح مسلم تمنع من نشره!
وهذا هو البحث أقدمه للمتخصصين في علم الحديث فعسى أن يجدوا فيه جوابا عن سؤال وجدال طالما دار حول هذا الحديث والله ولي التوفيق!
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد:
فهذه دراسة حديثية نقدية لإسناد حديث فاطمة بنت قيس ومتنه، وهو حديثها في شأن الدجال وقصة الجساسة، وقد أنكر متنه بعض العلماء المعاصرين[1]، واحتج بعدم تخريج البخاري له، وقد وصفه بالغرابة بعض المتقدمين، ولعله لهذا السبب لم يخرج البخاري حديث فاطمة هذا في صحيحه قال ابن حجر:(سلك البخاري مسلك الترجيح فاقتصر على حديث جابر عن عمر في ابن صياد، ولم يخرج حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم، وقد توهم بعضهم أنه غريب فرد، وليس كذلك فقد رواه مع فاطمة بنت قيس أبو هريرة وعائشة وجابر).[2]
فناسب ذلك جمع طرقه، وتخريجها ودراسة إسناده ومتنه، وبيان ما في ألفاظه من اختلاف، وبيان وجه النكارة فيها إن كان ثمة نكارة، وذكر الأدلة التي تعارضه، وكشف علله التي حدت البخاري لعدم تخريجه وعدم التبويب له في صحيحه.
هذا وقد تم تقسيم هذه الدراسة إلى:-
1- المبحث الأول: تخريج روايات حديث الشعبي عن فاطمة.
2- المبحث الثاني: دراسة طرق حديث الشعبي بحسب شهرتها.
3- المبحث الثالث: في بيان طبقات أصحاب الشعبي.
4- المبحث الرابع: في المتابعات لرواية الشعبي.
5- المبحث الخامس: في ذكر الشواهد لحديث فاطمة.
6- المبحث السادس: في بيان ما في ألفاظه من اختلاف.
7- المبحث السابع: ذكر الأدلة التي تعارضه.
ثم خاتمة البحث والنتائج
المبحث الأول: تخريج روايات حديث الشعبي عن فاطمة:
سياق الإمام مسلم لحديث فاطمة في صحيحه: قال (حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، وحجاج بن الشاعر كلاهما عن عبد الصمد (واللفظ لعبد الوارث بن عبد الصمد)، حدثنا أبي عن جدي، عن الحسين بن ذكوان، حدثنا ابن بريدة، حدثني عامر بن شراحيل الشعبي، شعب همدان، أنه سأل فاطمة بنت قيس، أخت الضحاك بن قيس، وكانت من المهاجرات الأول، فقال: حدثيني حديثاً سمعتيه من رسول الله e لا تسنديه إلى أحد غيره. فقالت: لئن شئت لأفعلن، فقال لها: أجل حدثيني. فقالت: نكحت ابن المغيرة، وهو من خيار شباب قريش يومئذ فأصيب في أول الجهاد مع رسول الله e فلما تأيمت خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب رسول الله e، وخطبني رسول الله e على مولاه أسامة بن زيد، وكنت قد حدثت أن رسول الله e قال: ((من أحبني فليحب أسامة)) فلما كلمني رسول الله e قلت: أمري بيدك. فأنكحني من شئت. فقال: ((انتقلي إلى أم شريك)) وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله، ينزل عليها الضيفان، فقلت: سأفعل. فقال: ((لا تفعلي. إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن عمر بن مكتوم)) (وهو رجل من بني فهر، فهر قريش وهو من البطن الذي هي منه) فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي، منادي رسول الله e ينادي: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله e فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله e صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك فقال: ((ليلزم كل إنسان مصلاه))، ثم قال: ((أتدرون لم جمعتكم؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ((إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال. حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهراً في البحر، ثم أرفؤا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: لما سمت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطانة، قال فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً، وأشده وثاقاً، مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد ؟ قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم ؟ قالوا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهراً، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة. قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعاً وفزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة. فقال: أخبروني عن نخل بيسان. قلنا: عن أي شأنها تستخبر ؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر ؟ قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر. قال: أخبرني عن بحيرة الطبرية. قلنا: عن أي شأنها تستخبر ؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر. قالوا: عن أي شأنها تستخبر. قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين ؟ قلنا له: نعم. هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل ؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب ؟ قال: نعم. قال: كيف صنع بهم ؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك ؟ قلنا: نعم. قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وأني مخبركم عني، إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة. فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة، أو واحداً منها استقبلني ملك بيده السيف صلتاً يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها. قالت: قال رسول الله e وطعن بمخصرته في المنبر ((هذه طيبة. هذه طيبة. هذه طيبة )) يعني المدينة ((ألا هل كنت حدثتكم ذلك )) فقال الناس: نعم. ((فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق ما هو. من قبل المشرق ما هو. من قبل المشرق ما هو )) وأومأ بيده إلى المشرق. قالت فحفظت هذا من رسول الله e.
ـ حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي، حدثنا خالد بن الحارث الهجيمي، أبو عثمان حدثنا قرة، حدثنا سيار أبو الحكم، حدثنا الشعبي قال: دخلنا على فاطمة بنت قيس فأتحفتنا برطب يقال له رطب ابن طاب، وأسقتنا سويق سلت، فسألتها عن المطلقة ثلاثاً أين تعتد ؟ قالت: طلقني بعلي ثلاثاً، فأذن لي النبي e أن اعتد في أهلي. قالت فنودي في الناس: إن الصلاة جامعة، قالت: فانطلقت فيمن انطلق من الناس، قالت: فكنت في الصف المقدم من النساء وهو يلي المؤخر من الرجال، قالت: فسمعت النبي e وهو على المنبر يخطب فقال: ((إن بني عم لتميم الداري ركبوا في البحر)) وساق الحديث وزاد فيه: قالت: كأنما انظر إلى النبي e، وأهوى بمخصرته إلى الأرض، وقال: ((هذه طيبة)) يعن المدينة.
ـ وحدثنا الحسن بن علي الحلواني وأحمد بن عثمان النوفلي. قالا: حدثنا وهب بن جرير. حدثنا أبي. قال: سمعت غيلان بن جرير يحدث عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس، قالت: قدم على رسول الله e تميم الداري فأخبر رسول الله e أنه ركب البحر، فتاهت به سفينته فسقط إلى جزيرة، فخرج إليها يلتمس الماء، فالتقى إنساناً يجره شعره، واقتص الحديث. وقال فيه، ثم قال: أما إنه لو قد أذن لي في الخروج قد وطئت البلاد كلها غير طيبة، فأخرجه رسول الله e إلى الناس فحدثهم قال: ((هذه طيبة وذاك الدجال)).
ـ حدثني أبو بكر ابن إسحاق، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا المغيرة (يعني الحزامي ) عن أبي الزناد، عن الشعبي عن فاطمة بن قيس، أن رسول الله e قعد على المنبر فقال: ((يا أيها الناس حدثني تميم الداري أن أناساً من قومه كانوا في البحر في سفينة لهم فانكسرت بهم، فركب بعضهم على لوح من ألواح السفينة فخرجوا إلى جزيرة في البحر)) وساق الحديث.[3]
تخريج طرق الحديث عن الشعبي : وقد رواه عن الشعبي كل من :
أولا : مجالد بن سعيد عن الشعبي: وقد رواه عنه كل من :
1 ـ سفيان بن عيينة : رواه عنه الحميدي[4] ، والطبراني.[5]
2 ـ يحيى بن سعيد القطان : رواه عنه أحمد[6]، والطبراني.[7]
3 ـ حماد بن أسامة : رواه عنه إسحاق وابن أبي شيبة.[8]
4 ـ علي بن مسهر : رواه عنه ابن أبي شيبة.[9]
5 ـ إسماعيل بن أبي خالد : رواه أبو داود[10] ، وابن ماجه[11]، والآجري من طرق عنه.[12]
6 ـ زيد بن أبي أنيسة : رواه الطبراني.[13]
ثانيا : داود بن أبي هند عن الشعبي :
رواه أحمد[14]، والنسائي[15] ، وابن حبان[16]، والطبراني[17] كلهم من طرق عن حماد بن سلمة عنه.
ثالثا : عبد الله بن بريدة عن الشعبي:
رواه مسلم[18] وأبو داود[19]، كلاهما من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه عن حسين المعلم عن عبد الله بن بريده.
رابعا : قتادة عن الشعبي :
رواه إسحاق بن راهويه والترمذي[20]، كلاهما من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة به.
خامسا : عمران بن سليمان عن الشعبي:
رواه ابن حبان[21]، من طريق عبد الملك بن سليمان القرقساني عن عيسى بن يونس عن عمران به.
سادسا : أبو الزناد عبد الله بن ذكوان :
رواه مسلم[22]، والطبراني[23]، من طريق يحيى بن بكير عن المغيرة الحزامي عن أبي الزناد به.
سابعا : غيلان بن جرير عن الشعبي :
رواه مسلم[24]، والطبراني[25]، كلاهما من طريق وهب بن جرير عن أبيه جرير بن حازم عن غيلان به.
ثامنا : سيار العنزي عن الشعبي :
رواه مسلم[26]، والطبراني[27]، من طريق خالد بن قرة عن سيار به.
ومن خلال تخريج الحديث يظهر مدى شهرته عن مجالد بن سعيد حيث رواه عنه ستة من الحفاظ الأثبات الثقات، بينما الروايات عن غيره لم تشتهر عمن رووها بل عامتها غرائب كما سيأتي بيانه!
المبحث الثاني :دراسة طرق حديث الشعبي بحسب شهرتها:-
أولا : رواية مجالد بن سعيد عن الشعبي: -
وهي أشهر روايات هذا الحديث على الإطلاق، فقد رواها عن مجالد ستة من الحفاظ والثقات الأثبات وهم:-
أ- إسماعيل بن أبي خالد: كما عند أبي داود والطبراني والآجري من طرق عن المعتمر بن سليمان، وعند ابن ماجة من طريق عبد الله بن نمير، وعند الآجري من طريق أبي شهاب، كلهم المعتمر وابن نمير وأبو شهاب عن إسماعيل عن مجالد عن الشعبي به.
ب- يحيى بن سعيد القطان: كما عند أحمد، وعند الطبراني من طريق مسدد بن مسرهد ،كلاهما أحمد ومسدد عن يحيى عن مجالد به.
ج- سفيان بن عيينة: كما في مسند الحميدي عنه عن مجالد به، والرمادي عن سفيان كما في الطبراني.
د- حماد بن أسامة: كما في مصنف ابن أبي شيبة عنه عن مجالد به.
ه- زيد بن أبي أنيسة: كما عند الطبراني من طريق الرهاوي عنه عن مجالد به.
و- علي بن مسهر: كما عند ابن أبي شيبة عنه عن مجالد به.
فالحديث محفوظ مشهور عن مجالد عن الشعبي، رواه عنه ستة من الثقات، أربعة منهم من الأئمة الحفاظ، منهم اثنان من حفاظ الكوفة هما حماد بن أسامة، وإسماعيل بن أبي خالد الذي هو بإجماع أهل الحديث أحفظ أصحاب الشعبي[28]، وأعلمهم بحديثه وأرواهم له، والمقدم عليهم جميعاً عند الاختلاف في حديث الشعبي، ومع ذلك لا يروى هذا الحديث إلا عن مجالد عن الشعبي!
وكذا رواه عن مجالد يحيى بن سعيد القطان إمام أهل البصرة وحافظها، والمتشدد في الرواية، وكان لا يحبذ الرواية عن مجالد لشدة ضعف مجالد عنده ، ومع هذا اضطر لرواية هذا الحديث عنه؟!
وفيهم أيضا سفيان بن عيينة إمام أهل الحجاز وحافظهم؟!
فاجتمع على رواية هذا الحديث عن مجالد أئمة أهل الحديث من الحجاز والبصرة والكوفة قبل أن يعرف عن غيره؟!
بل إن ابن أبي شيبة حافظ أهل الكوفة لم يرو هذا الحديث في مصنفه ـ الذي جمع فيه فأوعى حتى بلغت مروياته نحو أربعين ألف رواية ـ إلا من طريق مجالد مع أنه أورد مرويات كثيرة جداً في شأن الدجال؟!
وهذا أحمد حافظ العراق على الإطلاق، وإمام أهل الحديث في زمانه – الذي انتقى مسنده من سبعمائة ألف رواية فاختار أجودها – وكان يرى أحاديث مجالد شبه الحلم، ومع ذلك يروي هذا الحديث من طريقه[29]؟!
ومجالد قال عنه في التهذيب (قال البخاري كان يحيى بن سعيد يضعفه، وكان ابن مهدي لا يروي عنه، وكان أحمد بن حنبل لا يراه شيئا، وقال ابن المديني قلت ليحيى بن سعيد مجالد قال في نفسي منه شيء، وقال أحمد بن سنان القطان سمعت ابن مهدي يقول حديث مجالد عند الاحداث أبي أسامة وغيره ليس بشيء، ولكن حديث شعبة وحماد بن زيد وهشيم وهؤلاء يعني إنه تغير حفظه في آخر عمره، وقال عمرو بن علي سمعت يحيى بن سعيد يقول لبعض أصحابه أين تذهب قال إلى وهب بن جرير اكتب السيرة عن أبيه عن مجالد، قال تكتب كذبا كثيرا لو شئت أن يجعلها لي مجالد كلها عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله فعل! وقال أبو طالب عن أحمد ليس بشيء يرفع حديثا كثيرا لا يرفعه الناس، وقد احتمله الناس، وقال الدوري عن ابن معين لا يحتج بحديثه، وقال ابن أبى خيثمة عن ابن معين ضعيف واهي الحديث، كان يحيى ابن سعيد يقول لو أردت أن يرفع لي مجالد حديثه كله رفعه، قلت ولم يرفعه؟ قال للضعف. وقال ابن أبي حاتم سئل أبي يحتج بمجالد قال لا.. وليس مجالد بقوي في الحديث، وقال النسائي ليس بالقوي ووثقه مرة، وقال ابن عدي له عن الشعبي عن جابر أحاديث صالحة وعن غير جابر وعامة ما يرويه غير محفوظة، وقال عمرو بن علي وغيره مات سنة أربع وأربعين ومائة في ذي الحجة حديثه عند مسلم مقرون.وقال يعقوب بن سفيان تكلم الناس فيه وهو صدوق، وقال الدارقطني مجالد لا يعتبر به، وقال الساجي قال محمد بن المثنى يحتمل حديثه لصدقه، وقال ابن سعد كان ضعيفا في الحديث، وقال العجلي جائز الحديث وكان يحيى بن سعيد يقول كان مجالد يلقن في الحديث إذ لقن، وقال البخاري صدوق، وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به).[30]
ثانيا : رواية داود بن أبي هند عن الشعبي:-
والرواية المشهورة عنه رواية حماد بن سلمة كما عند أحمد والنسائي في الكبرى وابن حبان والطبراني من طرق عن حماد عن داود به هذا هو الطريق المشهور.
وقد ضعف الأئمة حديث حماد عن داود بن أبي هند[31].
ولم يخرج البخاري عن حماد ولا عن داود بن أبي هند شيئاً أصلاً.
كما لم يخرج مسلم من حديث حماد إلا ما تابعه عليه الثقات، ولم يخرج عنه من روايته عن داود شيئاً تفرد به[32]، ولهذا لم يخرج هذا الإسناد في قصة تميم الداري.
إلا أنه تابعه خالد الطحان عن داود به كما عند الطبراني والروياني.[33]
وليس في كلا الروايتين تصريح من داود بالسماع من الشعبي وإنما رواه عنه معنعناً، وقد ذكر ابن حبان أن داود روى عن أنس خمسة أحاديث لم يسمعها منه، وأنه كان يهم إذا حدث من حفظه[34]، وذكر ابن حجر أنه رأى أنس بن مالك، ونقل عن الأثرم عن أحمد أن داود كثير الاضطراب والاختلاف.[35]
فإذا كان قد رأى أنساً وحدث عنه أحاديث لم يسمعها منه فهذا هو التدليس، وقد ذكره الدميني في المرتبة الثانية من المدلسين[36]، ولعل مسلماً لم يخرج هذه الرواية لتفرد حماد به عن داود، أو لعدم ثبوت تصريح داود بالسماع من الشعبي.
ثالثا : رواية عبد الله بن بريدة عن الشعبي:-
وهي الأصل الذي قدمه مسلم في الباب وأصح شيء عنده فيه!
ولم يروه عن ابن بريدة إلا حسين المعلم ولا عن حسين إلا عبد الوارث بن سعيد ولا عن عبد الوارث إلا ابنه عبد الصمد ؟!
ومن طريق عبد الصمد رواه مسلم وأبو داود والطبراني.
وفي هذه الرواية علل :
1 ـ فهي رواية غريبة لم تشتهر إلا عن عبد الصمد عن أبيه.
وقد رواه الطبراني عن حفص بن عمر الصباح عن عبد الله بن عمرو عن عبد الوارث به.[37]
إلا أن الصباح هذا متكلم فيه، فقد قال عنه أبو أحمد الحاكم: حدث بغير حديث لم يتابع عليه.[38]
وقال عنه الذهبي ليس بالمتقن.[39]
ولم أجد من تابعه على روايته هذه إلا إبراهيم بن فهد عند ابن مندة[40]، غير أن ابن فهد متهم بالكذب وأحاديثه مناكير وأمره مظلم.[41]
فلا ينتفع بمتابعته، والصحيح أن هذه الطريق لا تكاد تثبت إلا عن عبد الصمد وعنه رواه الناس، والحديث حديثه عن أبيه، وقد تكلم الأئمة في عبد الصمد فقال عنه أبو داود: (يحتمل التلقين).[42]
وقال أبو حاتم: (صدوق صالح الحديث).[43]
وقال عنه ابن قانع: (ثقة يخطىء).[44]
وقال ابن معين: (يقول في كتبه حدثنا حدثنا، ولم يكن في كتابه حدثنا، رأيت كتابه فلم أر فيه: حدثنا).[45]
أي أن في أصوله (فلان عن فلان) بالعنعنة إلا أنه عند الأداء يحملها كلها على التحديث فيقول: (فلان ثنا فلان) لأنه ليس من أئمة هذا الفن ولا من الحفاظ المتقنين ولهذا قال عنه ابن حجر: (صدوق).[46]
وقد كان ابن معين لا يعتد بمثل هذه الصيغة إلا إذا كانت من حافظ ثبت وأثبتها كذلك في كتابه عند التحمل ولهذا قال: (ليس الحافظ عندنا إلا من كان في كتابه (حدثنا) فإن لم يكن في كتابه (حدثنا) وقال (حدثنا) فليس بشيء)[47] وما ذلك إلا لكثرة الوهم وسبق اللسان إلى صيغة (حدثنا).
فلذا لا يمكن الاحتجاج بقول عبد الصمد (حدثنا أبي قال سمعت حسيناً المعلم حدثنا عبد الله بن بريدة حدثنا الشعبي) على إثبات السماع بين حسين المعلم وابن بريدة أو بين ابن بريدة والشعبي؛ لأنه لا وجود لهذه الصيغة في أصل كتابه – على فرض وجود هذا الحديث فيه – وإنما أحاديثه معنعنة كما قال ابن معين.
فإذا كان عبد الصمد صدوقاً، ويحتمل التلقين، ويخطىء في حديثه، وجب التحري في قبول ما انفرد به، وقد توبع من عبد الله بن عمرو لولا أنه من رواية ابن الصباح عنه وليس بالمتين، وعلى كل حال فالمتابعة ترجح ثبوته عن عبد الوارث بن سعيد.
