بقلم د. حاكم المطيري
المنسق العام لمؤتمر الأمة
وأستاذ قسم التفسير والحديث
كلية الشريعة - جامعة الكويت
الحمد لله رب العالمين وصلى اللهم على المبعوث رحمة للخلق أجمعين وبعد..
فقد كثر السؤال عن حكم النازلة التي يعيشها الشعب السوري في ظل الثورة السلمية على السلطة الجائرة التي استباحت الدماء والأعراض وهل يجوز استخدام القوة المسلحة لمواجهة السلطة وكف عدوانها؟
فأقول وبالله التوفيق ..
نعم جائز للشعب السوري استخدام القوة بما في ذلك القوة المسلحة لدفع عدوان السلطة وإسقاطها بالقوة، إن رأى أهل الرأي وقادة الثورة في الداخل ذلك، وإذا تحقق أو ترجح لهم المصلحة في ذلك، ويكون القتال حينئذ جهادا واجبا على الجميع، ويجب على الأمة من ورائهم نصرتهم، بالقوة والمال والرجال، وبالدعم المعنوي سياسيا وإعلاميا، وإن كان أهل الرأي من قادة الثورة يرون بأن المقاومة السلمية هل الأجدى في هذه المرحلة فالواجب الاستمرار بالثورة الشعبية السلمية حتى يسقط النظام، وعلى الأمة نصرتهم ماديا ومعنويا، بما في ذلك دفع الزكاة لهم في سهم {وفي سبيل الله}، ولا حرج على من دفع السلطة بالقوة عن نفسه وماله وعرضه، وأما الإدعاء بحرمة الخروج مطلقا وأن ذلك مخالف لأصول أهل السنة ومذهب سلف الأمة، فهو ادعاء باطل حيث ينزل كلام أهل السنة على غير موارده ومقاصده، فإن للخروج أحكاما لا تخفى على أهل العلم والفقه وأهل الشام هم معدنه ورجاله، وتجري عليه الأحكام الخمسة فمنه:
1- خروج محرم بالنص والإجماع، وهو الخروج على الإمام العدل الذي اختارته الأمة بالشورى والرضا دون وقوع ما يوجب عزله، كخروج من خرجوا على عثمان رضي الله عنه، ومثله الخروج على كل إمام شرعي اختارته الأمة، ووقع منه بعض الجور والقصور في خاصة نفسه، غير أنه لم يختل ميزان العدل في الرعية، ولا فشا عدوانه على البرية، فيحرم الخروج عليه مراعاة للمقاصد الكلية، كوحدة الأمة، وحفظ البيضة، وأمن السبيل.
2- وخروج مكروه كراهة تحريمية وهو الخروج في قتال الفتنة، كتنازع فئتين من المسلمين على السلطة، أو قتال فئة للسلطة، بالتأويل السائغ، إذا كانوا جميعا عدولا، كقتال أهل الجمل.
3- وخروج واجب بالنص والإجماع، وهو الخروج على ولاية الكافر أو من طرأ عليه كفر في دار الإسلام، وكذا وجوب عزله عند القدرة على ذلك عند ظهور الكفر البواح وإن لم يكفر الإمام، كما في الحديث المتفق عليه في وجوب السمع والطاعة وفيه (إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان)، قال القاضي عياض (أجمع العلماء على أن الإمام لو طرأ عليه كفر أو تغيير للشرع أو بدعة – أي مكفرة - خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر).([1])
وقال ابن حجر (ينعزل الإمام بالكفر إجماعا، فيجب على كل مسلم القيام في ذلك).([2])
وقال ابن بطال (إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها).([3])
4- وخروج مندوب وقد يجب، لدفع عدوان السلطان المسلم الجائر إذا تواصل غشمه وبطشه، وكان للأمة قدرة على عزله وخلعه، وإقامة إمام عادل مكانه، وهو المقصود بحديث أمراء السوء كما في صحيح مسلم (ثم تخلف من بعدهم خلوف أمراء يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن..).([4])
والمقصود باليد هنا القوة، وهذا لا يخالف فيه أحد من الأئمة بما فيهم أحمد بن حنبل الذي كان لا يرى الخروج بالسيف على أئمة المسلمين – على فرض أن النظام السوري له ولاية شرعية في نظر بعض المفتونين - قال ابن رجب الحنبلي: (وهذا يدل على جهاد الأمراء باليد، وقد استنكر أحمد هذا الحديث، وقد يجاب عن ذلك بأن التغيير باليد لا يستلزم القتال، وقد نص على ذلك أحمد أيضا فقال: التغيير باليد وليس بالسيف والسلاح، فحينئذ فجهاد الأمراء باليد، أن يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له قدرة على ذلك، وكل ذلك جائز، وليس هو من باب قتالهم ولا من الخروج عليهم).([5])
