مناهج أئمة الأثر
في
الاحتجاج بالمغازي والسير
(أخبار المغازي والسير
طبيعتها وحجيتها
ومناهج الأئمة في الاحتجاج بها)
بقلم د . حاكم المطيري
كلية الشريعة
جامعة الكويت
2009
بحث محكم في مجلة قطاع أصول الدين ـ جامعة الأزهر ـ القاهرة العدد 5
ملخص البحث
هذا البحث دراسة في بيان طبيعة أخبار المغازي والسير، واختلاف قواعد هذا الفن، عن قواعد علم الحديث والأثر، وأن له أئمته الذين هم المرجع في هذا العلم، وأن لهم طريقتهم في معرفة أخبارها، وتمييز صحيح المغازي والسير من ضعيفها، ومشهورها من غريبها، ولهم قواعدهم الخاصة بهم، وأن للأئمة مناهجهم في الاحتجاج بأخبار أهل المغازي والسير.
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد..
فهذا بحث في طبيعة أخبار المغازي والسير، واختلاف قواعد هذا الفن، عن قواعد علم الحديث والأثر، وأن له أئمته الذين هم المرجع في هذا العلم، وأن لهم طريقتهم في معرفة أخبارها، وتمييز صحيح المغازي والسير من ضعيفها، ومشهورها من غريبها، ولهم قواعدهم الخاصة بهم، وهذا الفرق بين طبيعة كل من الفنين، هو ما أدركه الأئمة من المحدثين والفقهاء والأصوليين، وهو ما يجب مراعاته عند دراسة روايات المغازي والسير، حتى لا يرد من أخبارها ما اشتهر وصح عند أهلها، وإن لم يكن صحيحا على طريقة أهل الحديث والأثر، وقد تم تقسيم البحث إلى مقدمة ومبحثين وخاتمة.
المبحث الأول : طبيعة أخبار المغازي والسير وحجيتها.
المبحث الثاني: مناهج الأئمة في الاحتجاج بها.
المبحث الأول: في بيان طبيعة أخبار المغازي والسير وحجيتها:
تختلف طبيعة أخبار المغازي والسير عن علم الحديث والأثر، إذ لعلم المغازي والسير قواعده الخاصة به، التي بها تعرف أخبارها، ويميز صحيح المغازي والسير من ضعيفها، ومشهورها من غريبها، ولهذا الفن علماؤه وأئمته الذين هم المرجع والحجة فيه دون غيرهم، وقد أدرك الأئمة الأعلام طبيعة علم المغازي والسير، وأنه يختلف عن علم الحديث والأثر من حيث أن عامة أخبار المغازي والأحداث الرئيسة للسيرة النبوية متواترة تواترا قطعيا، لا تحتاج في إثباتها إلى الإسناد الذي تحتاجه أخبار الآحاد، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية (مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما غزوات القتال، معروفة، مشهورة، مضبوطة، متواترة عند أهل العلم بأحواله، مذكورة في كتب أهل الحديث والفقه والتفسير والمغازي والسير).([1])
فعندما صنف التابعون ـ كعروة بن الزبير كتابه في المغازي، وبعده الزهري ـ لم يعتنوا بذكر الأسانيد، لتواتر تلك الأخبار وشهرتها الشهرة التي تغني عن ذكر أسانيدها، إذ كان التأليف في هذا الفن مبكرا، حيث الصحابة متوافرون، ولا حاجة للأسانيد حينها، قال الطناحي (في النصف الثاني من القرن الأول الهجري بدأ بعض التابعين في تدوين أخبار السيرة النبوية ومغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجمع مؤرخو السير على أن أول من كتب في ذلك هو أبو عبد الله عروة بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي، المتوفى سنة 93هـ، وقد عاصره وتلاه نفر من التابعين الذين عرفوا بالعناية بالسيرة، وجمع أخبارها، منهم أبان بن عثمان بن عفان المتوفى سنة 105هـ، ووهب بن منبه المتوفى سنة 110هـ، وعاصم بن عمر بن قتادة المتوفى سنة 120هـ، ومحمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري المتوفى سنة 124هـ، وعبد الله بن أبي بكر ابن محمد بن حزم المتوفى سنة 135هـ).([2])
بل إن المغازي والسير كانت تحفظ وتدرس كما يحفظ ويدرس القرآن، لشدة عناية سلف الأمة بها، وهو ما يؤكد تواترها من حيث العموم والإجمال من جهة، ومدى عناية علماء الأمة من جهة أخرى، كما قال ابن كثير (وهذا الفن مما ينبغي الاعتناء به، والاعتبار بأمره، والتهيؤ له، كما عن علي بن الحسين قال: كنا نعلم مغازي النبي صلى الله عليه وسلم كما نعلم السورة من القرآن، وعن الزهري قال: في علم المغازي علم الآخرة والدنيا).([3])
فكان مقصودهم آنذاك جمع أخبار السيرة لا تثبيتها، إذ شأن النبي صلى الله عليه وسلم، وشأن دعوته في مكة، وهجرته، ومغازيه في المدينة، وسيرته مع المعاهدين، والمحاربين، وأهل الذمة، أشهر من أن تحتاج إلى الإسناد، بل شهرتها كشهرة القرآن والإسلام، وإن كان أهل الحديث بعد ذلك جمعوا الأخبار المسندة على شروطهم، كما خرج أصحاب الصحاح من تلك الأخبار ما كان صحيحا على شرطهم، كما فعل البخاري في صحيحه في كتاب المغازي، إلا إنهم حين لا يجدون حديثا مسندا على شرطهم، يكتفون بما عند أهل المغازي والسير من أخبار كثيرة جدا تثبت عندهم ولا إسناد لها صحيح على شرط أهل الحديث والأثر، كما قال الخليلي عن ابن إسحاق(عالم كبير...وإنما لم يخرجه البخاري في الصحيح من أجل روايته للمطولات والمغازي، ويستشهد به، وأكثر عنه فيما يحكي في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وفي أحواله، وفي التواريخ، وهو عالم واسع العلم ثقة).([4])
وقد اشتهر أئمة هذا الفن منذ عصر التابعين ومن بعدهم، واشتهرت طبقاتهم، ومن المرجع والحجة فيهم، وشهد الصحابة أنفسهم لهم بذلك، فقد مر ابن عمر على الشعبي وهو يحدث بالمغازي فقال (لقد شهدت القوم فلهو أحفظ لها وأعلم بها !).([5])
وفي رواية عن نافع (سمع ابن عمر الشعبي وهو يحدث بالمغازي، فقال لكأن هذا الفتى شهد معنا!)، وفي لفظ(عن عبد الملك بن عمير قال مر ابن عمر بالشعبي وهو يقرأ المغازي قال فقال ابن عمر كأنه كان شاهدا معنا !). ([6])
وقد أخذ الشعبي العلم عن الصحابة (وسمع من ثمانية وأربعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ..ومرسل الشعبي صحيح، لا يكاد يرسل إلا صحيحا).([7])
كما برز في هذا الفن ابن شهاب الزهري، واحتج الأئمة به في هذا العلم وإن أرسل، كما قال ابن عبد البر (وقول ابن شهاب في هذا الحديث عن سعيد بن المسيب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من خيبر) أصح من قول من قال (أن ذلك كان مرجعه من حنين) لأن ابن شهاب أعلم الناس بالسير والمغازي، وكذلك سعيد بن المسيب ولا يقاس بهما في ذلك).([8])
ثم اشتهر بعد الزهري أئمة المغازي الأربعة : موسى بن عقبة، وابن إسحاق، وأبو معشر، والواقدي، كما قال ابن سعد (خلاد بن قيس بن النعمان..ذكر عبد الله بن محمد بن عمارة الأنصاري أنه شهد بدرا مع أخيه خالد بن قيس، ولم يذكر ذلك محمد بن إسحاق، وموسى بن عقبة، وأبو معشر، ومحمد بن عمر، فيمن شهد عندهم بدرا، قال ولا أظن ذلك بثبت، لأن هؤلاء أعلم بالسيرة والمغازي من غيرهم).([9])
وكان مالك يقول في توثيق مغازي موسى وتثبيتها(من كان في كتاب موسى بن عقبة قد شهد بدرا فقد شهد بدرا، ومن لم يكن في كتاب موسى بن عقبة فلم يشهد بدرا).([10])
وقال أيضا (عليكم بمغازي موسى بن عقبة فإنه ثقة ـ وفي رواية أخرى عنه ـ عليكم بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة فإنها أصح المغازي...وكان ابن معين يقول كتاب موسى بن عقبة عن الزهري من أصح هذه الكتب).([11])
وقصد ابن معين أن مغازي عقبة عن الزهري أصح من مغازي ابن إسحاق عن الزهري، لأنه لا يكاد يزيد على ما في كتاب الزهري وهو الأصل إلا الشيء اليسير، بخلاف ابن إسحاق الذي توسع في الزيادة على مغازي الزهري التي كان يحفظها عن ظهر قلب كما قال ابن عيينة (كنت عند ابن شهاب وسئل عن مغازيه فقال هذا أعلم الناس بها يعني بن إسحاق، وقال حرملة بن يحيى عن الشافعي من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق).([12])
ومعلوم أن كتاب مغازي الزهري أكثره مراسيل يحكيها الزهري كخبر واحد في سياق واحد، ومع ذلك لا خلاف بين أهل العلم على الاحتجاج بمغازي الزهري هذه التي يرويها عنه ابن إسحاق وموسى بن عقبة، بخلاف مراسيله خارج كتابه المغازي والسير فقد ردها كثير من أئمة الحديث كما قال العلائي (وكذلك أيضا اختلف في مراسيل الزهري لكن الأكثر على تضعيفها قال أحمد بن أبي شريح سمعت الشافعي يقول يقولون نحابي ولو حابينا أحدا لحابينا الزهري وإرسال الزهري ليس بشيء ذلك أن نجده يروي عن سليمان بن أرقم وقال أبو قدامة عبيد الله بن سعيد سمعت يحيى بن سعيد يعني القطان يقول مرسل الزهري شر من مرسل غيره لأنه حافظ وكلما قدر أن يسمي سمى وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه وقال ابن أبي حاتم ثنا أحمد بن سنان قال كان يحيى بن سعيد لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئا ويقول هو بمنزلة الريح ويقول هؤلاء قوم حفاظ كانوا إذا سمعوا الشيء علقوه وروى عباس الدوري عن يحيى بن معين قال مراسيل الزهري ليست بشيء).([13])
قال الحاكم (وقد ذكر جماعة من الأئمة أن أصح المغازي كتاب موسى بن عقبة عن ابن شهاب).([14])
وقال الذهبي (موسى بن عقبة الأسدي المدني الحافظ مولى آل الزبير بن العوام...صنف المغازي .. قال أحمد بن حنبل عليكم بمغازي موسى بن عقبة فإنه ثقة).([15])
وقال الذهبي عنه أيضا (كان أحد أوعية العلم حبرا في معرفة المغازي والسير...والذي تقرر عليه العمل أن ابن إسحاق إليه المرجع في المغازي والأيام النبوية).([16])
وقال الحافظ ابن حجر (محمد بن إسحاق بن يسار الإمام في المغازي، مختلف في الاحتجاج به، والجمهور على قبوله في السير، وأخرج له مسلم في المتابعات، وله في البخاري مواضع عديدة معلقة عنه، وموضع واحد قال فيه قال إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن إسحاق فذكر حديثا).([17]) وقال أيضا(هو حجة في المغازي، ورويته هنا راجحة على رواية غيره).([18])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية محتجا بمغازي وسير أئمة هذا الفن (ولم يذكرها أئمة هذا الفن فيه كموسى بن عقبة، وعروة بن الزبير، والزهري، وابن إسحاق وشيوخه، والواقدي، ويحيى بن سعيد الأموي، والوليد بن مسلم، ومحمد بن عائذ وغيرهم، ولا لها ذكر في الحديث، ولا نزل فيها شيء من القرآن، وبالجملة مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم لاسيما غزوات القتال معروفة مشهورة مضبوطة متواترة عند أهل العلم بأحواله، مذكورة في كتب أهل الحديث والفقه والتفسير والمغازي والسير ونحو ذلك وهي مما تتوفر الدواعي على نقلها فيمتنع عادة وشرعا أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم غزاة يجري فيها مثل هذه الأمور لا ينقلها أحد من أهل العلم بذلك).([19])
وليس لهذه النصوص معنى إلا الاحتجاج بمغازيهم وأخبارهم في السير، حتى وإن أرسلوها بلا إسناد، إذ مغازي موسى بن عقبة عن الزهري، كمغازي ابن إسحاق عن الزهري، من حيث كونها مرسلة، وليس مقصود هؤلاء الأئمة بالاحتجاج بابن إسحاق أو موسى بن عقبة أو الزهري في أخبار المغازي إلا الاحتجاج بما أرسلوه من أخبارها، إلا ما ثبت أنهم أخطأوا فيه، أو خالفهم من هو أثبت وأعلم فيها، كما هو الحال بالأخبار المسندة.
