بسم الله الرحمن الرحيم
بين يدي الموضوع:
الحمد لله حمدا يليق بجلاله، وبعظيم سلطانه، وصفات كماله، وبعزته وجماله، سبحانه قصرت عنه مدارك الطالبين، وإليه انتهت مسائل الراغبين، كل ما سواه باطل، وكل من عداه زائل، هو الحق، ووعده الحق، وقوله الحق....
اللهم رب جبرائيل وإسرافيل وميكائيل، عالم الغيب والشهادة أن تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اللهم فاهدنا لم اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم...
اللهم كلنا ضال إلا من هديته، فنسألك هدايتك، وكلنا عائل إلا من آويته، فنسألك كفايتك، ونعوذ بك اللهم أن نضل ونحن نرجو رحمتك، وأن نهلك ونحن نسألك مغفرتك، وأن نذل وأنت ولينا ليس لنا من ولي دونك، اللهم فلا تكلنا إلى أحد من خلقك فنذل، ولا إلى عقولنا فنضل، ولا إلى أهوائنا فنزل!
اللهم رضينا بك ربا وإلها وملكا ووليا، ليس لنا رب إلا أنت، ولا ملك سواك، ولا إله غيرك، ولا ولي لنا من دونك، اللهم فاجعل لنا من لدنك وليا، واجعل لنا من لدنك نصيرا!
اللهم وصل وسلم على نبيك المبعوث رحمة للعالمين، إمام الموحدين، وأول المسلمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعله إماما لنا حين الورود عليك، وشفيعا لنا يوم الوقوف بين يديك..
وبعد ..
فهذه سلسلة حلقات (أهل السنة والجماعة.. إشكالية الشعار وجدلية المضمون)، جمعتها في هذا الكتاب، بعد صياغتها صياغة مناسبة لطباعتها ككتاب مستقل، لتكون بين يدي القراء قريبا، وهو الحسنة الوحيدة لتقريض الشيخ صالح الفوزان، لكتاب حمد إبراهيم عثمان، حيث كشف التقريض عن ملامح أزمة كبرى يعيشها أهل السنة منذ عقود، تحتاج إلى دراسة تحليلية نقدية لجذور الأزمة التي تعيشها الأمة عامة، وأهل السنة خاصة، حيث يمثلون الأكثرية بين طوائف المسلمين على مر العصور، وهم الأجدر بدراسة تاريخهم، ومعرفة مظاهر الانحراف لديهم، وأسباب ضعفهم وتشرذمهم اليوم، بدل الانشغال بدراسة الفرق الأخرى، إذ أهل السنة والجماعة هم الأقدر حين ينهضون من كبوتهم، ويقومون من عثرتهم، على تغيير مجرى التاريخ من جديد، كما فعلوا طوال تاريخ الإسلام حتى سقطت الخلافة العثمانية في القرن الماضي.
وقد حاول بعض طلبة العلم الاعتذار عن الشيخ الفوزان بأنه لعله لم يقرأ كتاب حمد عثمان، وأنه ربما قرأ بعض فقراته ولا يلزم من تقريضه موافقته على كل ما جاء فيه، خاصة دعوى أن الحكومات التي لا تحكم بالشريعة لها ولاية شرعية على الأمة، وأن طاعتها من طاعة الله ورسوله! إذ للشيخ نصوص قطعية يرى فيها رأي شيخه ابن إبراهيم في القوانين الوضعية، وأن استبدالها بالشريعة كفر ينقل عن الملة!
وقد قلت للأخوة بأنه قد يكون للشيخ عذره، ولا ينقص ذلك من مكانته وقدره، إلا أنه على كل حال قد كشف عن مظهر من مظاهر الأزمة التي يعيشها أهل السنة، وليس الشيخ فوق النقد، ولا له عصمة، وقد زكى كتاب حمد عثمان بعجره وبجره، مع أنه من أوله إلى آخره دعوة لطاعة الطاغوت الذي يحكم بغير ما أنزل الله في كل بلد إسلامي، ووجوب التحاكم إليه، وتوليه، ونصرته، ومحبته، بدعوى أنه ولي أمر يجب السمع والطاعة له!
والقضية على كل حال أكبر من حمد عثمان وشيخه صالح الفوزان، فهي أزمة أمة تحتاج إلى عودة صادقة إلى الله ورسوله، والاهتداء بالكتاب والسنة، وترك التقليد ونبذ آراء الرجال، وكل يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم، ولو أن الفوزان كتب ما كتب على أنه رأيه واجتهاده الذي يصيب ويخطئ، لوجدنا له عذرا، وإنما كتب ما كتب على أنه هو السنة وما عليه سلف الأمة، وأن ما ندعو إليه نحن حرورية واعتزال!
وقد جاءت هذه الدراسة وهي أول دراسة نقدية تحليلية لتاريخ أهل السنة والجماعة، وبداية ظهور هذا الشعار، والأصول العقائدية التي تجمعهم، والأصول السياسية التي أجمعوا عليها، وملامح الانحراف العقائدي والسياسي الذي تعرضوا له، والرؤية المستقبلية لمشروعهم السياسي الذي يجب أن يقوم على شعار نحو (أمة واحدة وخلافة راشدة).
هذا وقد اجتهدت غاية الاجتهاد في النصيحة لهم وللأمة كلها، والرائد لا يكذب أهله، فإن تاريخ الأمة العظيم هو تاريخ الخلافة وفتوحاتها، وحضارتها، والخلافة هي النظام السياسي الذي يؤمن به أهل السنة والجماعة، وهم الذين وقفوا معها، وأوجبوا الجهاد دفاعا عنها، في عصورها كله، فهم الجماعة والأمة، وهي السلطة والدولة، التي تعبر عن أصولهم العقائدية والسياسية، حتى إذا سقطت سقط معها أهل السنة وعموم الأمة!
وقد جعلت الحلقات العشر المنشورة، عشر مباحث في هذا الكتاب، كل حلقة في مبحث بعنوان يعبر عن مضمونه.
هذا وأسأل الله التوفيق والسداد، والهداية والرشاد، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.