2 ـ كما أن حسيناً المعلم مع كونه ثقة إلا أنه متكلم فيه أيضا، فقد ذكره العقيلي في الضعفاء وقال عنه: (مضطرب الحديث)[48]، وروى عن يحيى بن سعيد القطان ـ وهو تلميذه ـ قوله عنه: (فيه اضطراب)[49]، وذكره ابن الجوزي في الضعفاء وقال(قال يحيى فيه اضطراب وقال العقيلي ضعيف وقد أخرج البخاري ومسلم عنه).[50]
3 ـ وكذا عبد الله بن بريدة متكلم فيه، فقد ذكره العقيلي في الضعفاء، وروى عن أحمد ما يدل على ضعفه عنده.[51]وقد ذكر ابن حجر عن أحمد قوله: (أما سليمان بن بريدة فليس في نفسي منه شيء وأما عبد الله! ثم سكت)[52]. وقال أيضاً: (ضعيف فيما يروي عن أبيه)[53] ونقل عن إبراهيم الحربي قوله:(لم يسمعا من أبيهما وفيما روى عبد الله عن أبيه أحاديث منكرة).[54]
وقال الجوزجاني: (قلت لأبي عبد الله: سمع عبد الله من أبيه؟ قال: ما أدري عامة ما يروى عن بريدة عنه. وضعّف حديثه)[55].
فإذا ثبت ما قاله إبراهيم الحربي أنه لم يسمع من أبيه شيئاً فإن روايته عنه حينئذ تكون تدليساً، إذ أنه لا خلاف في أنه أدرك أباه وعاصره مدة طويلة، إذ توفي بريدة سنة 63هـ[56]، وولد عبد الله سنة 15هـ، وتوفي سنة 115هـ[57]، أي كان له عند وفاة أبيه نحو خمسين سنة تقريباً ففي شك أحمد وتردده في سماعه من أبيه وصم له بالتدليس إذ لم يحمل عنعنته عن أبيه على السماع.
ومن كان هذا حاله لا يحتج بما رواه إلا إذا صرح بالسماع ممن روى عنه، ولعله لهذا السبب تحاشى البخاري روايته عن أبيه فلم يخرج منها مع كثرتها إلا حديثاً واحداً في المغازي.[58]
4 ـ وعلى فرض ثبوته عن ابن بريدة فقد اضطرب في روايته لهذا الحديث اضطرابا شديدا، وقد سئل الدارقطني عن حديثه هذا فقال :( يرويه عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن فاطمة. وخالفه بشير بن المهاجر فرواه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفه حسين المعلم فرواه عن ابن بريدة عن الشعبي عن فاطمة).[59]
وقد رواها ابن حبان[60] عن هارون بن عيسى، عن الفضل بن موسى، عن عون بن كهمس، عن أبيه، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر عن فاطمة به.
فاجتمع في طريق ابن بريدة ضعف في بعض رواته، وغرابة في إسناده، واختلاف على راويه في روايته.
رابعا : رواية قتادة عن الشعبي:
وفي هذه الطريق علل هي :
1 ـ غرابة في إسناده إذ لم يروها عن قتادة إلا هشام ولا عن هشام إلا ابنه معاذ ومن طريقه رواه الترمذي وقال: (غريب من حديث قتادة) وهو كما قال.
2 ـ ومعاذ متكلم فيه فقد قال عنه ابن معين: (ليس بذاك القوي)[61]، وقال أيضاً: (لم يكن بالثقة إنما رغب فيه أصحاب الحديث للإسناد وليس عند الثقات الذين حدثوا عن هشام هذه الأحاديث)[62]، أي التي ينفرد بروايتها معاذ عن أبيه عن قتادة دون باقي أصحاب هشام الحفاظ لحديثه.
وقد سئل عنه أبو داود: أحجة هو؟ فقال: (أكره أن أقول شيئاً كان يحيى لا يرضاه .. وأظنه يحيى القطان).[63]
وهذا من الأحاديث التي تفرد بها عن أبيه عن قتادة، وليس مثله من يقبل منه مثل هذا التفرد عن إمامين كبيرين اعتنى الحفاظ بجمع حديثهما، بل لو تفرد هشام عن قتادة لعدّ حديثه منكراً[64]، حتى يتابع على روايته لعناية أصحاب قتادة بحديثه وحفظهم له كشعبه بن الحجاج وسعيد بن أبي عروبة وهمام.[65]
وقد قال ابن حجر عن معاذ: (صدوق ربما وهم).[66]
3 ـ ثم إنه على فرض ثبوت الحديث عن قتادة فإن فيه علة تمنع من الحكم له بالاتصال والصحة، وهي عنعنة قتادة وهو مشهور بالتدليس وممن لا تقبل عنعنته.[67]
وقد قال الدار قطني في حديث رواه قتادة عن الشعبي معنعناً: (لم يرفعه عن الشعبي غير قتادة وقتادة مدلس لعله بلغه عنه)[68]، بل قال يحيى بن معين: (لم يسمع من الشعبي)[69] وكذا قال البسوي: (لم يسمع قتادة من الشعبي إنما أرسل عنه).[70]
ومعلوم أن مرسل قتادة من شر أنواع المرسل وأشده ضعفاً لأنه حافظ لا يكاد ينسى من حدثه فلا يسقط الواسطة إلا إذا كان لا يستجيز التصريح باسمه لضعفه، ولهذا كان يحيى القطان يرى مراسيل قتادة شبه الريح وأنها لا شيء.[71]
فلو سلمت هذه الرواية من غلط معاذ ووهمه، لم تسلم من إرسال قتادة وتدليسه، إذ ربما بلغه الحديث عن مجالد لشهرته عنه فرواه عن الشعبي وأسقط اسم مجالد، فكيف وقد نص الأئمة على عدم سماعه أصلا من الشعبي شيئا !!
خامسا: رواية غيلان بن جرير عن الشعبي:-
وفيها علل هي :
1 ـ غرابة في الإسناد، إذ لم يروها عن غيلان إلا جرير بن حازم، وعنه ابنه وهب بن جرير، وقد رواه مسلم من طريقين عن وهب عن أبيه عن غيلان.
2 ـ ضعف في الإسناد، فوهب متكلم فيه وقد ذكره ابن عدي في الضعفاء وذكر كلام عفان وابن مهدي فيه وساق له حديثين أنكرهما[72]، وكذا ذكره العقيلي في الضعفاء[73]. إلا أنه توبع على روايته كما سيأتي.
وأبوه جرير متكلم فيه أيضاً فقد قال عنه أحمد: (كثير الغلط)[74] وقال ابن حبان: (كان يخطىء لأن أكثر ما كان يحدث من حفظه)[75] وذكره العقيلي في الضعفاء.[76]
3 ـ عنعنة وتدليس ، فقد روى العقيلي عن حماد بن زيد إنكاره عليه تصريحه بالسماع.[77]
وقال أحمد: (كان سجية في جرير بن حازم يقول: حدثنا الحسن قال حدثنا عمرو بن تغلب، وأبو الأشهب يقول: عن الحسن قال: بلغني أن النبي e قال لعمرو بن تغلب)؟!![78]
فلا ينتفع والحال هذه بتصريحه بالسماع بين غيلان والشعبي.
وهو أيضاً مدلس[79] وقد قال في روايته هذه (سمعت غيلان يحدث عن الشعبي) وليست هذه العبارة صريحة في سماع غيلان من الشعبي وليست في قوة (غيلان عن الشعبي) أو (غيلان حدثنا الشعبي) بل تحتمل أن غيلان كان يحدث عن الشعبي بواسطة أو بما بلغه عن الشعبي كأن يقول: (قال الشعبي) أو: (بلغنا عن الشعبي) فكل ذلك يصدق عليه أنه كان يحدث عن الشعبي، ومما يؤكد ذلك أن الطبراني[80] وابن مندة[81] أخرجاه من طريق موسى بن إسماعيل عن جرير وفيه (سمعت غيلان يحدث عن الشعبي) مما يثير الشك في عدوله عن الصيغة التي يستخدمها دائماً وهي (حدثنا فلان حدثنا فلان) إلى مثل هذه العبارة الموهمة التي تشعر بعدم اتصال السند فقد يكون نسي الواسطة التي ذكرها غيلان كما يحدث منه ذلك كثيراً[82] لكونه يحدث من حفظه ويخطىء، أو يكون قد دلسه وأسقط الواسطة قصداً لضعف هذه الواسطة، فقد روى أحمد عن وكيع وابن مهدي وعفان ثلاثتهم عن جرير قال سمعت أبا فروة قال حدثنا جار لنا عن شريح القاضي …إلخ.
قال عفان: ثم ذكرت للأغضف حديث جرير عن أبي فروة. فقال أي الأغضف حدثني أي جرير عن الحسن بن عمارة عن أبي فروة ؟!!! [83]
وهذا وهم فاحش، أو تدليس شنيع عن رجل كمثل الحسن بن عمارة المتروك لضعفه[84]، ولعله لهذا السبب تجنب أحمد رواية جرير هذه مع أنها عند شيخه موسى بن إسماعيل.
وعليه فلا يمكن الاحتجاج بمثل هذه الصيغة ما دام قد ثبت أن جريراً يتساهل في استخدام عبارات التحديث ويصرح بالسماع فيما هو في الأصل مروي بالعنعنة، كما أنه مدلس أيضاً ويدلس عن مثل الحسن بن عمارة.
وقد يعتذر لمسلم بأنه إنما أخرج هذه الرواية في المتابعات التي لا تخلو من ضعف[85]، وإنما اعتمد على رواية ابن بريدة.
ثم إن جريراً من تلاميذ مجالد ويروي عنه السيرة[86] مما يدل على كثرة حديثه عنه فلا يبعد أن يكون سمع هذا الحديث منه فوهم على غيلان أو دلسه عنه، فإن له أوهاماً عجيبة عن كثير من شيوخه.[87]
سادسا: رواية أبي الزناد عن الشعبي:-
وفيها علل:
1 ـ غرابة في الإسناد، فلم يروها عنه إلا المغيرة الحزامي، ولا عن المغيرة إلا يحيى بن بكير المصري، ومن طريقه رواه مسلم والطبراني، ولم يستطع الطبراني مع جمعه للغرائب أن يجد متابعاً ليحيى بن بكير أو للحزامي عن أبي الزناد؟!
2 ـ ضعف في ابن بكير مع جلالته، وقد قال النسائي عنه: (ضعيف) و (ليس بثقة)[88]، وقال أبو حاتم: (لا يحتج به)[89]، وقال يحيى بن معين فيه: (ليس بشيء).[90]
وشيخه الحزامي مع كونه ثقة فقد ذكره ابن عدي في الضعفاء، وروى عن ابن معين قوله فيه: (الحزامي صاحب أبي الزناد ليس بشيء)[91]، وقال أيضاً: (ضعيف الحديث)[92]، وقال النسائي: (ليس بالقوي)[93]، وقد ذكر ابن عدي أنه روى عن أبي الزنـاد ما لا يوافقه عليه الثقات.
ولا ريب أن هذا الحديث منها إذ أنه تفرد بروايته عن أبي الزناد وهو من كبار علماء المدينة وحفاظهم الذين اعتنى العلماء بجمع حديثهم وله كثير من التلاميذ[94]، ففي تفرد المغيرة بهذا الحديث عنه ما يوهنه ويقضي عليه بالحكم بالنكارة والرد.
3 ـ ومما يزيد الشك في حديثه هذا أن إسحاق بن أبي فروة المدني يروي عن أبي الزناد عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس قصة طلاقها وهو جزء من حديث الشعبي هـذا عنها.
ولا يروي هذا الحديث عن إسحاق إلا الليث كما عند ابن ماجه[95] والطبراني.[96]
والحزامي وابن أبي فروة كلاهما مدني ومن طبقة واحدة؟! ويحيى بن بكير والليث بن سعد كلاهما مصري؟! ويحيى من تلاميذ الليث بن سعد وأكثر الناس رواية عنه؟! وإسحاق بن أبي فروة متروك ليس بثقة[97]. وهو كثير الحديث روى عنه الليث نسخة طويلة وعامة أحاديثه مناكير لا يتابعه عليها أحد في أسانيدها ولا متونها.[98]
فالظاهر أن الحزامي تلقف هذا الحديث من إسحاق ودلسه عنه فرواه عن أبي الزناد معنعناً، فلم يصرح بالسماع من أبي الزناد لا عند مسلم ولا عند الطبراني!
وعلى كل حال فحديث أبي الزناد عن الشعبي عن فاطمة في قصة طلاقها محفوظ من رواية الليث بن سعد عن إسحاق بن أبي فروة عن أبي الزناد، فإما أن يحيى بن بكير وهم فيه على الحزامي أو أن الحزامي دلسه وأسقط ابن أبي فروة من الإسناد.
وعليه فالإسناد فيه ضعف من جهة الرواة، وعنعنة بين الحزامي وأبي الزناد، وغرابة من هذا الوجه إذ لا متابع ليحيى، ولا للحزامي، ولا يعرف هذا الحديث عن أبي الزناد من وجه تقوم به الحجة.
ويعتذر عن مسلم بأنه أورده في المتابعات لا في الأصول.
سابعا: رواية سيار العنـزي عن الشعبي:
ولم يروها عنه إلا قرة بن خالد وقد اختلف عليه:-
ففي رواية مسلم: (ثنا سيّار ثنا الشعبي).
وعند الطبراني من طريق حماد بن مسعدة[99] وسعيد بن الربيع[100]، وعند البغوي من طريق سهل بن حماد[101] ثلاثتهم عن قرة بن خالد قال: (عن سيّار)، وقال حماد وسهل (عن الشعبي) معنعناً ليس فيه التصريح بالسماع.
وكذا رواه عنه أبو داود الطيالسي (ثنا قرة ثنا سيار عن الشعبي).[102]
وقد كان أحمد ينكر دخول التحديث في كثير من الأسانيد ويقول هو خطأ أي ذكر السماع[103]،وكان لا يسلم من الوقوع في مثل هذا الوهم حتى كبار الحفاظ[104]،لدقته وخفائه، ولهذا كان يحيى بن معين لا يقبل منه إلا ما كان محفوظاً كتابة.
وقرة بن خالد وإن كان ثقة إلا أنه قد رأى أنساً وروى عنه، مع أنه لم يسمع منه شيئاً[105]، وهذا هو التدليس فقد عرفه ابن حجر فقال: (من ذُكر بالتدليس أو الإرسال إذا روي بالصيغة الموهمة عمن لقيه فهو تدليس أو عمن أدركه ولم يلقه فهو المرسل الخفي أو عمن لم يدركه فهو مطلق الإرسال)[106]، وقال ابن رجب: (من يحدث عمن رآه بما لم يسمعه منه فإنه لا يقبل منه حديثه حتى يصرح بالسماع ممن روى عنه… ولم يعتبر الشافعي أن يتكرر التدليس ولا أن يغلب على حديثه بل اعتبر تدليسه ولو بمرة واحدة).[107]
وعبارة الشافعي: (من دلس مرة فقد أبان لنا عن عورته… فقلنا لا نقبل من مدلس حديثاً حتى يقول فيه (حدثني) و (سمعت))[108].
بل إن الأئمة ربما توقفوا في قبول عنعنة الثقة وإن لم يكن مدلساً إذا كان متن الحديث منكراً ويرون أن العنعنة كافية للقدح في صحة مثل هذا الخبر قال المعلمي: (إذا استنكر الأئمة المحققون المتن وكان ظاهر السند الصحة فإنهم يتطلبون له علة قادحة فإذا لم يجدوا علة قادحة مطلقاً أعلوه بعلة غير قادحة مطلقاً ولكنهم يرونها كافية للقدح بذلك المنكر، فمن ذلك إعلاله بأن راويه لم يصرح بالسماع هذا مع أن الراوي ليس مدلساً…)[109] ثم ذكر على ذلك أمثلة من صنيع الأئمة.
ومن ذلك قول أبي حاتم في حديث رواه أبو صالح عن الليث بن سعد فأنكره فقال: (ولم يذكر أيضاً الليث في هذا الحديث خبر (أي تصريح بالسماع) ويحتمل أن يكون سمعه من غير ثقة ودلسه ولم يروه غير أبي صالح)[110]؟!.
مع أن الليث إمام كبير ولم يوصف بتدليس، وكذا أبو صالح لم يوصف بتدليس بل قال عنه أبو حاتم (حسن الحديث… صدوق أمين).[111]
وقرة بن خالد مع كونه ثقة إلا أن ابن مهدي غض من درجته عن درجة جرير بن حازم ـ وكلاهما من شيوخه ـ فقد قال: (جرير أوثق عندي من قرة بن خالد)[112]، وفي رواية (فوق قرة)[113]، فإذا كان جرير الذي قال عنه أحمد: (يحدثهم بالتوهم أشياء عن قتادة يسندها بواطيل… كأن حديثه عن قتادة غير حديث الناس)، وقال عنه أيضاً: (يروى عن أيوب عجائب) وقال عنه يحيى بن معين أنه ضعيف في قتادة يحدث عنه عن أنس بأحاديث مناكير.[114]
وقال عنه مسلم في حديث رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري وأخطأ فيه: (جرير لم يعن بالرواية عن يحيى إنما روى من حديثه نزراً ولا يكاد يأتي بها على التقويم والاستقامة…)[115] ،فإذا كان هذا حال جرير فلم يجعله ابن مهدي أوثق من خالد وفوقه إلا وقد رأى من خالد بن قرة ما يغض من مكانته ودرجته، وقد نقل البسوي عن علي بن المديني هذا الحوار مع أحد شيوخه: (قال علي: كان يحدثني عن الشيخ فيقول: قال حدثني قال أخبرني.
فأفرح به. فيقول: تفرح بهذا؟! لم يكن ممن يعتمد عليه في هذا قرة.
سمعت الحسن قال سمعت صعصعة!!
يقول: هكذا هو).[116]
وهذا النص مشكل إلا أنه يمكن فهمه على ضوء ما رواه العقيلي[117] عن علي بن المديني وحواره مع ابن المهدي في شأن تفضيله جرير على قرة وقد قال علي له بعد ما سمع منه هذا التفضيل: (أحفظ هذا عنك؟ قال: نعم) خاصة وأن البسوي نقل عبارة علي السابقة في معرض كلام البسوي عن طبقات أصحاب الحسن البصري وترتيب درجاتهم في الحفظ والإتقان وقد جعل قرة وجريراً في أواسطهم.
فيظهر أن الشيخ الذي كان يحاوره علي بن المديني ـ كما في نص البسوي ـ هو ابن مهدي، وكان حديثهما عن أحد الشيوخ الذين يصرحون بالسماع في الأسانيد المروية أصلاً بالعنعنة فكان علي بن المديني إذا سمع مثل هذا التصريح فرح به إلا أن شيخه ابن مهدي نبهه إلى عدم الاعتداد بمثل هذا التصريح إذا كان ممن لا يعتد به ولا يعتمد عليه، لأن هذا الشيخ يقول: (سمعت فلاناً يقول حدثنا فلان) على السجية والطبع ولا يتحرى الدقة في أداء صيغ التحديث فهو الذي يقول: سمعت الحسن قال سمعت صعصعة؟! بينما أصحاب الحسن يروونه عن الحسن بالعنعنة عن صعصعة.
وفي صحيح ابن حبان(..حدثنا قرة بن خالد عن الحسن قال: حدثني صعصعة بن معاوية قال: لقيت أبا ذر بالربذة وقد أورد رواحل له، فسقاها). [118]
وقال أحمد (ثنا يحيى بن سعيد عن قرة ثنا الحسن حدثني صعصعة بن معاوية قال : انتهيت إلى الربذة).[119]
بينما أخرجه ابن حبان(..حدثنا جرير بن حازم، حدثنا الحسن، قال: قال صعصعة بن معاوية عم الأحنف: أتيت أبا ذر بالربذة). [120]
وصيغة (قال قال صعصعة) أقرب إلى الانقطاع منها بالاتصال.
وقد رواه أصحاب الحسن يونس وحبيب وحميد وأشعث وأبو حرة والمفضل وعنبسة وعامر كلهم بالعنعنة بين الحسن وصعصعة (عن الحسن عن صعصعة).[121]
وكذا جاء عن هشام بن حسان في أكثر الروايات عن الحسن عن صعصعة. [122]
فعامة أصحاب الحسن الحفاظ الأثبات يروونه عنه عن صعصعة بالعنعنة،وقد رواه قرة بن خالد بإثبات السماع بين الحسن وصعصعة، وكذا جاء في بعض الروايات عن جرير وهشام بن حسان.
وقد عاب ابن مهدي من روى عن (الحسن سمعت صعصعة) ثم قال(لم يكن ممن يعتمد عليه في هذا قرة)؟ فعاب على قرة روايته الحديث مصرحاً فيه بالسماع.