ولا يستثنى من الاحتجاج بأخبار أهل المغازي والسير ما يرد فيها من أحكام، بل عامة احتجاجاتهم بأخبارهم هو في مسائل في باب الفقه والأحكام الشرعية، وفي باب السير والجهاد والغنائم ..الخ كما قال الطحاوي (وكان من الحجة عليهم في ذلك لمخالفهم أن عكرمة مولى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ومحمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، وعليهما يدور أكثر أخبار المغازي، قد روي عنهما ما يدل على خروج أهل مكة من الصلح الذي كانوا صالحوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحداث أحدثوها). ([20])
وكما قال ابن كثير(وقد كانت صلاة الخوف مشروعة في الخندق، لأن غزوة ذات الرقاع كانت قبل الخندق في قول جمهور علماء السير والمغازي، وممن نص على ذلك محمد بن إسحاق وموسى بن عقبة والواقدي ومحمد بن سعد كاتبه وخليفة بن الخياط وغيرهم، وقال البخاري وغيره:كانت ذات الرقاع بعد الخندق لحديث أبي موسى وما قدم إلا في خيبر والله أعلم).([21])
وسيأتي في المبحث الثاني ما يؤكد ذلك بوضوح من مناهج الأئمة في الاحتجاج بأخبار أهل المغازي والسير في الأحكام.
وكما يحتج الأئمة باتفاق أهل المغازي والسير يراعون كذلك خلافهم، كما قال ابن سيد الناس (قال أبو عمر: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالذين رموا عائشة بالإفك حين نزل القرآن ببراءتها فجلدوا الحد ثمانين فيما ذكر أهل السيرة والعلم والخبر، ووقع في هذا الحديث : فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أعذرك منه، ووقع عند ابن إسحاق في هذا الخبر بدل سعد بن معاذ أسيد بن حضير، فمن الناس من يرى أن ذكر سعد في هذا الخبر وهم، لأن سعدا مات عند انقضاء أمر بني قريظة، ويرى أن الصواب ما ذكره ابن إسحاق من ذكر أسيد بن حضير، ولو اتفق أهل المغازي على أن وقعة الخندق وبني قريظة متقدمة على غزوة بني المصطلق لكان الوهم لازما لمن رآه كذلك، ولكن هم مختلفون في ترتيب هذه المغازي كما سبق في هذه وغيرها).([22])
وقد عاب بعض أهل الحديث على أهل المغازي والسير أمرين استضعفوا بسببهما أخبار أهل المغازي والسير وهما :
الأول : الإرسال للأخبار بلا إسناد:
فقد جاءت أكثر أخبار المغازي والسير مرسلة ومنقطعة الأسانيد، وهي تنافي بذلك طبيعة رواية الحديث النبوي، الذي اعتنى الأئمة التابعون ومن بعدهم بإسناده إلى من رووه عنه، وقد اشتهرت لذلك عبارة الإمام أحمد (ثلاثة كتب ليس لها أصول المغازي والتفسير والملاحم).([23])
وقد أبان شيخ الإسلام ابن تيمية عن مراد الإمام أحمد في هذه العبارة حيث قال شارحا وموضحا مقصود أحمد بقوله (وقال الإمام أحمد (ثلاثة علوم ليس لها أصول المغازي والملاحم والتفسير) وفي لفظ (ليس لها أسانيد)، ومعنى ذلك أن الغالب عليها أنها مرسلة ومنقطعة، فإذا كان الشيء مشهورا عند أهل الفن قد تعددت طرقه، فهذا مما يرجع إليه أهل العلم بخلاف غيره).([24])
ومعلوم أن المراسيل كانت حجة عند أئمة الحديث قديما، حتى تكلم فيها الشافعي، كما قال أبو داود في رسالته (وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي، حتى جاء الشافعي فتكلم فيها، وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل وغيره، رضوان الله عليهم، فإذا لم يكن مسند غير المراسيل، ولم يوجد المسند، فالمرسل يحتج به، وليس هو مثل المتصل في القوة).([25])
قال ابن عبد البر (وزعم الطبري أن التابعين بأسرهم أجمعوا على قبول المرسل ولم يأت عنهم إنكاره ولا عن أحد الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين كأنه يعني أن الشافعي أول من أبى من قبول المرسل).([26])
وهذا المرسل الذي تكلم به الشافعي وأحمد هو الذي وإن أخرجوه من دائرة الصحيح المسند، إلا إنهم يعملون به، ويدخل في باب الحسن إذا اعتضد، والضعيف المعمول به إذا لم يعتضد، وهو عند الإمام أحمد خير من الرأي والقياس، كما قال ابن تيمية (وقول أحمد وإسحاق إنما أرادا بقولهما حديثان صحيحان على طريق أهل الحديث واصطلاحهم، وأما الحسن فإنهم لا يسمونه صحيحا مع وجوب العمل به، وهذا كثير في كلام أحمد يضعف الحديث ثم يعمل به، يريد أنه ضعيف عن درجة الصحيح، ومع هذا فراويه مقارب وليس معارض، فيجب العمل به وهو الحسن، ولهذا يضعف الحديث بأنه مرسل، مع أنه يعمل بأكثر المراسيل).([27])
وإنما حمل أئمة المغازي والسير على الإرسال ما سبق بيانه من كون أخبار المغازي متواترة ومشهورة شهرة تغني عن الإسناد من حيث العموم والإجمال، فلا تحتاج إلى تكلف ذكر الأسانيد، فليست هي أخبار آحاد يتطلب لها الإسناد من أجل إثباتها.
كما أن الإرسال ضمانة، بينما الإسناد إحالة، ولهذا كان بعض الأئمة يقدم المرسل على المسند لهذا السبب. ([28])
وقد قرر شيخ الإسلام قاعدة نفيسة في المنقولات، وبيان ما يقبل منها وما يرد، فقال (فالمقصود أن المنقولات التي يحتاج إليها في الدين قد نصب الله الأدلة على بيان ما فيها من صحيح وغيره، ومعلوم أن المنقول في التفسير أكثره كالمنقول في المغازي والملاحم، ولهذا قال الإمام أحمد (ثلاثة أمور ليس لها إسناد: التفسير والملاحم والمغازي) ويروى ليس لها أصل أي إسناد، لأن الغالب عليها المراسيل مثل ما يذكره عروة بن الزبير والشعبي والزهري وموسى بن عقبة وابن إسحاق ومن بعدهم كيحيى بن سعيد الأموي والوليد بن مسلم والواقدي ونحوهم في المغازي ... والمراسيل إذا تعددت طرقها وخلت عن المواطأة قصدا أو الاتفاق بغير قصد كانت صحيحة قطعا).([29])
وقال أيضا (والمراسيل إذا تعددت طرقها وخلت عن المواطأة قصدا، أو الاتفاق بغير قصد، كانت صحيحة قطعا، فإن النقل إما أن يكون صدقا مطابقا للخبر، وإما أن يكون كذبا تعمد صاحبه الكذب أو أخطأ فيه، فإن سلم من الكذب العمد والخطأ، كان صدقا بلا ريب، فإذا كان الحديث جاء من جهتين أو جهات ـ وقد علم أن المخبرين لم يتواطئوا على اختلاقه وعلم أن مثل ذلك لا تقع الموافقة فيه اتفقا بلا قصد ـ علم أنه صحيح، مثل شخص يحدث عن واقعة جرت ويذكر تفاصيل ما فيها من الأقوال والأفعال ويأتي شخص آخر قد علم أنه لم يواطئ الأول فيذكر مثل ما ذكر الأول من تفاصيل الأقوال والأفعال فيعلم قطعا أن تلك الواقعة حق في الجملة، فإنه لو كان منهما كذب بها عمدا أو خطأ لم يتفق في العادة أن يأتي كل منهما بتلك التفاصيل التي تمنع عادة اتفاق الاثنين عليها بلا مواطأة من أحدهما لصاحبه، فإنه إما أن يكون واطأه عليه، أو أخذه منه، أو يكون الحديث صدقا، وبهذه يعلم صدق عامة ما تتعدد جهاته المختلفة على هذا الوجه من المنقولات، وإن لم يكن أحدهما كافيا إما لإرساله وإما لضعف ناقله، وبهذه الطريقة يعلم صدق عامة ما تتعدد جهاته المختلفة على هذا الوجه من المنقولات، ولكن مثل هذا لا تضبط به الألفاظ والدقائق التي لا تعلم بهذه الطريقة بل يحتاج ذلك إلى طريق يثبت بها مثل تلك الألفاظ والدقائق، ولهذا ثبتت بالتواتر غزوة بدر وأنها قبل أحد، بل يعلم قطعا أن حمزة وعليا وعبيدة برزوا إلى عتبة والوليد، وأن عليا قتل الوليد، وأن حمزة قتل قرنه، ثم يشك في قرنه هل هو عتبة أو شيبة والمقصود أن الحديث الطويل إذا روي مثلا من وجهين مختلفين من غير مواطأة امتنع أن يكون غلطا، كما امتنع أن يكون كذبا، فإن الغلط لا يكون في قصة طويلة متنوعة، وإنما يكون في بعضها، فإذا روى هذا قصة طويلة متنوعة وروها الآخر مثلما رواها الأول من غير مواطأة امتنع الغلط في جميعها، كما امتنع الكذب في جميعها من غير مواطأة، ولهذا إنما يقع في مثل ذلك غلط في بعض ما جرى في القصة مثل حديث شراء النبي صلى الله عليه وسلم البعير من جابر فإن من تأمل طرقه علم قطعا أن الحديث صحيح وإن كانوا قد اختلفوا في مقدار الثمن).([30])
وما ذكره ابن تيمية هنا يوافقه عليه عامة أهل العلم وهو أن المراسيل إذا تعددت طرقها ومخارجها، ولم يأخذ رواتها بعضهم من بعض، تتقوى ببعضها وتصير صحيحة.
بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية قد يحتج بالمرسل وإن لم تتعدد طرقه إذا وافقه قول صحابي، وقد نقل الاتفاق عليه، حيث قال (والمرسل إذا اعتضد بقول الصحابي صار حجة بالاتفاق).([31])
وقال أيضا (ففي حديث الحسن بن محمد بن الحنيفة وغيره من التابعين أن النبي أخذ الجزية من المجوس وقال (سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم) وهذا مرسل وعن خمسة من الصحابة توافقه، ولم يعرف عنهم خلاف، وأما حذيفة فذكر أحمد أنه تزوج بيهودية، وقد عمل بهذا المرسل عوام أهل العلم، والمرسل في أحد قولي العلماء حجة كمذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وفي الآخر هو حجة إذا عضده قول جمهور أهل العلم وظاهر القرآن أو أرسل من وجه آخر، وهذا قول الشافعي، فمثل هذا المرسل حجة باتفاق العلماء).([32])
وهذا يؤكد بأن القاعدة في قبول الأخبار عامة وردها أشمل وأدق من حصرها بالإسناد وحده، بل للأخبار من الشواهد الخارجية الحسية والعقلية والمنطقية ما يمكن الحكم عليها من خلالها، وقد تنبه لهذا المؤرخ وعالم الاجتماع الفقيه المحدث ابن خلدون في مقدمته حيث قال (اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب، محتاج إلى مآخذ متعددة، ومعارف متنوعة، وحسن نظر، وتثبت يفضيان بصاحبهما إلى الحق، وينكبان به عن المزلات والمغالط، لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة، وقواعد السياسة، وطبيعة العمران، والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب، فربما لم يؤمن فيها من العثور، ومزلة القدم، والحيد عن جادة الصدق، وكثيرا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع، لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثا أو سمينا، ولم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة، والوقوف على طبائع الكائنات، و تحكيم النظر والبصيرة في الأخبار، فضلوا عن الحق، وتاهوا في بيداء الوهم والغلط ... فلا تثق بما يلقى إليك من ذلك، وتأمل الأخبار، واعرضها على القوانين الصحيحة يقع لك تمحيصها بأحسن وجه).([33])
وقال أيضا (فقد زلت أقدام كثير من الأثبات والمؤرخين الحفاظ في مثل هذه الأحاديث والآراء، وعلقت أفكارهم، ونقلها عنهم الكافة من ضعفة النظر، والغفلة عن القياس، و تلقوها هم أيضا كذلك من غير بحث ولا روية، واندرجت في محفوظاتهم حتى صار فن التاريخ واهيا مختلطا، وناظره مرتبكا، وعد من مناحي العامة، فإذا يحتاج صاحب هذا الفن إلى العلم بقواعد السياسة، وطبائع الموجودات، واختلاف الأمم والبقاع والأعصار في السير، والأخلاق، والعوائد، والنحل والمذاهب، وسائر الأحوال، والإحاطة بالحاضر من ذلك، ومماثلة ما بينه وبين الغائب من الوفاق، أو بون ما بينهما من الخلاف، وتعليل المتفق منها والمختلف، والقيام على أصول الدول والملل، ومبادىء ظهورها، وأسباب حدوثها، ودواعي كونها، وأحوال القائمين بها وأخبارهم، حتى يكون مستوعبا لأسباب كل خبره، وحينئذ يعرض خبر المنقول على ما عنده من القواعد والأصول، فإن وافقها وجرى على مقتضاها كان صحيحا، وإلا زيفه، واستغنى عنه، وما استكبر القدماء علم التاريخ إلا لذلك، حتى انتحله الطبري والبخاري وابن إسحاق من قبلهما، وأمثالهم من علماء الأمة، وقد ذهل الكثير عن هذا السر فيه حتى صار انتحاله مجهلة ..فاختلط الصادق بالكاذب).([34])
والمقصود بأن للأخبار التاريخية ـ من حيث العموم ـ من القواعد النقلية والعقلية ما يمكن به معرفة الثابت فيها من الباطل، والصحيح من الضعيف، ولا يقتصر فيها على مجرد الإسناد فقط، وإن كان الإسناد أحد العناصر الرئيسة للحكم على الأخبار غير المشهورة وغير المتواترة بالصحة أو الضعف.
ولهذا فإن عامة كتب المغازي أخبارها مراسيل يرسلها مؤلفوها كعروة والزهري وموسى بن عقبة وابن إسحاق فكيف يصلح الاحتجاج بها وبهم فيها؟ وما معنى الشهرة والتواتر عند أهل المغازي والسير مادامت أخبارهم أكثرها مراسيلهم هم أنفسهم، وبعضها مراسيل شيوخهم، ولا يكاد يوردون في القصة والحادثة إلا مرسلا واحدا أو مرسلين، وهو ما لا يمكن معه وصفها بالشهرة أو التواتر أو الاجماع كما سيأتي بيانه من عبارات الأئمة؟
ومن الأمثلة قول ابن سعد عن الحباب بن المنذر (وأجمعوا جميعا على شهوده بدرا ولم يذكره محمد بن إسحاق فيمن شهد عنده بدرا، وهذا عندنا منه وهل، لأن أمر الحباب بن المنذر في بدر مشهور). ([35])
فجعل المشهور ما أجمع عليه أئمة المغازي كعروة والزهري وابن عقبة إذا لم يذكره الواحد منهم كابن إسحاق!
وكذا قال ابن سعد في شأن يوم بدر حيث ذهب عامة أئمة المغازي إلى أنه يوم الجمعة وأخرج رواية متصلة على شرط الشيخين عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه أنه يوم الاثنين ومع ذلك قال(وهذا الثبت أنه يوم الجمعة وحديث يوم الاثنين شاذ)! ([36])
فحكم على الرواية المتصلة الصحيحة على شرط الشيخين بالشذوذ ورجح الروايات المرسلة عند أئمة المغازي والسير!
وذكر الواقدي أهل بدر فقال (وحليف لهم من بهراء يقال له عتبة بن ربيعة بن خلف بن معاوية، قال أصحابنا جميعا أن الحليف ثبت). ([37])
وذكر الواقدي عن بعض أهل المغازي رجلين من أهل بدر وقول زرعة بن عبد الله فيهما (أن الرجلين ثبت . قال الواقدي : وليس بمجتمع عليهما).([38])
فتارة يذكر إجماع أهل المغازي على الخبر وتارة ينفي الإجماع لثبوت الخلاف بينهم!
وقال أيضا عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم (والأمر المعروف عندنا الذي اجتمع عليه أهل بلدنا ، إنما حج حجة واحدة من المدينة) ([39]) يرد بذلك على ما ذكره مجاهد وغيره أنه حج قبل الهجرة.
فذكر إجماع علماء المغازي من أهل المدينة كعروة والزهري وابن عقبة وابن إسحاق على أنه حج مرة واحدة وعد قولهم وإجماعهم هو المعروف.
فثبت بذلك أن المتواتر والمشهور والمجمع عليه والمعروف عند أهل المغازي والسير ليس هو المتواتر والمشهور والمعروف بالأسانيد عند أهل الحديث والأثر، بل المتواتر والمشهور عندهم ما تواتر علمه ومعرفته عند شيوخ هذا الفن واشتهر بينهم وفي كتبهم ومصنفاتهم دون رد منهم أو من بعضهم، فأخبارهم على درجات كالتالي:
1 ـ فما ذكره أئمتهم كعروة والزهري وابن عقبة وابن إسحاق ومن جاء بعدهم من أخبار السيرة بلا خلاف بينهم فهذا يصدق عليه أنه متواتر عندهم ومجمع عليه بينهم.
2 ـ وما ذكره أكثرهم بلا خلاف بينهم وإن لم يذكره الواحد منهم فهو المشهور عندهم.
3 ـ وما ذكره أحدهم أو بعضهم ولم يذكره الآخرون ولم ينكروه أو يردوه فهذا في أخبار المغازي والسير كخبر الواحد المعروف عند أهل الحديث والأثر.
4 ـ وما اختلفوا فيه فأثبته بعضهم ورده بعضهم فهذا كالحديث المختلف فيه بين أهل الحديث قبولا وردا.
5 ـ وما لم يذكروه في مصنفاتهم ولا ذكره أحد من أئمتهم على اختلاف طبقاتهم المذكورة فهو الغريب عندهم.
6 ـ وما ردوه وأنكروه من أخبار المغازي والسير فهو المنكر المردود .
فالأئمة يسلمون لأهل المغازي والسير في فنهم وأن ما ذكروه في كتبهم من المغازي وأخبارها فهم أعلم به من غيرهم، فما أجمعوا عليه من أخبار المغازي فهو مقطوع به، وما استفاض عندهم واشتهر فهو راجح الثبوت، وما ذكره بعضهم دون رد منهم فهو محتمل، وما ردوه وأنكروه فهو منكر، وحالهم في فنهم كأهل الحديث في خبر الآحاد، وكأهل التفسير في فنهم، وكأهل اللغة في فنهم، وكالفقهاء في فنهم، وسيأتي في المبحث الثاني من أقوال الأئمة ما يؤكد ذلك.
الثاني : التلفيق وجمع الروايات :
فإن علماء المغازي والسير ربما ذكروا شيوخهم الذين سمعوا منهم أخبار المغازي وجمعوهم بالرواية دون أن يفصلوا رواياتهم عن بعضها، وربما أرسلوها عن أولئك الشيوخ دون ذكر عمن أخذها ألئك الشيوخ، اكتفاء بتواترها وشهرتها، كما كان يفعل أبو معشر، قال ابن سعد(محمد بن أبي معشر نا أبو معشر بأحاديث المغازي كلها والتاريخ في آخرها، فقال أبو معشر حدثني بأحاديث المغازي رجال شتى منهم محمد بن قيس وسعيد بن أبي سعيد ومحمد بن كعب وشرحبيل بن سعد وشريك بن عبد الله بن أبي نمر وغيرهم من مشيخة أهل المدينة).([40])
فهذا مما عابه أهل الحديث والأثر على أهل المغازي والسير، قال الزركشي (وهذا يستعمله أهل المغازي والسير، ولا يعلم منه القدر الذي رواه عن كل واحد من الذين حدثوه).([41])
وقد اشتهر الزهري بذلك، وكذلك شيخه عروة بن الزبير، وإنما حملهم عليه كثرة شيوخهم الذين سمعوا الخبر منهم، وفي تفصيل خبر كل واحد على حدة تطويل بلا طائل، ما دام المعنى واحد، إذ أخبار المغازي والسير طويلة بطبيعتها، فلا يناسبها قص حديث كل شيخ وحده، ولهذا لم يتردد البخاري في تخريج مثل هذه الأخبار، قال السخاوي (كحديث الإفك فإنه في الصحيح([42]) من رواية الزهري عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص الليثي وعبد الله بن عبد الله بن عتبة كلهم عن عائشة، قال الزهري وكلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضهم أوعى من بعض وأثبته اقتصاصا، وفي لفظ : وبعض القوم أحسن سياقا، وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة، وبعض حديثه يصدق بعضا، زعموا أن عائشة وساقه بطوله، ولفظ ابن إسحاق([43]) قال الزهري حدثني بعض هذا الحديث وقد جمعت لك الذي حدثوني، ولما ضم ابن إسحاق إلى الرواية الزهري عن الأربعة روايته هو عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة، وعن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه كلاهما عن عائشة، قال وكل حديث هؤلاء جميعا يحدث بعضهم ما لم يحدث صاحبه، وكل كان ثقة، فكل حدث عنها ما سمع، وذكره، وقريب منه قول عروة ابن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي عنهما يزيد أحدهما على صاحبه، قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا، وكثيرا ما يستعمله أصحاب المغازي).([44])
وقد استقر القول عند أهل الحديث على تسويغ هذا الفعل من أهل المغازي إذا كان جميع الرواة ثقات، كما قال الجزائري (وكثيرا ما يستعمل التلفيق أرباب المغازي والسير، وقد انتقدوا التلفيق على الزهري، وهو أول من فعل ذلك، فقالوا كان ينبغي له أن يفرد حديث كل واحد منهم عن الآخر، والأمر فيه سهل إذا كان الكل ثقات).([45])
المبحث الثاني : مذاهب الأئمة في الاحتجاج بالمغازي والسير :
وقد استفاض عن الأئمة منذ القرن الثاني، وعلى اختلاف مذاهبهم الفقهية، احتجاجهم بأخبار أهل المغازي والسير، وتعليلهم لهذا الاحتجاج، وبيان أن في بعض أخبارهم المرسلة ما هو أقوى من أخبار الآحاد المسندة، ومن هؤلاء الأئمة:
ـ الإمام محمد بن إدريس الشافعي :
فقد كان يشهد للأئمة هذا الفن بالمعرفة فيه، ويحتج برواياتهم في هذا الباب، حتى قال(من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق).([46] وقال أيضا: (لم يصنف أحد في السير مثل كتاب أبي إسحاق، وقال أبو حاتم: اتفق العلماء على أن أبا إسحاق الفزاري إمام يقتدى به بلا مدافعة).([47])
وقد احتج الشافعي في مسائل كثيرة من الأحكام بنقل أهل المغازي والسير على أنحاء مختلفة ومن ذلك :
أولا : الاحتجاج بما لا خلاف فيه بين أهل المغازي والسير :
وقد احتج الشافعي بذلك في مسائل منها:
1 ـ مسألة نسخ آيات الفرائض للوصية للوالدين بحديث (لا وصية لوارث):
حيث قال الشافعي رحمه الله (ووجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنه من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم لا يختلفون في أن النبي قال عام الفتح (لا وصية لوارث ولا يقتل مؤمن بكافر) ويأثرونه عن من حفظوا عنه ممن لقوا من أهل العلم بالمغازي، فكان هذا نقل عامة عن عامة، وكان أقوى في بعض الأمر من نقل واحد عن واحد، وكذلك وجدنا أهل العلم عليه مجتمعين، قال وروى بعض الشاميين حديثا ليس مما يثبته أهل الحديث فيه أن بعض رجاله مجهولون فرويناه عن النبي منقطعا، وإنما قبلناه بما وصفت من نقل أهل المغازي وإجماع العامة عليه، وإن كنا قد ذكرنا الحديث فيه واعتمدنا على حديث أهل المغازي عاما وإجماع الناس، فاستدللنا بما وصفت من نقل عامة أهل المغازي عن النبي أن (لا وصية لوارث) على أن المواريث ناسخة للوصية للوالدين والزوجة مع الخبر المنقطع عن النبي وإجماع العامة على القول به).([48])
وقال الشافعي أيضا(أخبرنا سفيان عن سليمان الأحول عن مجاهد يعني في حديث (لا وصية لوارث)قال الشافعي : ورأيت متظاهرا عند عامة من لقيت من أهل العلم بالمغازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته عام الفتح(لا وصية لوارث) ولم أر بين الناس في ذلك اختلافا).([49])
وظاهر هنا أن النقل الذي عناه الشافعي بقوله (نقل عامة عن عامة) ليس النقل بالأسانيد كما عند أهل الحديث، وإنما هو شيوع معرفة عامة عند أهل العلم آنذاك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث، إذ لو كان قصد الشافعي تواتر إسناده لما اعتذر عن عدم وجود إسناد قائم له، ولما نص على انقطاعه وجهالة رواته عند أهل الحديث، ولما تكلف الاحتجاج له بما تظاهر عند عامة أهل العلم بالمغازي ممن لقيهم الشافعي.