وقد قال إمام الحرمين الجويني الشافعي عن الإمام الجائر (فأما إذا تواصل منه العصيان، وفشا منه العدوان، وظهر الفساد، وتعطلت الحقوق والحدود، وارتفعت الصيانة، ووضحت الخيانة، واستجرأ الظلمة، ولم يجد المظلوم منتصفا ممن ظلمه، وتداعى الخلل إلى عظائم الأمور، وتعطيل الثغور، فلا بد من استدراك هذا الأمر المتفاقم، وذلك أن الإمامة إنما تعنى لنقيض هذه الحالة، فإذا أفضى الأمر إلى خلاف ما تقتضيه الزعامة والإيالة ـ أي السياسة ـ فيجب استدراكه لا محالة، وترك الناس سدى ملتطمين لا جامع لهم على الحق والباطل أجدى لهم من تقريرهم على اتباع ونصب من هو عون الظالمين، وملاذ الغاشمين، ومعتصم المارقين، فإن تيسر نصب إمام مستجمع للخصال المرضية تعين البدار إلى اختياره، وإن علمنا أنه لا يتأتى نصب إمام دون إراقة دماء، ومصادمة أهوال، وإهلاك أنفس، ونزف أموال، فالوجه أن يقاس ما الناس مدفوعون إليه، فإن كان الواقع الناجز أكثر [ضررًا] مما يقدر وقوعه، فيجب احتمال المتوقع لدفع البلاء الناجز، ومبنى هذا على طلب مصلحة المسلمين وارتياد الأنفع لهم، واعتماد خير الشرين إذا لم يتمكن من دفعهما جميعًا، فالمتصدي للإمامة إذا عظمت جنايته، وكثرت عاديته، وتتابعت عثراته، وخيف بسببه ضياع البيضة، وتبدد دعائم الإسلام، ولم نجد من ننصبه للإمامة حتى ينتهض لدفعه حسب ما يدفع البغاة، فإن اتفق رجل مطاع، ذو أتباع وأشياع، يقوم محتسبًا آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، وانتصب لكفاية المسلمين ما دفعوا إليه، فليمض في ذلك والله نصيره).([6])
وهنا يؤكد الإمام الجويني أن وجوب نصب الإمام حكم شرعي معلل بقصد حماية الدولة والقيام بمصالح الأمة، بحراسة الدين، وسياسة الدنيا، فإذا كان وجود الإمام المسلم يفضي إلى خلاف هذا القصد، بحيث يؤدي إلى ضياع الدولة وحقوق الأمة ومصالحها، وجب شرعا خلعه، ونصب إمام قادر على القيام بما وكل إليه؛ إذ ترك الناس بلا إمام خير لهم من إمام يقطع طريقهم، ويسفك دماءهم، ويستحل محارمهم؛ ويسجن خيارهم، إذ الإمامة إنما وجبت لغير هذا القصد، وهذا معنى الحديث الصحيح (إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه)، فالإمام وقاية ودرع تحتمي به الأمة من عدوها الخارجي، ومن العدوان الداخلي، فإذا صار هو العدو الذي يصول عليهم ويقاتلها فلها التصدي له وخلعه! حيث نافى وجوده مقصود الإمامة وغايتها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية (وولي الأمر إذا ترك إنكار المنكرات وإقامة الحدود عليها بمال يأخذه : كان بمنزلة مقدم الحرامية.. وولي الأمر إنما نصب ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهذا هو مقصود الولاية، فإذا كان الوالي يمكّن من المنكر بمال يأخذه كان قد أتى بضد المقصود، مثل من نصبته ليعينك على عدوك فأعان عدوك عليك، وبمنزلة من أخذ مالا ليجاهد به في سبيل الله فقاتل به المسلمين... فكل طائفة ممتنعة من التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة يجب جهادها حتى يكون الدين كله لله باتفاق العلماء).[7]
وكان الإمام مالك إذا سئل عن القتال مع الخلفاء المسلمين من أئمة الجور في عصره ضد من خرج عليهم يقول: (إن كان الخليفة كعمر بن عبد العزيز فقاتل معه، وإن كان كمثل هؤلاء الظلمة، فلا تقاتل معهم).([8]) لأنه لا يرى لهم ولاية شرعية تقتضي وجوب السمع والطاعة لهم، ولا القتال معهم ضد من خرج عليهم! وقد سئل عن خروج محمد ذو النفس الزكية على أبي جعفر المنصور مع أنه أخذ البيعة من أهل المدينة، فقال الإمام مالك :(إنما بايعتم مكرهين، وليس على مكره يمين، فأسرع الناس إلى محمد، ولزم مالك بيته).([9])
وسئل الإمام مالك أيضا عن الوالي إذا قام عليه قائم يريد إزالة ما بيده: هل يجب الدفع عنه؟ فقال: (أما مثل عمر بن عبد العزيز فنعم، وأما غيره فلا ودعه وما يريد، فينتقم الله من ظالم بظالم، ثم ينتقم الله منهما جميعا).