والمقصود أن تفضيل ابن مهدي لجرير بن حازم ـ مع ما اشتهر عنه من الوهم في صيغ الأداء ـ على قرة بن خالد يشعر بأن قرة يقع منه شيء من هذا القبيل، وإن لم يكن يخطىء كجرير في رفع الموقوف ووصل المرسل ونحو ذلك من الأوهام، إذ لم يذكر عن قرة شيء من ذلك، فلا بد من حمل عبارة ابن مهدي في قرة على أهون المحامل وهو عدم ضبط صيغ الأداء.
ثم إن إسماعيل بن أبي خالد – وهو أحفظ أصحاب الشعبي – من تلاميذ سيار أيضاً، وكذا زيد بن أبي أنيسة من تلاميذ سيار[123]، وبعيد أن يكون الحديث عند سيار عن الشعبي، ويرويه إسماعيل وزيد عن مجالد، فيحتمل أن سياراً إنما يرويه عن مجالد هو أيضاً ويحتمل أن قرة دلسه.
ومما يؤكد ذلك أن حافظ البصرة ابن أبي عاصم (ت287هـ)[124] قد ذكر حديث الشعبي عن فاطمة في قصة طلاقها فقال: (وممن رواه عن الشعبي: ابن بريدة وقتادة وسلمة بن كهيل وأبو إسحاق والمغيرة وإسماعيل بن أبي خالد وسيار وداود بن أبي هند ومجالد وأبو الزناد والأشعث وزكريا)[125].
ثم ذكر من روى حديثها في الدجال فقال: (ابن بريدة وقتادة وغيلان وداود بن أبي هند ومجالد)[126] فلم يذكر سياراً هنا وذكره هناك مما يدل على أنه غير معروف من حديث سيار، وإلا لذكره إذ هو أولى بالذكر من مجالد.
ويعتذر عن مسلم بأنه إنما أورده متابعة لحديث ابن بريدة.
(8) رواية عمران بن سليمان عن الشعبي:-
ولم يروها عنه إلا عيسى بن يونس، كما عند ابن حبان إلا أنها عنده من طريق عبد الملك بن سليمان القرقساني عن عيسى بن يونس عن عمران.
وهذا إسناد ضعيف معلول فقد ذكره العقيلي في الضعفاء وقال: (عبد الملك بن سليمان عن عيسى بن يونس حديثه غير محفوظ)[127].
ولم يخرج له ابن حبان في صحيحه إلا هذا الحديث، وعيسى بن يونس إمام حافظ روى عنه عشرات من الأئمة الحفاظ منهم علي بن المديني ويحيى بن معين ومسدد وأبو مسهر وابن أبي شيبة وغيرهم من الحفاظ الأثبات[128] الذين كتبوا حديثه فلا يقبل أن يتفرد عنه كمثل عبد الملك بن سليمان الذي ليس معدوداً في تلاميذه ولا معروفاً بالرواية عنه.
إلا أن الطبراني[129] رواه عن عبد الله بن الحسن الحراني ثنا عبد الله بن جعفر الرقي عن عيسى بن يونس به، وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات إلا أنه له علة، لأن عبد الله بن جعفر قد اختلط سنة 218هـ وظل يحدث حتى توفي سنة 220هـ وقال عنه النسائي: (ليس به بأس قبل أن يتغير)[130]، وقد ولد عبد الله بن الحسن سنة 206هـ[131] أي كان له اثنا عشرة سنة عندما اختلط ابن جعفر، وقد ذكر الخطيب البغدادي ما يدل على أنه قد سمع الحديث سنة 218هـ من النفيلي[132]، ولعله أول شيوخه، فيكون سماعه من ابن جعفر في حال اختلاطه قطعا، وعلى فرض ثبوت هذا الحديث عن عيسى بن يونس، فإن عمران بن سليمان غير معروف فقد ذكره البخاري[133] وابن أبي حاتم[134] فلم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان كعادته في ثقاته[135] وذكر أنه كوفي وقال عنه الأزدي: (يعرف وينكر)[136]، ولم يذكره العجلي في ثقاته مع أنه كوفي وهو أدرى وأعلم بأهل بلده من ابن حبان الذي اشتهر بتوثيق المجاهيل.
ثم إنه لم يصرح بالسماع من الشعبي في هذا الحديث بل رواه عنه معنعناً عند ابن حبان وعند الطبراني؟!
(9) رواية محمد بن أبي أيوب عن الشعبي:-
ولم يروها عنه إلا أبو نعيم الفضل بن دكين الحافظ واختلف عليه: فرواه الطبراني[137] عن علي بن عبد العزيز عن أبي نعيم عن محمد به مطولاً وفي آخره ألفاظاً غريبة لم يتابع عليها ومنها أن الدجال كان مسنداً ظهره إلى الجبل وأنه زفر فسار في الجبل ثم وقع ثم سار ثم وقع… إلخ؟!
ورواه الداني[138] بإسناد صحيح من طريق الحافظ أحمد بن أبي خيثمة عن أبي نعيم عن محمد به مختصراً ولفظه: (خرج رسول الله e يوماً فجلس على المنبر فقال: هذه طيبة – يعني المدينة – لا يدخلها الدجال، ليس منها نقب إلا عليه ملك شاهر السيف).
ولا شك أن رواية ابن أبي خيثمة الحافظ[139] أولى من رواية عبد العزيز البغوي، فقد كان النسائي لا يروي عنه ولا يرضاه مع كونه ثقة[140] وذكر ابن حجر ما يدل على تساهله عند القراءة عليه.[141]
وقد جاء في روايته ألفاظ غريبة لا يتابع عليها. ومحمد بن أبي أيوب لم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة شيئاً إلا مسلماً أخرج له حديثاً واحداً[142]، وقد قال عنه ابن حجر: (صدوق).[143]
(10) رواية أبي إسحاق الشيباني عن الشعبي:-
وقد ذكره الدارقطني في غرائبه فقال (غريب من حديث سليمان الشيباني عن الشعبي ما كتبناه إلا عن ابن عقدة).[144]
وقد رواها الطبراني[145] من طريق عثمان بن أبي شيبة عن محمد بن فضيل عن الشيباني به.
وعثمان بن أبي شيبة مع جلالته له أوهام ومناكير[146]، ومحمد متكلم فيه فقد قال ابن سعد: (بعضهم لا يحتج به)[147]وقال عنه ابن حاتم: (شيخ)[148] أي في (المنـزلة الثالثة يكتب حديثه وينظر فيه)[149] وهذه العبارة تفيد تليين حال الراوي لا تمتينه وهي إلى التضعيف أقرب منها للتوثيق.[150]
وقد ذكر مسلم حديثاً رواه محمد بن فضيل فقال: (فأما رواية ابن فضيل فوهم كله برمته الإسناد والمتن)[151] وقد قال عنه ابن حجر: (صدوق)[152] ،وقد تابعه على هذه الرواية أسباط بن محمد كما عند ابن منده[153] بإسناد لا بأس به من طريق أسباط عن الشيباني به، وأسباط أيضاً متكلم فيه قال عنه يحيى بن معين: (ثقة والكوفيون يضعفونه)[154]،وقال عبد الله بن المبارك في شأن محمد بن فضيل وإسباط بن محمد: (لا أرى أصحابنا يرضونهما)[155] وقد ذكره العقيلي في الضعفاء وقال: (ربما يهم في الشيء)[156]ومع ما فيهما من ضعف فإنه لم يصرح أحد منهما بالسماع من الشيباني ولا ذكرا سماعاً بين الشيباني والشعبي، وهما كوفيان وقد قال يزيد بن هارون: (قدمت الكوفة فما رأيت بها أحداً إلا وهو يدلس إلا مسعر بن كدام وشريكاً)[157] وقال الحاكم: (أكثر المحدثين تدليساً أهل الكوفة).[158]
ومما يدل أن هذا الحديث مدلس على الشيباني أن في آخره زيادة في الإسناد عن الشعبي عن ابن أبي هريرة عن أبيه وعن محمد بن القاسم عن عائشة بنحو حديث فاطمة، وهذه لا تعرف إلا من رواية مجالد كما سيأتي بيانه، وهذه المطابقة والمشابهة كافية في إثبات تدليسه عن مجالد.[159]
فهذه الطرق العشرة هي أمثل طرق حديث الشعبي، وقد ذكر الطبراني طرقاً أخرى كوفية لا تخلو من متروك أو منكر ، وليس في هذه الطرق العشرة طريق واحد يداني طريق مجالد في شهرته إذ رواه ستة من الثقات عنه، بينما لم يروه عن كل واحد من التسعة الباقين إلا راو واحد؟!! وأكثرها لا يكاد يثبت عمن روي عنه، بل إن أصح هذه الروايات وهي رواية ابن بريدة التي احتج بها مسلم وقدمها على سائر الروايات لم يروها عن ابن بريدة إلا حسين المعلم ولم يروها عن المعلم إلا عبد الوارث ولم يروها عن عبد الوارث إلا ابنه عبد الصمد على الصحيح؟!
وهذا يكشف مدى شهرة رواية مجالد وأن الحديث محفوظ عنه مشهور به، وأن الحديث حديثه، تواطأ على روايته عنه الأئمة الحفاظ، ورواه عنهم أصحاب المسانيد والمصنفات، بل إنه مشهور عن إسماعيل بن أبي خالد (ت 146هـ) ومجالد (144 هـ) ربما قبل أن يولد عبد الصمد (ت207هـ)؟!
وبعيد كل جدا أن يشتهر حديث كل هذه الشهرة عن ضعيف كمجالد وهو يوجد عند غيره من الثقات، ومن عرف حال أهل الحديث كسفيان بن عيينة ويحيى القطان وعنايتهم بجمع الحديث وتتبعه علم يقينا أنه لا يقع مثل ذلك عنده أبدا، وإنما لما اشتهر من حديث مجالد عن الشعبي، صار بعض الرواة يحدثون به ويدلسونه.
ثم إنه ليس في هؤلاء العشرة من هو معدود من أصحاب الشعبي إلا أربعة، وسيأتي بيان طبقات أصحاب الشعبي ومراتبهم.
المبحث الثالث: بيان طبقات أصحاب الشعبي:
وقد ذكر أحمد[160] وعلي بن المديني[161] وأبو داود[162] مراتب أصحاب الشعبي على النحو التالي:-
الطبقة الأولى: إسماعيل بن أبي خالد، وأبو حصين عثمان بن عاصم.
الطبقة الثانية: أبو إسحاق الشيباني، وداود بن أبي هند، ومطرف بن طريف، وبيان بن بشر، وحصين بن عبد الرحمن، وإسماعيل بن سالم، وفراس بن يحيى، وابن عون.
الطبقة الثالثة: مغيرة بن مقسم، وزكريا بن أبي زائدة، وعبد الله بن أبي السفر.
الطبقة الرابعة: مالك بن مغول، وعبد الملك بن حيان ابن أبحر، وأبو حيان التيمي.
الطبقة الخامسة: مجالد بن سعيد، ومحمد بن سالم.
الطبقة السادسة: أجلح بن عبد الله، وأشعث بن سوار، وجابر الجعفي.
الطبقة السابعة: داود بن يزيد الأودي، والسري بن إسماعيل.
فهذا ترتيب أصحاب الشعبي بحسب ما ظهر من عبارات هؤلاء الأئمة ولا يوجد بينهم كبير خلاف اللهم إلا في أصحاب الطبقة الثانية والثالثة في تقديم بعضهم أو تأخيره.
والطبقة الأولى هي طبقة الحفاظ، وقد اختار أكثرهم تقديم إسماعيل بن أبي خالد على جميع أصحاب الشعبي، وهو اختيار يحيى بن القطان والثوري وأحمد وابن معين بل وشيخه الشعبي كان أيضاً يفضله.
ثم الطبقة الثانية وهي طبقة الشيوخ الأثبات من أصحاب الشعبي.
ثم الثالثة وهي طبقة الثقات من أصحابه.
ثم الرابعة وهم مثل الثالثة إلا أنهم أقل معرفة بحديثه وأقل رواية عنه.
ثم الخامسة والسادسة طبقة الضعفاء من أصحاب الشعبي، ومجالد من أكثر أصحاب الشعبي رواية عنه إلا أنه ضعيف، والسادسة دون الخامسة في الضعف.
ثم السابعة وهي طبقة المتروكين من أصحاب الشعبي.
ومع كثرة طرق هذه الحديث عن الشعبي إلا أنه لم يروه من أهل هذه الطبقات إلا:-
1- إسماعيل بن أبي خالد، وهو أحفظ أصحاب الشعبي وأعلمهم بحديثه، إلا أنه إنما يرويه عن مجالد عن الشعبي.
2- وداود بن أبي هند، وهو من أهل الطبقة الثانية إلا أنه لم يصرح بالسماع وهو مدلس كما أن المحفوظ هو من رواية حماد بن سلمة عنه وفيها ضعف واضطراب.
3- والشيباني، وهو من الطبقة الثانية إلا أن الإسناد لا يكاد يصح إليه لضعف في رواته وعنعنة في إسناده.
4- ومجالد بن سعيد، وروايته أشهر الروايات على الإطلاق، رواها عنه ستة من الثقات منهم أربعة من الحفاظ الكبار؟!
ولهذا لم يذكر ابن أبي عاصم من روى هذا الحديث من أهل هذه الطبقات إلا (مجالد وداود بن أبي هند) ولم يخرجه أحمد في مسنده إلا من طريقهما، ولو كان عند أحد أثبت منهما لخرجه من طريقه مع أنه احتاط فيه إسناداً ومتناً وانتقاه من سبعمائة ألف رواية[163]، وقد قال ابن حجر: (مسنده أنقى أحاديث وأتقن رجالاً من غيره وهذا يدل على أنه انتخبه).[164]
ولعله لهذا السبب لم يخرجه البخاري في صحيحه، لأنه إنما يخرج عن الأئمة ما رواه عنهم أهل الطبقة الأولى وهي طبقة الحفاظ، فإن لم يجده عندهم نزل إلى أهل الطبقة الثانية وهي طبقة الشيوخ الأثبات[165]، فلما لم يجده عند أهل الطبقة الأولى إلا عند إسماعيل عن مجالد وهو ضعيف، ولا عند أهل الطبقة الثانية إلا عند داود من طريق حماد عنه ـ وليس واحد منهما على شرطه ولم يخرج لهما في صحيحه شيئاً ـ ترك هذا الحديث بالمرة وتنكب عن تخريجه لما لم يجده على شرطه.
وقد جاء مسلم فلم يجد هذا الحديث يثبت عن أهل الطبقات الأربع الأول وهم ثقات أصحاب الشعبي إلا عن داود بن أبي هند غير أنه من طريق حماد عنه، ولم يحتج مسلم بما رواه حماد عن داود، ولم يخرج له إلا ما تابعه عليه أصحاب داود[166]، فتركه لذلك ولعنعنة داود بن أبي هند، فاضطر أن يخرج الحديث من أربعة طرق أخرى ليس منها طريق واحد عن أحد من ثقات أهل هذه الطبقات ـ وهم أصحاب الشعبي وأعرف الناس بحديثه ـ فثبت بذلك أن الحديث لا يثبت عن الشيباني ولا عن أحد من ثقات أهل هذه الطبقات، وإلا لخرجه مسلم من طريقه ولما اضطر إلى تخريجه من طريق (ابن بريدة وسيار وغيلان وأبي الزناد) وليس أحد منهم من أهل الكوفة ولا من المعدودين في تلاميذ الشعبي وأصحابه، ولم يخرج البخاري عن أحد منهم من حديث الشعبي شيئاً إلا عن سيار[167] حديثين اثنين مما يرويه هشيم بن بشير وشعبة عن سيار عن الشعبي[168]، ولم يخرج البخاري ولا أحد من أصحاب الكتب الستة عن قرة بن خالد عن سيار شيئاً إلا مسلم وحده.[169]
ولم يخرج النسائي هذا الحديث في الكبرى إلا من طريق داود بن أبي هند ـ وليس هو في الصغرى ـ كما لم يخرجه ابن ماجه إلا من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن مجالد.
وقد أخرجه أبو داود من طريق إسماعيل عن مجالد، ومن طريق ابن بريدة، وكل ذلك دليل على أنه ليس عند أحد من أصحاب الشعبي إلا مجالد وابن أبي هند، ولم يصرح بالسماع من الشعبي وهو مدلس، فظهر أنه أخذه عن مجالد، إذ هما متعاصران في بلد واحد وهو العراق، ومشتركان في كثير من الشيوخ والتلاميذ،ووفاتهما متقاربة ما بين140 إلى 145 هـ .
وقد تفرد مسلم عن أصحاب الكتب السبعة فأخرجه من طريق (غيلان وسيار وأبي الزناد) وليس منها شيء محفوظاً، وقد يعتذر عن مسلم بأنه إنما أوردها في المتابعات واعتمد على رواية ابن بريدة وقد ذكر في مقدمة كتابه أنه يقدم من الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى ثم يتبع بأحاديث يقع في أسانيدها من ليس موصوفاً بالحفظ والإتقان.[170]
ولهذا قصرت رتبته عن صحيح البخاري قال ابن حجر: (فأكثر من يخرج لهم البخاري في المتابعات يحتج بهم مسلم، وأكثر من يخرج لهم مسلم في المتابعات لا يعرج عليهم البخاري)[171]وقال النووي: (عاب عائبون على مسلم روايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء…. الذين ليسوا على شرط الصحيح)[172]، ثم اعتذر بأعذار أقومها أنه إنما أخرج لهم في المتابعات لا الأصول.
والمقصود أن الروايات التي تفرد بها مسلم بل وحتى رواية ابن بريدة التي اتخذها أصلاً ليست سوى غرائب ومناكير، وأسانيدها لا تخلو من ضعف أو عنعنة مدلس، وكثرة طرقها عن الضعفاء والمدلسين لا يزيدها إلا وهناً على وهن لترك الثقات لها، ولو كانت صحيحة لكان الثقات أولى بها، وأكثر عناية بروايتها من الضعفاء والمدلسين وقد قال أحمد: (لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء)[173]، وقال أيضاً: (يطلبون حديثاً من ثلاثين وجهاً أحاديث ضعيفة وجعل ينكر طلب الطرق نحو هذا قال: هذا شيء لا ينتفعون به).[174]
ولا شك في أن رواية أبي الزناد منكرة لا أصل لها عن أبي الزناد ولم يروها إلا الحزامي ولا عن الحزامي إلا يحيى بن بكير؟!
كما أن رواية ابن بريدة غريبة لم يروها عنه إلا حسين المعلم ولا عن حسين إلا عبد الوارث واشتهرت عن ابنه عبد الصمد؟!
وكذا رواية غيلان لم يروها عنه إلا جرير بن حازم؟!
ورواية سيار لم يروها عنه إلا قرة بن خالد؟!
ورواية قتادة لم يروها عنه إلا هشام ولا عن هشام إلا معاذ،وقتادة لم يسمع من الشعبي؟!
وليس منها إسناد سالم من النقد، وليس فيها ما تقوم به الحجة لما فيها من العلل إما ضعف في رواتها أو عنعنة في أسانيدها. بينما رواية مجالد محفوظة عنه رواها عنه ستة من الثقات الأثبات؟!!
وأما باقي الروايات التي أخرجها الطبراني فأكثرها عن الضعفاء والمتروكين وأكثرها مروي بالعنعنة وقد ذكر ابن رجب[175] أن معاجمه مجمع للغرائب والمناكير، لأنه كلما تأخر العهد طالت الأسانيد، وكثرت الأوهام والتدليسات، وأولع الرواة بالغريب، وقد قال أحمد: (إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون: هذا الحديث غريب أو فائدة فاعلم أنه خطأ، أو دخل حديث في حديث، أو خطأ من المحدث، أو ليس له إسناد قائم، وإن كان قد روى شعبة أو سفيان)[176] فإذا كان هذا هو الحال في عصر أحمد فكيف هو بعد ذلك خاصة في حديث أهل العراق وقد قال الحازمي بعد ذكر التدليس: (وكان جماعة من ثقات الكوفيين والبصريين مولعين به ممن حديثه مخرج في الصحاح).[177]
ولا أدل على ذلك من حديث الشعبي هذا حيث تكاثرت طرقه على النحو التالي:-
1- رواه الحميدي المكي (ت219هـ) في مسنده عن سفيان بن عيينة عن مجالد.
