(الثورة الخليجية والأزمة الفكرية)
بقلم د. حاكم المطيري
22/2/2012م
بقدر شعور الخليجيين عموما بالأزمة السياسية وخطورتها، وفساد الأنظمة
وفشلها واستبدادها، إلا إن للخطابي الديني والثقافي والوعي المعرفي حضوره المؤثر
في المشهد السياسي الذي توافرت له كل أسباب الثورة – وما يزال – إلا إن الثورة
تواجه تحديات فكرية وثقافية شعبية أشد تعقيدا مما تواجهه من تحديات سياسية رسمية!
وقد كانت بيني وبين كبار رجال الفكر الخليجي مراسلات ومحاورات عميقة
في هذه الأزمة ومعرفة أسبابها وكيفية علاجها، والغوص في جذورها التاريخية، وقد
كانت هذه المراسلات قبل الثورة العربية بتونس بأسبوع واحد فقط! ثم استمرت بعد قيامها،
وسأخصص هذه الحلقة كلها لما كان قبل الثورة، والحلقة القادمة لما كان بعد تفجر
الثورة، لما لها من أهمية على مستوى الفكر والثقافة وإشكالاتهما :
(الرسالة الأولى)
11/12/2010م
سعادة الدكتور حاكم المطيري، سلمه الله ..
أنا شديد الاهتمام بشؤون الإصلاح السياسي، ومن المقتنعين بأن الإصلاح
لا بد أن يتحقق أولاً على مستوى الفكر والثقافة، ورغم حرصي على متابعة الكتابات
السياسية المهتمة بمرحلة الخلافة الراشدة، فإن الفرصة لم تتح لي لقراءة كتابكم
"الحرية أو الطوفان" إلا منذ أيام قليلة، وكم أدهشني أنني لم أقرأ هذا
الكتاب من قبل، على الرغم من كثرة الترويج له من قبل بعض زوار مواقع الإنترنت بعد
قراءتي للكتاب أحببت مراسلتك ..
أولاً : للإشادة بجهدك
ووعيك، ولأنني أعتبر الكتاب أعظم كتاب ظهر في هذا الباب، ومهما كتبت لك في هذا
الجانب، فإنني سأظل أشعر بأنني لا أوفيك حقك من الإشادة والتقدير .
وثانياً : لأنني أحمل ذات الهم الذي تحمله، وأرى أنه لا يمكن إصلاح
أحوال الأمة إلا عبر إصلاح فكرها السياسي.
وثالثاً، وهو الأهم : لأنني أرى أن كتاب " الحرية أو الطوفان
" يحتاج إلى التطوير والتصحيح. منذ
قراءتي للكتاب أيقنت بأنك تحمل وعياً يتجاوز عصرك، وأنك وضعت الأرضية واللبنات
اللازمة لإصلاح الفكر السياسي . وكقارئ حريص على التواصل معك ومؤمن بصحة الرؤية
والرسالة التي حملها كتابك، وأنك تقدم أنموذجاً للكتاب الذين يجيدون التمييز بين
الوحي والتراث، ويؤمنون بأن الحكمة ضالة المؤمن..
وإنني أود أن أعرض جملة من
قضايا الكتاب التي أعتقد أنها تحتاج إلى المراجعة وإعادة النظر، وهي :
أولاً : تحديد نهاية مرحلة الخطاب السياسي الشرعي المنزل، حيث ذكرت
أنها انتهت في عام 73هـ، وأرى أن هذه القضية هي أهم القضايا التي تحتاج إلى
المراجعة وإعادة النظر، ورغم أنك أشرت إلى بعض الأحاديث والوقائع التي تضعك عند
التاريخ الصحيح، وهو عام 41هـ، مثل أحاديث الأمر بالتمسك بسنن الخلفاء الراشدين والتحذير
من محدثات الأمور، وإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بأن أول من يغير سنته رجل من
بني أمية، إلا أنني أرى أنك وقفت عند هذه الحدود ولم توسع نطاق البحث في الأحاديث،
كما أنك عرضت الكثير من الوقائع التاريخية التي تخدم التاريخ الصحيح، إلا أنك
أيضاً لم تأخذ بدلالاتها المؤكدة وقبلت تفسيرات غير مقبولة لتلك الوقائع، لتدخل
بذلك مرحلة الانحراف الكبرى والمؤكدة والصارخة ضمن مرحلة الخطاب الشرعي المنزل.
وأعني بها مرحلة حكم معاوية بن أبي سفيان .
يا دكتور : أنا مثلك أعلم الحساسية الوجدانية والتراكم الثقافي الذي
لا يخدم هذه الحقيقة، ولكنك ممن يدركون أنك لم تصل إلى الوعي التصحيحي الذي وصلت
إليه إلا بقدر تجردك للنص الشرعي وتحررك من أسر مقولات السابقين ووعيهم . لننظر
إلى حكم معاوية من زاوية النصوص، ثم من زاوية الوقائع التاريخية . من زاوية
النصوص، أنت أشرت إلى حديث الأمر باتباع سنة الخلفاء والتحذير من محدثات الأمور،
وإخبار الرسول بأن أول من يغير سنته رجل من بني أمية، ولكنك لم تعط دلالات هذه
الأحاديث حقها بمجرد أن وضعت مرحلة الخطاب السياسي المؤول عند العام 73هـ . فضلاً
عن أنك لم تجمع وتعرض بقية الأحاديث التي وردت بشأن مرحلة هدم الخطاب الشرعي
المنزل . ماذا عن وصف الرسول للفئة التي تقتل عمار بن ياسر بأنها فئة باغية؟ ماذا
عن وصف دعوتها بأنها دعوة إلى النار ووصف دعوة عمار بأنها دعوة إلى الجنة؟ ماذا عن
إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بأن أول عرى الإسلام التي يتم نقضها هي عروة الحكم؟
ماذا عن دلالة إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه سيكون بعده خلافة راشدة ثم
تنقلب ملكاً؟ وأنت أشرت إلى هذا، إلا أنك لم تعط الدلالة حقها من التجرد والتحديد
. إذا جمعنا كل هذه الأحاديث، وأعطينا دلالاتها حقها من الأهمية والتجرد، فإلى أين
تقودنا ؟ ليس إلى العام 73هـ بل إلى العام 41هـ . وأنت تعلم أنه حتى تنازل الحسن
رضي الله عنه لا يعطي المشروعية لعمل أهل الملك، فعملهم يظل على ما هو عليه من
البغي ونقض عروة الحكم والدعوة إلى النار أو إلى سبب من أسبابها، وإنما الأمر
يتعلق بالمصلحة العامة للمسلمين في مرحلة لم تكن تحتمل سوى المزيد من التنازع
والقتال . وحتى تنازل الحسن تم توظيفه مباشرة لتأسيس الملك، وذلك بالعمل ضد مضمون
الاتفاق وغايته، وبانتهاج سنة الطعن في آل البيت، وبالحرص على التأسيس لولاية
الابن بكل صور الترغيب والترهيب . بل حتى الرغبة في تأسيس الملك كانت سابقة للعام
41هـ وسابقة لموقعة صفين، وكان يتم عرض الولايات على الحلفاء وكانت المساومات تجري
بينهم على أرضية لا يمكن تفسيرها إلا في إطار الملك والسعي إليه . هذا من زاوية
النصوص، أما من زاوية الوقائع التاريخية، فإليك بعض الجوانب التي أعتقد أنك أقدر
الناس على فهمها والتحقق منها وخدمتها وتطويرها، وهي : - الانحراف السياسي الأكبر في حياة المسلمين هو الذي تم علي يد معاوية،
وهو تأسيس الملك وهدم الشورى وولاية الأمة، ولن تجد تجسيداً متكاملاً ومتظافراً
للأحاديث النبوية المتعلقة بالانحراف السياسي في غير هذه المرحلة . وكل ما أتى بعد
ذلك هو مجرد توسيع أو تصعيد للانحراف لا أكثر، مهما بلغت بشاعة بعض تفاصيله، لأن
الانحراف يتعلق بالمنهج لا بالتفاصيل . ونحن ننسب حكم عثمان وعلي رضي الله عنهما
إلى مرحلة الخلافة الراشدة بالرغم مما حدث فيهما من فتن وقتال، وذلك لأن المنهج –
الشورى وولاية صفوة الأمة – لم يتم العدوان
عليهما. وبالتالي، فإن كل المشكلات التفصيلية تظل قابلة للحل والتصحيح طالما أن
المنهج الذي يسمح بحلها لا زال محترماً وموجوداً . أما مع اقتناص الولاية واستغلال
التنازل لتأسيس الملك وهدم الشورى فالمشكلات التفصيلية قد لا تحدث مؤقتاً، ولكن كل
مشكلات الاستبداد الكبرى ستحدث لا محالة . - أنت عرضت الكثير من وقائع الحوادث
والمواقف السياسية لمعاوية . ورغم شدة وضوحها في الدلالة على ثقافة الملك وإرادة
الملك والتصميم على اغتصاب أمر الأمة – خصوصاً
في مواقفه مع رموز الصحابة أثناء حجه الثاني – إلا أنك فضلت الأخذ بتفسير رسالي
للأمر ورد على لسان معاوية ضمن محاولته لتسويغ توريث الابن . ثم أضفت بأنه أرادها
ملكية شورية . وأتمنى يا دكتور حاكم أن تعيد مراجعة هذا الاستنتاج، فهو– في تقديري – أبعد ما يكون عن الصحة والدقة . وقد أخذت بالدعاية
السياسية المصلحية التي قيلت، وتركت رفضه هو لآراء الرموز ومقاومته لها، بل
والادعاء بأنهم بايعوا بعد كل ما قالوه !! - معاوية يا دكتور حاكم – على المستوى
السياسي – أشد انحرافاً من أي سياسي جاء بعده، لعدة أسباب جوهرية، أهمها هو أنه
مؤسس الانحراف السياسي، سواء على المستوى المالي، أو على مستوى اغتصاب أمر الأمة
وتأسيس بدعة الحكم العائلي الذي لا زلنا نعاني منه إلى يومنا . وكل الانحرافات
التي جاءت بعده ليست أكثر من تصعيد لذلك التأسيس . ثم إنه أكثر الحكام الذين كانت
لديهم الفرصة لتجنب ذلك الانحراف وتجنب توريثه لمن جاء بعده، سواء بحكم الوفاء
بمقتضيات تنازل الحسن، أو بحكم قربه من سنن الخلفاء الراشدين، أو بحكم علمه
وإدراكه بأنه يهدم سنن الخلافة الراشدة وتنبيه رموز الصحابة له . وبالرغم من ذلك
فقد ترك رموز الصحابة ورأيهم ومواقفهم وهددهم وادعى عليهم . هناك جوانب أخرى تحتاج
للتطوير في الكتاب، أهمها : 1- الحاجة إلى التوقف عن الاستشهاد بالتراث الذي نشأ
منذ نشوء الملك، فهذا الاستشهاد لا يتم إلا من خلال الانتقاء، ومثلما تنتقي فغيرك
أيضاً ينتقي، وستكون شواهده أكثر، لأن التراث السياسي السني لم ينشأ إلا تحت سقف
الحكم العائلي بسطوته وإرهابه والجو الخانق والوعي الشائه الذي يصنعه .
2- مدرسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب – وأنا
أحد تلاميذها والناشئين على مقولاتها – هي أعظم عائق ثقافي في وجه الإصلاح
السياسي، ولم تقم للإصلاح السياسي بل للإصلاح العقائدي ضمن رؤية التكفير والإخراج
من الملة، وأهم أعدائها هم الأمة التي ينبغي أن تكون لها الولاية السياسية، وأهم
حلفائها هم أهل الملك الذين دخلوا من بوابة الجهاد . هناك تفاصيل كثيرة تستحق
الذكر بخصوص الجانبين الأخيرين، إلا أنني أدع الحديث عنهما للمستقبل، وإن رأيت أن
في تعليقي ما يستحق التواصل، فآمل إبلاغي، إذ أن لدي طرحاً أعتقد أنه يتكامل مع ما
تطرحه. ولكن كل هذه الجوانب تسبقها تفاصيل كثيرة تستحق الطرح .