وقال مالك أيضا :(إذا بايع الناس رجلا بالإمارة ثم قام آخر فدعا إلى بيعته فبايعه بعضهم أن المبايع الثاني يقتل إذا كان الإمام عدلا، فإن كان مثل هؤلاء فلا بيعة له تلزم، إذا كانت بيعتهم على الخوف، والبيعة للثاني إن كان عدلا، وإلا فلا بيعة له تلزم).([10])
فأبطل الإمام مالك بيعة من أكره الناس على بيعته وأخذ السلطة بالقوة، وأبطل ولايته، وإنما ولايته على الناس ولاية جبرية قهرية بحكم الواقع لا بحكم الشارع، ولها أحكام الاضطرار، فإن قام عدل ينازعه فالبيعة للعدل! ولشهرة هذا الخلاف بين أئمة أهل السنة قال العلامة المعلمي :(كان أبو حنيفة يستحب أو يوجب الخروج على خلفاء بني العباس؛ لما ظهر منهم من الظلم، ويرى قتالهم خيرًا من قتال الكفار، وأبو إسحاق الفزاري ينكر ذلك، وكان أهل العلم مختلفين في ذلك، فمن كان يرى الخروج يراه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بالحق، ومن كان يكرهه يرى أنه شق لعصا المسلمين وتفريق لكلمتهم، وتشتيت لجماعتهم، وتمزيق لوحدتهم، وشغل لهم بقتل بعضهم بعضا، فتهن قوتهم، وتقوى شوكة عدوهم، وتتعطل ثغورهم، فيستولي عليها عدوهم...هذا، والنصوص التي يحتج بها المانعون من الخروج والمجيزون له معروفة، والمحققون يجمعون بين ذلك بأنه إذا غلب على الظن أن ما ينشأ عن الخروج من المفاسد أخف جدًا مما يغلب على الظن أنه يندفع به، جاز الخروج وإلا فلا، وهذا النظر قد يختلف فيه المجتهدان).([11])
وقد ذكر ابن حزم أنه مذهب أئمة المذاهب المشهورة في القرن الثاني، حيث قال:(اتفقت الأمة كلها على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا خلاف من أحد، وذهبت طوائف من أهل السنة وجميع المعتزلة وجميع الخوارج والزيدية إلى أن سل السيوف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، إذا لم يكن دفع المنكر إلا بذلك). وبعد أن نسب القول بوجوب استخدام القوة لإزالة المنكر، إذا لم يزل إلا بذلك، إلى من خالفوا علي بن أبي طالب من الصحابة كطلحة والزبير وعائشة، ومن خرج على يزيد بن معاوية كالحسين وابن الزبير وأبناء المهاجرين والأنصار في المدينة، ومن خرج على الحجاج كأنس بن مالك (ثم من بعد هؤلاء من تابعي التابعين كعبد الله بن عمر بن عبد العزيز، وعبد الله بن عمر بن عبد الله، ومحمد بن عجلان، ومن خرج مع محمد ابن عبد الله بن الحسن، وهاشم بن بشر، ومطر الوراق، ومن خرج مع إبراهيم بن عبدالله، وهو الذي تدل عليه أقوال الفقهاء كأبي حنيفة، والحسن بن حي، وشريك ابن عبدالله، ومالك، والشافعي، وداود الظاهري وأصحابهم، فإن كل من ذكرنا من قديم وحديث، إما ناطق بذلك في فتواه، وإما فاعل لذلك بسل سيفه في إنكار ما رأوه منكرا).([12])
وقال ابن حجر مفرقا بين خروج الخوارج، وخروج البغاة، وخروج أهل الحق:(وقسم خرجوا غضبا للدين من أجل جور الولاة، وترك عملهم بالسنة النبوية فهؤلاء أهل حق، ومنهم الحسين بن على، وأهل المدينة في الحرة، والقراء الذين خرجوا على الحجاج، وقسم خرجوا لطلب الملك فقط وهم البغاة) ونص أيضًا أن الخروج على الظلمة كان مذهبا للسلف فقال في ترجمة الحسن بن حي:(هذا مذهب للسلف قديم).([13])
وهو مذهب أبي حنيفة كما قال أبو بكر الجصاص: (وكان مذهبه [يعني أبا حنيفة] رحمه الله مشهورًا في قتال الظلمة وأئمة الجور وقضيته في أمر زيد بن علي مشهورة، وفي حمله المال إليه، وفتياه الناس سرًّا في وجوب نصرته والقتال معه، وكذلك أمره مع محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن)([14]).