2- ورواه ابن أبي شيبة الكوفي (ت235هـ) عن حماد بن أسامة عن مجالد وعن علي بن مسهر عن مجالد.
3- ورواه أحمد بن حنبل البغدادي (ت241هـ) عن يحيى القطان عن مجالد ومن طريق حماد عن داود بن أبي هند.
4- ورواه مسلم (ت261هـ) من طريق ابن بريدة وأبي الزناد وسيار وغيلان.
5- ورواه الطبراني (ت360هـ) في المعجم من طريق عشرين راو عن الشعبي؟!!
أي أن عدد الرواة تضاعف عشر مرات في مدة مائة سنة ما بين وفاة أحمد وتأليف الطبراني لمعجمه؟!
والغريب أن تكون أضعف الروايات هي أشهرها على الإطلاق فيرويها عن مجالد الكوفي أربعة من حفاظ وثقات الكوفة وهم إسماعيل بن أبي خالد، وحماد بن أسامة، وزيد بن أبي أونيسة، وعلي بن مسهر، وحافظ البصرة يحيى بن سعيد القطان، وحافظ الحجاز سفيان بن عيينة، ولا يجد ابن أبي شيبة وهو إمام أهل الكوفة رواية أصح منها يودعها في مصنفه.
بينما أصح الروايات التي احتج بها مسلم وقدمها على غيرها لا يرويها إلا ابن بريدة ولا عنه إلا حسين ولا عنه إلا عبد الوارث ولا عنه إلا ابنه عبد الصمد؟!
وما كان يحيى القطان ليروي عن مجالد مثل هذا الحديث وهو يجده عن غيره من الثقات، وما كان إسماعيل ليرويه عنه ـ وهو أعلم الناس بحديث الشعبي و أرواهم له ـ لو وجده عند أحد من أصحابه الثقات.
كل ذلك يؤكد شهرة حديث مجالد، وأنه محفوظ عنه، ومعروف به، والحديث حديثه، وعنه رواه الناس، وإن دلسه من دلسه فرواه عنه يحيى في البصرة، وحدث به سفيان في مكة، وحدث به حماد بن أسامة، وإسماعيل بن أبي خالد، وعلي بن مسهر في الكوفة، وحدث به زيد بن أبي أنيسة في الرها، ولا يوجد قط حديث يرويه ثقة وضعيف ثم يشتهر عن الضعيف دون الثقة، ومن عرف حال علماء الحديث، وشدة عنايتهم في تتبع أحاديث الثقات وجمعها وحفظها والتحديث بها والرحلة من أجل سماعها علم يقيناً أنه ما كان حديث مجالد هذا ليشتهر كل هذه الشهرة وهو عند غيره من الثقات، وقد كان مجالد حياً في عصر التدوين إذ توفي سنة 144هـ.[178]
وعلى كل فليس في كل أسانيد هذا الحديث إسناد واحد سالم من النقد، وكان بالإمكان أن يقوي بعضها بعضاً لولا أن الحديث مشهور عن مجالد، وغريب عن غيره، ولم تسلم هذه الغرائب من عنعنات المدلسين، فلا سبيل لأن يقوي بعضها بعضاً ما دامت تعود إلى مجالد، إذ أن جميع الرواة عن الشعبي هم من طبقة مجالد فلا يبعد ـ على فرض صحة الطرق إليهم ـ أنهم بلغهم عن مجالد أو سمعوه منه كما سمعه إسماعيل بن خالد فأخذوا يروونه عن الشعبي وأسقطوا اسم مجالد من الإسناد، فعادت كلها إلى طريق واحد، وقد قال العلائي: (بعض المراسيل رويت من وجوه متعددة مرسلة والتابعون متباينون فيظن أن مخارجها مختلفة وأن كلاً منها يعتضد بالآخر ثم عند التفتيش يكون مخرجها واحداً ويرجع كلها إلى مرسل واحد).[179]
فإذا كان بعض المرسل كذلك، فالمدلس أسوء حالاً لما فيه من حذف وإسقاط للواسطة والإيهام بالسماع واتصال الإسناد.
على أن قاعدة تقوية الحديث إذا كثرت طرقه ليست على إطلاقها[180]، ولا هي محل اتفاق فقد قال ابن حجر: (فأما ما حررناه عن الترمذي أنه يطلق عليه اسم الحسن من الضعيف والمنقطع إذا اعتضد فلا يتجه إطلاق الاتفاق على الاحتجاج به جميعه ولا دعوى الصحة فيه إذا أتى من طرق).[181]
فإذا ثبت ذلك وأن الحديث لا يثبت عن الشعبي إلا من طريق مجالد لزم البحث في المتابعات والشواهد عن غير الشعبي من التابعين وعن غير فاطمة من الصحابة.
المبحث الرابع: المتابعات لرواية الشعبي:
أولا : رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس:-
1 ـ رواها أبو داود[182] من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة به (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر العشاء الآخرة ذات ليلة ثم خرج فقال إنه حبسني حديث كان يحدثنيه تميم الداري عن رجل كان في جزيرة من جزائر البحر فإذا أنا بامرأة تجر شعرها قال ما أنت قالت أنا الجساسة اذهب إلى ذلك القصر فأتيته فإذا رجل يجر شعره مسلسل في الأغلال ينزو فيما بين السماء والأرض فقلت من أنت قال أنا الدجال خرج نبي الأميين بعد قلت نعم قال أطاعوه أم عصوه قلت بل أطاعوه قال ذاك خير لهم).
وعثمان قال عنه أحمد: (لا أجيزه)[183] وقال ابن نمير (كذاب) وقال ابن حبان: (يروي عن أقوام ضعاف أشياء يدلسها عن الثقات حتى إذا سمعها المستمع لم يشك في وضعها فلما كثر ذلك في أخباره ألزقت به تلك الموضوعات وحمل عليه الناس في الجرح فلا يجوز عندي الاحتجاج بروايته كلها على حالة من الأحوال لما غلب عليها من المناكير عن المشاهير والموضوعات عن الثقات)[184].
ورواه أبو يعلى[185] وابن أبي عاصم[186] والطبراني[187] من طرق عن ابن أبي ذئب إلا أن فيه ما يلي:-
أ- أنه من رواية ابن أبي ذئب عن الزهري وقد تكلم فيها الأئمة فكان يحيى القطان لا يرضى حديثه عن الزهري ولا يقبله. وقال يحيى بن معين: حديثه عن الزهري ضعيف[188].
ب- أن ابن أبي ذئب لم يصرح بالسماع من الزهري وقد عنعنه في كل الروايات وقد ثبت عنه أنه روى حديثاً عن عطاء ولم يسمعه منه[189]، وكذا حدث عن نافع حديثاً ولم يسمعه منه[190]. وهذا تدليس فلا يقبل منه إلا ما صرح فيه بالسماع.
ج- أن الزهري مع إمامته مشهور بالتدليس وقد جعله ابن حجر في الطبقة الثالثة[191] ،وهم الذين لا يقبل منهم إلا ما صرحوا فيه بالسماع، وقد رواه معنعناً.
د- أن ابن أبي ذئب تفرد به عن الزهري وليس هو من حفاظ أصحابه[192]، ولم يتابعه عليه أحد منهم كما لم يتابعه أحد من الثقات على روايته من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن مع كثرة من روى عنه فاجتمع في هذه الرواية ضعف وتدليس وغرابة فهي منكرة.
وقد رواه ابن أبي عاصم[193] والطبراني[194] من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن الزهري عن أبي سلمة به.
إلا أن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع قال عنه أبو داود: (ضعيف متروك الحديث).[195]
وإبراهيم بن إسماعيل من تلاميذ الزهري ومن طبقة ابن أبي ذئب وكلاهما مدني فلا يبعد أن يكون ابن أبي ذئب قد دلسه عنه.
2 ـ وقد رواه عن أبي سلمة أيضاً: الوليد بن عبد الله بن جميع واختلف عليه اختلافاً شديداً:-
فرواه أبو داود[196] من طريق محمد بن فضيل عنه عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله في قصة الجساسة؟
ورواه أحمد[197] عن أبي نعيم الفضل بن دكين عنه عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري في قصة النبي e مع
ابن صياد؟! وكذا رواه العقيلي من طريق أبي نعيم[198].
بينما رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده[199] عن يزيد بن هارون عنه عن أبي سلمة عن جابر في قصة ابن صياد؟!! وكذا رواه العقيلي من طريق يزيد بن هارون. [200]
كما روي عنه عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري في قصة الجساسة[201]؟!
وهذا تخليط فاحش من الوليد بن جميع فأحياناً يرويه عن أبي سلمة عن جابر تارة قصة الجساسة، وتارة في قصة ابن صياد. وأحياناً يرويه عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري تارة قصة الجساسة وتارة قصة ابن صياد؟!!
وقد قال ابن حبان: (ينفرد عن الأثبات بما لا يشبه حديث الثقات فلما فحش ذلك منه بطل الاحتجاج به)[202] وقال عنه الحاكم – مع تساهله -: (لو لم يخرج له مسلم لكان أولى).[203]
وقد قال الدارقطني عن رواية الوليد عن أبي سلمة عن جابر ورواية الزهري عن أبي سلمة عن فاطمة (قول الزهري أشبه بالصواب).[204]
كما أن محمد بن فضيل الذي روى عنه الحديث على أنه في قصة الجساسة متكلم فيه أيضاً، وقد خالفه من هو أحفظ منه: الحافظان يزيد بن هارون وأبو نعيم الفضل بن دكين إذ روياه عن الوليد على أنه في قصة ابن صياد لا قصة الجساسة إلا أنهما اختلفا عليه في اسم الصحابي فرواه يزيد بن هارون على أنه عن جابر، ورواه أبو نعيم على أنه عن أبي سعيد الخدري.
والصحيح أنه عن جابر كما رواه يزيد بن هارون ووافقه عليه محمد بن فضيل، وفي قصة ابن صياد كما رواه يزيد بن هارون ووافقه عليه أبو نعيم، فقد رواه أحمد[205] من طريق أبي الزبير عن جابر في قصة ابن صياد.
فاجتمع في رواية محمد بن فضيل عن الوليد عن أبي سلمة في قصة الجساسة:
1- ضعف في محمد بن فضيل.
2- مخالفة منه للحفاظ الأثبات.
3- ضعف شديد في الوليد بن جميع.
4- اضطراب فاحش منه في روايته هذه.
5- مخالفته لرواية من رواه عن الزهري عن أبي سلمة عن فاطمة ومع ضعف رواية الزهري إلا أنها أمثل حالاً من هذه الرواية.
6- تفرده بروايته هذا الحديث عن أبي سلمة عن جابر في قصة الجساسة كما نص على ذلك ابن عدي.[206]
ثانيا : يحيى بن يعمر عن فاطمة:-
رواها ابن حبان[207] عن هارون بن عيسى، عن الفضل بن موسى، عن عون بن كهمس، عن أبيه، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر به.
وهذا وهم بلا شك من عون على أبيه كهمس إذ المحفوظ عن ابن بريدة هو ما رواه حسين المعلم عنه عن الشعبي. وقد سئل أحمد عن عون هذا فقال: (لا أعرفه)[208] وقد قال عنه ابن حجر: (مقبول)[209] أي عند المتابعة وإلا فليّن ولم يتابع على هذه الرواية، بل ولا يعرف ليحيى بن يعمر رواية عن فاطمة بنت قيس، ولم يذكره أحد في الرواة عنها، وإنما سبق وهم عون إلى حديث أبيه عن ابن بريدة عن ابن يعمر عن ابن عمر في قصة جبريل وسؤال النبي e عن الإسلام والإيمان والإحسان وهو حديث مشهور فقد رواه ابن حبان من طريق كهمس عن ابن بريدة عن يحيى.
فلما جاء عون يحدث بحديث أبيه عن ابن بريدة عن الشعبي عن فاطمة سبق وهمه أو دخل في كتابه إسناد في إسناد أو سبق لسانه إلى يحيى بن يعمر بدل الشعبي لشهرة حديث يحيى بن يعمر عن ابن عمر في قصة جبريل فإذا هذا الخطأ البيّن يصبح طريقاً آخر ومتابعة لحديث الشعبي؟!!!
وهذه من الغرائب التي فاتت الطبراني مع كثرة ما جمع منها في تخريج حديث فاطمة؟!!
وعلى كل فهذه المتابعة منكرة للأسباب التالية:-
1- ضعف في عون بن كهمس.
2- ومخالفة للرواية المحفوظة عن ابن بريدة.
3- وتفرد بهذا الإسناد.
4- ولأنه لا يعرف – أصلاً – رواية ليحيى بن يعمر عن فاطمة.
5- ولمطابقة لفظه لحديث الشعبي حتى في قوله لفاطمة: (حدثيني بشيء سمعتيه من رسول الله e ولا تحدثيني بشيء لم تسمعيه من رسول الله e… إلخ).
وهذه عبارة الشعبي نفسها فثبت يقيناً خطأ عون وأنه لا دخل ليحيى بن يعمر في هذا الحديث.
كما وهم بشير بن المهاجر فرواه عن ابن بريدة عن أبيه بريدة في قصة الجساسة.
ذكره ابن أبي حاتم لأبيه وأبي زرعة الرازيين وسألهما ما علته؟ فقالا: (له عورة، روى عبد الوارث عن حسين بن ذكوان المعلم عن ابن بريدة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس عن النبي e في ذلك. قالا: فأفسد هذا الحديث حديث بشير).[210]
وإنما وهم بشير بن المهاجر ولزم الجادة إذ رواية ابن بريدة عن أبيه جادة مشهورة وأكثر حديث بريدة إنما يرويه عنه ابنه عبد الله فظن بشير أن حديث الجساسة منها.
وهذا اختلاف على ابن بريدة شديد، وقد سئل عنه الدارقطني فقال :( يرويه عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن فاطمة. وخالفه بشير بن المهاجر فرواه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفه حسين المعلم فرواه عن ابن بريدة عن الشعبي عن فاطمة).[211]
وهكذا تتكاثر الروايات والطرق بسبب أوهام الرواة وأخطائهم؟!
المبحث الخامس: الشواهد لحديث الشعبي:
أولا : حديث جابر بن عبد الله:-
رواه أبو داود من طريق محمد بن فضيل، عن الوليد بن جميع، عن أبي سلمة، عن جابر نحو حديث فاطمة.
وقد قال عنه ابن حجر: (أخرجه أبو داود بسند حسن)[212] ، وقد ثبت بما لا شك فيه أنه لا أصل له عن جابر، وإنما هو من تخاليط الوليد وأوهامه، إن لم يكن من أوهام محمد بن فضيل، وقد نص ابن عدي على أنه لم يتابع عليه، وعدّه في مناكير ، وكذا عده العقيلي في مناكيره، فلا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال شاهداً لحديث فاطمة وقد قال ابن الصلاح: (ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه… كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب أو كون الحديث شاذاً).[213]
والمنكر أشد ضعفاً من الشاذ ولا يمكن أن تكون أوهام الرواة وتخاليطهم عواضد وشواهد، وإلا فقد اضطرب الوليد في رواية هذا الحديث على أوجه فإذا الحديث قد صار أربعة أحاديث؟!!
ومما يدل على أنه لا أصل له عن جابر ما رواه البخاري[214] ومسلم[215]من طريق محمد بن المنكدر قال: (رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن صائد الدجال. فقلت: أتحلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي e فلم ينكره).
فهذا نص صريح في أن جابراً لم يسمع بقصة تميم الداري هذه وإلا لم يكن ليحلف على أن ابن صياد اليهودي في المدينة هو الدجال الذي في الجزيرة ولا شك أن ابن المنكدر إنما سمع هذا الحديث منه بعد وفاة النبيe.
فثبت يقيناً بطلان ما رواه الوليد عن أبي سلمة عن جابر وثبت خطأ قول ابن حجر أن إسناده حسن.
ثانيا : حديث عائشة:
ثالثا: حديث أبي هريرة :
وقد رواهما مجالد عن الشعبي في حديثه المشهور فقال بعد أن ذكر حديثه عن فاطمة: قال الشعبي فلقيت محرر بن أبي هريرة فحدثته فقال أشهد على أبي هريرة أنه حدثني بهذا وزاد: (إنه نحو المشرق).
قال الشعبي: ثم لقيت القاسم بن محمد فذكرت له حديث فاطمة فقال: أشهد على عائشة أنها حدثتني كما حدثتك غير أنها قالت: (الحرمان عليه حرام: مكة والمدينة).
كذا رواه عن مجالد: يحيى القطان وسفيان بن عيينة وعلي بن مسهر، وليس هو في رواية إسماعيل بن أبي خالد عنه عند ابن ماجه والآجري من طرق، وإن كان الطبراني قد جمع الأسانيد عن القطان وابن عيينة وإسماعيل وزيد بن أبي أنيسة ثم ساق متناً واحداً.
وقد قال ابن مهدي: (حديث مجالد عند الأحداث: يحيى بن سعيد القطان وأبي أسامة ليس بشيء)[216] فمع ضعف مجالد إلا أنه ازداد ضعفاً في آخر حياته بعد تغيره فرواية القطان وحماد بن أسامة وعلي بن مسهر منه أشد ضعفاً من رواية القدماء عنه ومنهم إسماعيل بن أبي خالد إذ هو من أقرانه، ومجالد ضعيف بل قال عنه ابن معين: (واهي الحديث) ـ كما سبق ذكره ـ فلا يمكن قبول تفرده عن الشعبي بثلاثة أحاديث: حديث فاطمة، وحديث عائشة، وحديث أبي هريرة، دون مئات الحفاظ الأثبات من أصحاب أبي هريرة وعائشة، ولو تفرد ثقة بمثل هذا لعد حديثه منكراً فكيف بمثل مجالد؟!
وقد جاءت مثل هذه الزيادة من طريق الشيباني عند الطبراني وابن مندة وثبت أن الحديث لا يصح أصلاً عن الشيباني عن الشعبي، وإنما هو حديث مجالد، ولم يصرح من راوه عن الشيباني بالسماع منه، ولا الشيباني بالسماع من الشعبي.
ثم على فرض صحة هذه الرواية عن الشعبي عن المحرر عن أبي هريرة فإن المحرر نفسه (مقبول) كما قال ابن حجر[217] أي حيث يتابع وإلا فلين فلا يمكن قبول تفرده بهذا الحديث دون كل أصحاب أبي هريرة.
وقد قال ابن حجر: (أخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن أبي هريرة)[218] إلا أن هذه الرواية أشد ضعفاً من رواية المحرر ، فقد أوردها ابن كثير في الملاحم[219] (قال الحافظ أبو يعلى ثنا محمد بن أبي بكر ثنا أبو عاصم سعد بن زياد ثنى نافع مولاي عن أبي هريرة…)، ثم قال ابن كثير: (حديث غريب جداً وقد قال أبو حاتم ليس بالمتين).
وقد قال أبو حاتم عن سعد بن زياد: (يكتب حديثه وليس بالمتين)[220] كما ذكر شيخه نافعاً فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً[221]، وقد ذكره ابن حبان في الثقات[222] ، وأورد له خبراً منكر عن أم قيس بنت محصن قالت: لو رأيتني ورسول الله e آخذ بيدي! في سكة من سكك المدينة حتى أتينا البقيع! فقال يا أم قيس يبعث من هذه القبور سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب… إلخ.
وقد رواه ابن شبه[223] ثم روى بعده ما يدل على أن هذا من كلام كعب الأحبار؟!
كما روى الطبراني في الأوسط[224] من طريق سعد عن نافع، عن قيس بن سلع الأنصاري حديثاً ثم قال: (لا يروى عن قيس إلا بهذا الإسناد تفرد به سعد)؟!
فهذا كل ما لنافع هذا من الحديث ـ فيما وقفت عليه ـ حديثه عن أم قيس، وعن قيس بن سلع، وعن أبي هريرة، وهي غرائب ومناكير لا يتابع على شيء منها، ولهذا تنكب الأئمة عن تخريج حديثه فليس له في الكتب الستة ولا المسند مع سعته شيء.