أمنياتي لك بالتوفيق،
وبانتظار ردك حول طلب التواصل الجاد، مع تحياتي وتقديري.
إبراهيم ..
..
رسالة الرد..
11/12/2010
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومرحبا ألف بك أخي إبراهيم
..
لقد قرأت رسالتك حفظك الله ورعاك وسدد خطاك، فرأيت فيه نفس
عالم كبير، ومفكر قدير، زادك الله علما وتقوى..
أخي الكريم نعم والله يسعدني معرفتك، والتواصل معك، وما هو
أكثر من ذلك الأخوة في الله، والمحبة فيه، فهي بلسم هذه الحياة بقساوتها، وبؤسها،
وشقاء أهلها، إلا من عرف الأنس بالله ومعيته وولايته، جعلني الله وإياك من أوليائه
الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون آمين..
أخي إبراهيم لعلك تقرأ (تحرير الإنسان) فإن فيه أجوبة على
كل هذه الأسئلة، فهو دراسة موسعة لا للتاريخ كـ(الحرية أو الطوفان)، بل للأصول
العقائدية للخطاب، وفيه بينت الفرق بين الخلافة الراشدة التي تنتهي بالخلفاء
الأربعة كمرحلة زمنية، ومرحلة الخطاب الراشدي ـ كنظام سياسي ـ التي تنتهي باستشهاد
آخر خليفة صحابي تمت بيعته بالرضا والشورى وهو عبد الله بن الزبير، ولم أعد يزيد
فيها لأنه لم تثبت أصلا له ولاية صحيحة، ولم يستقر له أمر على الأمة، بل زمنه زمن
فتنة، كما ذكرت أن أواخر هذه المرحلة شهدت بواكير الانحراف بتولية معاوية لابنه
يزيد، إلا أن هناك أسبابا كثيرة تجعل تحديد نهاية الفترة باستشهاد ابن الزبير، وبداية
الخطاب المؤول بعهد عبد الملك، فهو أول من أخذها بالسيف بلا خلاف وبلا شبهة ولاية
عهد ولا غيره..
وعلى كل حال ليست هذه هي القضية فالمهم الاتفاق على أصول
الخطاب الراشدي الصحيحة، والأهم كيف نبعثها في واقعنا المعاصر لنغير هذا الواقع ..
أخي الكريم هناك سببان رئيسان يمنعاني من التعرض لمعاوية:
الأول: قوله تعالى
{لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من
بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى}، ومعاوية يدخل في عموم هذه الآية، وعموم قوله
{والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا
تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا}، وقوله صلى الله عليه وسلم (الله الله في أصحابي
لا تتخذوهم بعدي غرضا) وقوله (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)
فأنا أدين الله بهذا عن إيمان عميق يعلم الله، فلم أتحاش معاوية تحت ضغط الثقافة
وتراكمها، بل بتوجيه القرآن ..
والأمر الثاني: هو أن من ينظر إلى رضا الناس عن معاوية في
عصره - حتى أنه لم يسل عليه سيف طول تلك الفترة مع شدة أهل العراق وكثرتهم - يعلم
أن الرجل كان سياسيا لا مثيل له، وقارن كيف اجتمع عليه المسلمون بعد اقتتالهم خمس
سنوات ،وكيف ساسهم عشرين سنة، وهو يفتح الأرض بهم، وعشرين سنة أميرا على الشام، لا
يعرف أنهم اشتكوه أو طلبوا عزله، وانظر كيف تفرقت الأمة عن علي رضي الله عنه حتى
خاض ثلاث حروب في خمس سنين، فالتاريخ يشهد لمعاوية وقدرته السياسية أكثر مما
يشهد لعلي، ولم يعب الناس عليه إلا توليته العهد لابنه، وهو خطأ بلا شك، ولا يتابع
عليه، ولم نحضر تلك الأحداث، ولم نعرف الظروف، إلا أن الواجب علينا التمسك بسنن
الخلفاء الراشدين وترك المحدثات بعدهم..
أخي الكريم إبراهيم لا أدعي أن رأيي في الموضوع حق ورأيك
خطأ، فقد أبديت لك ما عندي، وتفصيل ذلك في كتابي تحرير الإنسان ويسعدني قراءتك
وملحوظاتك عليه..
وهنا أمر آخر في غاية الأهمية بالنسبة لي وهو أني أدعو إلى
الإصلاح السياسي بين أهل السنة وهم الأمة، وستجد في موقعي كتابي (أهل السنة
والأزمة السياسية)، وليس من الحكمة أن أخسرهم بالتعرض لمعاوية رضي الله عنه، فلو
لم أكن أدين الله بمحبته والترضي عنه لكونه صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وصاحبه،لوجب علي سياسة أن لا أتعرض له، وأنا أريد نشر دعوتي بين أهل السنة
الذين هم أكثر الأمة، الذين إذا تجاوبوا معها فسيغيرون وجه التاريخ من جديد، وأكبر
تحد يواجهه المصلحون هو قدرتهم على نحت موروثهم الفكري والثقافي والبحث فيه عما
يمكن أن يفجر طاقة المجتمعمن جديد، دون أن يعيشوا أزمة اغتراب فكري وثقافي،
وهو ما سنجده في الخطاب الراشدي من أصول للإصلاح السياسي بل الإصلاح العام..
أرجو قراءة (نحو وعي سياسي راشد) وهو في موقعي..
محبك حاكم
...
(الرسالة الثانية)
12/12/2010م
أخي الدكتور حاكم حفظه الله ووفقه..
السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته..
شكراً جزيلاً على سرعة التجاوب . وأؤكد لك أنني قمت بتحميل
كتاب تحرير الإنسان، وسأبدأ بقراءته وقراءة بقية ما في الموقع فور إرسال هذه
الرسالة . وقد قرأت تعليقك الكريم، ولا أخفيك أن لدي وجهة نظر أخرى مبنية على رؤية
مختلفة، ولكنها تتفق مع نظرتك في التعلق بالخلافة الراشدة . وحتى لا أستعجل
الاستنتاجات، فسأؤجل كل شيء إلى ما بعد قراءة كتاب تحرير الإنسان وكل ما يرتبط
بالموضوع في موقعكم . وأنا مطمئن إلى أن لدي الاستعداد لمراجعة أفكاري وقناعاتي
كلما وجدت طرحاً أقرب إلى فهم النصوص . وبالمقابل، ولكي تتعرف على بعض ما لدي
والزاوية التي أنظر منها إلى ذات الموضوع الذي تنظر إليه، فإنه يسرني أن أرفق لكم
مادتين مختارتين ...
إبراهيم ..
...
(الرسالة الثالثة)
14/12/2010م
تعليقات
على كتاب (تحرير الإنسان)
فضيلة الشيخ الدكتور حاكم المطيري حفظه الله
ورعاه ..
السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته..
اطلعت على ردكم الكريم، وأؤكد لك أنه
يسعدني التواصل معكم، وأنا حريص على الاستفادة من كل ملاحظة أو رؤية، وأعتقد أن
مثل هذه التعليقات المتبادلة والمتحررة من المصالح الخاصة والمدفوعة بهدف مشترك هو
سنن الخلافة الراشدة تقدم لي الملاحظات المخلصة التي أحتاج لها . غير أنك تعلم أن
الرؤية لا تتعدل إلا بوجود ما ينقضها أو يصححها . وأرجو أن يتسع صدرك ووقتك لبعض
التعليقات على ما ورد في ردكم الكريم :
1-في موضوع الخلافة الراشدة
وما تلاها من الحكومات، أنا أميز بين أساس مشروعية السلطة وبين التفاصيل .
فالخلافة الراشدة لم تنبثق من التغلب، حتى وإن اختلفت آليات وتعددت آليات الوصول .
وكل الحكومات التالية جاءت عن طريق التغلب مهما تعددت الصور . والذي أبحث عنه في
الخلافة الراشدة هو البعد عن التغلب والقهر، لأن هذا على المدى الطويل هو الذي
ينتج سنن الخلافة الراشدة ويساعد في حمايتها ويوفر فرص التصحيح.
أما على مستوى التفاصيل فالحكم السلمي المنبثق
عن إرادة الأمة أو إرادة صفوتها قد تحدث به كل المشكلات والأزمات التي يتصورها
العقل، ولكن الميزة الإستراتيجية أن كل ذلك قابل للتصحيح حتى ولو على المدى الطويل
. وبالمقابل فإن حكم التغلب قد يفيض بالإيجابيات التفصيلية وقد يحقق الكثير من
الأمن والاستقرار، ولكنه على المدى الطويل يكاد يقلب قيم وعادات وطباع الشعوب .
ولي مقال في جزأين عن أثر حكم التغلب على ثقافة الأفراد والمجتمعات، وأرجو أن
تتكرم بقراءته :
2- لا شك عندي في أن معاوية وعمرو بن
العاص كانا من الشخصيات القيادية العظمى في التاريخ، ولا شك عندي في أن دورهما كان
إيجابياً على المدى القيصر، ولكنه كان مدمراً وكارثياً على المدى الطويل، لأن
التغلب هو الأصل وهو التلقائي والفطري، وإذا أنشب أظفاره فإنه يحتاج إلى ما يشبه
المعجزات للتخلص منه . ومن هنا استمر التغلب في عالمنا العربي كل هذه القرون .
وحكم بني العباس بموجب النصوص يدخل ضمن الملك العضوض
3-الروايات التي أشرت
إلى مسألة صحتها تتفاوت كثيراً، فأحاديث الفئة الباغية وردت في الصحيحين وفي كل
كتب السنن . وجملة " يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار " وردت حتى في
صحيح البخاري . أما النبوءة فأنا أتفق معك بشأن حال أحاديثها . ولكن بما أننا
نتحدث عن النبوءات، فإن تحقق المصداقية التاريخية لأي نبأ يؤكد صحة ذلك النبأ، فقط
بحكم تحققه، فهو مما لا يمكن اختلاقه، خصوصاً إذا عرفنا أن الجو التاريخي لم يكن
يساعد على شيوع مثل هذه النبوءات لدى أهل السنة تحديداً .
سلمت لأخيك، وتقبل خالص تحياتي وتقديري..
إبراهيم...
...
(الرسالة الرابعة)
فضيلة الشيخ الدكتور حاكم المطيري
حفظه الله ورعاه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
يسرني أن أعاود الكتابة لك بعد انتهائي من قراءة كتاب
(تحرير الإنسان) ومعظم الكتابات الأخرى المتعلقة بالشأن السياسي . وأحمد الله جل
وعلا على أنه لا زال في الأمة عالم مثلك . ولا شك عندي في أن ما كتبته في الشأن
السياسي هو أعظم وأنضج ما كتب على امتداد التاريخ الإسلامي، فالحقل السياسي ظل
حقلاً مقفراً منذ البدايات الثقافية التي انطلقت تحت ظلال السيوف . ولا شك عندي
أيضاً في أنك تشعر بالإحباط الشديد من مستوى التجاوب والتفاعل مع النقلة المعرفية
الهائلة التي يحملها كتاب الحرية وكتاب التحرير، خصوصاً من قبل أتباع السلفية
النجدية التي نحن من أبنائها، ويفترض بحسب الشعارات والطرح النظري أن يكونوا أكثر
الناس حفاوة وإجلالاً وخدمة لما ورد في الكتاب .