وأما احتجاجه بالإجماع فإنما قصد به إجماع الفقهاء على هذا الحكم وأنه لا وصية لوارث، لا إجماعهم على رواية حديث (لا وصية لوارث) أو إجماعهم على تصحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2 ـ عدم فسخ النكاح بإسلام أحد الزوجين ما لم تنقض العدة :
قال الربيع (فقلت له ـ أي للشافعي ـ :علام اعتمدت في هذا؟ فقال :على ما لا أعلم من أهل العلم بالمغازي في هذا اختلافا، من أن أبا سفيان أسلم قبل امرأته، وأن امرأة صفوان وعكرمة أسلمتا قبلهما، ثم استقروا على النكاح، وذلك أن آخرهم إسلاما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة، وفيه أحاديث لا يحضرني ذكرها، وقد حضرني منها حديث مرسل..).([50])
وقال الشافعي أيضا محتجا على المخالف له(فقلت له: ما وصفت لك من أمر أبي سفيان وحكيم بن حزام وأزواجهما، وأمر صفوان وعكرمة وأزواجهما، أمر معروف عند أهل العلم بالمغازي، فهل ترى ما احتججت به من أن الدار تغير من الحكم شيئا إذا دلت السنة على خلاف ما قلت؟ وقد حفظ أهل المغازي أن امرأة من الأنصار كانت عند رجل بمكة فأسلمت وهاجرت إلى المدينة فقدم زوجها وهي في العدة فأسلم فاستقرا على النكاح).([51])
وقال الشافعي أيضا ـ كما رواه عنه البيهقي ـ (أنبأ جماعة من أهل العلم من قريش وأهل المغازي وغيرهم عن عدد قبلهم : أن أبا سفيان بن حرب أسلم بمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر عليها، فكانت بظهوره وإسلام أهلها دار إسلام، وامرأته هند بنت عتبة كافرة بمكة، ومكة يومئذ دار حرب، ثم قدم عليها يدعوها إلى الإسلام فأخذت بلحيته وقالت اقتلوا الشيخ الضال، وأقامت أياما قبل أن تسلم ثم أسلمت وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم فثبتا على النكاح).([52])
وإنما مقصود الشافعي هنا بأهل المغازي الزهري حيث رواه مرسلا، كما بينه البيهقي.
كما قال الشافعي (أحفظ عمن لقيت ممن سمعت منه من أصحابنا أنهم لا يسهمون إلا لفرس واحد وبهذا آخذ، أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن يحيى بن عباد أن عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهم كان يضرب في المغنم بأربعة أسهم سهم له، وسهمين لفرسه..وكان سفيان بن عيينة يهاب أن يذكر يحيى بن عباد، والحفاظ يروونه عن يحيى بن عباد، وروى مكحول أن الزبير حضر خيبر فأسهم له رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أسهم سهم له وأربعة أسهم لفرسيه، فذهب الأوزاعي إلى قبول هذا عن مكحول منقطعا، وهشام بن عروة أحرص لو أسهم لابن الزبير لفرسين أن يقول به فأشبه إذا خالفه مكحول أن يكون أثبت في حديث أبيه منه بحرصه على زيادته، وإن كان حديثه مقطوعا لا تقوم به حجة فهو كحديث مكحول، ولكنا ذهبنا إلى أهل المغازي فقلنا إنهم لم يرووا أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم لفرسين، ولم يختلفوا أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر خيبر بثلاثة أفراس لنفسه السكب والظرب والمرتجز ولم يأخذ منها إلا لفرس واحد) ([53]).
فالشافعي هنا ترك ما رواه هشام بن عروة وما رواه مكحول من الإسهام لفرسين لأنهما خبران منقطعان، ولا يرى الحجة تقوم بهما، ثم احتج بأن أهل المغازي لم يرووا في المغازي والسير أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم لغير فرس واحدة.
فإذا كان الشافعي يحتج بعدم رواية أهل المغازي للشيء ويبني عليه حكما شرعيا، فمن باب أولى احتجاجه بما رووه.
ثانيا : الاحتجاج بالعام وبالمشهور عند عامة أهل العلم بالمغازي والسير :
وقد جعل الشافعي نقل جمهور أهل المغازي والمشهور عندهم في مقابل الإسناد الصحيح المتصل حيث قال(وقد قيل: تذبح خيلهم وتعقر، ويحتج بأن جعفرا عقر عند الحرب، ولا أعلم ما روي عن جعفر من ذلك ثابتا لهم موجودا عند عامة أهل المغازي، ولا ثابتا بالإسناد المعروف الموتصل).([54])
وقال أيضا(فإن قال قائل:فقد روي أن جعفر بن أبي طالب عقر عند الحرب؟ فلا أحفظ ذلك من وجه يثبت على الانفراد، ولا أعلمه مشهورا عند عوام أهل العلم بالمغازي).([55])
فقد جعل الشافعي هنا عدم شهرة خبر العقر عند أهل المغازي يعادل عدم ثبوته بالإسناد المتصل على الانفراد من أخبار الآحاد، وهذا يدل على أنه يحتج إما بخبر آحاد متصل ثابت، أو بخبر مشهور عند أهل المغازي، وإن لم يتصل أو لم يكن له إسناد، فالشهرة عندهم كافية في نظر الشافعي، لأن هذا الفن فنهم وهم أعلم به من غيرهم.
وقال أيضا ـ كما نقله البيهقي ـ قال(الشافعي أنبأ مسلم بن خالد عن بن أبي حسين عن عطاء وطاوس أحسبه قال ومجاهد والحسن : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم الفتح (لا يقتل مؤمن بكافر) قال الشافعي رحمه الله وهذا عام عند أهل المغازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم به في خطبته يوم الفتح، وهو يروى عن النبي صلى الله عليه و سلم مسندا من حديث عمرو بن شعيب وحديث عمران بن حصين).([56])
وهنا جعل الشافعي حجته الخبر العام عند أهل المغازي والسير وإن كان مرسلا، وقدمه على بعض الأخبار الآحاد المسندة، إذ هو أقوى عنده كما قال(فكان هذا نَقل عامَّةٍ عن عامَّة، وكان أقوى في بعض الأمْرِ من نقْلِ واحد عن واحد).([57])
ثالثا : الاحتجاج بالمعروف عند أهل المغازي:
فقال الشافعي في تقسيم الغنيمة في دار الحرب حيث أجازه الأوزاعي ومنعه أبو يوسف (ما قال الأوزاعي وما احتج به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم معروف عند أهل المغازي لا يختلفون في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم غير مغنم في بلاد الحرب). ([58])
فاكتفى بالاحتجاج بما هو معروف عند أهل المغازي وهو في مقام الفصل بين الأوزاعي وأهل العراق فيما اختلفوا فيه ولم يورد شيئا من أخبار الآحاد في الموضوع!
رابعا : الاحتجاج بنقل بعض أهل العلم بالمغازي والسير حيث لا مخالف له:
حيث احتج الشافعي على صحة مذهبه من أن المحصر يتحلل من إحرامه حيث أحصر ولا يلزمه القضاء بظواهر الآيات ونقل بعض أهل المغازي والسير حيث لا معارض، فقال الشافعي (قال الله عز وجل : {وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله} الآية قال الشافعي : فلم أسمع ممن حفظت عنه من أهل العلم بالتفسير مخالفا في أن هذه الآية نزلت بالحديبية حين أحصر النبي صلى الله عليه وسلم فحال المشركون بينه وبين البيت، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بالحديبية وحلق ورجع حلالا ولم يصل إلى البيت ولا أصحابه، إلا عثمان بن عفان وحده، وظاهر الآية أن أمر الله عز وجل إياهم أن لا يحلقوا حتى يبلغ الهدي محله، وأمره من كان به أذى من رأسه بفدية سماها وقال عز وجل : {فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} الآية وما بعدها يشبه والله أعلم أن لا يكون على المحصر بعدو قضاء، لأن الله تعالى لم يذكر عليه قضاء وذكر فرائض في الإحرام بعد ذكر أمره، والذي أعقل في أخبار أهل المغازي شبيه بما ذكرت من ظاهر الآية، وذلك أنا قد علمنا في متواطئ أحاديثهم أن قد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية رجال يعرفون بأسمائهم، ثم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة القضية وتخلف بعضهم بالحديبية من غير ضرورة في نفس ولا مال علمته، ولو لزمهم القضاء لأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى أن لا يتخلفوا عنه، وما تخلفوا عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي تواطؤ أخبار أهل المغازي وما وصفت من تخلف بعض من أحصر بالحديبية ...فإن قال قائل : ما قول الله عز وجل في الحديبية {حتى يبلغ الهدي محله} ؟ قيل : والله أعلم أما السنة فتدل على أن محله في هذا الموضع نحره، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر في الحل فإن قال : فقد قال الله عز وجل في البدن {ثم محلها إلى البيت العتيق} قيل : ذلك إذا قدر على أن ينحرها عند البيت العتيق فهو محلها، فإن قال : فهل خالفك أحد؟ قيل : نعم عطاء بن أبي رباح كان يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر في الحرم، فإن قال : فبأي شيء رددت ذلك وخبر عطاء وإن كان منقطعا شبيه بخبرك عن أهل المغازي؟ .....فقلت : نعم أخبرنا سفيان عن مجاهد. قال الشافعي : فقال فهذا قول رجل لا يلزمني قوله. قلت : ما زعمنا أن قوله يلزمك لولا دلالة القرآن وأخبار أهل المغازي وما تدل عليه السنة، فقال : قد سمعت ما ذكرت من السنة ولم تسند فيه حديثا بينا فقلت : ولا أنت أسندت فيه حديثا في أن عمرة النبي صلى الله عليه وسلم يقال لها : عمرة القضية، وإنما عندك فيها أخبارهم، فكان لي دفع ما علمت ولم تقم فيه حديثا مسندا مما يثبت على الانفراد، ولم يكن إذا كان معروفا متواطئا عند بعض أهل العلم بالمغازي، فإن لم يكن لي دفعك عنه بهذا، لم يكن لك دفعي عن أنه تخلف بعض من شهد الحديبية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن عمرة القضية).([59])
وقال الشافعي أيضا(قال الله تبارك وتعالى{إنما المشركون نجس} فسمعت بعض أهل العلم يقول:المسجد الحرام الحرم، وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(لا ينبغي لمسلم أن يؤدي الخراج ولا لمشرك أن يدخل الحرم)، وسمعت عددا من أهل العلم بالمغازي يروون أنه كان في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم(لا يجتمع مسلم ومشرك في الحرم بعد عامهم هذا) ..).([60])
وكذا احتج الشافعي برواية عدد من أهل العلم بالمغازي على جواز قتل الأسير صبرا حيث قال ـ كما نقله البيهقي ـ (أنبأ عدد من أهل العلم من قريش وغيرهم من أهل العلم بالمغازي :أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أسر النضر بن الحارث العبدي يوم بدر وقتله بالبادية أو الأثيل صبرا، وأسر عقبة بن أبي معيط فقتله صبرا)، قال البيهقي(رويناه عن محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي).([61])
ومعلوم أن هذا في مغازي ابن إسحاق عن بعض شيوخه في سياقه لغزوة بدر كما عند ابن هشام 3/193 ولم يجد له البيهقي إسنادا فعزاه إلى مغازي ابن إسحاق واكتفى بذلك، لأن ابن إسحاق وكتابه المغازي حجة إمام في هذا الفن لا يرد قوله فيها إلا بما هو أرجح منه!