وقد ذكر ابن حبان في ثقاته كثيراً من المجاهيل حتى ممن نص هو على عدم معرفته بهم كما قال ابن حجر[225] ونقل عنه قوله: (من كان منكر الحديث على قلته لا يجوز تعديله إلا بعد السبر… هذا حكم المشاهير من الرواة أما المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء فهم متروكون على كل الأحوال)، وهذا يصدق على نافع فإنه لم يرو عنه إلا سعد بن زياد وسعد ضعيف، وليس لنافع من الحديث إلا النزر اليسير من الغرائب والمناكير فهو ـ على وفق قاعدة ابن حبان نفسه ـ متروك على كل حال فروايته عن أبي هريرة منكرة للعلل الثلاث:
1- ضعف في سعد بن زياد كما قال أبو حاتم عنه (ليس بالمتين).
2- جهالة في نافع إذ لا يكاد يعرف إلا من رواية سعد عنه.
3- غرابة في حديثه عن أبي هريرة كما قال ابن كثير.
ثم إن سعداً إنما يروي عنه أهل العراق، والبصريون[226] على وجه الخصوص فعاد الحديث من حيث خرج؟!
وأما طريق عائشة فلم يجد له الحافظ ابن حجر متابعاً فلم يزد على قوله: (أما حديث عائشة فهو في الرواية المذكورة عن الشعبي)[227] ولم يروه إلا مجالد بن سعيد على الصحيح، ولهذا تنكب أصحاب السنن الأربعة ومسلم عن تخريج هذه الزيادة مع نفاستها، ومع تخريج مسلم للحديث من أربعة طرق غريبة عن الشعبي إلا أنه لم يخرج هذه الزيادة لأنها لا تروى إلا عن مجالد، ولو صحت عن غيره ـ خاصة الشيباني ـ لخرجها مسلم في صحيحه أو ابن حبان أو لاستدركها الحاكم إذ فيها شاهدان عن صحابيين لحديث فاطمة فثبت يقيناً أنها لا تعرف إلا من حديث مجالد.
ثم على فرض صحة هذه الزيادة الإسنادية، فإنه لم يسق أحد لفظ حديث عائشة أو لفظ حديث أبي هريرة لمعرفة ما الذي تابعوا عليه فاطمة أهو حديثها في قصة تميم الداري أم ما روته من قول النبي e بعد ذلك: (إن طيبة المدينة ما لها طريق ضيق ولا واسع في سهل ولا جبل إلا عليه ملك شاهر سيفه إلى يوم القيامة ما يستطيع الدجال أن يدخلها)[228]؟
فالظاهر أن الشعبي إنما حدث المحرر بما حدثته فاطمة عن النبي e أن الدجال لا يدخل المدينة فقال المحرر أنه سمع من أبيه مثل ذلك وزاد: (نحو المشرق) ثم حدث الشعبي محمد بن القاسم فحدثه عن عائشة مثل ذلك وزاد :(الحرمان عليه حرام مكة والمدينة).
ومما يؤكد ذلك:
1ـ ما رواه ابن الأعرابي[229] من طريق موسى بن إسماعيل الحافظ عن الحسن بن أبي جعفر عن مجالد عن الشعبي عن المحرر عن أبيه قال: قال e: [لا يأتي الدجال المدينة إلا وجد عند كل نقب من نقابها ملكاً مصلتاً بالسيف] والحسن بن أبي جعفر قال عنه ابن حجر: (ضعيف الحديث مع عبادته وفضله).[230]
فكشفت هذه الرواية وميزت حديث أبي هريرة عن حديث فاطمة وأن المتابعة إنما هي في هذا القدر فقط.
2ـ ما رواه الحاكم[231] وتمام الرازي[232] من طريق عمرو بن أبي قيس، عن مطرف، عن الشعبي، عن ابن أبي هريرة، عن أبيه قال: قال النبي e: ((يخرج الدجال من ها هنا أو من ها هنا بل يخرج ها هنا يعني المشرق)) قال الحاكم: (صحيح الإسناد).
3ـ ما رواه أحمد[233]، والنسائي[234]، من طريق محمد بن أبي عدي، عن داود بن أبي هند، عن عامر الشعبي، عن عائشة قالت: قال النبي e: ((لا يدخل الدجال مكة ولا المدينة)).
وهذا إسناد رجاله ثقات، وفيه كشف داود بن أبي هند عن لفظ حديث عائشة، إلا أنه سقط من الإسناد الواسطة بين الشعبي، وعائشة ويبدو أن الذي أسقطه هو الشعبي نفسه فإنه كان يرسل عن عائشة.[235]
وقد قال المزي عن هذه الرواية: (كذا وقع في هذه الرواية والمحفوظ رواية الشعبي عن فاطمة).
وهذا دليل على أن المزي لا يرى رواية من رواه عن الشعبي من حديث عائشة محفوظة، والصحيح أن غير المحفوظ ما رواه مجالد عن الشعبي عن عائشة نحو حديث فاطمة عن تميم الداري وقصته، أما من رواه عن الشعبي عن عائشة نحو حديث فاطمة عن النبي e في أن الدجال لا يدخل المدينة فلا يبعد أن يكون محفوظاً عن الشعبي إذ هو ثابت عن عائشة من طرق أخرى كما سيأتي.
وقد سئل الدارقطني عن حديث مسروق عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الدجال لا يدخل مكة ولا المدينة) فقال (اختلف فيه على الشعبي :فرواه محبوب بن الحسن عن داود عن الشعبي عن مسروق عن عائشة.ورواه مسلمة بن علقمة عن داود عن الشعبي عن عائشة لم يذكر بينهما أحدا.ورواه الشيباني عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن عائشة. وقال مجالد : عن الشعبي عن القاسم عن عائشة. وقال السري بن إسماعيل:عن الشعبي عن مسروق مثل قول محبوب بن الحسن عن داود وهو مختصر من حديث ... الجساسة الذي يرويه الشعبي عن فاطمة بنت قيس).[236]
4ـ أن هذا القدر هو المحفوظ عن أبي هريرة وعن عائشة.
فقد روى البخاري[237] ومسلم[238]من حديث أبي هريرة: ((على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الدجال)) وفي رواية لمسلم: ((يأتي المسيح (أي الدجال) من قبل المشرق همته المدينة حتى ينـزل دبر أحد ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام وهنالك يهلك)) فقوله: [من قبل المشرق] هو مقصود المحرر: [إنه نحو المشرق] أي يأتي من تلك الجهة.
كما روى أحمد[239] وابن حبان[240] من حديث عائشة: ((فيسير [أي الدجال] حتى ينـزل بناحية المدينة وهي يومئذ لها سبعة أبواب على كل باب ملكان.. )).
وبهذه الأدلة يتضح صواب قول من قال بأن حديث فاطمة حديث فرد غريب وبان خطأ استدراك ابن حجر عندما قال: (توهم بعضهم أنه غريب فرد وليس كذلك فقد رواه مع فاطمة بنت قيس: أبو هريرة وعائشة وجابر).
فقد ثبت أن حديث جابر لا أصل له، وأنه من أوهام ومناكير الوليد بن جميع وتخاليطه كما نص عليه العقيلي وابن عدي، وأن حديث أبي هريرة وعائشة لم تذكر الروايات ـ التي أحالت على حديث فاطمة ـ لفظه وقد جاءت روايات عن مجالد نفسه ومن طريق آخر عن الشعبي فكشفت لفظ كل من أبي هريرة وعائشة وأنهما تابعا فاطمة على حديثها عن النبي e في أن الدجال لا يدخل المدينة فقط لا على كل حديثها في شأن الدجال وقصة تميم والجساسة.
فإذا ثبت ذلك وأن ما ظنه ابن حجر شواهد هي لا أصل لها، وإذا ثبت أن حديث فاطمة بنت قيس لا يثبت عن أبي سلمة عنها، ولا عن يحيى بن يعمر عنها، وأنه لا يثبت إلا من طريق مجالد ـ وحده ـ عن الشعبي عنها، فإن له عللاً أخرى على فرض ثبوته عنها منها:-
5ـ أن فاطمة صحابية مشهورة وليس لها سوى حديثين اثنين فقط:
الأول: حديث طلاقها وقول النبي e لها ((لا نفقة لك ولا سكنى)) لأنه لا رجعة لزوجها عليها، وخطبة النبي e إياها لأسامة بن زيد وهو حديث مشهور عنها، فقد رواه علماء الحجاز والعراق وعلى رأسهم فقهاء المدينة سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عتبة بن مسعود، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان.
ورواه أيضاً الأسود بن يزيد النخعي، والشعبي، وعبد الله بن البهي، وعبد الرحمن بن عاصم بن ثابت، وتميم أبو سلمة.[241]
وقد اشتهر عنها هذا الحديث منذ عهد عمر رضي الله عنها، وشغلت الناس به حتى قال ابن المسيب (تلك امرأة فتنت الناس)[242] وظلت تحدث به الناس إلى زمن عبد الله بن الزبير وكتبه عنها أبو سلمة بن عبد الرحمن في تلك الفترة[243]، أي أنها حدثت الناس بهذا الحديث منذ سنة 13هـ إلى سنة 73هـ تقريباً أي مدة ستين سنة ومع هذا كله لم يرو عنها أهل المدينة إلا هذا الحديث في شأن طلاقها، ولم يشتهر عنها سواه، وقد روى هذا الحديث من أصحاب الشعبي كبار أصحابه الحفاظ منهم إسماعيل بن أبي خالد، والشيباني، ومطرف، وسلمة بن كهيل، وأبو حصين، وابن أبي زائدة، والأعمش، وحماد بن أبي سليمان، ويونس بن إسحاق، وداود بن أبي هند، ومغيرة، وحصين، ومجالد، وأشعث، وغيرهم.
الثاني: حديث الشعبي عنها في قصة تميم والجساسة ولم يشتهر عنها إلا من طريق الشعبي، ولا عن الشعبي إلا من طريق مجالد!
وقد قال ابن حجر[244] عن حديثها الأول: (وهي قصة مشهورة) بينما قال عن حديثها الثاني: (وهي التي روت قصة الجساسة بطولها فانفردت بها مطولة رواها عنها الشعبي لما قدمت الكوفة على أخيها وهو أميرها) وذكر أن فاطمة من المهاجرات الأول وأنها كانت أكبر من أخيها الضحاك أمير الكوفة بعشر سنين.
لكن يشكل على هذا ما جاء في بعض روايات هذا الحديث كرواية مسلم[245]: (دخلنا على فاطمة بنت قيس فأتحفتنا برطب يقال له رطب بن طاب) وهو رطب المدينة المشهور، وفي رواية عند الطبراني[246] من طريق حماد بن زيد عن مجالد عن الشعبي قال (خالفنا أهل المدينة في سكنى المطلقة ونفقتها فقالوا لي: بيننا وبينك حديث فاطمة بنت قيس فأتيتها…) وهذا يؤيد أنه سمع منها في المدينة. وفي رواية عند الطبراني[247]: (لقيت فاطمة بنت قيس بالحرة…) وهي رواية ضعيفة إلا أنها يستأنس بها وعند الطبراني أيضاً[248]: (دخلت المدينة فجلست عند المنبر…) وهي ضعيفة إلا أنها ترجح أن سماع الشعبي منها كان في المدينة ولم أجد ما يؤيد قول الحافظ ابن حجر أنه سمع منها عندما قدمت على أخيها الضحاك الكوفة وهو أمير عليها إلا ما رواه البسوي في المعرفة والتاريخ[249] من طريق مجالد عن الشعبي قال قدمت فاطمة ابنة قيس على أخيها الضحاك بن قيس وكان عاملاً عليها فأتيتها فسألناها، فإن ثبت ما قاله الحافظ فيكون سماعه منها ما بين سنة 53هـ ـ 57هـ وهي المدة التي كان فيها الضحاك أميراً على الكوفة كما ذكره خليفة بن خياط في تاريخه.[250]
ويكون سنها آنذاك قد تجاوز السبعين سنة إذا افترضنا أن لها عندما هاجرت عشرين سنة على الأقل وقد كانت من أوائل المهاجرات في سبيل الله.
وإن لم يثبت قول الحافظ فيحتمل أن سماع الشعبي منها كان بعد ذلك في المدينة في زمن ابن الزبير إذ أن الشعبي ولد في حدود سنة 20هـ ـ كما في تهذيب التهذيب[251] ـ فيحتمل أنه سألها بعد أن أصبح فقيهاً يجادل فقهاء المدينة في مسألة فقهية كهذه المسألة فيحتجون عليه بحديث فاطمة ويحتكمون إليها ـ كما تدل عليه رواية مجالد عنه ـ وهذا يقتضي أن يكون قد بلغ من السن والعلم الدرجة التي تؤهله بلوغ هذه المنـزلة الرفيعة في نظر أهل المدينة.
وعلى كل حال فسماع الشعبي منها إنما كان بعد أن بلغ سنها السبعين سنة ـ على أقل تقدير ـ إن لم تكن بلغت الثمانين سنة أو أكثر.
وقد تكلم الصحابة رضي الله عنهم في حديث فاطمة الأول وردوا عليها روايتها وأنكروها وهو قولها أن النبي e لم يجعل للمطلقة ثلاثاً نفقة ولا سكنى حتى قال عمر: (لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت)[252] كما أنكرت عليها ذلك عائشة رضي الله عنها[253]، وقد أخذ أكثر العلماء بقول عمر وعائشة في قدحهما في صحة روايتها قال الطحاوي: (فهذا أبو سلمة يخبر أيضاً أن الناس قد أنكروا ذلك على فاطمة وفيهم أصحاب رسول الله e ومن لحق بهم من التابعين فقد أنكره عمر وعائشة وأسامة وسعيد بن المسيب مع من سمينا معهم ولم يعملوا به، وذلك من عمر بن الخطاب بحضرة أصحاب رسول الله e فلم ينكره عليه منهم منكر).[254]
وقال ابن عبد البر: (عمر وعائشة وابن عمر ينكرون على فاطمة أمر السكنى ويخالفونها في ذلك ومال إلى قولهم فقهاء التابعين بالمدينة)[255] وقال أيضاً: (أما الشافعي ومالك فإنه لم يثبت عندهما عن النبي e أنه قال لفاطمة لا سكنى لك ولا نفقة مع ما رأوا من معارضة العلماء الجلة لها في ذلك).[256]
وما كان للصحابة أن يقدحوا في روايتها ويردوها وهي تخبر عن رسول الله e أنه قضى في شأنها قضاءً، لولا أنه ثبت عندهم ما يقدح في حفظها وضبطها قال ابن حجر[257]: (لقد كان الحق ينطق على لسان عمر فإن قوله (حفظت أو نسيت) قد ظهر مصداقية في أنها أطلقت في موضع التقييد أو عمت في موضع التخصيص…) وقد قال إسماعيل القاضي: (وإذا كان هذا الإنكار كله وقع في حديث فاطمة فكيف يجعل أصلاً).[258]
6ـ أن في حديث فاطمة أن النبي e نادى في الناس: ((الصلاة جامعة)) وأنها كانت في الصفوف الخلفية مع النساء عندما قام النبي e خطيباً … إلخ ويستحيل عادة وقوع هذا الأمر الجامع للناس ثم لا يرويه ولا يخبر به إلا امرأة واحدة في الصفوف الخلفية؟!
بل جرت العادة أن تتوافر الهمم على رواية مثل هذا الحدث عند وقوعه وقد ذكر أبو يعلى ما يرد به خبر الواحد فقال: (أن ينفرد بما جرت العادة في نقله بالتواتر مثل أن ينفرد بنقل أن الخطيب سقط يوم الجمعة من المنبر فالعادة جرت بأن الواحد لا ينفرد بنقله فإذا انفرد به علمناه بخلاف العادة فرددناه).[259]
7 ـ ثم إن صاحب القصة نفسها وهو تميم الداري عاش في المدينة إلى سنة 35هـ ثم تحول إلى الشام وهي بلده وتوفي سنة 40هـ وكان أول واعظ وقاص في الإسلام، وعظ وقص في عهد عمر رضي الله عنه وقد روى عنه جماعة من الصحابة والتابعين[260] ، فلم يرو أحد منهم عنه هذه القصة مع ما فيها من غرابة ومنقبة له، إذ حدث عنه النبي e بهذه القصة فكيف تتفرد فاطمة برواية هذه القصة عن النبي e من دون الصحابة ثم تتفرد بها عن تميم أيضاً؟!
ولا يرويها عنه أحد من الصحابة، ولا أحد من أصحابه وتلاميذه ـ الذين رووا عنه حديثه ـ من أهل المدينة أو أهل الشام، وقد قال ابن القيم[261] في ما يستدل به على بطلان الخبر: (ومنها أن يدّعى على النبي e أنه فعل أمراً ظاهراً بمحضر من الصحابة كلهم وأنهم اتفقوا على كتمانه ولم ينقلوه… وكذلك رواية (أن الشمس ردت لعلي بعد العصر) والناس يشاهدونها ولا يشتهر هذا أعظم اشتهار ولا يعرفه إلا أسماء بنت عميس).
وهذا شبيه بخبر فاطمة بنت قيس.
8ـ ومما يزيد الشك في خبرها أن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفوا في شأن الدجال اختلافاً شديداً حتى كان جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد هو الدجال ويخبر أن عمر كان يحلف على ذلك عند النبي e فلا ينكر عليه.
وحديثه عند البخاري[262] ومسلم[263] وإنما كان جابر يحلف على ذلك بعد وفاة النبي e كما هو ظاهر الرواية إذ فيها أن محمد بن المنكدر ـ وهو تابعي ـ رآه يحلف على ذلك. كما روى مسلم أيضاً في صحيحه[264] من حديث أبي سعيد الخدري قال: (صحبت ابن صائد إلى مكة فقال لي: أما قد لقيت من الناس يزعمون أني الدجال…).
وفي رواية له: (مالي ولكم يا أصحاب محمد! ألم يقل نبي الله e ((إنه (أي الدجال) يهودي)) وقد أسلمت، قال: (ولا يولد له) وقد ولد لي، وقال: ((إن الله حرم عليه مكة)) وقد حججت. قال أبو سعيد: فما زال حتى كاد أن يأخذ فيّ قوله…).
وفي رواية لمسلم أيضاً أن ابن صائد قال: (يا أبا سعيد! لقد هممت أن آخذ حبلاً فأعلقه بشجرة ثم أختنق مما يقول لي الناس، يا أبا سعيد! من خفي عليه حديث رسول الله e ما خفي عليكم معشر الأنصار! ألست من أعلم الناس بحديث رسول الله e؟ أليس قد قال رسول الله e: ((هو كافر)) وأنا مسلم، أو ليس قد قال رسول: ((هو عقيم لا يولد له)) وقد تركت ولدي بالمدينة، أو ليس قال رسول الله e: ((لا يدخل المدنية ولا مكة)) وقد أقبلت من المدينة وأنا أريد مكة؟…).
وفي رواية لمسلم أن أبا سعيد كان يجيبه بقوله (بلى).
كما روى مسلم في صحيحه[265] من حديث ابن عمر أنه كان يظن ابن صياد هو الدجال حتى أن حفصة كانت تحذره من إغضابه لأن النبي e كان يخبر عن الدجال أنه يخرج من غضبة يغضبها.
وروى أبو داود[266] بسند صحيح ـ كما قال ابن حجر[267] ـ أن ابن عمر كان يحلف أنه الدجال وروى أحمد[268] أن أبا ذر رضي الله عنه كان يقول: (لأن أحلف عشر مرار أن ابن صائد هو الدجال أحب إلي من أن أحلف مرة واحدة أنه ليس به…) قال في الفتح: (سنده صحيح). [269]
وروى أبو يعلى والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (لأن أحلف بالله تسعاً أن ابن صياد هو الدجال أحب إلي من أن أحلف واحدة…). قال الهيثمي: (رجال أبي يعلى رجال الصحيح). [270]
فإذا كان عمر وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وابن عمر وحفصة وأبو ذر وابن مسعود، بل والناس عامة، والأنصار خاصة، يتحدثون أن ابن صياد اليهودي هو الدجال وكان بعضهم يحلف على ذلك ـ وهذا كله بعد وفاة النبي e ـ فكيف يمكن التوفيق بين هذا وقول فاطمة أن النبي e جمع الناس وقص عليهم خبر تميم الداري الذي فيه خبر الدجال وأنه مسجون في جزيرة في عرض البحر؟!