يا دكتور حاكم، أنا ابن السلفية النجدية، وقد درست في
معاهدها الدينية وتخرجت من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومنذ أكثر من
عشرة أعوام وأنا أكتب عن سنن الخلافة الراشدة وأخوض السجالات المطولة حولها في
العديد من مواقع الإنترنت، ولم أصدم في شيء قدر صدمتي في المدرسة التي نشأت على
مقولاتها . ولكن هذه الصدمة تطورت مع الوقت إلى معرفة وإعادة اكتشاف لهذه المدرسة
التي أعادت التلبس بالدين، وأعادت تفسيره واختزاله بعد أن فصلته عن السياسة
وتحالفت مع المُلك لترتهن له وتخرج السياسة من عالم الدين . ولذا لم تعد تفاجئني
إفرازات وتجليات هذه المدرسة، فقد تحولت بالفعل إلى أداة مثالية للاستبداد
والاستعباد السياسي على نحو يفوق ما يمكن أن يحلم به أعتى المستبدين والطغاة .
حتى أنت يا دكتور لم أكن أعرف عنك إلى ما قبل حوالي أسبوع
سوى أنك أحد كبار المناوئين للخطاب الشرعي، هكذا وبكل بساطة !!
وقد اكتشفت أن من
كتبوا ذلك قد قرؤوا بالفعل كتاب (الحرية أو الطوفان) و(كتاب تحرير الإنسان)،
وبعضهم ليسوا من علماء السلطة ولا علاقة لهم بها، مثل الأستاذ إبراهيم ...، ولكنه
الأسر المعرفي الهائل الذي صنعته السلفية النجدية، وأعادت به تعريف الدين وترتيب
قضاياه وأولوياته .
الآن، سأكون صريحاً معك يا دكتور حاكم وأنتقل إلى محاولة
التباحث والإثراء وتسجيل الملاحظات . وأبدأ بتحديد سبب القفزة الهائلة التي حملتها
كتاباتك . وأعتقد أن السبب يكمن في مقدار تحررك من التراث البشري الموروث باتجاه
الدلالات المتجددة للوحي . هذه الخطوة التي تبدو بسيطة، ولكنها شديدة الصعوبة في
عالم يحكمه التقليد منذ قرون عديدة، هي التي فتحت لك البوابات، فأعدت رؤية الخلافة
الراشدة وأعدت رؤية قيمة الحرية والتحرر من الطغيان . وبقدر تقدمك الواعي والمخلص
والمتجرد نحو دلالات النصوص انفتحت لك أبواب الكنوز .
هناك موضوعان يتعلقان بالخلافة الراشدة : موضوع الخلافة
ذاتها من حيث الوعي بسننها في ضوء دلالات النصوص والتجربة الفعلية، وموضوع القضاء
عليها وتأسيس نقيضها وهو المُلك . وأنت أبدعت غاية الإبداع في الموضوع الأول،
واقتربت من النصوص ومن دلالاتها إلى الحد الذي فتح لك رؤية جديدة ووعياً جديداً .
أما في الموضوع الثاني فقد بذلت جهداً كبيراً ومقدراً، ولكنني أعتقد أنه كان
بإمكانك ولا زال بإمكانك أن تتقدم بصورة أكبر نحو دلالات النصوص .
من الواضح أنك تنطلق من الفهم الموسع لمسألة عدالة الصحابة
الكرام، وهذا الفهم كان له أثره في التخفيف من النظرة إلى الانحراف الذي حدث
بتأسيس المُلك، وبالتالي فقد بقي الطرح محروماً من بعض أهم نصوص الوحي المتعلقة
بذلك الانحراف، وانتقل التركيز والاهتمام إلى حكم عبد الملك بن مروان، ليس لأنه
يمثل تاريخ التحول الذي أنبأت عنه الأحاديث، وليس لأن ذلك هو ما حدث تاريخياً، بل
لأن هذه النظرة تحفظ لك فهمك لمسألة عدالة الصحابة .
يا دكتور أنت قادر أكثر مني على إعادة فهم مسألة
عدالة الصحابة باستخدام ذات المنهج الذي اتبعته في إعادة فهم سنن الخلافة الراشدة
وقيمة الحرية والتحرير من الطغيان . وأنت قادر على الحفاظ على إيمانك الشديد
بعدالة الصحابة واستثناء من دلت النصوص على عدم عدالتهم السياسية، وفي مقدمتهم
معاوية، وذلك دون هدم النصوص العامة التي وردت بشأن عدالة الصحابة . ولست في مقام
من يرشدك إلى قواعد تفسير النصوص، فأنا لا أشك في أنك أعلم مني بذلك . ولو أعدت النظر
في هذه المسألة لوجدت أنه يمكن الجمع بين كل النصوص، ولوجدت أن الفهم الاستغراقي
لدلالات النصوص العامة المتعلقة بالصحابة تعد من أهم الحواجز التي تحول دون تطوير
الوعي السياسي، وإعادة اكتشاف مكمن الانحراف ومنطلقه .
لن أخوض في هذه التفاصيل، فأنا والله – وبصدق شديد – أثق
بأنك أقدر مني على فهم قواعد الجمع بين النصوص، ولكنك - في تقديري - لم تصل بعد
إلى الشعور بأن إعادة تحديد مرحلة الانحراف وإعطائها الوزن الشرعي الذي تستحقه مهم
وضروري للإصلاح بقدر أهمية إعادة اكتشاف سنن الخلافة الراشدة، بل ربما يكون أكثر
أهمية .
إن أقوى عوائق الإصلاح وأشد مثبطات التحفيز باتجاه استعادة
سنن الخلافة الراشدة تكاد تكمن في النظر إليها على أنها مرحلة مثالية، أو أنها
المثال الذي ينبغي الوصول إليه، وبالتالي فإن التحول عنها هو مجرد تحول عن الأفضل
والأمثل . والتراث كله يكاد ينطق بهذه المقولة، بدءاً من البسطاء والعامة، وصولاً
إلى الرموز والأعلام، أمثال ابن تيمية وابن خلدون .
هذه هي المعرفة التراثية التي ينبغي التحرر منها والتقدم
باتجاه دلالات النصوص، فالمثالية التي يشار إليها ليست مثالية بل هي التكليف
الشرعي الذي أمر المسلمون بالعض عليه بالنواجذ، والتحول الذي يشار إليه على أنه
تحول عن الأفضل والأمثل هو" أول نقض لعروة من عرى الإسلام، وهي عروة الحكم
". والحكم الذي نشأ عن ذلك التحول والذي يوصف بأنه " الخلافة "
الأموية ثم " الخلافة " العباسية ثم " الخلافة " العثمانية
هو" الملك " سواء كان عضوضاً أو جبرياً، والمؤسسون لذلك الملك الذين
يوصفون بأنهم " خلفاء " هم " الفئة الباغية " ودعوة الملك
التي يشار إلى أنها مجرد تحول عن الأمثل والأفضل هي " دعوة إلى النار "
أو إلى سبب من أسبابها . ورجل بني أمية الذي أخبر الرسول الكريم بأنه أول من يغير
سنته لا يمكن أن يكون عبد الملك بن مروان، ولا يصح مجرد التعريضبذلك، وكأننا
نتخفى من أحاديث الرسول الكريم ونخفيها،بينما الرسول لم يقلها إلا لتهدينا
وترشدنا.
التقدم نحو النصوص له ثمن مؤلم، ولكنه ألم مرحلي، كما هو
حال كل العادات والمقولات التي استحكمت واستولت على الناس . وأنا أدعوك يا دكتور
حاكم إلى التعامل مع فرضية أن النصوص بإداناتها المزلزلة تنبئ عن حكم معاوية، وذلك
لمدة يوم واحد فقط، وأن تحاول في ضوء ذلك إعادة قراءة حكمه من هذه الزاوية، وبكل
ما تستطيعه من تجرد وموضوعية حيال هذه الفرضية، ثم عد بعد ذلك إلى رؤيتك الحالية .
فقط، ولمدة يوم واحد، حاول إعادة قراءة حكم معاوية منذ ما
قبل معركة صفين، إلى نهاية حكمه، ثم انظر بعد ذلك إلى الرؤية التي ستتكون لديك .
وبإمكانك أن تنظر إلى الجوانب التالية :
1-العروض التي قدمها معاوية لعمرو بن العاص
لكسبه إلى جانبه، والحوارات الطويلة التي دارت بين عمرو وابنه عبدالله، وكلام
عبدالله عن أهل الدنيا وأهل الآخرة، والقلق والتمزق الشديد الذي شعر به عمرو. حاول
تفسير ذلك في ضوء الشورى وولاية الأمة والمصلحة العامة، أو في ضوء الملك والمصلحة
الشخصية والسعي والتخطيط نحو انتزاع الحكم وتأسيس الملك .
2-الحوارات التي دارت في معسكر معاوية
بعد قتل عمار، والتفسيرات التي طرحت، ونصيب تلك التفسيرات من الإخلاص والنزاهة،
ومقدار تأثيرها عليهم أو تذكرهم لها بعد ذلك ؟
3-الحملات العديدة والمتواصلة التي كانت
تتم على أطراف البلدان الخاضعة لحكم علي، وهل ينتمي ذلك إلى الثأر من القتلة، أم
أنه ينتمي إلى جهود انتزاع الإمارة وتأسيس الملك ؟
4-الرشاوى الكبيرة والعديدة التي قدمت في
سبيل كسب الولاءات واستمالة الموالين لعلي، وما هو التوصيف الشرعي لكل ذلك، وما هي
الدوافع وراءها، وهل كان بإمكان علي مجاراتها ؟
5-وقائع التحكيم، وسلوك الطرفين
وممثليهما تجاهه، ومقدار دلالة المواقف على السعي نحو مصلحة الأمة أو نحو الوصول
إلى الملك واغتصاب أمر الأمة ؟
6-كيف تم التعامل مع الصلح، وهل تم
استقباله كتضحية لمصلحة الأمة، أم أنه تم التعامل معه كنصر شخصي وتم استقباله
بفوقية واستعلاء، بل وبإعلان صريح منذ خطبة ما بعد الصلح بأننا " إنما
قاتلناكم لنتأمر عليكم " ؟!
7-تحليل مسألة الحنكة السياسية
التي يتم الحديث عنها، وهل هي فقط الفطنة والذكاء والحكمة والصبر، أم أنه يضاف
إليها " كسب الذمم والولاءات بالمال والمناصب وتوظيف النزعات القبلية
والعرقية "، وما هو العامل الأهم في استقرار الأوضاع في عهده، أهي حكمته أم
تضحية الحسن وقطعه الخط على أي منافس سياسي، خصوصاً بعد أن مل الناس الاقتتال
والحرب ؟ ثم ألا تعد مسألة مثيرة تلك النهايات المأساوية للمنافسين، وخصوصاً عبد
الرحمن بن خالد بن الوليد الذي مات بالسم ؟ ولا بد أنك مطلع على كل ما كتب حول
مكانة عبد الرحمن لدى أهل الشام، وقصة طبيب معاوية النصراني الذي دس السم له . لا
شك أن بعض الظن إثم، ولكننا فقط نحاول توسيع دائرة النظر حول مسألة الحنكة، والعلم
عند الله بشأن كل أمر غيبي .
8-تصريحات معاوية حول أساس
المشروعية السياسية التي يحكم بناء عليها والأساس الشرعي لتصرفاته في المال ؟
9-كل الجهود التي بذلت من أجل توريث
الابن والوسائل التي اتبعت، والأموال التي عرضت على عبدالله بن عمر وعبدالرحمن بن
أبي بكر وغيرهما، ثم كل صور الترهيب التي اتبعت مع الرموز في مكة، وردودهم وحججهم،
وتعامل معاوية مع تلك الردود والحجج . كل ذلك إلى أين ينتمي : إلى الشورى وولاية
الأمة وتحري مصلحة المسلمين، أم إلى الملك والمصلحة الخاصة والعائلية على حساب
" الغنم " التي خاف أن يتركها من غير راع كيزيد ؟!