خامسا : الاحتجاج بسياق رواية أهل المغازي والسير :
فقد احتج برواية أهل المغازي فيما يكون من أخبار المغازي لما لهم من عناية بتتبع تفاصيل الأخبار في هذا الفن، قال الشافعي(أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق الشيباني عن رجل أن عمر رضي الله تعالى عنه صالح نصارى بني تغلب على أن لا يصبغوا أبناءهم ولا يكرهون على غير دينهم وأن تضاعف عليهم الصدقة. قال الشافعي:وهكذا حفظ أهل المغازي وساقوه أحسن من هذا السياق..).([62])
ـ الإمام البيهقي:
وقد حذا حذو أمامه الشافعي في الاحتجاج بنقل أهل المغازي والسير ومن ذلك :
أولا : الاحتجاج بإجماع أهل المغازي والسير :
فقد رجح إجماع أهل المغازي على حديث في صحيح مسلم في قصة تزويج أبي سفيان لأم حبيبة فقال (رواه مسلم في الصحيح عن عباس بن عبد العظيم وأحمد بن جعفر فهذا أحد ما اختلف البخاري ومسلم فيه فأخرجه مسلم بن الحجاج، وتركه البخاري وكان لا يحتج في كتابه الصحيح بعكرمة بن عمار، وقال لم يكن عنده كتاب فاضطرب حديثه، وهذا الحديث في قصة أم حبيبة رضي الله عنها قد أجمع أهل المغازي على خلافه فإنهم لم يختلفوا في أن تزويج أم حبيبة رضي الله عنها كان قبل رجوع جعفر بن أبي طالب وأصحابه من أرض الحبشة، وإنما رجعوا زمن خيبر، فتزويج أم حبيبة كان قبله، وإسلام أبي سفيان بن حرب كان زمن الفتح أي فتح مكة بعد نكاحها بسنتين أو ثلاث، فكيف يصح أن يكون تزويجها بمسائلته وإن كانت مسألته الأولى إياه وقعت في بعض خرجاته إلى المدينة وهو كافر حين سمع نعي زوج أم حبيبة بأرض الحبشة والمسألة الثانية والثالثة وقعتا بعد إسلامه لا يحتمل إن كان الحديث محفوظا إلا ذلك والله تعالى أعلم).([63])
ثانيا: الاحتجاج بالمعروف عند أهل المغازي والسير وعده نظير الحديث الصحيح:
فقد أبان عن شرطه في كتابه الدلائل أن لا يخرج إلا الصحيح من الأخبار أو المعروف عند أهل المغازي حيث قال في مقدمة كتاب دلائل النبوة(أن أجمع بعض ما بلغنا من معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ودلائل نبوته... على نحو ما شرطته في مصنفاتي، من الاكتفاء بالصحيح من السقيم، والاجتزاء بالمعروف من الغريب، إلا فيما لا يتضح المراد من الصحيح أو المعروف دونه فأورده، والاعتماد على جملة ما تقدمه من الصحيح أو المعروف عند أهل المغازي والتواريخ).([64])
ثالثا: الاحتجاج بما لا يعرف أهل المغازي والسير خلافه:
فقد احتج البيهقي بمسألة أنه لا يسهم للفارس إلا لفرس واحد بعدم رواية أهل المغازي والسير خلاف ذلك فقال(وإن كان حديثه مقطوعا لا تقوم به حجة ...ولكنا ذهبنا إلى أهل المغازي فقلنا إنهم لم يرووا أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم لفرسين ولم يختلفوا أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر خيبر بثلاثة أفراس لنفسه السكب والظرب والمرتجز ولم يأخذ منها إلا لفرس واحد).([65])
رابعا : الاحتجاج بمشهور أخبار المغازي والسير لعضد المرسل والضعيف:
فقد احتج في جواز مخاطبة الإمام وهو على المنبر يوم الجمعة بقصة قتل ابن أبي الحقيق حين رجع الرهط الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وهو يخطب وما جرى بينهما من محادثة(وهذا وإن كان مرسلا فهو مرسل جيد، وهذه قصة مشهورة فيما بين أرباب المغازي).([66])
وكذا احتج بعدم غسل الشهيد الجنب بمراسيل يعضدها المعروف بين أهل المغازي والسير فقال (...ابن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن صاحبكم تغسله الملائكة يعني حنظلة فاسألوا أهله ما شأنه؟) فسئلت صاحبته فقالت خرج وهو جنب حين سمع الهائعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لذلك غسلته الملائكة) قال يونس فحدثني زكريا بن أبي زائدة عن عامر قال قتل حمزة يوم أحد وقتل حنظلة بن الراهب يوم أحد وهو الذي طهرته الملائكة كلاهما مرسل، وهو فيما بين أهل المغازي معروف).([67])
وقال البيهقي في خبر غزوة أحد وأنه ليس للنبي إذا لبس لأمته للحرب أن ينزعها حتى يقاتل(فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه وذكر الحديث، وهكذا ذكره موسى بن عقبة عن الزهري، وكذلك ذكره محمد بن إسحاق بن يسار عن شيوخه من أهل المغازي، وهو عام في أهل المغازي وإن كان منقطعا، وكتبناه موصولا بإسناد حسن).([68])
وقال في شأن تخيير الإمام في قتل الأسير أو المن عليه(وقال أبو عزة يوم بدر: يا رسول الله أنت أعرف الناس بفاقتي وعيالي وإني ذو بنات، قال فرق له ومن عليه وعفا عنه، وخرج إلى مكة بلا فداء فلما أتى مكة هجا النبي صلى الله عليه وسلم وحرض المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسر يوم أحد وأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقول لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) هذا إسناد فيه ضعف وهو مشهور عند أهل المغازي).([69])
ـ الحافظ ابن عبد البر :
وقد احتج بنقل أهل المغازي والسير في المسائل الفقهية بناء على قاعدة أن من المشهور عند أهل العلم من أهل المغازي والسير أو الحديث والأثر أو الفقهاء ما هو أقوى من أخبار الآحاد وإن كانت حسنة أو صحيحة، إذ الشهرة عنده تغني عن الإسناد، وكذا ما تلقاه أهل العلم بالقبول وعملوا به صحيح عنده وإن لم يكن له إسناد قائم، ومن ذلك قوله (وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار الآحاد أحاديث حسان في أنه (لا وصية لوارث) من حديث عمرو بن خارجة وأبي أمامة الباهلي وخزيمة بن ثابت، ونقله أهل السير في خطبته بالوداع صلى الله عليه وسلم وهذا أشهر من أن يحتاج فيه إلى إسناد).([70])
وقال عن حديث البحر وأنه هو الطهور ماؤه(وقد سأل أبو عيسى الترمذي محمد بن إسماعيل البخاري عن حديث مالك هذا عن صفوان بن سليم فقال هو عندي حديث صحيح. قال أبو عمر ابن عبد البر :لا أدري ما هذا من البخاري رحمه الله؟ ولو كان عنده صحيحا لأخرجه في مصنفه الصحيح عنده، ولم يفعل لأنه لا يعول في الصحيح إلا على الإسناد، وهذا الحديث لا يحتج أهل الحديث بمثل إسناده، وهو عندي صحيح لأن العلماء تلقوه بالقبول له والعمل به، ولا يخالف في جملته أحد من الفقهاء).([71])
وقد احتج ابن القصار بعبارة ابن عبد البر هذه وعلق عليها شارحا كما نقله الزركشي (وقال أبو الحسن بن الحصار الأندلسي في تقريب المدارك على موطأ مالك: إن للمحدثين أغراضا في طريقهم احتاطوا فيها وبالغوا في الاحتياط، ولا يلزم الفقهاء اتباعهم على ذلك، كتعليلهم الحديث المرفوع بأنه قد روي موقوفا أو مرسلا، وكطعنهم في الراوي إذا انفرد بالحديث أو بزيادة فيه، أو لمخالفة من هو أعدل منه وأحفظ، قال: وقد يعلم الفقيه صحة الحديث بموافقة الأصول، أو آية من كتاب الله تعالى، فيحمله ذلك على قبول الحديث، والعمل به، واعتقاد صحته، وإذا لم يكن في سنده كذاب فلا بأس بإطلاق القول بصحته، إذا وافق كتاب الله تعالى، وسائر أصول الشريعة وقال ابن عبد البر " سأل الترمذي البخاري عن حديث أبي هريرة في البحر " هو الطهور ماؤه "
قال صحيح " وما أدري ما هذا من البخاري؟! وأهل الحديث لا يحتجون بمثل إسناده، ولكن الحديث عندي صحيح من جهة أن العلماء تلقوه بالقبول. قال ابن الحصار: ولعل البخاري رأى رأي الفقهاء). ([72])
وقال ابن عبد البر أيضا (وقد أجمع جمهور العلماء وجماعة أئمة الفتيا بالأمصار من الفقهاء أن البحر طهور ماؤه وأن الوضوء جائز به، إلا ما روي عن عبدالله بن عمر بن الخطاب وعبدالله بن عمرو بن العاص فإنه روي عنهما أنهما كرها الوضوء من ماء البحر ولم يتابعهما أحد من فقهاء الأمصار على ذلك، ولا عرج عليه ولا التفت إليه، لحديث هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلك على اشتهار الحديث عندهم وعملهم به وقبولهم له، وهذا أولى عندهم من الإسناد الظاهر الصحة بمعنى ترده الأصول).([73])
وقال أيضا (وليس إسناد هذا الحديث مما تقوم به حجة عند أهل العلم بالنقل، وهذا إسناد وإن لم يخرجه أصحاب الصحاح، فإن فقهاء الأمصار وجماعة من أهل الحديث متفقون على أن ماء البحر طهور، بل هو أصل عندهم في طهارة المياه الغالبة على النجاسات المستهلكة لها، وهذا يدلك على أنه حديث صحيح المعنى يتلقى بالقبول والعمل الذي هو أقوى من الإسناد المنفرد).([74])
وقال بعد حديث عمرو بن حزم في الديات (وهو كتاب كتبه النبي صلى الله عليه وسلم له، وقد رواه مالك مرسلاً، وهو كتاب مشهور عند أهل السير معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد لأنه أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول).([75])
ومراد ابن عبد البر بالشهرة والمشهور هنا ليس كالأحاديث المشتهرة على الألسنة، ولا المشهور الاصطلاحي، بل هي أحاديث مشتهرة مخصوصة معلومة محصورة، وهي التي اشتهرت عند علماء الأمة منذ الصدر الأول وعليها العمل والفتيا وإن لم تثبت بإسناد صحيح فجعل تلقي العلماء لها بالقبول والعمل بها قرينة ترجح صحتها كحديث (هو الطهور ماؤه) فذكر أن البخاري لم يخرجه في صحيحه لأنه (لا يعول في الصحيح إلا على الإسناد، وهذا الحديث لا يحتج أهل الحديث بمثل إسناده، وهو عندي صحيح لأن العلماء تلقوه بالقبول ولا يخالف في جملته أحد من الفقهاء).