ولهذا استشكل الطحاوي ذلك فقال( فإن قال قائل فكيف بقي ابن مسعود وأبو ذر وجابر على ما كانوا عليه فيه مما قد رويته عنهم في هذا الباب مما قالوه فيه بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه: أنه قد يحتمل أن ذلك كان منهم لأنهم لم يعلموا بما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حدث به الناس عن تميم الداري ولا من سروره به فقالوا في ذلك ما قالوا).[271]
وذكر ابن حجر قول البيهقي: (كأن الذين يجزمون بابن صياد هو الدجال لم يسمعوا بقصة تميم وإلا فالجمع بينهما بعيدٌ جداً إذ كيف يلتئم أن يكون من كان في أثناء الحياة النبوية شبه المحتلم ويجتمع به النبي e ويسأله، أن يكون هو في آخرها شيخاً كبيراً مسجوناً في جزيرة من جزائر البحر موثوقاً بالحديد يستفهم عن خبر النبي e هل خرج أولاً؟ فالأولى أن يحمل على عدم الإطلاع…).[272]
بل هذا الذي يجب، إذ لا يتصور أن يكون هؤلاء الصحابة قد اطلعوا أو سمعوا بخبر تميم الداري ثم يحلفون بعد ذلك أن ابن صياد ـ اليهودي الذي كان يعيش في المدينة في حياة النبي e ثم أسلم بعد ذلك ـ هو نفسه الدجال الذي كان موثوقاً في جزيرة من الجزر. قال المزي[273]: (عمارة بن عبد الله بن صياد الأنصاري ـ ولاءً ـ وأبوه الذي قيل عنه أنه الدجال… وكان مالك بن أنس لا يقدم عليه ـ أي على عمارة ـ في الفضل أحداً) وقال أيضاً عن أبي عمارة: (وهو الذي قيل إنه الدجال لأمور كان يفعلها وقد أسلم عبد الله بن صياد وحج وغزا مع المسلمين وأقام بالمدينة) وقد كان ولده عمارة من سادات التابعين وثقاتهم. ومع ذلك كان أهل المدينة يظنون أن أباه هو الدجال لموافقة صفته صفة الدجال التي كان النبي e قد أخبرهم بها[274] إلى أن توفي في المدينة بعد ذلك فثبت أنه ليس هو.
فإذا ثبت ذلك فمن هم الناس الذين خطب بهم النبي e ونادى فيهم (أن الصلاة جامعة) وقص عليهم خبر تميم الداري ـ وكان ذلك سنة 9هـ ـ عندما جاء تميم مهاجراً مسلماً؟!
فهؤلاء الصحابة :عبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله وأبو ذر وأبو سعيد الخدري وحفصة بنت عمر هم حفاظ السنة وعلماء الصحابة وأعلم الناس بالأخبار والآثار النبوية فإذا كانوا لم يحضروا قصة تميم عن الدجال بل ولا سمعوا عنها ـ وإلا لما ظنوه ابن صياد ولا حلفوا على ذلك ـ فمن الذي حضر هذه الخطبة؟! وكيف يتحدث الناس والأنصار عامة ـ كما في صحيح مسلم ـ أن ابن صياد هو الدجال دون أن يتذكروا أو يذكرهم أحد بخطبة النبي e التي جمعهم فيها وقص عليهم خبر تميم الداري؟!
بل إنه مع كل هذا الخلاف في شأن ابن صياد بين الصحابة إلا أنه لم يثبت قط عن أحد منهم القول بأن الدجال موجود موثوق في جزيرة في عرض البحر!!
وإذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحلف على أن ابن صياد هو الدجال عند النبي e ـ كما روى ذلك جابر عنه ـ فإنه أيضاً لم يثبت عنه خلاف هذا القول بعد ذلك ولا دليل على أنه سمع بخبر تميم الداري فرجع عن اعتقاده في ابن صياد.
نعم كان بالإمكان قبول خبر فاطمة لو أنها روته عن النبي e دون أن تقول إن النبي e نادى في الناس ((الصلاة جامعة)) وأنها حضرت الخطبة وكانت في صفوف النساء خلف الرجال … إلخ إذ يمكن القول حينئذ أنها سمعت من النبي e حديثاً لم يسمعه الصحابة الآخرون، أما والحال ما ذكرت في حديثها، فإن ذلك يوجب التوقف في قبول مثل هذا الخبر خاصة وأنه ثبت عن علماء الصحابة وحفاظهم الملازمين لرسول الله e سفراً وحضراً أنهم لم يسمعوا بمثل هذا الخبر بل ولا سمع به الأنصار، بل ولا أهل المدينة مهاجروهم وأنصارهم، بل ولم يسمع به أحد من غيرهم حتى خرج مجالد يروي عن الشعبي ويحدث الناس بهذا الحديث في الكوفة عن امرأة من أهل المدينة أنها شهدت خطبة لم يسمع بها عمر ولا عبد الله بن عمر ولا حفصة ولا ابن مسعود ولا جابر بن عبد الله ولا أبو ذر الغفاري ولا أبو سعيد الخدري ولا أهل المدينة ولا الأنصار الذين ظلوا يعتقون أن ابن صياد هو الدجال؟!
ولو لم يرو عن هؤلاء الصحابة مثل هذا الرأي في ابن صياد لكان بالإمكان القول بأنه لا دليل ينافي دعواها أن الناس حضروا هذه الخطبة الجامعة وليس بالضرورة أن تتوافر الهمم على رواية هذه الخطبة بل يكفي أن يحدث بها راو واحد إلا أن ثبوت هذه الروايات الصحيحة عن هؤلاء الصحابة التي تثبت خلاف حديث فاطمة يقدح في صحة هذه الدعوى من أصلها ويثبت ضدها.
9ـ وإذا كان الصحابة رضي الله عنهم لم يقبلوا حديثها الأول المشهور عنها الخاص بها وهي شابة خشية النسيان والغلط والوهم، فكيف بحديثها الغريب الذي لم يسمع منها إلا بعد أن جاوزت سبعين سنة، ولم يروه عنها إلا رجل واحد من أهل الكوفة في قضية طال حولها الجدل بين أهل المدينة أنفسهم في شأن ابن صياد ووجود الدجال، ثم لا يجدون عند فاطمة التي عاشت بين ظهرانيهم سبعين سنة ما يشفي غليلهم ويحسم الخلاف بينهم؟!
وإذا لم يكن لها إلا حديثان وكان المشهور منهما المتواتر عنها مشكوكاً في صحته حتى رده عمر وعائشة خشية غلطها، فالغريب أحق بالشك والرد من باب أولى.
فيحتمل على فرض صحة الحديث أن فاطمة رضي الله عنها خلطت بين خطبة النبي e المشهورة عن الدجال وبين ما كان يقصه تميم الداري على الناس، فقد روى حادثة الخطبة في شأن الدجال :
أـ ابن عمر: فقد روى البخاري[275] ومسلم[276] من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: (قام رسول الله e في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال: ((إني لأنذركموه، ما من نبي إلا وقد أنذر قومه، لقد أنذره نوح قومه…)).
ب ـ وأبو سعيد الخدري: فقد روى البخاري[277] ومسلم[278] كلاهما من حديث أبي سعيد الخدري قال: (حدثنا رسول الله e حديثاً طويلاً عن الدجال فكان فيما حدثنا قال: ((يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة…)).
ج ـ وسفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: ((خطبنا رسول الله e فقال: ألا إنه لم يكن نبي قبلي إلا قد حذر الدجال أمته…)).[279]
د ـ سمرة بن جندب : قال إن الشمس كسفت على عهد النبي e فصلى بالناس صلاة الكسوف ثم قام بالناس خطيباً فذكر خطبة طويلة وفيها حذر من الدجال ووصفه وذكر فتنته. كما عند أحمد[280]وابن خزيمة.[281]
هـ ـ وأبو أمامة الباهلي: قال: ((خطبنا رسول الله e فكان أكثر خطبته حديثاً حدثناه عن الدجال وحذرناه…)). عند ابن ماجه.[282]
و ـ جنادة بن أبي أمية : قال ذهبت أنا ورجل من الأنصار إلى رجل من أصحاب النبي e فقلنا حدثنا ما سمعت من رسول الله e يذكر الدجال قال: ((خطبنا رسول الله e فقال أنذركم الدجال – ثلاثاً – فإنه لم يكن نبي قبلي إلا وقد أنذر أمته وإنه فيكم أيتها الأمة…)) وإسناده مسلسل بالأئمة. كما عند أحمد[283] قال الهيثمي: (رجاله رجال الصحيح).[284]
ورواه الطحاوي[285] وفي أوله: (قلنا له حدثنا في الدجال حديثاً سمعته من رسول الله e فإنه قد اختلف علينا فيه…).
زـ وروى عبد الرزاق[286] عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر في خطبة النبي e في شأن الدجال ثم قال الزهري: (وأخبرني عمر بن ثابت الأنصاري أنه أخبره بعض أصحاب النبي e أن رسول الله e قال يومئذ للناس وهو يحذرهم الدجال…).
وهذا نص على شهرة تلك الخطبة عند الصحابة وأنها خطبة واحدة معلومة.
والمقصود أن هذه الخطبة تكاد تكون متواترة عن النبي e ومع ذلك لم يذكر أحد من الصحابة الذين رووا هذه الخطبة شيئاً مما ذكرته فاطمة بنت قيس وألفاظ أحاديثهم تتفق على التحذير من الدجال ووصفه وفتنته وأنه ما من نبي إلا وحذر منه أمته، ثم يزيد بعضهم في حديثه على بعض، إلا أنه لا تعارض بين ألفاظ أحاديثهم الصحيحة عنهم. ومما يؤكد أن فاطمة سمعت هذه الخطبة التي سمعها هؤلاء الصحابة ما جاء في رواية الطبراني[287] وابـن حبـان في صحيـحه[288] من طريق عيسى بن يونس عن عمران بن سليمان عن الشعبي عن فاطمة قالت: (صعد رسول الله e المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((أنذركم الدجال فإنه لم يكن نبي قبلي إلا وقد أنذره أمته وهو كائن فيكم أيتها الأمة إنه لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم…)).
وهذا مطابق تمام المطابقة لما ثبت عن رسول الله e في خطبته عن الدجال التي رواها كثير من الصحابة مما يدل على أن فاطمة قد سمعت هذه الخطبة بعينها ومع ذلك لم يذكر أحد ما ذكرته فاطمة عن تميم وقصته؟!
كما روى النسائي[289] من طريق جرير بن عبد الحميد عن مغيرة بن مقسم عن الشعبي عن فاطمة مرفوعاً: (إنه لم يكن نبي قبلي إلا حذر أمته الدجال وإنه فيكم أيتها الأمة وإنه يطأ الأرض كلها غير طيبة وهذه طيبة) هكذا مختصراً ولم يذكر قصة تميم الداري.
وهذا هو الحديث الذي صححه البخاري لها، قال الترمذي (سألت محمدا عن هذا الحديث يعني حديث الجساسة ؟ فقال يرويه الزهري عن أبي سلمة عن فاطمة ابنة قيس. قال محمد وحديث الشعبي عن فاطمة بنت قيس في الدجال هو حديث صحيح).[290]
فقد صحح حديثها في شأن الدجال وتوقف في حديث الزهري عن أبي سلمة حديث الجساسة، والعبارة مختصرة وموهمة!
وعلى كل فهذا يكشف أن في حديث فاطمة خللاً وأن في ضبطها ضعفاً،إن ثبت الحديث هذا عنها، ويؤكد صحة رأي عمر الفاروق وعائشة الصديقة فيها وأنهما ما أنكرا عليها حديثها إلا لما علما من ضعف حفظها، ولا أدل على ذلك من كونها لم تحفظ عن النبي e إلا حديثين اثنين فقط مع أنها من أوائل المهاجرات وعمرت طويلاً وحدثت الناس بما عندها، وفتنت الناس فيهما في حديث الطلاق وفي حديث الدجال؟!
فلعلها أخطأت وخلطت بين ما سمعته من النبي e في هذه الخطبة عن الدجال وتحذيره منه وإخباره أنه لا يدخل المدينة وأن عليها ملائكة يحمونها منه وما سمعته بعد ذلك من تميم الداري الذي كان نصرانياً من أهل الشام ثم أسلم في آخر حياة النبي e واستأذن عمر في أن يعظ الناس ويقص عليهم فأذن له واستمر كذلك حتى خرج من المدينة بعد قتل عثمان رضي الله عنه وسكن الشام حتى توفي فيها سنة 40هـ[291] ، ومما يعضد ذلك أن نعيم بن حماد قد روى في كتاب الفتن من طريق يزيد بن حمير ويزيد بن شريح وجبير بن نفير وشريح بن عبيد والمقدام بن معد كرب وعمرو بن الأسود وكثير بن مرة قالوا جميعا: (الدجال ليس هو إنسان وإنما هو شيطان في بعض جزائر البحر موثوق بسبعين حلقة …).[292]
قال ابن حجر: (لعل هؤلاء مع كونهم ثقات تلقوا ذلك من بعض كتب أهل الكتاب).[293]
وهؤلاء من علماء الشام وروايتهم هذه تشبه ما جاء في حديث فاطمة فيما سمعته من تميم الداري فإما أنهم أخذوا هذا من جهة تميم الذي سكن الشام وتوفي بها أو يكون مما هو شائع بين أهل الشام عن أهل الكتاب ويكون تميم قد حدث به في مواعظه وقصصه في المدينة وسمعته فاطمة منه فاختلط عليها بما كانت قد سمعته في خطبة النبي e المشهورة عن الدجال.
ومما يثبت معرفة أهل الكتاب بالدجال ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن عمر سأل رجلاً من اليهود عن شيء فحدثه، فصدقه عمر، فقال له عمر: قد بلوت صدقك فأخبرني عن الدجال، قال: وإله يهود ليقتلنه ابن مريم بفناء لدّ. [294]
ولعله لهذا السبب لم يخرج البخاري حديث فاطمة هذا في صحيحه قال ابن حجر: (سلك البخاري مسلك الترجيح فاقتصر على حديث جابر عن عمر في ابن صياد ولم يخرج حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم وقد توهم بعضهم انه غريب فرد وليس كذلك فقد رواه مع فاطمة بنت قيس أبو هريرة وعائشة وجابر).[295]
فاستظهر ابن حجر أن البخاري ترك تخريج حديث فاطمة ترجيحاً منه لحديث جابر أن ابن صياد هو الدجال على حديثها الذي فيه ما يناقض ذلك، وهذا الصنيع دليل على دقة نظره وثقوب بصره رحمه الله إذ أن التعارض بين الحديثين ظاهر ولا يمكن معه الجمع بينهما إلا على وجه من التكلف الذي لا يسوغ.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (ولا يبلغ تصحيح مسلم تصحيح البخاري، بل كتاب البخاري أجل ما صنف في هذا الباب والبخاري من أعرف خلق الله بالحديث وعلله مع فقهه فيه… ولهذا كان جمهور ما أنكر على البخاري مما صححه يكون قوله فيه راجحاً على قول من نازعه بخلاف مسلم بن الحجاج فإنه نوزع في عدة أحاديث مما خرجها وكان الصواب فيها مع من نازعه…).[296]
وقال أيضاً: (والبخاري أحذق وأخبر بهذا الفن من مسلم ولهذا لا يتفقان على حديث إلا ويكون صحيحاً لا ريب فيه قد اتفق أهل العلم على صحته ثم ينفرد مسلم فيه بألفاظ يعرض عنها البخاري…)[297] وقد ذكر قبل ذلك أحاديث خرجها مسلم وهي غير صحيحه حيث ذكر حديث مسلم[298]: (إن الله خلق التربة يوم السبت، وخلق الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم يوم الجمعة) ثم قال: (فإن هذا طعن فيه من هو أعلم من مسلم مثل يحيى بن معين ومثل البخاري وغيرهما وذكر البخاري أن هذا من كلام كعب الأحبار… وهذا هو الصواب لأنه قد ثبت بالتواتر أن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام…)[299] وكذا قال نحو هذا في مجموع الفتاوى[300] عن حذق البخاري وقصور مسلم عن درجته.
والمقصود أن ما استظهره الحافظ ابن حجر ـ من أن تنكب البخاري عن إخراج حديث فاطمة بنت قيس مع شهرته إنما هو ترجيح منه للأحاديث الأخرى ـ هو استظهار صحيح لأن صحة الإسناد لا تكفي لإخراجه ما دام معارضاً بأحاديث أصح ولا يمكن الجمع بينها.
المبحث السادس : في ما في ألفاظ الحديث من الاختلاف:
ثم إنه على فرض ثبوت هذا الحديث وأن فاطمة لم تهم فيه ولم تخلط بين ما سمعته من النبي e وما سمعته بعد ذلك من قصص تميم فإن في اللفظ نفسه اختلافاً شديداً ومن ذلك:
أولا : الاختلاف في صاحب القصة ومن لقي الجساسة والدجال:
ففي رواية ابن بريدة عند مسلم: أن تميماً كان مع قومه ثلاثين رجلاً من لخم وجذام في سفينة فلعب بهم الموج شهراً…إلخ.
وفي رواية سيّار العنزي عند مسلم: إن بني عم لتميم الداري ركبوا في البحر…إلخ.
وفي رواية غيلان عند مسلم: أن تميماً ركب البحر فتاهت به سفينته … إلخ.
وفي رواية محمد بن أبي أيوب عند الطبراني أن النبي e قال: ((أن تميم الداري أخبرني أن بني عم له ألقتهم سفينة في البحر …إلخ)) وكذا في رواية محمد بن فضيل عن الشيباني ورواية مجالد وأبي الزناد.
وفي رواية داود بن أبي هند: ((لكن تميم الداري أخبرني أن قوماً من أهل فلسطين ركبوا البحر…إلخ)).
وهذا اختلاف شديد فتارة: تميم هو صاحب القصة، وتارة: هو وقومه، وتارة: قومه، وتارة: قوم من أهل فلسطين.
والظاهر من مجموع الروايات أن تميماً إنما يحكي قصة عن جماعة من أهل الشام، ولم يكن هو معهم ويحتمل أنهم من قومه الذين عاصرهم وأدركهم، أو من قومه الذين لم يعاصرهم وإنما بلغه خبرهم وقصتهم.
هذا ويحتمل أنهم ليسوا من بني عمه على الحقيقة بل على سبيل المجاز والاتساع لأنهم من قبيلته، فيصدق عليهم أنهم من بني عمه، ويحتمل أن المقصود بقومه أي أهل الشام إذ أنه من عرب الشام فيصدق على من كان فيها من العرب أنهم قومه.
وعلى كل فتميم إنما يحكي قصة قوم من العرب النصارى من أهل فلسطين.
ثانيا: الاختلاف في وصف ما رأى أهل السفينة:-
ففي رواية ابن بريدة: ((فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر)) وأنها قالت لهم: ((انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير… فإذا فيه أعظم إنسان)).
وفي رواية غيلان: ((فلقي إنساناً يجر شعره)).
وفي رواية ابن أبي أيوب: ((فلقوا شيئاً لا يدرون رجلاً هو أو امرأة.. وأشارت إلى دير في الجزيرة غير بعيد… فإذا برجل موثوق)).
وفي رواية أبي الزناد كما عند الطبراني ((فإذا هم بامرأة شعثة سوداء لها شعر منكر قالت فادخلوا القصر فدخلوا فإذا شيخ مربوط )).
وفي رواية ابن بريدة عند ابن حبان: ((فلقيتنا جارية تجر شعرها)).
ففي بعض هذه الروايات أنهم رأوا دابة، وفي بعضها أنهم رأوا إنساناً، وفي بعضها أنها كانت امرأة أو جارية.
ثم إنها أشارت عليهم أن يذهبوا إلى دير أو قصر. والراجح أنه دير كما في أكثر الروايات.