وهذا هو مذهب شيخه حماد بن أبي سليمان([15])، إمام أهل الكوفة في عصره.
وهو مذهب مالك، قال ابن العربي:(قال علماؤنا: وفي رواية سحنون، إنما يقاتل مع الإمام العدل، سواء كان الأول أو الخارج عليه، فإن لم يكن عدلين فأمسك عنهما إلا أن تراد بنفسك أو مالك أو ظلم المسلمين، فادفع ذلك، هؤلاء لا بيعة لهم إذا كان بويع لهم على الخوف).([16])
وفي مذهب الشافعي قال الزبيدي: إن الخروج على الإمام الجائر هو مذهب الشافعي القديم.([17])
وفي مذهب أحمد رواية مرجوحة بجواز الخروج على الإمام الجائر، بناءً على ما روي عنه من عدم انعقاد الإمامة بالاستيلاء كما تقدم وإليه ذهب ابن رزين وقدمه في الرعاية من كتب الحنابلة، وقد قال بجواز الخروج من أئمة المذهب ابن عقيل وابن الجوزي.([18])
وهذا الخلاف كله في شأن الخلفاء المسلمين إذا وقع منهم جور، أما اليوم فلا توجد أصلا إمامة شرعية تجب لها بيعة، والأمر في الشام اليوم وكثير من الأمصار تجاوز حدود الردة وأحكامها الموجبة للخروج!
ومسألة الخروج على الإمام الشرعي تُبنى هي أيضا على مسألة انفساخ عقد الإمامة بالفسق، وهي مسألة خلافية أيضا، قال القرطبي:(الإمام إذا نُصب ثم فسق بعد انبرام العقد فقال الجمهور: إنه تنفسخ إمامته ويُخلع بالفسق الظاهر المعلوم؛ لأنه قد ثبت أن الإمام إنما يقام لإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وحفظ أموال الأيتام والمجانين والنظر في أمورهم، إلى غير ذلك مما تقدم ذكره، وما فيه من الفسق يقعده عن القيام بهذه الأمور والنهوض بها، فلو جوزنا أن يكون فاسقا أدى إلى إبطال ما أقيم لأجله، ألا ترى في الابتداء إنما لم يجز أن يعقد للفاسق لأجل أنه يؤدي إلى إبطال ما أقيم له، وكذلك هذا مثله. وقال آخرون: لا ينخلع إلا بالكفر، أو بترك إقامة الصلاة، أو الترك إلى دعائها، أو شيء من الشريعة؛ لقوله عليه السلام في حديث عبادة:(وألا ننازع الأمر أهله [قال] إلا أن تروا كفرًا بواحا عندكم من الله فيه برهان)).([19])
وقد ذكر الماوردي هذه المسألة فلم يذكر فيها خلافًا، إذا كان خروجه عن حد العدالة بسبب اتباع الشهوات من الفسق والجور بفعل المحظورات، وارتكاب المنكرات، وتحكيم الشهوات، فهذا فسق يمنع من عقد الإمامة له ابتداءً، ومن استدامتها إذا طرأ شيء من ذلك على الإمام، ويخرج من الإمامة.([20])
5- وخروج جائز وهو الخروج لدفع طغيان كافر أو جائر بما هو أخف منه كفرا أو جورا، أو أكثر عدلا ورحمة، سواء في دار الإسلام حال عجز الأمة عن نصب إمام مسلم عدل، أو في غير دار الإسلام حال قدرة المسلمين على نصب غير مسلم أكثر عدلا وأقل جورا، وهي من النوازل وأحكام الضرورة مراعاة للمصلحة ودفعا للمفسدة، وقد نص العز بن عبد السلام على ذلك فقال (ويقدم في الولاية العظمى الأعرف بمصالح العامة والخاصة القادر على القيام بجلب مصالحها ودرء مفاسدها، ويسقط شرط العدالة في الولاية العامة لتعذرها، فينفذ من تصرفهم ما ينفذ مثله في الإمام العادل، ويرد من تصرفهم ما يرد من تصرف الإمام العادل، وإنما جاء ذلك دفعا للمفاسد عن الرعايا وجلبا لمصالحهم..وإذا لم نجد عدلا يقوم بالولايات العامة والخاصة قدم الفاجر على الأفجر، والخائن على الأخون، لأن حفظ البعض أولى من تضييع الكل وفي مثله في الشهادات نظر)([21]).