فهنا يصرح ابن عبد البر أن هذا الحديث لا يحتج بمثله أهل الحديث، ومع ذلك هو عنده صحيح لا بتعدد طرقه كما تقرره قواعد المحدثين، وإنما صححه لأمر آخر وهو قبول عامة الأئمة له وعملهم به مع وجود بعض من خالف كعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص، حيث ذكرهما ابن عبد البر ممن قالوا بكراهة الوضوء من ماء البحر، إلا أن عامة الفقهاء على الجواز استدلالا بهذا الحديث حيث قال (ولم يتابعهما أحد من فقهاء الأمصار على ذلك لحديث هذا الباب، وهذا يدلك على اشتهار الحديث عندهم وعملهم به وقبولهم له وهذا أولى عندهم من الإسناد الظاهر الصحة بمعنى ترده الأصول).
والمقصود بيان أن الأئمة كابن عبد البر وغيره يفرقون في أحكامهم بين أخبار الآحاد المطلقة وهي التي يشترطون لقبولها صحة الإسناد واتصاله وعدم العلة والشذوذ، والأخبار الخاصة بأهل كل فن كالتي يجمع عليها أهل المغازي والسير منذ الصدر الأول أو تشتهر بينهم شهرة أقوى عندهم من خبر الواحد الذي قد يهم، وكالتي يجمع عليها أئمة الفقهاء في الأمصار ويتلقونها بالقبول عملا وفتوى أو عليها عامتهم منذ الصدر الأول، حيث لا يشيع عادة في تلك الأوساط العلمية إلا ما له أصل عندهم، فهذه لها خصوصية وليست كعامة أخبار الآحاد المشتهرة على الألسنة بين العامة أو الخاصة فهذه ترد إلى قواعد علم الحديث للحكم عليها.
ومثل ذلك قول ابن عبد البر في حديث (لا وصية لوارث) (وقد روي من أخبار الآحاد أحاديث حسان عن عمرو بن خارجة وأبي أمامة وخزيمة ...ونقله أهل السير في خطبته صلى الله عليه وسلم وهذا أشهر من أن يحتاج فيه إلى إسناد).
فهنا نص على أن أخبار الآحاد لهذا الحديث حسان أي غرائب ولم يقصد حسن الإسناد وقبوله، إذ أهل الحديث كما قال الشافعي قبله لا يثبتونه، وليس له عندهم إسناد قائم ـ حتى وإن صححه بعض المتأخرين بطرقه ـ ولهذا احتج الشافعي وكذا ابن عبد البر بإيراد أهل المغازي له ـ في مصنفاتهم المشهورة منذ عصر التابعين ـ في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم لا يختلفون في ذلك، وأن شهرته عند أهل الفن تغني عن تلك الأسانيد الغرائب، فالمعتمد عندهما نقل أهل المغازي لا تلك الأخبار الحسان والتي لو لم ينقل أهل المغازي تلك الخطبة وفيها ذلك الحديث، لما صحت تلك الأخبار الحسان لا عند أهل الحديث آنذاك ولا عند الفقهاء لأنها غرائب ضعيفة.
ـ شيخ الإسلام ابن تيمية :
وقد قرر حجية أخبار أهل المغازي والسير ـ كما سبق بيانه ـ في مواطن كثيرة في الأحكام والعقائد، وذلك على قواعد قررها في قبول الأخبار عامة، وأخبار أهل المغازي والسير خاصة، وقد قال(فإن أعلم الناس بالمغازي أهل المدينة، ثم أهل الشام، ثم أهل العراق، فأهل المدينة أعلم بها لأنها كانت عندهم، وأهل الشام كانوا أهل غزو وجهاد فكان لهم من العلم بالجهاد والسير ما ليس لغيرهم، ولهذا عظم الناس كتاب أبي إسحاق الفزاري الذي صنفه في ذلك، وجعلوا الأوزاعي أعلم بهذا الباب من غيره من علماء الأمصار).([76])
وقد كان له منهجه في الاحتجاج بأخبار المغازي والسير ومن ذلك :
أولا : الاحتجاج بما لا خلاف فيه بين أهل المغازي والسير : ومن ذلك :
1 ـ احتج ببعض ما جاء في صحيفة المدينة وقال عنها (وهذه الصحيفة معروفة عند أهل العلم روى مسلم في صحيحه عن جابر قال(كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقوله ثم كتب أنه لا يحل أن يتوالى رجل مسلم بغير إذنه)..).([77])
وقال أيضا بعد أن ساقها من طريق ابن إسحاق عن عثمان الأخنس عن الصحيفة التي كانت عند آل عمر، ومن طرق والواقدي من حديث ابن كعب(فقد ذكر ابن كعب مثل ما في الصحيفة وبين أنه عاهد جميع اليهود وهذا مما لا نعلم فيه ترددا بين أهل العلم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم).([78])
2 ـ كما احتج بقصة كعب بن الأشرف غيلة حيث قال(والاستدلال بقتل كعب بن الأشرف من وجهين :أحدهما:أنه كان معاهدا مهادنا وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم بالمغازي والسير، وهم عندهم من العلم العام الذي يستغنى فيه عن نقل الخاصة).([79])
فهو يرى هنا بأن من المشهور المعروف عند أهل المغازي والسير ما يغني عن نقل الخاصة ـ أي أهل الحديث ـ بأخبار الآحاد المسندة.
وقصة كعب بن الأشرف موجودة في الصحيحين وثابتة عند أهل الحديث، إلا إن مراد ابن تيمية واحتجاجه بنقل أهل المغازي والسير إنما هو في إثبات أن كعبا كان معاهدا مهادنا، وهذا ليس في الصحيحين ولا في غيرهما من كتب الحديث ما يثبته، وإنما فيها قصة إرسال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه لقتله دون وجود ما ينفي أو يثبت هل كان آنذاك معاهدا على عهده أم لا؟ بل الظاهر أنه كان في حال حرب ونقض للمعاهدة إلا أن ابن تيمية احتج بما عند أهل المغازي لأنه قتل في قومه بني النضير بعد بدر وقبل أحد بينما غزوة بني النضير وإخراجهم من المدينة بعد غزوة أحد.
فابن تيمية يعترف بأن هذه الجزئية ليست عند أهل الحديث، فإن الظاهر من قصة كعب في الصحيحين أنه كان يؤذي الله ورسوله وهذه عداوة ظاهرة، وقد ذكر أهل المغازي أنه ذهب لقريش يحرضهم على قتال النبي صلى الله عليه وسلم مما يرجح أنه نقض ما بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يلتفت ابن تيمية إلى ذلك ورأى أنه وقومه بني النضير كانوا جميعا معاهدين إلى أن حاربهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأن العهد ينتقض بمجرد أذى الله ورسوله كالهجاء بالشعر كما فعل كعب بن الأشرف، وقد ذكر أهل السير كابن سعد من أن قومه جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشتكون من أن سيدهم قتل غيلة..الخ([80]) وهو ما يؤكد أنهم كانوا في عهد وهدنة فلم تشفع لكعب.
ثانيا : الاحتجاج بما اشتهر عند أهل المغازي والسير وترجيحه على بعض أخبار الآحاد المسندة:
حيث قال(ومثل هذا مما يشتهر عند هؤلاء مثل الزهري وابن عقبة وابن إسحاق والواقدي والأموي وغيرهم وأكثرهم ما فيه أنه مرسل، والمرسل إذا روي من جهات مختلفة ولا سيما ممن له عناية بهذا الأمر ويتبع له كان كالمسند، بل بعض ما يشتهر عند أهل المغازي ويستفيض أقوى مما يروى بالإسناد الواحد ولا يوهنه أنه لم يذكر في الحديث المأثور..).([81])
وقال أيضا(الحديث العاشر:حديث القينتين اللتين كانتا تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم ومولاة بني هاشم وذلك مشهور مستفيض عند أهل السير وقد تقدم في حديث سعيد بن المسيب أنه صلى الله عليه و سلم (أمر بقتل فرتنى)، وحديث القينتين مما اتفق عليه علماء السير واستفاض نقله استفاضة يستغنى بها عن رواية الواحد، وحديث مولاة بني هاشم ذكره عامة أهل المغازي ومن له مزيد خبره واطلاع، وبعضهم لم يذكره).([82])
ثالثا : الاستشهاد بتفاصيل أخبار أهل المغازي والسير :
حيث استشهد بتفصيل خبر عن الواقدي فقال(وما ذكره الواقدي عن أشياخه يوضح ذلك ويؤيده، وإن كان الواقدي لا يحتج به إذا انفرد لكن لا ريب في علمه بالمغازي واستعلام كثير من تفاصيلها من جهته ولم نذكر عنه إلا ما أسندناه عن غيره).([83])
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية (وإنما سقنا القصة من رواية أهل المغازي، مع ما في الواقدي من الضعف، لشهرة هذه القصة عندهم، مع أنه لا يختلف اثنان أن الواقدي من أعلم الناس بتفاصيل أمور المغازي وأخبرهم بأحوالها، وقد كان الشافعي وأحمد وغيرهما يستفيدون علم ذلك من كتبه، نعم هذا الباب يدخله خلط الروايات بعضها ببعض، حتى يظهر أنه سمع مجموع القصة من شيوخه وإنما سمع من كل واحد بعضها ولم يميزه، ويدخله أخذ ذلك من الحديث المرسل والمقطوع وربما حدس الراوي بعض الأمور لقرائن استفادها من عدة جهات، ويكثر من ذلك إكثارا ينسب لأجله إلى المجازفة في الرواية وعدم الضبط، فلم يمكن الاحتجاج بما ينفرد به، فأما الاستشهاد بحديثه والاعتضاد به فمما لا يمكن المنازعة فيه، لا سيما في قصة تامة يخبر فيها باسم القاتل والمقتول وصورة الحال، فإن الرجل وأمثاله أفضل ممن ارتفعوا في مثل هذا في كذب ووضع).([84])
وقال عن خبر هرقل وقصته مع بطارقته لما جاءه دحية الكلبي برسالة النبي صلى الله عليه وسلم: (وهذا حديث مشهور من حديث محمد بن إسحاق وهو ذو علم وبصيرة بهذا الشأن حفظ مالا يحفظه غيره).([85])
رابعا : الاحتجاج لرد الخبر ونفيه بعدم رواية أهل المغازي والسير له:
فقد نفى صحة خبر هدر النبي صلى الله عليه وسلم دم معاوية رضي الله عنه بعدم رواية أهل المغازي لهذا الخبر وهم أعلم بهذا الفن من غيرهم، حيث قال (وأهل السير والمغازي متفقون على أنه لم يكن معاوية ممن أهدر دمه عام الفتح، فهذه مغازي عروة بن الزبير، والزهري، وموسى بن عقبة، وابن إسحاق، والواقدي، وسعيد بن يحيى الأموي، ومحمد بن عائذ، وأبي إسحاق الفزاري، وغيرهم، وكتب التفسير والحديث كلها تنطق بخلاف ما ذكره).([86])
وقال أيضا في شأن غزوة السلسلة المختلقة (لم يعرف في شيء من كتب المغازي والسير المعروفة عند أهل العلم ذكر هذه الغزاة، ولم يذكرها أئمة هذا الفن فيه كموسى بن عقبة، وعروة بن الزبير، والزهري، وابن إسحاق وشيوخه، والواقدي، ويحيى بن سعيد الأموي، والوليد بن مسلم، ومحمد بن عائذ وغيرهم، ولا لها ذكر في الحديث، ولا نزل فيها شيء من القرآن، وبالجملة مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم لاسيما غزوات القتال معروفة مشهورة مضبوطة متواترة عند أهل العلم بأحواله، مذكورة في كتب أهل الحديث والفقه والتفسير والمغازي والسير ونحو ذلك وهي مما تتوفر الدواعي على نقلها فيمتنع عادة وشرعا أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم غزاة يجري فيها مثل هذه الأمور لا ينقلها أحد من أهل العلم بذلك).([87])
ـ ابن القيم الجوزية :
وقد تصرف على أنحاء عدة في احتجاجه بأخبار أهل المغازي والسير ومن ذلك:
أولا : الاحتجاج بأخبار المغازي المتواترة المرسلة وترجيحها على خبر الواحد المسند :
فقد رجح عدم صحة حديث مسلم في شأن زواج النبي صلى الله عليه وسلم من أم حبيبة احتجاجا بما تواتر عند أهل المغازي فقال (فإن قيل بل يتعين أن يكون نكاحها بعد الفتح لأن الحديث الذي رواه مسلم صحيح وإسناده ثقات حفاظ، وحديث نكاحها وهي بأرض الحبشة من رواية محمد بن إسحاق مرسلا، والناس مختلفون في الاحتجاج بمسانيد ابن إسحاق فكيف بمراسيله؟ فكيف بها إذا خالفت المسانيد الثابتة؟! وهذه طريقة لبعض المتأخرين في تصحيح حديث ابن عباس هذا فالجواب من وجوه:
أحدها أن ما ذكره هذا القائل إنما يمكن عند تساوي النقلين فيرجح بما ذكره وأما مع تحقيق بطلان أحد النقلين وتيقنه فلا يلتفت إليه، فإنه لا يعلم نزاع بين اثنين من أهل العلم بالسير والمغازي وأحوال رسول الله أن نكاح أم حبيبة لم يتأخر إلى بعد الفتح ولم يقله أحد منهم قط ولو قاله قائل لعلموا بطلان قوله ولم يشكوا فيه.