ثم إنهم وجدوا في الدير رجلاً أو شيخاً كبيراً موثق بالحديد، والظاهر أنه كاهن مشعوذ محبوس في دير نصراني لتجديفه وكهانته، إلا أن أسئلته التي وجهها لهم تدل على أن عنده علم من الكتاب ومن ذلك قوله: (أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا قد خرج من مكة ونزل يثرب… فقال: أما إنه خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني إني أنا المسيح وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض … إلخ) وفي رواية داود بن أبي هند أنه قال: (أنا الدجال).
فيبدوا أنه كاهن يخيل إليه أنه المسيح فلذا حبسه النصارى في دير ناء في جزيرة بعيدة لتجديفه.
ثالثا: الاختلاف في ما قاله النبي e بعدما سمع هذه القصة:
ففي رواية ابن بريدة عند مسلم أن النبي e قال: ((هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة)) يعني المدينة ثم قال: ((ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟)) فقال الناس نعم فقال: ((فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت حدثتكم عنه وعن المدينة ومكة.. )).
قال النبي e ذلك بعد أن سمع ما رواه تميم عن الرجل أنه قال: ((فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرمتان علي كلتاهما كلما أردت أن أدخل واحدة استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها)) عندها قال النبي e: ((هذه طيبة… إلخ)).
وفي رواية غيلان بن جرير أن النبي e قال بعد سماع هذه القصة قال: ((هذه طيبة، وذاك الدجال)).
وفي رواية محمد بن أبي أيوب: ((وكأنه سر رسول الله e من ذلك قوله: مكة وطيبة. فقال رسول الله e: طيبة، طيبة لا يدخلها الدجال…)).
وفي رواية مجالد: ((فقال رسول الله e: إن هذا مما أفرحني إن طيبة هي المدينة إن الله حرم حرمي على الدجال…)).
وفي رواية أبي الزناد كما عند الطبراني أن النبي e لم يقل سوى ((هذه طيبة)) وهكذا رواه سيار العنزي عند مسلم.
وفي رواية داود بن أبي هند أن النبي e قال بعد قصة تميم: ((أبشروا هذه طيبة لا يدخلها الدجال)).
وكل الروايات متفقة على نحو هذا اللفظ ولم يقل أحد كما قال غيلان في روايته: ((ذاك الدجال)) ولم أجد من تابعه على هذا اللفظ.
وليس في الروايات إلا أن النبي e فرح لأن ما ذكره تميم الداري ـ وهو رجل نصراني ثم أسلم ـ في هذه القصة يوافق ما كان النبي e يحدث به الصحابة من أن الدجال لا يدخل طيبة وأن على كل طريق منها ملكاً يحميها منه، ولم يقل e بأن هذه القصة التي قصها تميم هي صدق بل قال لهم: ((أخبرني تميم)) ولم يعلق على ما قاله تميم إلا في هذا الموضع عندما ذكر طيبة.
فزيادة ((ذاك الدجال)) وهمٌ من وهب بن جرير الراوي لهذا الحديث بهذا اللفظ عن أبيه عن غيلان بن جرير فقد ذكره ابن عدي[301] وذكر كلام ابن مهدي وعفان بن مسلم فيه وساق له حديثين أنكرهما، وكذا ذكره العقيلي[302] أو يكون الوهم من أبيه جرير بن حازم فقد قال عنه ابن حبان: (كان يخطىء لأن أكثر ما كان يحدث من حفظه).[303]
وقال عنه أحمد : (كثير الغلط) [304] وتكلم في حفظه مسلم في التمييز[305] ولم يقبل منه رفع حديث رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري، لأنه إذا حدث عنه لا يكاد يأتي به على التقويم والاستقامة.
ومما يؤكد ذلك أن الصحابة ـ على فرض صحة هذا الحديث ـ لم يشكل على أحد منهم أن ذلك الرجل الذي في الدير ليس هو الدجال المعروف، وإلا لما ظنوا أن ابن صياد هو الدجال، فيكون قد ظهر لهم أن هذا الذي كان في الدير ما هو إلا دجال وواحد من الدجاجلة الذين يتكهنون ويشعوذون ويدعون ما لا يكون، إلا أنه عنده علم من الكتاب، ولهذا علم أن الدجال لا يدخل طيبة فأخبر القوم بذلك.
فلو كان لفظ رواية غيلان: (وذلك الدجال) صحيحاً لما اختلف الصحابة في شأن ابن صياد إذ أن هذا اللفظ نص في محل الخلاف فكيف يخفى على الصحابة الذين حضروا هذه الخطبة؟!
المبحث السابع: الأدلة النقلية والعقلية المعارضة لحديث فاطمة:
إذا كان ما سبق بيانه مشكلات تثير الشك حول ثبوت الحديث سنداً فإن في المتن ما هو أشد إشكالاً وإثارة للشك ومن ذلك:-
أولا : أن فيه ما يصادم قطعي القرآن وصحيح السنة وصريح العقل والحس من أن بشراً من ذرية آدم يظل موجوداً من قبل بعثة النبي e إلى آخر الدنيا وقبل يوم القيامة.
أما القرآن فقوله تعالى: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون}.[306]
ففي الآية دليل قطعي على أن الله عز وجل لم يجعل الخلد لبشر سواء كان قبل النبي e أو بعده والخلود هو اللبث الطويل وكل لبث تجاوز المعهود فهو خلود قال الراغب: (كقولهم للأثافي خوالد، وذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها) [307] ولا ريب أن بقاء الدجال ـ وهو من ذرية آدم ـ في الحياة طوال هذه المدة وإلى ما قبل قيام الساعة هو من الخلود الذي نفاه القرآن.
وأما السنة فكحديث ابن عمر عند البخاري[308] ومسلم[309] أن النبي e قال: ((أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد)) وفي رواية لهما قال ابن عمر: ((إنما قال رسول الله e لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد يريد: أن ينخرم ذلك القرن)).
وكحديث جابر بن عبد الله عند مسلم[310] أن النبي e قال قبل موته بشهر: ((ما من نفس منفوسة اليوم تأتي عليها مائة سنة وهي حية يومئذ)) وكحديث أبي سعيد الخدري عند مسلم: ((لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم)). [311]
وحديث أنس عند ابن حبان[312] وحديث عقبة بن مسعود الأنصاري عند أحمد[313] وحديث سفيان بن وهب عند الحاكم[314] قال الحاكم: (إنما أراد ما على الأرض ذلك اليوم مولود قد ولد يأتي عليه مائة عام من ذلك الوقت الذي خاطبهم النبي e بهذا الخطاب لا أن من يولد بعد ذلك لا يعيش مائة سنة) وفي الباب عن جماعة آخرين من الصحابة.[315]
فهذا الحديث الذي كاد يبلغ حد التواتر جاء بلفظ عام فالنكرة في سياق النفي تفيد العموم. قال ابن حجر: (الحق أنها للعموم وتتناول جميع بني آدم) [316] أي ممن كانوا مولودين يوم قال النبي e ذلك القول لا من ولد بعد ذلك، إذ وجد من عاش أكثر من مائة سنة ولا يعلم أن أحداً ممن كان مولوداً حينها عاش أكثر من مائة عام فيظل الخبر على عمومه.
ثانيا: أنه مصادم لأدلة العقل والحس، لأنه يمتنع ويستحيل ـ عادة ـ أن يعيش إنسان طوال مدة ألفي عام أو أكثر على هذه الأرض لا يموت ولا يطلع عليه أحد إلا قوم تميم الداري وحدهم دون أهل الأرض قاطبة؟!
وإذا كان هؤلاء النصارى قد رأوا الدجال حقاً وحدثهم وحدثوه فما هو الدليل الحسي أو العقلي أو الشرعي الذي يمنع حصول ذلك لغيرهم؟! وإذا كان الوقوع دليل الإمكان ففي مشاهدتهم له ـ لو صح ـ دليل على إمكانية مشاهدة غيرهم له ومخاطبته كما خاطبوه وشاهدوه، وإذا كان وجوده في تلك الجزيرة والسجن لم يمنع من وصول هؤلاء النصارى له بسفينتهم البحرية الشراعية، فما الذي يحول دون وصول أهل هذا العصر خاصة لهذه الجزيرة وذلك السجن بعد تطور وسائل المواصلات والاتصالات؟!
ثم كيف يعيش ويقتات طوال هذه المدة في سجنه وقيوده ومن الذي يقوم على رعايته؟!
وقد ذكر ابن القيم[317] الضوابط الذي يمكن بها معرفة كون الحديث موضوعاً فقال: (ومنها تكذيب الحس له) وذكر أيضاً: (ومنها أن يكون الحديث مما تقوم الشواهد الصحيحة على بطلانه) [318] فذكر الشواهد الحسية.
ثم ذكر في[319] بطلان حديث حياة الخضر ونقل عن البخاري احتجاجه بالأحاديث الصحيحة السابقة على نفي حياته كما نقل عن الأئمة احتجاجهم بالآية القرآنية على نفي حياة الخضر ثم نقل عن ابن الجوزي قوله: (الدليل على أن الخضر ليس بباق في الدنيا أربعة أشياء: القرآن والسنة وإجماع المحققين والمعقول..).[320]
أما المعقول فمن عشرة وجوه:
الوجه الأول: أن الذي أثبت حياته يقول إنه ولد آدم لصلبه وهذا فاسد وذلك أن يكون عمره الآن ستة آلاف سنة ومثل هذا بعيد في العادات أن يقع في حق البشر…
والوجه الخامس: أن هذا لو كان صحيحاً أن بشراً من بني آدم يعيش من حين يولد إلى آخر الدهر لكان هذا من أعظم الآيات والعجائب وكان خبره في القرآن مذكوراً في غير موضع، لأنه من أعظم آيات الربوبية وقد ذكر الله من أحياه ألف سنة إلا خمسين سنة وجعله آية فكيف بمن أحياه إلى آخر الدهر…).
وهذه الأدلة نفسها التي يحتج بها على نفي حياة المهدي ووجوده الآن لما في ادعاء وجوده من مكابرة للحس والعقل، وقد جاء القرآن بالدعوة إلى إعمال العقل والنظر والفكر وفي ادعاء مثل هذه الدعوى تعطيل لما أمر الله عز وجل بإعماله وما أنعم الله عز وجل به على الإنسان من نعمة العقل، وليست هذه القضايا من قضايا الغيب التي لا يمكن الإطلاع عليها، لأنها لم تعد كذلك بعد الإدعاء بأن من البشر من اطلع عليها في هذه الدنيا وشاهدها مشاهدة حسية حقيقية كما حدث مع قوم تميم الداري ـ دون أمر خارق ولا كرامة ظاهرة ـ إذ الوقوع دليل الإمكان.
كما أن خبر الواحد إنما يقبل بشروطه كما قال الخطيب البغدادي: (ولا يقبل خبر الواحد في منافاة حكم العقل وحكم القرآن الثابت المحكم والسنة المعلومة والفعل الجاري مجرى السنة وكل دليل مقطوع به…).[321]
وعلى كل فالحديث غريب لا يثبت إلا من طريق مجالد عن الشعبي وهذا إسناد ضعيف، وإنما الذي يثبت عن الشعبي هو ما رواه النسائي[322] عن محمد بن قدامة ثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي قال قالت فاطمة بنت قيس قال النبي e: ((إنه لم يكن نبي قبلي إلا حذر أمته الدجال وإنه فيكم أيتها الأمة وإنه يطأ الأرض كلها غير طيبة هذه طيبة)) هكذا مختصرا.
وجرير هو ابن عبد الحميد الضبي ومغيرة هو ابن مقسم من ثقات أصحاب الشعبي وهذا إسناد على شرط البخاري ومسلم.
وتابعه على روايته هذه ابن أبي خيثمة الحافظ[323] عن أبي نعيم الفضل بن دكين الحافظ قال ثنا محمد بن أبي أيوب ثنا الشعبي عن فاطمة قالت: خرج رسول الله e يوماً فجلس على المنبر فقال: ((هذه طيبة ـ يعني المدينة ـ لا يدخلها الدجال ليس منها نقب إلا عليه ملك شاهر السيف)).
وهذا هو الحديث الذي صححه البخاري لها، قال الترمذي (سألت محمدا عن هذا الحديث يعني حديث الجساسة ؟ فقال يرويه الزهري عن أبي سلمة عن فاطمة ابنة قيس. قال محمد وحديث الشعبي عن فاطمة بنت قيس في الدجال هو حديث صحيح).[324]
فهذا القدر من حديثها هو المحفوظ وله شواهد كثيرة عن الصحابة وهذا هو الذي قاله e في خطبته المشهورة، وأما قصة تميم الداري فلا تثبت إلا من طريق مجالد ويحتمل أنه سمعها من الشعبي يحدث بها عن تميم ـ كما يتحدث بها أهل الشام ـ بعد أن ذكر حديث فاطمة فظن مجالد أنهما حديثاً واحداً أو يحتمل أن فاطمة قصت على الشعبي ما سمعته من تميم يعظ الناس به بعد وفاة النبي e فأخطأ مجالد، وظن أن ذلك حدث في حياة النبي e. والله تعالى أعلم.
نتائج البحث
وهي تتلخص في :
1ـ حديث الجساسة هو حديث مجالد عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس، وهو أشهر من رواه عن الشعبي، حيث رواه عنه أئمة الأمصار في العراق والحجاز قبل أن يعرف عن غيره، حتى رواه عنه أعلم الناس بحديث الشعبي وأثبتهم وأحفظهم له وهو إسماعيل بن أبي خالد، ولهذا لم يخرجه ابن أبي شيبة في المصنف إلا من طريقه، مع أنه أوسع كتاب حديثي كوفي وصل إلينا، وابن أبي شيبة كوفي والشعبي كوفي! ومجالد ضعيف جدا وقد كان يرفع أحاديث كثيرة لا يرفعها غيره حتى بطل الاحتجاج به، وهذا الحديث الذي اشتهر عنه ودلسه عنه الآخرون لا يبعد أن يكون سمعه من الشعبي موقوفا من قصص تميم الداري فوهم ورفعها.
2 ـ أنه ومن خلال استعراض طبقات أصحاب الشعبي لم يروه منهم على الصحيح إلا مجالد وداود بن أبي هند، ولهذا لم يجد أحمد حين خرجه في مسنده ـ الذي انتقاه من سبعمائة ألف رواية ـ إلا طريق مجالد بن سعيد وداود بن أبي هند، ورواه النسائي في الكبرى من طريق داود فقط، ورواه ابن ماجه من طريق مجالد فقط، ورواه أبو داود من طريق مجالد وابن بريدة، ورواه الترمذي من طريق قتادة فقط وقال غريب من حديث قتادة عن الشعبي، وأراد مسلم تخريجه في صحيحه فلم يجده عند أحد من أصحاب الشعبي إلا عند مجالد وهو متروك، وعند داود إلا أنه عن حماد بن سلمة عنه، ولم يخرج بهذا الإسناد إلا ما توبع عليه حماد لضعف حديثه عن داود، فلما لم يجد له متابعا تركه، ثم أخرج الحديث من أربعة طرق أخرى ثلاثة بصرية وواحد مدني ليس أحد من رواتها كوفي ولا من طبقات أصحاب الشعبي!
3 ـ أنه ثبت أن داود رواه بالعنعنة وهو مدلس كما أن المشهور عنه رواية حماد بن سلمة وهي ضعيفة، كما أن رواية قتادة منقطعة إذ لم يسمع قتادة من الشعبي شيئا أصلا وكذلك لم يصرح بالسماع وهو مشهور بالتدليس، وأن رواية عبد الله بن بريدة التي جعلها مسلم أصلا في الباب ضعيفة لضعف عبد الله واضطرابه في روايته تارة يرويه عن يحيى بن يعمر عن فاطمة وتارة عن الشعبي عن فاطمة وتارة عن أبيه، وهو مدلس أيضا، وأما باقي المتابعات التي أخرجها مسلم فهي أشد ضعفا وكلها غرائب ومناكير تفرد بها رواتها، فرواية أبي الزناد لم يروها غير ابن بكير عن الحزامي عن أبي الزناد وهذا إسناد فيه ضعف مع غرابته، وكذا رواية قرة بن خالد عن سيار عن الشعبي لا يثبت فيها السماع بين سيار والشعبي، ورواية غيلان لم يروها عنه غير جرير بن حازم وعنه ابنه وهب فهي غريبة مع ضعف في جرير لكثرة خطئه وقد قال في روايته( سمعت غيلان يحدث عن الشعبي) فليس فيها تصريح بالسماع.
4 ـ أن البخاري ترك حديث الجساسة، حيث لم يجده عند ثقات أصحاب الشعبي لا الطبقة الأولى ولا الثانية ممن هو على شرطه، فتركه وأخرج ما يعارضه وهو حديث ابن صياد، وهو ترجيح منه لهذا الحديث على حديث الجساسة كما قال ابن حجر.
5 ـ أن متن هذا الحديث يعارض نصوص قرآنية وأحاديث أصح منه إسناد كما يعارض الأدلة العقلية، إذ بقاء أحد من ذرية آدم طول هذه المدة خارج عن العادة المستقرة وهو من الخلد واللبث الطويل الذي نفاه القرآن عن كل أحد من البشر، ولا يقال بأنه من قضايا الغيب لأن حديث تميم يثبت أن جماعته رأوه فصار من قضايا الشهادة، ولم يثبت بنص صحيح لا مطعن فيه حتى يم التكلف في الجمع بين النصوص، ولهذا رجح البخاري حديث ابن صياد.
6 ـ أن حديث فاطمة اشتمل على أمرين الأول خطبة النبي صلى الله عليه وسلم وتحذيره أمته من الدجال وأنه لا يدخل مكة والمدينة، وهذا القدر المختصر رواه ثقات أصحاب الشعبي عن فاطمة، وصححه البخاري كما نقله الترمذي، وقد تواترت هذه الخطبة عن كثير من الصحابة، والثاني قصة الجساسة وكون الدجال في جزيرة الآن وأنه مسجون ..الخ وهذا القدر لا يثبت إلا من حديث مجالد عن الشعبي، ولا يثبت عن جابر ولا عن أبي هريرة ولا عن عائشة، وهذه قصة مشهورة عند أهل الشام عن أهل الكتاب منذ عصر التابعين، وتميم الداري شامي وهو مشهور بالوعظ والقصص منذ عهد عمر، فلا يبعد أن يكون الشعبي روى عن فاطمة عن تميم القصة موقوفة على تميم مما كان يحكيه من قصص أهل الكتاب، ورفعها مجالد كما هي عادته في رفع الموقوفات.
7 ـ أن عامة الصحابة ثبت عنهم خلاف ما جاء في حديث فاطمة حيث كانوا يقسمون على أن ابن صياد الذي في المدينة هو الدجال، وذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان هذا رأي عمر وابنه عبد الله وحفصة وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله وأبي ذر، وعامة الأنصار، ويستحيل عادة أن يخطب النبي فيهم خطبة يجتمع الناس فيها، ويبين لهم أن الدجال محبوس في جزيرة في عرض البحر، ثم لا يسمع به أحد من هؤلاء، ويظلون يعتقدون أن ابن صياد الذي في المدينة هو الدجال! وهو ما يؤكد عدم ثبوت حديث فاطمة عن تميم الداري مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الراجح كونه من قصص تميم الداري ومواعظه.
المراجع والمصادر
§ إطراف المسند: ابن حجر، تحقيق زهير الناصر، ط1 سنة 1414هـ، دار ابن كثير، بيروت .
§ الآحاد والمثاني: أحمد بن عمرو بن أبي عاصم، تحقيق باسم الجوابرة، ط1 سنة 1411هـ، دار الراية، الرياض.
§ الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان: علاء الدين بن بلبان، تحقيق الأرناؤوط، ط1، سنة 1408هـ، الرسالة، بيروت .
§ الإصابة في تمييز الصحابة: ابن حجر، ط1 سنة 1328، السعادة، مصر .
§ الإلزامات والتتبع: الدارقطني، تحقيق مقبل بن هادي، ط2 سنة 1405، دار الكتب العلمية، بيروت .
§ الإيمان: محمد إسحاق بن مندة، تحقيق علي بن محمد الفقيهي، ط3 سنة 1407هـ، الرسالة،بيروت .
§ التاريخ: يحيى بن معين، تحقيق أحمد نور سيف، ط1 سنة 1399هـ .