والواجب التعاون مع كل فئات الشعب السوري لدفع عدوان هذا الطاغوت قال العلامة السعدي في تفسيره (ومنها: أن الله يدفع عن المؤمنين بأسباب كثيرة، قد يعلمون بعضها, وقد لا يعلمون شيئا منها، وربما دفع عنهم، بسبب قبيلتهم، أو أهل وطنهم الكفار، كما دفع الله عن شعيب رجم قومه بسبب رهطه، وأن هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن الإسلام والمسلمين، لا بأس بالسعي فيها، بل ربما تعين ذلك، لأن الإصلاح مطلوب على حسب القدرة والإمكان، فعلى هذا لو ساعد المسلمون الذين تحت ولاية الكفار، وعملوا على جعل الولاية جمهورية يتمكن فيها الأفراد والشعوب من حقوقهم الدينية والدنيوية، لكان أولى من استسلامهم لدولة تقضي على حقوقهم الدينية والدنيوية، وتحرص على إبادتها، وجعلهم عمَلَةً وخَدَمًا لهم، نعم إن أمكن أن تكون الدولة للمسلمين، وهم الحكام، فهو المتعين، ولكن لعدم إمكان هذه المرتبة، فالمرتبة التي فيها دفع ووقاية للدين والدنيا مقدمة) انتهى كلام السعدي.
فاجتمع في وجوب الخروج بالقوة على النظام السوري خمسة أسباب :
الأول : ظهور الكفر البواح.
الثاني : امتناع النظام عن الالتزام بقطعيات الإسلام على فرض إسلامه.
الثالث : فشو العدوان وتفاقم الإجرام.
الرابع : تعطل مصالح الشعب وتعرض الدولة للسقوط في ظل فساد السلطة.
الخمس : اقتضاء المصلحة تغييره بمن هو أصلح منه وأكثر عدلا.
وقد فصلت القول في هذه المسائل في كتاب (الحرية أو الطوفان) وكتاب (تحرير الإنسان) وكتاب (الفرقان) وكتاب (نحو وعي سياسي راشد) وغيرها من الرسائل في هذا الباب والله الموفق والهادي إلى الحق والصواب وصلى الله وسلم على نبينا محمد...
الجمعة 6 رمضان سنة 1432ه
الموافق 5 / 8/ 2011م
([1]) شرح مسلم للنووي 12/229 .
([4]) مسلم 1/70 ح 50 ، ومسند أحمد 1/462 بإسناد صحيح على شرط مسلم .
([5]) جامع العلوم والحكم ص 321 .
([6]) غياث الأمم ص 106 - 116 باختصار .
[7] مجموع الفتاوى 6/381 .
([8]) انظر تبصرة الحكام 2/96 .
([9]) ابن جرير الطبري 4/427 ، حوادث سنة 145هـ ، وسير أعلام النبلاء 8/80 .
([10]) العقد المنظم بحاشية تبصرة الحكام 2/195 – 197 .
([11]) التنكيل ص 288 – 289 ويلاحظ أن من منعوا من الخروج عللوا المنع بأن لا يتعطل الجهاد وأن تحمى البلاد وتأمن السبل وينتصف الضعيف من القوى، فليس هو حكما تعبديا محضًا، بل مصلحي معلل، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا .
([12]) الفصل 4/171 – 172 .
([13]) فتح الباري 12/286 ، وتهذيب التهذيب 2/288 .
([14]) أحكام القرآن 1/70 .
([15]) تاريخ بغداد 13/398 .
([16]) أحكام القرآن لابن العربي 4/1721.
([17]) إتحاف السادة 2/233 .
([18]) الإنصاف للمرداوي 10/310 - 311 .
([19]) الجامع لأحكام القرآن 1/271 .
([20]) الأحكام السلطانية ص 19 .
([21]) الفوائد في اختصار المقاصد ص 85 .