الثاني أن قوله إن مراسيل ابن إسحاق لا تقاوم الصحيح المسند ولا تعارضه، فجوابه أن الاعتماد في هذا ليس على رواية ابن إسحاق وحده لا متصله ولا مرسله، بل على النقل المتواتر عند أهل المغازي والسير وذكرها أهل العلم واحتجوا على جواز الوكالة في النكاح...
والمقصود أن أئمة الفقه والسير ذكروا أن نكاحها كان بأرض الحبشة وهذا يبطل وهم من توهم أنه تأخر إلى بعد الفتح اغترارا منه بحديث عكرمة ابن عمار.
الثالث أن عكرمة بن عمار راوي حديث ابن عباس هذا قد ضعفه كثير من أئمة الحديث منهم يحيى بن سعيد الأنصاري قال ليست أحاديثه بصحاح، وقال الإمام أحمد أحاديثه ضعاف، وقال أبو حاتم عكرمة هذا صدوق وربما وهم وربما دلس، وإذا كان هذا حال عكرمة فلعله دلس هذا الحديث عن غير حافظ أو غير ثقة، فإن مسلما في صحيحه رواه عن عباس بن عبد العظيم عن النضر بن محمد عن عكرمة بن عمار عن أبي زميل عن ابن عباس هكذا معنعنا، ولكن قد رواه الطبراني في معجمه فقال حدثنا محمد بن محمد الجذوعي حدثنا العباس ابن عبد العظيم حدثنا النضر بن محمد حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا أبو زميل قال حدثني ابن عباس فذكره.وقال أبو الفرج بن الجوزي في هذا الحديث هو وهم من بعض الرواة لا شك فيه ولا تردد وقد اتهموا به عكرمة بن عمار).([88])
ومعلوم أن التواتر عند أهل المغازي والسير في هذه القضية وغيرها ليس تواتر الأخبار بالأسانيد كما عند المحدثين، بل ما توتر عند أئمتهم وشاع بين شيوخ هذا الفن، وإلا لو بحثنا عن قصة زواج أم حبيبة في كل كتب المغازي لما وجدنا شيئا من هذا التواتر المذكور، لا في هذا الخبر ولا في غيره من أخبار المغازي والسير، حتى قيل في علم وكتب المغازي ليس له أصول، أي أسانيد، بل ألف عروة والزهري كتابيهما بلا أسانيد لعدم الحاجة لذلك كما سبق بيانه في البحث، ولهذا لم يستطع ابن القيم أن يذكر إسنادا صحيحا متصلا أقوى مما جاء في صحيح مسلم ولو وجده لما كان في حاجة ليتكئ على قول أهل المغازي والسير ونقلهم المتواتر!
ثانيا : الاستدلال بتفاصيل أخبار المغازي من جهة أئمة المغازي والسير :
فقد كان يحتج بمغازي ابن إسحاق حيث يقول في شأن فتح مكة (وكان السبب الذي جر إليه وحدا إليه فيما ذكر إمام أهل السير والمغازي والأخبار محمد بن إسحاق بن يسار أن بني بكر بن عبد مناة ابن كنانة عدت على خزاعة وهم على ماء يقال له : الوتير : فبيتوهم وقتلوا منهم). فساق حادثة فتح مكة من طريق ابن إسحاق مرسلا بلا إسناد.([89])
ثالثا: الاحتجاج بعدم رواية أهل المغازي والسير للخبر :
فقد قال في حديث هجر كعب بن مالك في الصحيح(وقوله (فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا لي فيهما أسوة) هذا الموضع مما عد من أوهام الزهري، فإنه لا يحفظ عن أحد من أهل المغازي والسير البتة ذكر هذين الرجلين فى أهل بدر، لابن إسحاق، ولا موسى بن عقبة، ولا الأموي، ولا الواقدي، ولا أحد ممن عد أهل بدر، وكذلك ينبغي ألا يكونا من أهل بدر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يهجر حاطبا ولا عاقبه وقد جس عليه، وقال لعمر لما هم بقتله :(وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)وأين ذنب التخلف من ذنب الجس).([90])
فقد احتج ابن القيم هنا في رد لفظ رواية في صحيح البخاري، واحتج بعدم ذكر أهل المغازي والسير لها، لكون هذا الخبر من فنهم وهم أعلم الناس به.
مع أن الحديث من رواية الزهري في صحيح البخاري، وهي متصلة الإسناد برواية الحفاظ الأثبات غير أن أهل المغازي والسير ومنهم الزهري نفسه لم يذكروا في مصنفاتهم اسم هذين الرجلين في أهل بدر!
مع العلم بأن كل من سموا أهل بدر من أصحاب المغازي سموهم سردا دون ذكر إسناد؟!
وكان الأولى أن يضاف اسم هذين الصحابيين في أهل بدر بناء على ورودهما في حديث صحيح عند أهل الحديث أجمع الأئمة على صحته ومن رواية الزهري نفسه؟ إلا أن الزهري لم يذكرهما في كتابه المغازي ولا استدركهما موسى بن عقبة ولا ابن إسحاق ولا الواقدي فدل ذلك على أنه لا يعرف أهل المغازي والسير أنهما شهدا بدرا وإن ورد ذكرهما في بعض الأحاديث الصحيحة عند أهل الحديث!
نتائج البحث
وبعد هذه الدراسة الموجزة فهذه أهم نتائجها :
1 ـ طبيعة علم أخبار المغازي والسير تختلف عن طبيعة علم الحديث النبوي، فلكل منهما قواعده الخاصة به، وأئمته، ومصادره، وهم المرجع والحجة على من خالفهم فيه.
2 ـ أنه لا يصلح تطبيق علم مصطلح الحديث من حيث قبول الأخبار وردها على أخبار المغازي والسير، كما حاوله بعض المعاصرين، لأنها من حيث العموم والإجمال منقولة نقلا متواترا مشهورا يغنيها عن اشتراط الإسناد المطلوب لأجل أخبار الآحاد، وإنما قد يشترط ذلك فيما يرد في ثناياها من أخبار جزئية ينفرد في ذكرها الواحد منهم دون الآخرين.
3 ـ أن سبب ترك أئمة المغازي المصنفين فيها ـ كعروة بن الزبير والزهري ـ لذكر الإسناد هو التأليف المبكر لها من جهة، فهي من أول ما صنفه علماء الأمة، وكان ذلك في حياة الصحابة أنفسهم، ولكثرة شيوخهم الذين أخذوا عنهم هذه الأخبار، فكان الإرسال ضمانة ممن أرسل منهم بصحة ما رواه عنهم.
4 ـ أن علماء الأمة لم يترددوا في الاحتجاج بأخبار المغازي والسير وما فيها من الأحكام ـ كما جاءت في مصنفات علمائها ـ ولم يتوقف أحد منهم في ذلك، إدراكا منهم لطبيعتها وأن أهلها أعلم بأخبارها من غيرهم، وهم الحجة على من خالفهم.
5 ـ كما أن أقصى ما فيها أنها مراسيل، وتمتاز مراسيلهم عن غيرها بأن الذين أرسلوها هم التابعون الذين أدركوا كثيرا من الصحابة وأخذوها عنهم،كالشعبي، وأبان بن عثمان بن عفان، وعروة بن الزبير، وعكرمة، والزهري، كما أنهم أئمة أثبات حفاظ متخصصون في هذا الفن، فكانت مراسيلهم فيها أقوى من مسانيد غيرهم في أخبار المغازي والسير لأنهم أعلم بها من غيرهم.
6 ـ وقد تقرر عند الأئمة أن عروة والزهري وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق من أعلم الناس بها، وعلى مصنفاتهم عول من جاء بعدهم، وهم الحجة على من خالفهم.
7 ـ كما أن أخبار المغازي والسير فيها ما أجمع أهل السير عليه، ومنها ما لا خلاف بينهم فيه، ومنها ما هو معروف بينهم، ومشهور عندهم، ومنها ما اتفق على ذكره بعضهم ولم يخالفهم غيرهم، ومنها ما قد ينفرد بذكره الواحد منهم، ولم ينفه غيره، ومنها ما هو مختلف فيه بينهم إثباتا ونفيا، وأئمة هذا الفن هم الحكم والمرجع فيما يصح منها وما لا يصح.
8 ـ أنه يجب العناية بعلم المغازي والسير، وبعث مصنفاتها الرئيسة التي اندثرت من جديد، والتعمق في دراسة مناهج أئمتها للوقوف على قواعدهم التي التزموا فيها عند تصنيفهم لها.
المراجع والمصادر
أبجد العلوم : صديق القنوجي ، تحقيق عبد الجبار زكار، ط 1 1987دار الكتب العلمية ـ بيروت.
الإرشاد في معرفة علماء الحديث: الخليل بن عبد الله بن أحمد الخليلي القزويني، تحقيق د. محمد سعيد عمر إدريس، ط 1 1409 ، الرشد ـ الرياض.