بعد أن تتعامل مع كل هذه الجوانب، وغيرها مما يمكن أن
تتعامل معه كفرضية لمدة يوم واحد، أرجو أن تعيد بعدها قراءة النصوص حول " نقض
أول عروة من عرى الإسلام، والفئة الباغية التي تدعو عمار إلى النار، وبداية الملك
العضوض، وهوية الرجل الأموي الذي يغير سنة الرسول ؟!
وكما ذكرت من قبل، فإن إعطاء الوزن الشرعي الصحيح لأعمال
هدم الخلافة وتأسيس الملك لا يقل أهمية عن التعريف بسنن الخلافة الراشدة، بل ربما
يزيد أهمية . فالملك أقوى من الجبال الراسيات، وهو يحتاج إلى نوع من الصواعق
الثقافية التي يمكن أن تزلزله . وفي تقديري فإن دلالات الإدانة الواردة في
الأحاديث المشار إليها، فضلاً عن النبوءة إذا قدر للتأويل أن يكتسب المصداقية،
تقدم هذا النوع من الصواعق المطلوبة .
في حديثك يا دكتور حاكم عن أسباب الاستبداد أشرت كثيراً إلى
أثر الطرح الأشعري . وأنا أتفق معك في ذلك تاريخياً. أما في العصر الحديث، فأعتقد
أن السلفية النجدية خدمت وتخدم الاستبداد بأضعاف أضعاف ما كان عليه الطرح الأشعري
. وهذه السلفية اختطفت الإسلام وامتدت إلى الكثير من أرجاء العالم الإسلامي،
وتتمتع بمصداقية شديدة بين العامة، وتحظى بدعم رسمي لا حدود له . ورغم أنني ابن
هذه المدرسة، إلا أنني أعتقد بأنها أيضاً أصبحت بسلبياتها أقوى من الجبال
الراسيات، وتحتاج أيضاً إلى نوع من الصواعق الثقافية التي يمكن أن تزلزلها . وفي
تقديري فإن النبوءات أيضاً تقدم هذا النوع من الصواعق المطلوبة .
وبالمناسبة فأنا لا أخشى الطرح الشيعي، وأعتقد أن ضعفنا
السياسي وانقطاعنا عن منهج علي والحسن والحسين وعن مجمل سنن الخلافة الراشدة
ودفاعنا الشديد عن مؤسسي الملك هما من أهم عوامل بقاء وتمدد الطرح الشيعي .
وأعود للقول بأن مكمن التميز والإبداع الذي ظهر في كتاباتك
عن الجانب السياسي يعود إلى مقدار نجاحك في التقدم نحو النصوص . هذه البوابة هي
مدخل الكنز . وفي سبيل التواصل والإثراء فإنه يسرني أن أدعوك إلى قراءة كتابي
علماً أنني سأضيف إليه بعض التعديلات، والفضل في الإضافة بعد الله يعود إلى كتاب
(تحرير الإنسان) .
في كتابي أنا أقف - في تقديري – عند البوابة التي
وصلت إليها بتقدمك نحو النصوص . ولكنني فيما أعتقد قطعت أشواطاً كثيرة وأنا أعيد
تأمل كل نصوص الوحي من هذه البوابة . وأتمنى منك أن تتفضل بقراءة الكتاب بتدرج،
وأن تبدأ بالمقدمة، فهي تؤسس بقوة للمنهج الذي أدى إلى ظهور إبداعك في الميدان السياسي،
وترد على التحفظات والتساؤلات التي كثيراً ما تطرح عليك حول الجديد الذي يخالف ما
في التراث .
أكرر سعادتي بالتواصل معك، ولدي بعض التعليقات التفصيلية
التي سأحاول العودة إلى الكتابة عنها بمشيئة الله، وتقبل خالص تحياتي وتقديري
أخوكم : إبراهيم..
...
الرد
15/12/2010م
وعليكم السلام رحمة الله وبركاته..
أخي الكريم يسعدني ما أرسلت إلي من ملحوظات قيمة كما أسعدني
قراءة كتابك ودراساتك، وفيهما تجلت قدرتك العلمية المتميزة في هذا الفن، وقد جمعت
فيها بين جمال الأسلوب، وقوة الحجة، وحرارة النفس، وهو أوضح دليل على الروح
الرسالية التي تحملها بين جنبيك، فأنت لا تكتب للترف العلمي ولا للشهرة بل للحقيقة ونصرة الحق..
أخي الكريم مع إجلالي للصحابة فإني أرى بأنهم بشر ترد
أخطاؤهم وانحرافاتهم، غير أني ويعلم الله وكفى به عليما قد نظرت في الروايات
التاريخية كلها، وبحسب تخصصي في علم العلل والروايات ونقدها وجدت أنني أمام كم
هائل من الموضوعات التاريخية سندا ومتنا، خاصة فيما ورد في شأن معاوية، وعزمت على
إخراج كتاب نقدي للروايات التاريخية، فرأيت أن هناك ما هو أولى منها، فإذا عرفنا
الخطاب القرآني والنبوي والراشدي وجب رد المحدثات مهما كان قائلها، ورأيت الاشتغال
بما وراء ذلك بالنسبة لي يعيق دعوتي، والأمة اليوم في حاجة الأصلح لها أشد من
حاجتها للأصوب كما قال النبي (لولا أن قومك حديث عهد بشرك لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد
إبراهيم) .
أخي إبراهيم أحترم وجهة رأيك فيما ذكرته، غير أن المشكلة في
الروايات نفسها التي تحدثت عن معاوية وعلي وطلحة والزبير، وقد اقتصرت في كتبي على
الصحيح والمقبول، وتركت الضعيف والشاذ والمنكر والموضوع..
ورجعت إلى التاريخ المتواتر والمشهور فوجدت أن الانحراف وقع
منذ عهد عثمان رضي الله عنه حين خالف سنن الشيخين في تولية قرابته، ثم وقع أشد منه
في عهد علي رضي الله عنه، وتأول في الدماء كما تأول عثمان في الأموال، ووجدت أن
عليا ولى قرابته كلهم عبد الله بن عباس وقثم بن عباس وغيرهم،ووقع في أخطاء
تدل على فقده لمهارات السياسة النبوية والبكرية والعمرية، حتى انفض عنه الجميع
وآخرهم ابن عباس الذي ولي البصرة له مدة خمس سنين، حتى قال عنه إنه ضيق العطن
بخيل، ومن وقف على قصته مع عمه العباس ونزاعهما على الأرض علم أنه رضي الله عنه لم
يكن واسع الحلم مع شدته في الحق،ولم يرض عنه حتى ابنه الحسن رضي الله عنه
حين نهاه، ثم ندم على قتاله في الجمل وقتاله في صفين،ثم لما حضرته الوفاة
واستشاره الناس في الحسن لم ينهاهم عنه، كما فعل عمر مع ابنه، بل هناك روايات
شيعية تؤكد أنه أوصاهم بالحسن بعد وفاته، فإن ثبتت فهو أول من سن هذه السنة، وإن
لم تثبت فقد أقر تولية الحسن بعده، إذ لم ينههم عنه، فلما رأى أهل الشام ذلك سوغوا
لأنفسهم أن يتولى يزيد بعد أبيه معاوية، كما تولى الحسن بعد أبيه علي..
وعلى كل حال فقد شهد لمعاوية بالفضل أهل عصره بالروايات
الصحيحة، حتى قال ابن عمر ما رأيت أسود من معاوية، قالوا ولا أبو بكر وعمر؟ قال
هما خير منه، وهو أسود منهما..
وكذا قال ابن عباس، حتىأنه كان يتشبه بعمر وسننه، ولم
يعب عليه الناس شيئا إلا حين عهد الأمر إلى ابنه..
والمقصود لو نظر مؤرخ محايد لم يشتغل بهذه الروايات
التاريخية إلى عهد علي ومعاوية، وما تحقق في عصر كل منهما، لشهد بأن عصر معاوية
خير من عصر علي، فقد اجتمعت الأمة عليه عام الجماعة، واصطلح الناس عليه، وهم أشد
ما كانوا قوة وكثرة عدد، والدماء ما زالت حارة، والعرب في فورة شبابها وقوتها،
فتألفهم حتى رضي عنه أهل العراق الذين لم يرضوا عن علي،ثم فتح الفتوح، وأدر
العطاء، وأغنى الناس عشرين سنة،لم يسل أحد عليه سيفه، ولم يخرج عليه أحد، وهو ما
لم يحدث بعده إلا في عهد عمر بن عبد العزيز..
أخي الفاضل لقد رأيت من واقع الناس اليوم، وممن يعيب على
معاوية من لو سئل عن حكومة بلده،أو الدول الملكية والتوارث فيها لرأى ذلك
خيرا لهاولاستقرارها من بلدان أخرى، وهذه بريطانياوكثير من دول أوربا
الديمقراطية ما تزال فيها ممالك وراثية،فهل ثقافة الاستبداد هي التي أبقت
الوضع فيها على ما هو عليه؟ أم الظروف التاريخية والحاجة التي تضطرهم لذلك؟
وإذا افترضنا أن معاوية قد ظن أنه يسوغ له أن يعهد بالأمر
إلى ولده قياسا على عهد أبي بكر لعمر، فقد رفضته الأمة أشد الرفض، ولم يستقر ليزيد
أمر، ولا يعد خليفة، فقد خرج عليه أهل العراق، وأهل الحجاز، وأهل نجد، وما زال
الناس في فتنة حتى هلك يزيد، فلما بايعوا حفيده معاوية تركها لله
وللأمة،وبايعوا ابن الزبير في كل الأمصار بيعة رضا وشورى، وحكم نحو عشر
سنين،فلا يتحمل معاوية من تبعاتها بعد ذلك شيئا،وكون الأمة رضيت بعبد
الملك بن مروان، ورأت أن وحدتها في ظل هذه الفوضى خير من الصراع على السلطة، فهذا
حقها، فإن تنازلت عنه ولم تخرج عليه بسيف فهذا شأنها، ولا يتحمل معاوية من وزره
شيئا.
أخي الكريم لا أظن أن المشكلة تخص العرب وحدهم، بل هي مشكلة
الأمم قبل العرب وبعدهم، وكفى العرب شرفا أنهم عرفوا الخلافة الراشدة نموذجا ضربوا
به أروع مثل للعالم في الحكم، ثم جرت عليهم السنن التي جرت على من قبلهم، وقد جاء
بعدهم الترك فكانوا مثلهم..
أخي إبراهيم لا أقول بأن ما تذكره خطأ، بل هو رأي واجتهاد،والله
أعلم بالصواب،وإنما يمنعني منه ما ذكرت لك من كون أكثر هذه الروايات بحسب
نقدي لها موضوعة، ولأن الأحاديث الصحيحة تؤكد أن ما بعد الخلافة الراشدة خلافة
عامة، منها ما هو خلافة رحمة، كما في الصحيح (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم
الذين يلونهمثم الذين يلونهم)، وحديث (لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا حتى
يكون اثنا عشر خليفة كلهم من قريش)، وحديث (يكون خلفاء فيكثرون فأوفوا بيعة الأول
فالأول) وأحاديث فتح القسطنطينية ومدح أميرها وجيشها..الخ.