§ التدليس في الحديث: د.الدميني، ط1 سنة 1412هـ .
§ التمهيد: ابن عبد البر، تحقيق وزارة الأوقاف المغربية، ط2 سنة 1402هـ، فضالة .
§ التمييز: مسلم بن الحجاج، تحقيق محمد الأعظمي، ط3 سنة 1410هـ، الرياض.
§ التقريب: ابن حجر، تحقيق محمد عوامة، ط3 سنة 1411هـ، دار الرشيد، سوريا .
§ التنكيل: عبد الرحمن المعلمي، ط2 سنة 1406هـ، المكتب الإسلامي، بيروت .
§ التلخيص: الجويني، تحقيق النيبالي والعمري، ط1 سنة 1417هـ، البشائر، بيروت .
§ الثقات: ابن حبان، ط1 سنة 1393هـ دائرة المعارف العثمانية.
§ الجامع: الترمذي، تحقيق أحمد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت .
§ الجامع الصحيح: البخاري مع فتح الباري، تحقيق محب الدين الخطيب وترقيم عبد الباقي، المطبعة السلفية، القاهرة .
§ الجرح والتعديل: ابن أبي حاتم، تحقيق المعلمي، ط1 سنة 372هـ دائرة المعارف العثمانية .
§ الرسالة: الشافعي، تحقيق أحمد شاكر، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت.
§ الرفع والتكميل: اللكنوي، تحقيق أبو غدة، ط3 سنة 1407هـ، البشائر، بيروت.
§ السنن: لأبي داود السجستاني، تحقيق الدعاس والسيد، ط1 سنة 1388هـ، دار الحديث، بيروت .
§ السنن: الدارقطني، تحقيق عبد الله هاشم يماني، ط1سنة 1386هـ، القاهرة.
§ السنن: محمد بن يزيد بن ماجه، تحقيق عبد الباقي، طبعة المكتبة الإسلامية، استانبول.
§ السنن الصغرى: النسائي، بعناية عبد الفتاح أبو غدة، ط2 1409هـ، البشائر، بيروت .
§ السنن الكبرى: النسائي، تحقيق البنداري، ط1 سنة 1411هـ، دار الكتب العلمية، بيروت .
§ السنن الكبرى: البيهقي، ط1 دائرة المعارف العثمانية، تصوير دار المعرفة، بيروت .
§ السنن الواردة في الفتن: الداني، تحقيق رضاء الله المباركفوري، ط1 سنة 1416هـ، الرياض.
§ الشريعة: الآجري، ط1، أنصار السنة، لاهور .
§ الصحيح: مسلم بن الحجاج، ترقيم عبد الباقي، ط1، المكتبة الإسلامية، استانبول .
§ الضعفاء: العقيلي، تحقيق قلعجي، ط1، الكتب العلمية، بيروت .
§ الطبقات: ابن سعد: تحقيق محمد عبد القادر، ط1 سنة 1410هـ دار الكتب العلمية، بيروت.
§ العدة في أصول الفقه: أبو يعلى الفراء، تحقيق أحمد على سير، ط3 سنة 1414هـ، الرياض.
§ العلل رواية عبد الله بن أحمد: تحقيق وصي الله عباسي، ط1 سنة 1408هـ، المكتب الإسلامي، بيروت .
§ الفوائد: تمام الرازي، تحقيق حمدي عبد المجيد، ط2 سنة 1414هـ، مكتبة الرشد، الرياض .
§ الفوائد المجموعة: الشوكاني، تحقيق المعلمي، ط3 سنة 1407هـ، المكتب الإسلامي، بيروت.
§ الكامل في الضعفاء: ابن عدي، تحقيق سهيل زكار، ط3 سنة 1409، دار الفكر، بيروت .
§ الكفاية: الخطيب البغدادي، تحقيق أحمد عمر هاشم، ط1 سنة 1405هـ، دار الكتاب العربي، بيروت.
§ المجروحين: ابن حبان، تحقيق محمود زايد، ط2 سنة 1402هـ دار الوعي، حلب
§ المراسيل: ابن أبي حاتم تحقيق قوجاني، ط2 سنة 1402هـ، الرسالة، بيروت.
§ المستدرك: الحاكم، ط1 سنة 1335هـ، دائرة المعارف العثمانية .
§ المسند: الحميدي: تحقيق الأعظمي، ط1، عالم الكتب، بيروت .
§ المسند: أحمد بن حنبل، ط3، تصوير المكتب الإسلامي .
§ المصنف: ابن أبي شيبة، تحقيق كمال الحوت، ط1، سنة 1409هـ، بيروت .
§ المصنف: عبد الرزاق، تحقيق الأعظمي، ط2 سنة 1403هـ، المكتب الإسلامي، بيروت .
§ المعجم الكبير: الطبراني، تحقيق حمدي عبد المجيد، ط2، وزارة الأوقاف العراقية .
§ المعرفة والتاريخ: البسوي، تحقيق أكرم ضياء العمري، ط1 1410هـ، الدار، المدينة المنورة .
§ المنار المنيف: ابن قيم الجوزية، تحقيق أحمد عبد الشافي، ط1 سنة 1988م، الكتب العلمية، بيروت.
§ النكت: ابن حجر، تحقيق ربيع بن هادي، ط2 سنة 1408هـ، الرياض.
§ بغية الباحث: الهيثمي، تحقيق الباكري، ط1 سنة 1413هـ، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة .
§ تاريخ أصبهان: أحمد بن عبد الله الأصبهاني، ط1، الكتاب الإسلامي، القاهرة .
§ تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت .
§ تاريخ خليفة: خليفة بن خياط تحقيق ضياء العمري، ط1 سنة 1407هـ، بيروت.
§ تاريخ المدينة: عمر بن شبه، تحقيق فهيم شلتوت، ط1 .
§ تحفة الأشراف: المزي، تحقيق عبد الصمد شرف الدين / ط2 سنة 1403هـ، المكتب الإسلامي، بيروت .
§ تعريف أهل التقديس: ابن حجر، تحقيق أحمد علي، ط1، سنة 1413هـ، الرياض.
§ تهذيب التهذيب: ابن حجر، ط1 سنة 1325هـ،دائرة المعارف النظامية .
§ تهذيب الكمال: المزي، تحقيق بشار عواد، ط1 سنة 1413هـ، الرسالة، بيروت .
§ جامع التحصيل: العلائي، تحقيق حمدي عبد المجيد، ط2 سنة 1407هـ، عالم الكتب، بيروت.
§ سير الأعلام: الذهبي، تحقيق جماعة، ط9 سنة 1413هـ، الرسالة، بيروت .
§ سؤلات ابن محرز ليحيى بن معين: تحقيق أحمد نور سيف، ط1 .
§ سؤلات الآجري: الآجري، تحقيق محمد قاسم النبوية، ط1 سنة 1403هـ، الجامعة الإسلامية، المدينة .
§ شرح السنة: البغوي تحقيق الأرنؤوط والشاويش، ط2 سنة 1403هـ، المكتب الإسلامي، بيروت .
§ شرح علل الترمذي: ابن رجب، تحقيق همام عبد الرحيم، ط1 سنة 1407هـ، المنار، الأردن.
§ شرح معاني الآثار: الطحاوي، تحقيق النجار، ط2 سنة 1407هـ، بيروت .
§ شروط الأئمة: الحازمي، ط1 سنة 1405هـ دار الكتب العلمية، بيروت .
§ علوم الحديث: ابن الصلاح، تحقيق نور الدين عتر، طبعة سنة 1406هـ،، دار الفكر، دمشق.
§ فتح الباري: ابن حجر: تحقيق محب الدين الخطيب، طبعة السلفية، القاهرة .
§ لسان الميزان: ابن حجر، ط1 دار الكتاب الإسلامي، القاهرة .
§ مجمع البحرين: الهيثمي، تحقيق عبد القدوس نذير، ط1 سنة 1413هـ، دار الرشد، الرياض.
§ مجموع الفتاوى: ابن تيمية، جمع ابن القاسم، طبعة سنة 1412هـ عالم الكتب، الرياض.
§ مسند أحمد: تحقيق أحمد شاكر، ط1 سنة 1377هـ، دار المعارف، القاهرة.
§ مشكل الآثار: الطحاوي، ط1 سنة 1333هـ، دائرة المعارف الهندية.
§ معرفة علوم الحديث: الحاكم، تحقيق معظم حسين، ط1 دائرة المعارف العثمانية.
§ ميزان الاعتدال: الذهبي، تحقيق البجاوي، طبعة دار الفكر.
§ هدي الساري: ابن حجر، مع الفتح الطبعة السلفية.
[1] الحديث أنكر صحته رشيد رضا في المنار 19/97 ،وقد سمعت الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله تعالى – ينكر متن هذا الحديث ويشك في صحته، ويذكر عن شيخه السعدي أنه ينكره كذلك، وأنه يعارض ما هو أصح منه، وانظر مجموع فتاواه قسم العقيدة سؤال رقم 148.
[3] 4/2261 – 2265 حديث رقم 2942.
[5] المعجم الكبير 24/385 – 403.
[7] المعجم الكبير 24/385 – 403.
[8]مسند إسحاق بن راهويه ح رقم 2362،وابن أبي شيبة في المصنف 7/497.
[10] السنن 4/500 حديث رقم 4326 .
[11] السنن 2/1354 حديث رقم 4074.
[13] المعجم الكبير 24/385 – 403.
[14] المسند 6/374 و 412 و 418.
[15] السنن الكبرى2/481 حديث رقم 4258.
[16] الإحسان بترتيب صحيح بن حبان15/195 – 199.
[17] المعجم الكبير 24/385 – 403.
[18] الصحيح 4/2261 – 2265 حديث رقم 2942.
[19] السنن 4/501 حديث رقم 4327.
[20] مسند إسحاق بن راهويه ح رقم 2361، والترمذي في السنن 4/452 حديث رقم 2253.
[21] الإحسان بترتيب صحيح بن حبان15/197.
[22] الصحيح 4/2261 – 2265 حديث رقم 2942.
[23] المعجم الكبير 24/385 – 403.
[24] الصحيح 4/2261 – 2265 حديث رقم 2942.
[25] المعجم الكبير 24/385 – 403.
[26] الصحيح 4/2261 – 2265 حديث رقم 2942.
[27] المعجم الكبير 24/385 – 403.
[29] انظر أقوال الأئمة في مجالد في المجروحين 3/10-11 وتهذيب الكمال 27/219.
[30] تهذيب التهذيب 10/37 .
[31] انظر التمييز للإمام مسلم 218 وشرح علل الترمذي للحافظ ابن رجب 2/782 – 783.
[32] انظر شرح علل الترمذي 2/783.
[33] المعجم الكبير 24/398،ومسند الروياني ح رقم 1529.
[35] تهذيب التهذيب 3/204 – 205.
[36] التدليس في الحديث رقم 262.
[37] المعجم الكبير 24/388.
[38] ميزان الإعتدال 1/566.
[41] الكامل في الضعفاء 1/270 وتاريخ أصبهان 1/186 ولسان الميزان 1/92.
[43] تهذيب الكمال 18/102.
[44] تهذيب التهذيب 6/328.
[45] انظر حاشية تهذيب الكمال 18/102.
[47] رواية ابن محرز 1/53.
[48] الضعفاء 1/250 وانظر تهذيب التهذيب 2/339.
[50] الضعفاء والمتروكين 1/212 .
[55] تهذيب التهذيب 5/158.
[56] تهذيب التهذيب 1/433.
[57] تهذيب التهذيب 5/157 – 158.
[58] صحيح البخاري رقم 4350 وانظر تحفة الأشراف 2/77 – 94.
[60] الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان حديث رقم 6787.
[61] انظر تهذيب التهذيب 10/197.
[62] رواية ابن محرز رقم 584.
[63] سؤلات الآجري رقم 360.
[64] انظر شرح علل ابن رجب 2/697.
[65] انظر شرح علل ابن رجب 2/694.
[67] انظر تعريف أهل التقديس رقم 92.
[71] انظر جامع التحصيل 97.
[72] الكامل في الضعفاء 7/68.
[74] انظر تهذيب التهذيب 2/71.
[78] العلل رواية عبد الله 1/267.
[79] انظر تهذيب التهذيب 2/72.
[80] المعجم الكبير 24/402.
[82] انظر جامع التحصيل 154 وشرح علل الترمذي 2/784 – 787.
[83] العلل رواية عبد الله 2/291 وسؤالات الأجري 340 والضعفاء للعقيلي 1/200.
[84] انظر التقريب رقم 1264.
[86] انظر تهذيب الكمال 27/222.
[87] انظر شرح علل الترمذي 2/784-787
[88] انظر تهذيب الكمال 31/403.
[89] الجرح والتعديل 9/165.
[90] انظر تهذيب التهذيب 11/238.
[92] رواية ابن محرز رقم 179.
[93] تهذيب الكمال 28/389.
[94] انظر تهذيب الكمال 14/480.
[96] المعجم الكبير 24/381.
[97] انظر تهذيب الكمال 2/450 – 453.
[98] انظر تهذيب الكمال 2/453.
[99] المعجم الكبير 24/400.
[100] المعجم الكبير 24/380 في قصة طلاق فاطمة.
[102]مسند الطيالسي حديث رقم 1646
[103] شرح علل الترمذي 2/593.
[104] شرح علل الترمذي 2/594.
[105] مراسيل ابن أبي حاتم 177 ، وجامع التحصيل 256 ، وشرح علل الترمذي 2/590.
[109] مقدمة الفوائد المجموعة 11 .
[111] الجرح والتعديل 5/87.
[112] ضعفاء العقيلي 1/199 في ترجمة جرير.
[116] المعرفة والتاريخ 2/53.
[118] الإحسان ح رقم 4645 .
[120] الإحسان ح رقم 4644.
[121] مسند البزار ح رقم 3331 .وانظر المعجم الكبير للطبراني 2/154 ـ 155 ،ومسند أبي عوانة 4/501 ـ 502 .
[122] سنن الدارمي ح رقم 2403، والبيهقي في السنن الكبرى 9/171 .
[123] انظر تهذيب الكمال 12/314.
[124] انظر سير الأعلام 13/433.
[125] الآحاد والمثاني 6/8.
[126] الآحاد والمثاني 6/6.
[128] انظر تهذيب الكمال 23/66.
[129] المعجم الكبير 24/391.
[130] انظر تهذيب الكمال 14/378.
[133] التاريخ الكبير 6/426.
[134] الجرح والتعديل 6/299.
[136] انظر الميزان 3/238 واللسان 4/346.
[137] المعجم الكبير 24/385.
[138] السنن الواردة في الفتن رقم 639.
[139] انظر تاريخ بغداد 4/162.
[141] لسان الميزان 4/241.
[142] انظر تهذيب الكمال 24/508 – 510.
[144] أطراف الغرائب والأفراد للمقدسي 5/381
[145] المعجم الكبير 24/392.
[146] انظر تهذيب الكمال 19/481 ،والتقريب رقم 4513 .
[148] الجرح والتعديل 8/58.
[149] الجرح والتعديل 2/37.
[150] انظر الرفع والتكميل 149.
[155] انظر علل أحمد رواية عبد الله 3/485 وقد وهم محققه فظن أن المقصود هو إسباط بن نصر وانظر الميزان 1/175 وضعفاء العقيلي 1/119.
[157] الكفاية 399 وانظر النكت 2/651.
[158] معرفة علوم الحديث رقم 111.
[159] انظر شرح علل الترمذي 2/866 – 867 في الإعلال بالمشابهة.
[160] انظر سؤلات الآجري 181 وشرح علل ابن رجب 2/708.
[161] المعرفة والتاريخ 3/16.
[162] سؤلات الآجري 181-191.
[163] انظر مقدمة المسند تحقيق أحمد شاكر 1/21.
[165] انظر شروط الأئمة للحازمي 57 – 60.
[166] انظر شرح علل الترمذي 2/783.
[167] انظر تهذيب الكمال 14/32.
[168] انظر تحفة الأشراف حديث رقم 2342 و 3216.
[169] انظر تهذيب الكمال 23/577.
[172] شرح صحيح مسلم 1/24.
[173] شرح علل الترمذي 2/623.
[174] شرح علل الترمذي 2/647.
[175] شرح علل الترمذي 2/4.
[176] شرح علل الترمذي 2/623.
[180] انظر علوم الحديث رقم للحافظ ابن الصلاح 34.
[182] السنن 4/499 حديث رقم 4325.
[183] انظر تهذيب التهذيب 7/135.
[185] المعجم حديث رقم 157.
[187] المعجم الكبير 24/371.
[188] انظر تهذيب التهذيب 9/305-307 وشرح علل الترمذي 2/673.
[189] انظر المراسيل 196 وسنن البيهقي 7/319 والحاكم 2/420.
[190] انظر سنن الدار قطني 3/229.
[191] تعريف أهل التقديس رقم 102.
[192] انظر شرح علل الترمذي 2/613.
[194] المعجم الكبير 24/372.
[195] انظر تهذيب التهذيب 1/105.
[196] السنن 4/328 حديث رقم 4328.
[201] الكامل في الضعفاء 7/75 – 76.
[203] انظر تهذيب التهذيب 11/139.
[206] الكامل في الضعفاء 7/76.
[207] الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان حديث رقم 6787.
[208] الجرح والتعديل 6/388.
[213] علوم الحديث رقم 34.
[216] الجرح والتعديل 8/361.
[219] الملاحم والفتن1/116.
[220] الجرح والتعديل 4/83.
[221] الجرح والتعديل 8/453.
[223] تاريخ المدينة 1/91 وانظر معجم الطبراني 25/181.
[225] لسان الميزان 1/14 وانظر التنكيل 669 وتعليق الألباني في حاشيته.
[226] انظر لسان الميزان 3/15.
[229] المعجم حديث رقم 327.
[231] المستدرك 4/528 ووقع فيه قيس بن مطرف والصواب بن أبي قيس عن مطرف.
[232] الفوائد حديث رقم 1646.
[234] السنن الكبرى 2/481.
[237] الجامع الصحيح حديث رقم 7133.
[238] الصحيح حديث رقم 1379.
[240] الإحسان حديث رقم 6822.
[241] انظر تحفة الأشراف 12/461-469.
[242] أبو داود حديث رقم 2296.
[243] انظر صحيح مسلم حديث رقم 1480/50.
[246] المعجم الكبير24/379.
[247] المعجم الكبير 24/381.
[248] المعجم الكبير24/399.
[249] المعرفة والتاريخ2/698.
[250] تاريخ ابن خياط219 – 224.
[252] مسلم 2/1119 وأبو داود 2/718 والترمذي 3/484.
[253] البخاري حديث رقم 5327 ومسلم 2/1120 وأبو داود 2/719.
[254] شرح معاني الآثار 3/68 و 69.
[258] انظر حاشية البيهقي 7/477.
[259] العدة في أصول الفقه 3/964 وانظر أيضاً التلخيص للجويني 2/430.
[260] انظر تهذيب الكمال 4/327 والإصابة 1/183.
[266] السنن حديث رقم 4330
[271] شرح مشكل الآثار 7/389 .
[274] انظر شرح النووي على مسلم 18/48
[275] الصحيح حديث رقم 7127
[276] الصحيح حديث رقم 2931/169
[277] الصحيح حديث رقم 7132
[278] الصحيح حديث رقم 2938
[281] الصحيح حديث رقم 1397
[282] السنن حديث رقم 4077
[285] شرح مشكل الآثاررقم 5692
[287] المعجم الكبير24/391
[290] علل الترمذي الكبير رقم 606 و607
[291] انظر سير الأعلام2/442 – 448
[292] رواه نعيم بن حماد في الفتن رقم 1525
[297]مجموع الفتاوى 18/19-20
[298] صحيح مسلم حديث رقم 2789.
[300] مجموع الفتاوى17/235 – 237
[301]الكامل في الضعفاء7/68
[308] الصحيحرقم 116 و 601
[315]انظر مجمع الزوائد1/197
[321] الكفاية في علم الرواية /472.
[322] السنن الكبرى حديث رقم 4259.
[323] السنن الواردة في الفتن حديث رقم 639
[324] علل الترمذي الكبير رقم 606 و607