الاستذكار: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر،تحقيق:سالم محمد عطا ومحمد علي معوض الطبعة الأولى 1421 – 2000، دار الكتب العلمية – بيروت.
الإصابة في تمييز الصحابة : ابن حجر العسقلاني، تحقيق البجاوي ، ط 1 سنة 1412 هـ دار الجيل ، بيروت.
الأعلام : خير الدين الزركلي، ط 5 سنة 1980 ، دار العلم للملايين ، بيروت ـ لبنان.
إعلام الموقعين :محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد طبعة دار الفكر ،بيروت .
الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ، محمد بن عبد الرحمن السخاوي، طبعة أولى سنة 1986م ، تحقيق : فرانز لوزنثال، ترجمة : صالح أحمد العلي، الرسالة ـ بيروت .
الأم : محمد بن إدريس الشافعي، ط سنة 1393 هـ ، دار المعرفة، بيروت.
أنيس الفقهاء : لقاسم القونوي، تحقيق الكبيسي ، ط 1 سنة 1406 ، دار الوفاء ـ جدة .
البداية والنهاية : ابن كثير ، ط دار الكتب العلمية ، بيروت.
تاريخ بغداد : الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت.
تاريخ دمشق : ابن عساكر ، تحقيق علي شيري ، دار الفكر ، لبنان.
تاريخ الطبري : ابن جرير الطبري، ط 1 سنة 1407، العلمية ، بيروت.
التاريخ الكبير : محمد بن إسماعيل البخاري، ط سنة 1361هـ ، إدارة المعارف العثمانية، الهند.
التاريخ: يحيى بن معين، تحقيق أحمد نور سيف، ط1 سنة 1399هـ .
التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة : السخاوي، نشر أسعد طربزوني، ط 1 سنة 1399 هـ.
تذكرة الحفاظ : الذهبي ، تحقيق عميرات، ط 1 سنة 1998 م، دار الكتب العلمية، بيروت.
تفسير ابن كثير :أبو الفداء إسماعيل بن عمر ابن كثير، طبعة سنة 1413هـ، دار المعرفة ، بيروت.
التقريب: أحمد بن علي ابن حجر، تحقيق محمد عوامة، ط3 سنة 1411هـ، دار الرشيد، سوريا.
التمهيد: يوسف بن عبد البر ، طبعة ثانية سنة 1402هـ ، وزارة الأوقاف المغربية.
تقييد العلم: الخطيب البغدادي، تحقيق : يوسف العش، الطبعة الثانية ، 1974، دار إحياء السنة النبوية.
تهذيب التهذيب: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني، الطبعة الأولى ، 1404 - 1984، دار الفكر ، بيروت.
تهذيب الكمال: المزي، تحقيق بشار عواد، ط1 سنة 1413هـ، الرسالة، بيروت.
توجيه النظر : طاهر الجزائري، تحقيق أبو غدة، ط1 سنة 1416، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب.
توضيح الأفكار: الصنعاني، تحقيق صلاح عويضه، ط 1 سنة 1417، الكتب العلمية، بيروت.
الثقات: ابن حبان، ط1 سنة 1393هـ ، دائرة المعارف العثمانية ،الهند .
جلاء الأفهام : محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط - عبد القادر الأرناؤوط، الطبعة الثانية ، 1407 – 1987، دار العروبة – الكويت.
الجامع الصحيح المختصر:محمد بن إسماعيل البخاري،تحقيق مصطفى البغا،الطبعة الثالثة 1400 – 1987،دار ابن كثير، اليمامة ـ بيروت.
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: الخطيب البغدادي، تحقيق د. محمود الطحان، مكتبة المعارف - الرياض ط 1403 .
الجرح والتعديل: ابن أبي حاتم، تحقيق المعلمي، ط1 سنة 372هـ دائرة المعارف العثمانية، الهند.
الجواب الصحيح: ابن تيمية ، تحقيق العسكر وجماعة، ط 1 سنة 1414، دار العاصمة ـ الرياض.
الدرر في اختصار المغازي والسير : ابن عبد البر ، تحقيق شوقي ضيف، ط 3 دار المعارف، مصر.
الرد على البكري: ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق : محمد علي عجال، الطبعة الأولى ، 1417، مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة.
رسالة أبي داود إلى أهل مكة : سليمان بن الأشعث أبو داود، تحقيق : محمد الصباغ، دار العربية – بيروت.
الرسالة: محمد بن إدريس الشافعي، المحقق : أحمد محمد شاكر، دار الكتب العلمية.
الرسالة المستطرفة : محمد بن جعفر الكتاني، تحقيق محمد المنتصر محمد الزمزمي الكتاني، الطبعة الرابعة ، 1406 – 1986، دار البشائر الإسلامية ـ بيروت.
زاد المعاد في هدي خير العباد: محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق :شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط، الطبعة الرابعة عشر ، 1407 – 1986، مؤسسة الرسالة ـ بيروت.
سنن البيهقي الكبرى: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، تحقيق : محمد عبد القادر عطا، ط 1994، مكتبة دار الباز - مكة المكرمة.
سير أعلام النبلاء :محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق جماعة، ط9 سنة 1413هـ، الرسالة، بيروت.
سيرة ابن هشام : ابن هشام ، تحقيق طه سعد، ط سنة 1411 هـ ، دار الجيل، بيروت.
شرح العمدة في الفقه: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق : د. سعود صالح العطيشان، الطبعة الأولى 1413، مكتبة العبيكان – الرياض.
شرح معاني الآثار: الطحاوي، تحقيق النجار، ط2 سنة 1407هـ، بيروت .
الصارم المسلول: ابن تيمية، تحقيق الحلواني ، ط 1 سنة 1417 ، دار ابن حزم ـ بيروت .
الطبقات: محمد بن سعد، تحقيق محمد عبدالقادر، ط1 سنة 1410هـ دار الكتب العلمية، بيروت.
طبقات المدلسين: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: د. عاصم بن عبدالله القريوتي، الطبعة الأولى ، 1403 – 1983، مكتبة المنار – عمان.
العلل رواية عبد الله بن أحمد: تحقيق وصي الله عباسي، ط1 سنة 1408هـ، المكتب الإسلامي، بيروت .
عيون الأثر في معرفة المغازي والسير، ابن سيد الناس، ط 1 سنة 1992، دار التراث، المدينة المنورة.
فتح الباري: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق محب الدين الخطيب، ترقيم عبد الباقي ط1 سنة 1410هـ نشر دار الكتب العلمية، بيروت .
فتح المغيث شرح ألفية الحديث: شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، الطبعة الأولى ، 1403هـ، دار الكتب العلمية – لبنان.
الفهرست : محمد بن إسحاق أبو الفرج النديم، ط 1398 - 1978دار المعرفة ـ بيروت .
فهرسة ابن خير الاشبيلي: أبو بكر محمد بن خير الأموي، تحقيق محمد فؤاد منصور، ط 1998م، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.
الكاشف : محمد بن أحمد الذهبي ، تحقيق عوامة ، الطبعة الأولى سنة 1416هـ، دار القبلة، جدة.
الكامل في الضعفاء: عبد الله بن عدي الجرجاني، تحقيق سهيل زكار، ط3 سنة 1409، دار الفكر، بيروت.
لسان الميزان: أحمد بن علي ابن حجر، ط1 دار الكتاب الإسلامي، القاهرة .
المجروحين: محمد بن حاتم بن حبان، تحقيق محمود زايد، ط2 سنة 1402هـ دار الوعي، حلب.
مجموع الفتاوى: أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، جمع ابن القاسم، طبعة سنة 1412هـ عالم الكتب، الرياض.
المصنف:عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ط1 سنة 1982م المكتب الإسلامي، بيروت .
مشاهير علماء الأمصار : ابن حبان، الطبعة الأولى 1991 م، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع ـ المنصورة.
المعرفة والتاريخ : البسوي، تحقيق ضياء العمري، ط 1 سنة 1989م ، مكتبة الدار ، المدينة المنورة.
معرفة علوم الحديث: الحاكم، تحقيق معظم حسين، ط1 دائرة المعارف العثمانية.
المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام: جواد علي، الطبعة الرابعة 2001م، دار الساقي.
منهاج السنة : ابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، ط 1 ، مؤسسة قرطبة.
الموجز في مراجع التراجم : محمود الطناحي، ط 1 سنة 1406 .
الموضوعات : ابن الجوزي، ط دار المعرفة ، بيروت.
النكت على ابن الصلاح : بدر الدين الزركشي، تحقيق زين العابدين فريج، ط 1 سنة 1419 هـ ، دار أضواء ، الرياض.
الوافي في الوفيات : صلاح الدين الصفدي ، طبعة سنة 1962م، نشر: هلموت ريتر، فيسبادن.
[2] الموجز في مراجع التراجم لمحمود ص 32 .
[3] البداية والنهاية 3/242 باختصار وتصرف يسير.
[4] الإرشاد في معرفة علماء الحديث 1/288 .
[6] تاريخ بغداد 12/ 230 .
[9] طبقات ابن سعد 3/627 .
[11] تاريخ دمشق 60/465، وتهذيب الكمال 29/119، وتهذيب التهذيب 10/322 .
[12] تاريخ بغداد 1/215، وتهذيب الكمال ( 24/413 ) .
[13] جامع المراسيل للعلائي ص 89 .
[14] معرفة علوم الحديث ص 320 .
[15] تذكرة الحفاظ 1/148 .
[16] تذكرة الحفاظ 1/173 .
[17] مقدمة فتح الباري ص 459 .
[18] مقدمة فتح الباري ص 369 .
[20] شرح معاني الآثار 3/ 311 .
[21] تفسير ابن كثير 1/727 .
[23] الجامع لأخلاق الراوي 2/162 .
[24] الرد على البكري ص 76 .
[25] رسالة أبي داود إلى أهل مكة ص 24 .
[26] انظر التمهيد لما في الموطأ 1/4.
[28] انظر التمهيد لما في الموطأ 1/3 .
[29] مجموع الفتاوى 13/346، ومقدمة في التفسير ص 68 .
[30]مجموع الفتاوى 13/347، ومقدمة في التفسير ص 68 .
[32]مجموع الفتاوى 32/189 .
[35] طبقات ابن سعد 3/567 .
[36] طبقات ابن سعد 2/21 .
[37] مغازي الواقدي ص 168 .
[38] مغازي الواقدي ص 172 .
[39] مغازي الواقدي ص 1089 .
[41] النكت على مقدمة ابن الصلاح 3/628 .
[42] صحيح البخاري ح رقم 3910 .
[43] انظر سيرة ابن هشام 4/260 .
[45] توجيه النظر 2/ 710 .
[46] تاريخ بغداد 1/215، وتهذيب الكمال 24/413 .
[48] الرسالة ص 137 ، وانظر السنن الكبرى للبيهقي 6/246 .
[49] الأم 4/143 باب الوصية للوارث.
[52] السنن الكبرى 7/186 .
[56] السنن الكبرى 8/29، وانظر الأم 4/143 باب الوصية للوارث.
[57] الأم 4/143 باب الوصية للوارث.
[59] الأم 2/262 باب الإحصار بالعدو .
[60] الأم 4/250 مسألة إعطاء الجزية .
[62] الأم 4/402 باب الصدقة .
[66]السنن الكبرى 3/ 221 .
[72] النكت على مقدمة ابن الصلاح 1/106 .
[76] مجموع الفتاوى 13/346، ومقدمة في التفسير ص 68 .
[77] الصارم المسلول 1/ 67 .
[78] الصارم المسلول 1/ 70 .
[79] الصارم المسلول 1/ 77 .
[81] الصارم المسلول ص 147 .
[82] الصارم المسلول ص 132 .
[83] الصارم المسلول ص 77 .
[84] الصارم المسلول ص 101 .
[85] الجواب الصحيح1/282 .
[86] منهاج السنة 4/ 440 .
[88] جلاء الأفهام ص 245 .