فأثبت النبي
صلى الله عليه وسلمأنها خلافة،وإن كان اغتصابها محرم، وللأمة الحق في
الخروج على من اغتصبها، إلا أن لها الحق أيضا إن رأتمصلحة في ذلك أن لا تخرج،
فإن رضيت به فهو خليفة بحكم الأمر الواقع، وبعدم الخروج المشروع لهم،هذا مع
العلم لمن نظر في تاريخ الخلافة أن عامة الخلفاء عقدت لهم الخلافة بلا إكراه ولا
سيف، بل برضا أهل الحل والعقد وأهل الشوكة كعامة خلفاء بني العباس، وكانوا صلحاء
فقهاء، ولي كتاب في الخلافة عسى يتيسرظهوره قريبا، وسترى كيف قامت الحضارة
الإسلامية، وكيف تطورت في ظل خلافة فقدت شوكتها، وصارت الشوكة بيد قادة الجيش،
ورؤساء المذاهب الفقهية المتبوعة، والقضاة الكبار..
أخي إبراهيم قرأت الدراسة فكانت المقدمة رائعة، ومن أجود ما
قرأت وأمتعه في موضوع النبوءات واستشراف المستقبل، إلا أن التطبيق كان على أحاديث
فيها نظر، لأنها لا تثبتوهي بين موضوع ومنكروضعيف ضعفا شديدا، وتمنيت
لو كان التطبيق على غيرها، ومع ذلك فقد كان تحليلك للنصوص جميلا وممتعا وموفقا..
أما بخصوص ولاية الأمة فهو أكثر من رائع،وتمنيت لو
كان ترتيب الأبواب والمباحث مختلفا، ففي آخره ما يستحق التقديم، مع تحفظي على ما
ورد في بعض عباراتك عن معاوية، فلا تحرم الناس من قراءة كتبك، وبإمكانك أن تنقد
معاوية بلا استفزاز للقراء، فالموضوع تاريخي، ولا أظن أن معاوية مسئول عن جرائم
الحكومات العربية بشعوبها، حتى لو قلنا بأنه أول من أسس الملك، فقد رأيت أنا من
دعاة الحرية والليبرالية من يرفض تغيير النظام الملكي والوراثي في الخليج العربي،
فإذا سألته لماذا؟ قال مصلحة الدولة واستقرارها؟ فقلت لهم فالصحابة أحق بالعذر حين
غضوا الطرف عن معاوية مراعاة للمصالح الرئيسة للأمة ووحدتها، وكف الاقتتال الداخلي
بينها، في عصر لم يكن من السهل فيه جمع الأمة ومعرفة رأيها بعد تحولها إلى دولة
قارية - ممتدة من الصين إلى الأندلس - مع العلم بأن ولاية العهد ليست ملكية
توريثكما هو الحال اليوم، حيث ينص بالدساتير على الحكم الوراثي، وهو ما لم
يعرفه المسلمون إلى سقوط الخلافة العثمانية على المستوى النظري والفقهي على الأقل،
وهو أن الإمامة لا توارث فيها، وإنما انتقل ذلك إلى العالم العربي بعد سقوطه تحت
الحكم البريطاني الملكي، الذي جعل في مصروالعراق وسوريا والأردن ونجد
والحجاز ممالك تتبع للتاج البريطاني..
أخي العزيز أرى أن أمامنا فرصة تاريخية للإصلاح، ولا أتصور
أن المشكلة في جيناتنا العربية، ولا أظن أن المشكلة ثقافية،وتحتاج تغيير
ثقافة المجتمع، فالناس على دين ملوكهم وليس العكس، فلم تحل ثقافة المجتمع
العربيمن أن يحكمه الشيوعي والليبرالي والبعثي والوهابي، ولا أظن أن ماليزيا
احتاجت إلى تغيير ثقافة المجتمع كله للنهضة والتطور، بل جاءتها حكومة وطنية كفؤة
حملت على عاتقها تطوير المجتمع فتحقق لها ذلك، وكذا الحال في تركيا اليوم وفي
إيران وفي أندونيسيا، ولا أتصور بأن الهند احتاجت إلى تغيير ثقافة شعوبها لتتحول
إلى الديمقراطية، وإنما القضية هي أنه لم تتهيأ للعالم العربي فرصة للانعتاق من
النفوذ والاحتلال الأجنبي، الذي كان وراء دعم الدكتاتورياتمنذ ستين سنة باعتراف
بوش نفسه، لأنللعالم العربي حالة خاصة لن يرفع الغرب بسببها يده عنه، ولن
يسمح له أن يتنفس الصعداء، وهذا هو التحدي الذي تواجهه الأمة من المحيط إلى الخليج..
أخي إبراهيمنحن في حاجة إلى الوعي السياسي، واكتساب
مهاراته، والنضال السياسي أكثر من حاجتنا للبحث في تاريخنا مع أهميته، فنحن نعيش
حالة من التخلف في الوعي ليس بسبب معاوية، وإنما بسبب استعمار خارجي قد أحكم
قبضته، وأنظمة حكم مدعومة بكل أسباب القوة مع استبدادها وطغيانها،وخطاب ديني
وعظي سني وشيعي على حد سواء، ولا أظن المشكلة في الوهابية، ففي مصر والجزائر
والمغرب والسودان نفس المشكلة،إلا (أن هذا كله
لن يوقف عجلة التاريخ، فالعالم العربي يشهد إرهاصات تحولات كبرى، وكل ما نتمناه أن
تكون في صالح الإسلام والخطاب الراشدي وقيمه، وليس نحو الليبرالية الغربية، وإن
كانت خيرا من الدكتاتورية اليوم).
أخي الكريم أثمن لك جهدك، وأبارك لك قلمك، وسأحاول تحقيق
طلبك ليوم واحد، أراجع فيه نفسي، وإن كنت لا أرى ضيرا أن نختلف في الرأي ونظل
إخوانا، وسيكلفني ذلك اليوم الواحد إحياء مشروع دراسة التاريخدراسة حديثية
نقدية، وهو ما سيحتاج مني إلى عملشهر كامل!
حاكم
...
(الرسالة
الخامسة)
15/12/2010م
وأعود للتعليقات الإضافية التي آمل أن يتسع صدرك ووقتك لها، فأنا
بالفعل أحاول أن أستفيد من عالم مثلك، وأستفيد من النقد والملاحظة، وأتمنى ألا
تتحفظ في ذلك، فطوال سنوات كتابتي على الإنترنت كانت الاستفادة الكبرى تأتي من
الرؤى المخالفة . وأعتقد أن معضلة التحول نحو الملك لم تحظ أبداً بالنقاش الموضوعي
طوال فترات التاريخ، فأرجو ألا تستكثر فيها مثل هذه التعليقات المتبادلة، فهي تثري
الرؤية طالما أن مرجعية الخلافة الراشدة موجودة لدينا .
سأحاول
التركيز على مسألة التمييز بين ما تدل عليه أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وبين
ما شاع ثقافياً، وسأبدأ بمسألة أشرت إليها، وهي مسألة تأول علي كرم الله وجهه في
الدماء . وهذه المقولة شائعة في التراث . ولكننا إذا عدنا إلى الوحي سنجد رؤية
مخالفة تماماً، حيث أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله يمتحن قلب علي
للإيمان فيقاتل على الدين وعلى تأويل القرآن كما قاتل الرسول على تنزيله . وقد
ورد ذلك في أحاديث أخرجها الترمذي والنسائي وأحمد والحاكم والبيهقي وابن حبان
والطحاوي والطبراني وابن أبي شيبه وأبو يعلى وعبدالرزاق وأبو نعيم والبزار وغيرهم
.
فانظر كيف أنه يؤخذ على علي كرم الله وجهه أنه تأول في الدماء، وبعض
الأمويين ومن تبعهم كانوا يسبونه ويطعنون فيه، ويستخدمون مسألة القتال كأهم
المداخل، بينما الرسول الكريم ذكر أن الله يمتحن قلب علي للإيمان، ووصف قتاله بأنه
قتال على الدين وعلى تأويل القرآن، وشبهه بالقتال على تنزيله . لماذا هذا الإخبار
وبهذه التوصيفات ؟!
لكي يكون مرشداً لنا، ولكي نعيد النظر إلى الأقوال والمواقف في ضوء
دلالات أحاديث الرسول الكريم .
وبالمثل، فأنت أشرت يا دكتور حاكم إلى الكثير من الحجج حول
تأول معاوية واجتهاده وشخصيته القيادية والأمن والاستقرار الذي حدث في عهده . وأنا
والله يا دكتور لم أكن أجحد ولا أنكر كل هذا، وكنت أتشربه باستمرار خلال حياتي
الدراسية والثقافية كمسلمة من المسلمات، حتى أنني لم أعلم أن معاوية ممن أسلموا
بعد الفتح إلا منذ سنوات معدودة . صورة معاوية في ذهني كانت أكبر من صورة بعض
السابقين الأولين وبعض البدريين، ولكن إعادة الاطلاع على أحاديث الرسول الكريم
والجمع بينها، ثم إعادة دراسة التاريخ السياسي والفصل الذي حدث بين الدين والسياسة
منذ عهد بني أمية، ثم التمييز بين النجاحات المرحلية التي يحققها حكم التغلب،
والكوارث بعيدة المدى التي يورثها للأمة، جعلتني أعيد فهم الأمر.
وبمثل ما أرجعت مقولة تأول علي في الدماء إلى أحاديث الرسول عن
امتحان قلب علي للإيمان وقتاله على الدين، وعلى تأويل القرآن، بمثل قتال الرسول
على تنزيله، فقد بدأت أرجع السنة السياسية التي سنها معاوية إلى أحاديث الرسول .
وأنت تعلم يا دكتور حاكم ما قاله الرسول عمن سن سنة سيئة، وتعلم أن رموز الصحابة
الكبار كانوا ضد سنته، وكان الأمر واضحاً لهم تماماً، حتى وإن اختلفت مواقف بعضهم
بعد ذلك، ليس لأن السنة حسنة، بل حفاظاً على مصلحة الأمة . ولو كنت أعيش في عهدهم
لربما فعلت مثلهم، ولكنني أعيش في زمن مختلف، أصبحت فيه تلك البدعة والسنة السيئة
عماد الثقافة السياسية، وأدخل حكام التغلب من بوابة الجهاد ونصرة الدين في مواجهة
المسلمين.
لقد حاولت فعلاً أن أفصل بين الإشادة بسنن الخلافة الراشدة، وبين
تأثيم هدمها، ولكنني وجدت أن هذا من كتمان الحق، ولم أجد في أحاديث الرسول عن
مستقبل الأمة إضاءات كاشفة عن انحراف مستقبلي بمثل ما هو عليه الحال في تأسيس
المُلك . فهل أخبر الرسول الكريم عن ذلك الانحراف لكي نهمله ونتجاوزه ونخفيه، أم
لكي نستلهمه ونستهدي به؟
وهل تؤدي أحاديث الرسول إلى الفتنة وتعطيل المصلحة حتى ونحن نتحدث عن
الإصلاح الثقافي بعد أكثر من ألف وثلائمائة سنة من تجنب الأحاديث المتعلقة
بالانحراف السياسي؟
ما هي الدوافع التي يمكن أن تدفع الناس نحو تقديم التضحيات
للخروج من حكم التغلب؟ أهو تحقيق سنن الخلافة الراشدة؟
الجميع يعرف أن الخلافة الراشدة لم تقم على التغلب أو التوريث
العائلي . هذه معلومة حاضرة لدى الجميع، ورغم ذلك لم تحرك أحداً على مدى أكثر من
ألف وثلاثمائة سنة . لماذا؟
لأسباب كثيرة، من أهمها أنه تم التخفيف من أمر الخروج عليها وهدمها
عبر التغلب والتوريث العائلي، وأصبح الأمر مجرد عدول عن الوضع الأمثل والأفضل .
فما الذي سيدفع الناس نحو تقديم التضحيات الجسام للخروج من حكم التغلب بعد أن تمكن
وترسخ واستشرى في الأمة، إذا كان الأمر مجرد وصول نحو الأفضل والأمثل لدى أمة لا
زالت الأمية شائعة بين أبنائها، ويسمعون لعلماء بسطاء يستخدمهم حكام التغلب أسوأ
استخدام؟
ثم لنفترض أنه ظهر بين الأمة متفضل يمنحها الحرية على طبق من
ذهب، كما فعل معاوية بن يزيد، أو رجل استثنائي يعمل ضد سنن التغلب وضد منطقه وضد
تياره كما فعل عمر بن عبد العزيز، فمن أين للأمة أن تتحصن ضد المغامرين طالما أن
ظهور أمثال معاوية بن يزيد وعمر بن عبد العزيز هو بمثابة الاستثناء المخالف لمنطق
التغلب وسننه وقوانينه؟
وكما نعلم فقد مات الأول في ظروف غامضة، ولوحق معلمه ودفن حياً من
قبل بني أمية، لأنه أفسد فكر معاوية، بينما الثاني لم تدم ولايته سوى عامين وبضعة
أشهر، وسط ممانعة ومقاومة الأقارب . ولماذا نجعل أمر الأمة مرهوناً بتفضل البعض أو
صلاحهم الاستثنائي، رغم معرفتنا بأن هذه الحالات ليست القاعدة بل هي الاستثناء
والشذوذ؟!
إن تأثيم سنة التغلب والتوريث العائلي يوفر – على المدى الطويل
- التحصين للأمة ضد المغامرين . فإذا شاع لدى الأمة أن هدم سنة الاختيار هو بمثابة
نقض لعروة من عرى الدين وهي عروة الحكم، وأن دعوة المُلك هي بمثابة دعوة إلى النار
أو إلى سبب من أسبابها، فإن الناس يمكن أن يقدموا التضحيات لاستعادة سنة الاختيار،
والأمة ستتحصن ضد المغامرين . أما إذا كان هدم الاختيار وسنن التغلب والتوريث
العائلي مجرد عدول عن الأمثل، والمصلحة تبرره، ونترضى عن أصحابه، فمن أين سيأتي
الدافع العميق نحو الاختيار والمانع القوي من التغلب؟!
ومن جانب آخر، فلماذا لا نناقش المسألة من زاوية حكم الدين،
بدل زاوية المصلحة الموهومة عند الحديث عن حكم التغلب والتوريث العائلي؟!
الإخبار بأن الحكم هو أول عرى الدين التي يتم نقضها، لماذا لا
نجعله حاكماً على الثقافة السائدة، بدل أن نجعل الثقافة السائدة طاردة له ومخالفة
له؟
لماذا لا نجعل وصف المُلك هو الجامع العام بين كل الحكومات التي تلت
الخلافة الراشدة إلى أن تعود بمشيئة الله، طالما أن هذا الوصف ثابت عن الرسول؟
وصف الفئة الباغية ودعوتها إلى النار أو إلى سبب من أسبابها، لماذا
نعمل بنقيضه، ونؤمن بنقيضه، وننطلق من نقيضه، بينما بإمكاننا أن نعلم علم اليقين
أن الأحاديث حول ذلك صحيحة وثابتة ؟!
في ختام هذا التعليق .... وأرجو أن تنطلق في نقدك وملاحظاتك
إلى أقصى الحدود التي يمكنك الوصول إليها، فأنا حريص على الاستفادة من علمك
وملاحظاتك .
بارك الله فيك ونفع بك، وجمعني بك على خير، وتقبل خالص تحياتي وتقديري..
أخوكم : إبراهيم ...
...
الرد
16/12/2010م
أخي الأستاذ الكبير
إبراهيم ...
وعليكم السلام
ورحمة الله وبركاته...
وأشكر لك رغبتك بإبداء رأيي فيما كتبت، وهذا من
أدبك، وصدق رغبتك في تحري الحق، مع أنه ليس من عادتي أن أناقش أحدا في قناعاته
وآرائه لولا طلبك الكريم.
أخي إبراهيم أتفق معك
تماما في خطورة تحول الأمة من خلافة راشدة إلى سنن الملك، ولا أظن أن من يقرأ (الحرية)
أو (التحرير) أو (أهل السنة والإشكالية السياسية)، إلا وسيخرج بهذا الانطباع، وهو وجوب
رد المحدثات والعودة للخطاب الراشدي، لا لأنه أفضل، بل لأنه الإسلام والسنة والهدي
الراشد، وما عداه باطل وضلال، وهذا وحده كاف لحمل الأمة على العودة إليه...
أخي الكريم لا يخفى عليك
بأن أهم أدوات دراسة التراث والتاريخ والمدخل لفهمه ونقده : معرفة علم الحديث،
وعلم العلل، ونقد الروايات، وتمييز صحيحها من سقيمها، وقد اجتهدت في تحري الصحة
والقبول، وتجنبت شيئا كثيرا مما لا يصح عندي ثبوته، ولم أر حاجة لتسجيل ذلك، حتى
لا تتسع دائرة الجدل مع كثير من أهل العلم، فتضيع القضية الرئيسة، وهي بعث الخطاب
الراشدي، في قضايا ثانوية كصحة هذا الحديث، وضعف ذاك الحديث، ومن الأحاديث التي لا
تكاد تصح في نقدي حديث (خاصف النعل وقتاله على تأويل القرآن)، فهو من حديث إسماعيل
بن رجاء، وقد أورده ابن الجوزي في العلل المتناهية، وقد أصاب، وطرقه الأخرى أشد
ضعفا منه، ومن تساهلوا في تصحيحه من المتأخرين، فإنما صححوه حملا له على قتال علي
للخوارج الذين تأولوا القرآن على غير وجهه، أما أهل الجمل وصفين فلم يقاتلهم علي
على تأويل القرآن، بل على طاعته، ومما يؤكد عدم صحته أن عليا نفسه لم يكن مطمئنا
لقتال الخوارج، حتى رأى ذا الثدية فيهم، وتواتر عنه أنه لم يكن معه عهد عن رسول
الله في قتالهم ...الخ
أما حديث (عمار تقتله
الفئة الباغية) فأقصى ما يدل عليه أن معاوية ومن معه بغوا على علي في قتالهم له،
ولا يمكن تحميل النص أكثر من ذلك ليمتد بغيهم عبر الزمان، وقد بين القرآن حكم الله
حين تبغي فئة على فئة وهو قتال الباغية حتى تفيء لحكم الله، وقد فاء معاوية ومن
معه، وعلي ومن معه لحكم الله، ورضوا بحكم الحكمين، بحضور الصحابة الذين اعتزلوا،
وتوقف القتال، لولا أن الخوارج قاتلوا عليا، ولهذا جاء في الحديث بأنه (تخرج خارجة
يقاتلهم أولى الطائفتين بالحق)، فكان علي هو أولى بالحق، وإن لم تكن الطائفة
الأخرى بعيدة عنه، بعد أن فاءت لحكم الله، ورضيت بالتحكيم، ولهذا السبب تنازل
الحسن لمعاوية، فكان سيدا، حيث أصلح الله على يديه بين طائفتين من المسلمين، فدل
ذلك على صحة ما فعل الحسن، وعلى أن الطائفة الأخرى أهل لهذا الفعل، فكان عام
الجماعة خير عام للمسلمين، بعد افتراقهم وفتنتهم منذ قتل عثمان، ثم إن الحسن وهو
سيد شباب أهل الجنة، وابن رسول الله، وأشبه الناس به، ما كان له أن يتنازل عن
الخلافة لغير من هو أهل لها، ولو فعل لكان هو الذي سن للأمة هذه السنن كلها، إذ
أعان أهل البغي الذين يدعون الأمة إلى النار على الوصول للخلافة والتحكم بالأمة،
وكذا ما كان لأهل العراق وهم أولى الطائفتين بالحق، أن يدخلوا فيما دخل فيه الحسن،
لولا أنهم رأوا صحة ما فعله، فقد كان القوم مع صحة أديانهم، وقوة إيمانهم، من
القوة والشوكة على حال يستطيعون بها مواصلة قتال البغاة الذين يدعونهم إلى النار،
وقد كان فيهم العلماء والقراء والزعماء، فدل كل ذلك على أنهم كانوا على هدى وخير
حين جمع الله بهم الكلمة ووحد الأمة، ورضي الحسين بذلك، وظل آل البيت جميعا
يقاتلون مع معاوية ويأخذون عطاءه، لم يعب أحد منهم عليه شيئا طول مدة خلافته وما
فتح الله عليه من الفتوح، فلما عهد بالأمر إلى يزيد بعد أن أشار عليه أهل الشام
بذلك، وكان حسن الظن بولده، وظن ذلك جائزا له إذا رضي الناس به، تصدى له الصحابة
وردوه فتركهم، ولم يتعرض لهم حتى مات، فرجع الأمر إلى الأمة التي رفضت بيعة يزيد،
وقاتلته، ولم يستقر له أمر، ولا يعد خليفة، فلما مات، رده ولده يزيد إلى الأمة،
فبايعت الأمة ابن الزبير، وانتهى الأمر عند ذلك، فتحميل معاوية أوزار التاريخ بعده
إجحاف ينافي الإنصاف، فغاية ما في الأمر أنه أحسن مدة خلافته كلها، وأخطأ في العهد
ليزيد، ولا يتحمل جريرة ما فعله يزيد بعده {ولا تزر وازرة وزر أخرى}!
نعم لو أنه حين عهد بالأمر إلى يزيد لم يعترضه
أحد، واستقر الأمرلقيل سن للناس سنة سيئة، غير أن الصحابة خالفوه، وردوا
عليه، وبينوا بطلان عهده ليزيد، وبينوا له الفرق بين عهد أبي بكر لعمر، وعهده
لولده، فتركهم يقررون بعد وفاته ما قرروه فعلا، فمنهم من رفض البيعة كالحسين وابن
الزبير، ومنهم من دخل بها بعد أن رأى أن أكثر الأمصار بايعته، كما فعل ابن عباس
وابن عمر.
ولهذا السبب ترجح عندي
أن عبد الملك هو أول من غير سنن الإمامة بالسيف والتغلب، بلا شبهة ولا تأويل، وهو
أول من أخذها بالسيف بلا خلاف، وإلا فقد يتوجه الذم للحسن حين تنازل لمعاوية، وقد علم
أن الأمة لن تجتمع عليه ولا على غيره، إلا على معاوية لكفاءته التي أثبتتها
الأيام.
أما القول بأن كل ما بعد
الخلافة الراشدة هو ملك محض لا شرعية له البتة : فقول فيه نظر! بل هي خلافة شابها
شيء من سنن الملك، إلا أنها من حيث العموم خلافة، ولهذا جاء في الأحاديث بعد
الخلافة الراشدة (خلافة ورحمة)، وهذا لا ينافي إطلاق كلمة الملك على الخلافة بمعنى
السلطان، كما فصلته في (تحرير الإنسان) إذ حتى الخلافة الراشدة يطلق عليها ملك بمعنى
سلطة ودولة، إلا أن الخلافة هي النظام السياسي في الإسلام، ولها أصولها وقواعدها ـ
التي تخالف أنظمة الحكم الأخرى ـ والنموذج الواجب الاتباع هي الخلافة الراشدة، وهي
المعيار الموضوعي للحكم على كون الخلافة راشدة أم لا، فإن حدثت محدثات وتراجعت
الخلافةعن بعض أصولها، فإنها تخرج عن حالالرشد إلى حالها التي تصدق
عليها من جور أو بدعة، فإن تجاوزت كل الأصول والقواعد فإنها تخرج عن كونها خلافة
إسلامية، ولهذا جاءت أحاديث متواترة تواترا معنويا في دلالاتها في إثبات أن ما بعد
الخلافة الراشدة خلافة شرعية كحديث (يكون خلفاء فيكثرون فأوفوا بيعة الأول فالأول)،
وهذا لا يفهم منه بحال صحة بيعة كل خليفة، ولو أخذها بالسيف، بل الواجب رده إلى
الحق ومقاومته،فإن تركته الأمة ورضيت به وتنازلت عن حقها فهذا شأنها،
والإسلام دين المثالية الواقعية في آن واحد، فحدد لهم حقوقهم وواجباتهم، وترك
الأمر شورى لهم، فإن أرادوا الأخذ بالعزيمة فلهم ذلك، وإن أرادوا الرخصة فلهم ذلك،
ولم يأخذ أحد الخلافة بالسيف إلا عبد الملك بن مروان، ثم آلت لمن بعده بلا قتال،
بل بعهد ورضا إلا من خرج عليه الناس وقتلوه من بني أمية، وكذا أبو العباس السفاح
وأخوه أبو جعفر المنصور، ثم آلت لمن بعدهم بالعهد، بل عامة بني العباس بايعهم
العلماء والرؤساء بالرضا دون إكراه ولا إجبار، لضعف الخلفاء، مع قوة مركز الخلافة
كمؤسسة للحكم، ثم تنازل آخر خلفاء بني العباس في القاهرة لسليم الأول العثماني،
حين كاد العالم العربي يسقط أمام هجمات البرتغاليين، فجاء العثمانيون فوجدوه في
حال ضعف وتشرذم وعجز وتخلف، فآلت لهم الخلافة بالتنازل لعجز الخليفة العباسي عن
القيام بالأمر، كحال من قبله لولا قوة السلطان، وبقيت الخلافة كنظام سياسي ومؤسسة
للحكم تعبر عن وحدة دار الإسلام، ووحدة الأمة، ووحدة المرجعية التشريعية، وتحمي
حوزة الإسلام، حتى سقطت فسقط العالم الإسلامي بسقوطها، مع أنها كانت قبل ذلك قد
عرفت الدستور والمبعوثان والوزارة قبل أن تعرفها كثير من شعوب أوربا، ولعل الله
ييسر لي إخراج كتاب (الخلافة) وكتاب (أزمة الهوية) وسترى فيهما ما لا يخطر لك على
بال في كيف كان المسلمون في حرية سياسية لا نحلم فيها اليوم حتى في النظم
الليبرالية!
والقصد هو أننا في حاجة
لفهم تاريخنا وتطور حضارتنا بشكل أوسع وأعمق، فالعالم الإسلامي لم يعرف ما عرفه
العالم الغربي من طاغوتية قيصرية، فقد كان نظام الخلافة يختلف كلية عن الأنظمة
الملكية التي حكمت الأمم الأخرى، ولهذا تفصيل يطول، فلعلك تتأنى في إصدار الأحكام
على هذا النحو المبالغ فيه،فأزمة الأمة هي في تخليها عن واجباتها وحقوقها،
وإلا فهل يعقل أن تقع تحت حكم الاستعمار ولا تقاومه وهي أكثر الأمم عددا وثروة،
ودينها يحرم عليها تحريما قطعيا الرضا بذلك، وكل أمم الأرض حولها تقاوم الاستعمار
وترفضه، مع أنها كانت ومازالت تحكم بأنظمة استبدادية؟ فلم يمنعها ذلك من مقاومة
الاحتلال، وهو ما لا نجده اليوم في العالم العربي، الذي انحلت عراه حتى تحولت
بلدانه إلى قواعد عسكرية للاحتلال الأجنبي! فما هي أسباب ضعفه إلا تخلي الشعوب عن
مسئولياتها وركونها لحب الحياة وكراهية الموت كما جاء في الحديث..
وعلى كل حال سأستمتع
وسأستفيد من كل ما أرسلته إلي، ولا أظن أن بيننا اختلافا في الرأي ما دمنا اتفقنا
على وجوب بعث الخطاب الراشدي، والتبشير به، ودعوة الأمة إليه، ثم الجهاد في سبيله،
ما دمنا عرفنا الحق فيه، ولا يشترط أن يتفق معنا الآخرون حتى نبدأ الجهاد بالكلمة
والعمل السياسي الراشد.
أخي إبراهيم ثمرة العلم
العمل، وقد فتح الله عليك في معرفة الحق في هذا الباب، فلا تستغرق فيه أكثر مما
يجب على المستوى النظري، بل نحن أحوج ما نكون إلى إصلاح واقعنا بما معنا من علم،
والأمة في حاجتنا لمواجهة طواغيتها التي تحكمها اليوم، لا مواجهة معاوية وعمرو بن
العاص!
فأخشى أن يكون ذلك مما يعيقنا عن إصلاح واقعنا
بالانشغال بماضينا، فنحن لا نحتاج من نقد الماضي إلا بقدر ما يحقق لنا شيئا في
حاضرنا، وإلا كان ترفا معرفيا لا يغير من واقعنا شيئا.
فائدة : هذه قصة لبني
صدر أول رئيس للجمهورية مع الخميني، فقد اختلف بني صدر وكان رئيس الجمهورية مع
البرلمان ورجال الدين حول قضية شرعية، فقام بكتابة رسالة ذكر فيها الأدلة على صحة
قوله فيها، وأورد الحجج من القرآن وأقوال آل البيت، ودخل على المرشد وهو الخميني،
وأعطاه الرسالة، ثم رجع إليه فقال هل قرأتها ؟
قال الخميني نعم!
قال فما رأيك فيها؟ قال
: أوافقك على كل ما جاء فيها، إلا أنك نسيت شيئا مهما ألا وهو أن الشعب الإيراني
الذي ترأسه شعب شيعي إمامي لا يرضى إلا بالقول الآخر، وليس لنا إلا النزول على
رأيه!
فنحن نريد إصلاح واقع
الأمة، ولن تتخلى الأمة عن الإسلام والسنة وأقوال الأئمة، فلنبحث لها عن الحلول
التي تخرجها من أزمتها، دون أن نخسرها ونخسر رسالتنا لها.
تحياتي لك أخي إبراهيم وبانتظار جديد تعليقات وملحوظاتك.
حاكم
المطيري
...
(الرسالة
السادسة)
16/12/2010م
فضيلة الشيخ الدكتور
حاكم المطيري..
حفظه الله ورعاه
السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته، وبعد :
أتمنى ألا يضيق صدركم
بتعليقاتي، وحين لا تشعرون بالحاجة إلى التعليق فأرجو ألا تكلفوا أنفسكم عناءه،
فأنا أستثمر التواصل معكم، والردود المعدودة التي وصلتني كانت أثرى من كل
التعليقات التي استقبلتها خلال السنوات الماضية . وأرجو أن تعتبر مثل هذه
التعليقات تدارساً حول بعض ما ورد في كتاب الحرية وكتاب التحرير .
لعل أهم ما في
الكتابين هو التقسيم إلى مرحلة النص المنزل، ثم مرحلة النص المؤول، وما ينبني على
هذا التقسيم من حسن أو سوء فهم لنصوص الوحي، وتكاليف الدين المتعلقة بعالم السياسة
. وأنا حينما أناقشك في مرحلة تأسيس الملك فهذا يأتي باعتبار أنك وضعت مرحلتها
الأولى تقريباً ضمن مرحلة النص المنزل، ووضعت مرحلتها الثانية تقريباً ضمن مرحلة
النص المؤول . وقد أشرت إلى مسألة الاختلاف حول تحديد المرحلتين، وأنها ليست
القضية الرئيسة، وأرجو يا دكتور حاكم أن تتفهم وجهة نظر أخرى، وملحظ أساسي حول ما
ورد في الكتابين بأن التحديد أحد أهم المسائل الرئيسة، فهناك بحسب الرؤية انتقال
جوهري من النص المنزل إلى النص المؤول . ومن ثم فإن من المهم تحديد نقطة الانتقال،
لكي نفهم الخلل الذي حدث بتغير العلاقة بالنص .
وأنت أوضحت بأن
المسألة تدور حول سنن الخلافة الراشدة، ولكنك عند التطبيق وضعت النص المؤول عند
حكم عبدالملك بن مروان، بينما أعتقد أن ما حدث منذ انتهاء عهد الخلافة الراشدة إلى
عهد عبد الملك بن مروان هو أهم ما في الموضوع، لأنه بمثابة مرحلة التأسيس والصياغة
ووضع كافة المنطلقات للنص المؤول . وما عبد الملك بن مروان إلا أحد مستثمري النص
المؤول.
بل حتى لو أخذنا
بمفهوم انتزاع الحكم فقط كوسيلة لهدم الشورى – ولم ندخل أخذ ولاية العهد للأبناء
كوسيلة للهدم – ولم نأخذ مواقف الرموز في عهد معاوية، وكل التضحيات التي دفعتها
الأمة في عهد يزيد كتعبيرات عن مدى رفض الأمة لهدم الشورى، فإن الانتزاع ينبغي أن
ينسب لمروان بن الحكم أكثر مما ينسب لابنه عبدالملك، فبعد أن خلع معاوية بن يزيد
نفسه انقطع حكم بني أمية تقريباً، واتجهت معظم الأمصار ببيعتها الطوعية نحو
عبدالله بن الزبير، بما في ذلك معظم مناطق الشام ذاتها . ولكن بني أمية بعد
اجتماعهم واختيارهم لمروان، ومواجهتهم لمن بايعوا عبدالله بن الزبير في معركة مرج
راهط وانتصاره عليهم أسس لانتزاع الحكم من عبدالله بن الزبير، وقد نجح بعد انتزاع
الشام في انتزاع مصر، وجهز جيشين لانتزاع العراق والحجاز، ولكنه مات قبل نجاح
المهمة، فجاء ابنه عبدالملك لاستكمالها . أي أنه حتى إذا أخذنا بمفهوم الانتزاع
بحد السيف كتغيير لسنة الرسول ونقض عروة الحكم، فإن ذلك الانتزاع والنقض لا ينبغي
أن ينسبا إلى عبدالملك، فهو مجرد مستكمل لجهد بدأه والده بانتزاع الشام ومصر،
والتجهيز لانتزاع العراق والحجاز .
ومن ناحية أخرى،
فإننا لو سألنا عند الدافع لمروان وبني أمية لانتزاع الحكم بحد السيف، لوجدنا أن
محركهم هو استعادة الملك . ولو سألنا عن الذي أوجد لديهم هذا الشعور بأن أمر الأمة
ملكهم الذي يتوجب عليهم استعادته بحد السيف لعدنا إلى نقطة البداية، وهي الملك
الذي أسسه معاوية بن أبي سفيان، وورثه لابنه يزيد .
أشرت إلى أحاديث خاصف
النعل، وأشرت إلى علل الروايات . ولن أناقشك في العلل، فأنت المتخصص الذي يجب
احترام قوله، ولكني أعتقد أن مجمل الأحاديث الأخرى تؤيدها أو تحمل معناها . بل إن
حديث العض على سنن الخلافة الراشدة بالنواجذ وترك المحدثات يؤيدها ويحمل معنى أقوى
من معناها . فإذا كان حكم علي يدخل ضمن الخلافة الراشدة التي أمر الرسول الكريم
بالعض عليها بالنواجذ، وإذا كان حكم معاوية يدخل ضمن المحدثات التي حذر الرسول
منها، فإن هذا لوحده يجعل قتال علي قتالاً على الدين وعلى تأويل القرآن، وإلا لما
دخل حكمه ضمن الخلافة الراشدة، ولما أصبحت نهايته هي نهايتها .
ومن جانب آخر، فلا
أظن أنه يوجد في ألفاظ أحاديث خاصف النعل ما يدل على خصوصية معناه في قتال
الخوارج، فالألفاظ عامة، وورد فيها الإشارة إلى القتال على الدين، وعلى تأويل
القرآن، والتأويل يتسع للكثير من المعاني التي تشمل التفسير الصحيح والتطبيق
الصحيح . ولو أن الأمر يتصل بالخوارج فقط لما وردت الألفاظ بتلك العمومية، علماً
أن هناك أحاديث أخرى خاصة بقتال علي للخوارج هي التي تنطبق عليهم دون غيرهم .
ومرة أخرى، فالأهم
هو أحاديث الخلافة الراشدة، والأمر بالتمسك بها والعض عليها بالنواجذ، والتحذير
مما عداها بلفظ " وإياكم .... " . فإذا كنا سنستبعد حكم معاوية من لفظ
" وإياكم " بكل دلالاته، وسنستبعد نقطة التحديد التي وضعها الرسول لتعريف
الخلافة الراشدة والأمر بالتمسك بها والعض عليها بالنواجذ، وذلك تحت ضغط المصلحة،
فما الذي يبقى من دلالة الأحاديث غير تبعيضها واجتزائها والأخذ ببعضها وترك البعض
بحسب المصلحة ؟.
ورغم أنك كنت واضحاً
وصريحاً في رفض كل ما عدا الخلافة الراشدة، إلا أنك في أحد المواضع ميزت بين الخلافة
الراشدة وما عداها بالحديث عن مسألة العزيمة والرخصة . وهذا – وأرجو ألا تغضب من
رأيي يا دكتور وأن تحمل كلامي على أحسن محامله – هو أخطر ما في الموضوع . فإذا كان
الأمر في النهاية سينتهي إلى مسألة عزيمة ورخصة فما وزن الشورى التي هدمت وما
قيمتها، وما قيمة " العض بالنواجذ " وما قيمة " وإياكم .... "
؟
إذا كان الأمر يدور في
النهاية حول عزيمة ورخصة فقد انتهى الأمر لمصلحة التغلب وهدم الشورى إلى الأبد،
لأن للكراسي سحر يفوق كل سحر، ومنطقتنا العربية أصبحت أهم مناطق إنتاج التغلب في
العالم، فمن الذي سينزع التغلب وثقافته إذا كان يدخل ضمن الرخص؟ ومن أين لنا أن
نتوقع من حكام زماننا أن يكونوا أفضل من معاوية ومروان بن الحكم بترك الرخصة
والاتجاه نحو العزيمة؟
وأود أن أسأل : لماذا
وردت الإدانة بشأن أهل صفين، ولم ترد بشأن أهل الجمل الذين لم يرد بشأنهم سوى
إشارة غير مباشرة إلى خطأ السيدة عائشة رضي الله عنها – كما في خبر كلاب الحوأب –
وإشارة غير مباشرة إلى موقف الزبير رضي الله عنه حول الظلم في وقت القتال، وقد
ذكره علي بما أخبر به الرسول فتذكر وانسحب من القتال ؟
لأن القتال في موقعة
الجمل هو بالفعل قتال فتنة، ولأن دعوى الملك أو نية الملك لم تكن حاضرة . وهذا هو
سر التمييز النبوي بينه وبين القتال في صفين، حيث وصفت الفئة القاتلة لعمار بأنها
فئة باغية تدعو إلى النار أو إلى سبب من أسبابها .
وقد أشرت من قبل – ولا
أدري إن كنت قد قرأت ما كتبته حول هذه الجزئية – إلى أن الدعوة إلى النار أو إلى
سبب من أسبابها ينبغي أن يفسر بمثل ما تفسر به الدعوة إلى أي شيء محرم أو منهي
عنه، والشورى مأمور بها، وهدمها من أخطر ما يمكن أن يفسد حياة الأمة الدنيوية .
ونقض عروة الحكم لا يعني الخروج من الدين، فهم لم ينقضوا بقية عرى الدين،
والأحاديث الأخرى تشهد بإيمانهم – يصلح به الله بين فئتين من المؤمنين، تقاتلهم
أولى الطائفتين بالحق - . وبالتالي فالقول بأن هدم الشورى هو نقض لعروة من عرى
الدين ودعوة إلى النار أو إلى سبب من أسبابها ينطبق على الحكم دون غيره . كما أن
مثل هذه الأحاديث، مثلها مثل كل الآيات والأحاديث ذات الطابع التأهيلي، تتحدث
دوماً عن الحدود القصوى للأقوال والأفعال المخالفة، وتشير إلى الحدود القصوى
للإدانة، لأنها تحمل في طياتها هدف التأهيل والدفع باتجاه التصحيح، وتهدف إلى
مخاطبة مختلف المسلمين لتحصينهم، أو لتحذيرهم، أو لدفعهم باتجاه التصحيح . أما
الحساب فله معايير ليست ذات المعايير التي يحملها خطاب التأهيل بتمامها، حيث ينظر
إلى النوايا والإمكانات والفرص ومجمل الأقوال والأعمال .
أشرت إلى موقف الحسن
وموافقته على الصلح، وأخذ العطايا . وأنا أنظر إلى موقف الحسن من زاوية الموازنة
بين المصالح والمفاسد، وقد أحسن بما فعل، والعطايا هي من أموال المسلمين، والتأول
فيها وارد، خصوصاً إذا كان المرء مسئولا عن أتباع عديدين، وليس في الأمر انحراف
يورث إلى الأجيال المقبلة مثل انحراف مصادرة أمر الأمة والقضاء على الشورى .
بقي أن أقول أنني لا أشك
في أن الحكم في تاريخنا منذ عهد بني أمية كان أفضل من مثيله لدى الأمم الأخرى
بمراحل، ورغم أن الإبداعات الحضارية تعود إلى الأمة، إلا أنه أسهم في دعمها العديد
من الحكام، والعالم الإسلامي ظل العالم الأول على مدى أكثر من عشرة قرون . هذا كله
أنا مؤمن به، ولكنني أنظر من زاوية التصحيح والإصلاح الداخلي في لحظتنا الراهنة،
وأرى أنه يقتضي التركيز على نقطة الانحراف وحسن تشخيصها وتكثيف الرؤية حولها بغية
الدفع باتجاه التصحيح . وهناك فارق – فيما أعتقد – بين الحديث عن الخلافة كنظام
يقوم على الشورى وولاية الأمة أو ولاية صفوتها، وبين الحكام كأفراد . وأنا أفهم أن
الرسول الكريم لم يصف الحكم منذ عهد بني أمية إلا بأنه ملك عضوض وملك جبري إلى أن
تعود الخلافة الراشدة . أما الحكام كأفراد وليس كنظام سياسي فقد ورد بشأنهم وصف
الخلفاء، وهناك حكام كانوا سابقين لزمنهم وأعلام وأئمة وجدوا ضمن زمن التغلب، مثل
معاوية بن يزيد وعمر بن عبدالعزيز . وأنا - بحسب اجتهادي - رأيت أنهم من الأئمة
الإثني عشر، وآمل أن تكون قد قرأت ذلك فيما أرسلته لكم حول الشورى . علماً أن
المادة المرسلة كانت مأخوذة من مناطق متفرقة من الكتاب .
بارك الله فيك وجمعني بك
على خير، وتقبل خالص تحياتي وتقديري
إبراهيم...
...
الرد:
وعليكم السلام ورحمة
الله وبركاته أخي الكريم...
إذا اتفقنا على أصول
الخطاب الراشدي - كحق الأمة في اختيار السلطة، وحقها في الشورى، وحقها في الرقابة
على السلطة، وعلى بيت المال ..الخ وأنها من الواجبات والعزائم التي يحرم على الأمة
تركها، ولها الحق في القتال دونها، وأن المحدثات كالتوريث واغتصاب السلطة وقهر
الأمة ..الخ محرمات يجب نبذها، وللأمة الحق في القتال حتى تبطلها فلا حرج فيما
وراء ذلك من نقد تاريخي، فالمهم هو الواقع وكيف يتم تغييره نحو خطاب سياسي راشدي،
دون اجترار لخلافات تاريخية لن تغير من الواقع شيئا {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت
ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون}، والخلافة الراشدة وسننها هي المعيار
والحكم بعد الكتاب والسنة، لمعرفة الحكم الراشد وأصول سياسة الأمة، وهي محددة
باتفاق الأمة وبدلالات النصوص، ولا تمتد إلى عهد معاوية قطعا، وهذا واضح في كتبي،
ولم أقل قط بأن هذه الأصول ليست واجبة أو أن هناك رخصة في تركها، إلا أن معاوية لم
يأخذها بالسيف، بل اصطلحت عليه الأمة عام الجماعة، ولو أراد أهل العراق قتاله
لفعلوا، وهم الذين بايعوه مع الحسن والحسين، ولو لم يكن معاوية أهلا لها وعدلا
لكان ما فعله الحسن ليس خطأ بل خطيئة كبرى في حق الأمة أن يسلط عليهم من ليس أهلا
ولا أمينا بدعوى المصلحة، بعد أن بايعت الأمة الحسن خليفة! وكان باستطاعته أن
يقاتل معاوية أو يعتزل ولا يبايعه ولا يعزم على الأمة أن تبايع معاوية معه!
فإذا كانت بداية
الانحراف هي هذه اللحظة التاريخية فالذي صنعها هو الحسن نفسه، وليس معاوية، والحسن
حينها كان خليفة وليس فردا حتى يعذر، ولبطل حديث (إن ابني هذا سيد وسيصلح الله على
يديه بين فئتين من المسلمين) وهو في الصحيح..الخ
وأما الأخبار التي تروج
في كتب التاريخ عن شراء الولاءات آنذاك فتحتاج إلى تمحيص وتدقيق، فالقوم كانوا أشد
شكيمة، وأشد ورعا من أن يبيعوا دينهم ومروءتهم وأحسابهم بمثل هذا، ولو قيل أخذتهم
الحمية الجاهلية واعصوصبوا لقومهم لكان أقرب لمن عرف أحوال العرب آنذاك، وقد كان
خراج العراق والمشرق كله في يد الحسن، ويمكن كذلك اتهام الحسن وآل البيت بأنهم
تنازلوا طمعا، وهو ما لا يمكن قوله بحقهم، فمن باب أولى من دونهم ممن لا أثر له في
الأحداث كأثرهم حين تنازلوا لمعاوية!
وعلى كل حال فالخطاب الراشدي وإن انتهى كمرحلة
زمنية بوفاة علي أو تنازل الحسن، فإنه كنظام سياسي ظل قائما له حضوره وسطوته، ولم
يحدث في هذه الفترة خلل بين جلي إلا حين عهد معاوية ليزيد في آخر مدته، فرفضه كبار
الصحابة، وهذه بداية المحدثات، غير أن يزيد لم يستقر له حكم ولا يدخل في عداد
الخلفاء بل هو زمن فتنة، فلما توفي بعد أربع سنين بايع الناس ابنه معاوية بن يزيد
فردها شورى إلى الأمة مرة أخرى، وخرج منها بعد أربعين يوما لصلاحه وتقواه، ورأى أن
الحق للأمة بالشورى، فاستُخلف بعده ابن الزبير واختاره أهل الأمصار بالشورى وهو
بمكة، وجاءته البيعة بالرضا، مما يؤكد قوة حضور الخطاب السياسي الراشدي إلى تلك
الفترة، وأول من أخذها بالسيف بلا شورى ولا صلح هو عبد الملك بن مروان، وهذه مرحلة
جديدة مفصلية لا يمكن قياسها على عام الجماعة وتنازل الحسن لمعاوية، ولهذا
اعتبرتها ليس أول المحدثات بل أول عصر الخطاب المؤول الذي فرض نفسه بقوة السيف،
ويرجح ذلك حديث ابن مسعود (تدور رحى الإسلام.. فإن يقم لهم أمرهم فإلى سبعين أو
إحدى وسبعين..).
حاكم ..
...
وما زلنا مع أسطورة
الثورة العربية فللقصة بقية!