حكم عدم رصف الصفوف في الصلوات في المساجد
5/ 10 / 1441
28/ 5/ 2020
قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هذا صِراطي مُستَقيمًا فَاتَّبِعوهُ وَلا
تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبيلِهِ ذلِكُم وَصّاكُم بِهِ
لَعَلَّكُم تَتَّقونَ﴾ [الأنعام: ١٥٣]
وقال ﴿قُل هذِهِ سَبيلي أَدعو إِلَى اللَّهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنا
وَمَنِ اتَّبَعَني وَسُبحانَ اللَّهِ وَما أَنا مِنَ المُشرِكينَ﴾ [يوسف: ١٠٨]
وفاتحة القرآن كلها دعاء وتوسل إلى الله بالهداية إلى هذا السبيل
﴿اهدِنَا الصِّراطَ المُستَقيمَ . صِراطَ الَّذينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ
المَغضوبِ عَلَيهِم وَلَا الضّالّينَ﴾ [الفاتحة: ٦- ٧] فكل من خرج عنه كان من
الضالين والمغضوب عليهم!
وحذر الله من ترك السبيل الذي كان عليه النبي ﷺ وأصحابه فقال: ﴿وَمَن يُشاقِقِ الرَّسولَ مِن بَعدِ ما تَبَيَّنَ
لَهُ الهُدى وَيَتَّبِع غَيرَ سَبيلِ المُؤمِنينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَنُصلِهِ
جَهَنَّمَ وَساءَت مَصيرًا﴾ [النساء: ١١٥]
وحصر النجاة والهداية باتباعهم فقال عنهم: ﴿وَالسّابِقونَ الأَوَّلونَ
مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعوهُم بِإِحسانٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنهُم وَرَضوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري تَحتَهَا الأَنهارُ خالِدينَ
فيها أَبَدًا ذلِكَ الفَوزُ العَظيمُ﴾ [التوبة: ١٠٠]
وحذر سبحانه من طاعة أهل الكتاب فقال: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا
إِن تُطيعوا فَريقًا مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ يَرُدّوكُم بَعدَ إيمانِكُم
كافِرينَ﴾ [آل عمران: ١٠٠]
وحذر النبي ﷺ من الأئمة المضلين (إن أخوف ما أخاف عليكم الأئمة المضلون)
وقال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض
العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا
بغير علم، فضلوا وأضلوا).
ولقد حرف الأئمة الضالون المضلون والمُفتون المفتونون من أحكام
الإسلام القطعية في فتنة #كورونا ما لم يقع مثله منذ إسقاط الحملة الصليبية للخلافة الإسلامية وتعطيل
الشريعة قبل مئة عام حتى هذه الفتنة!
وحتى صارت منظمة الصحة اليوم مرجعا تفرض على المسلمين إغلاق مساجدهم
وطريقة صلاتهم والتباعد بينهم لمنع العدوى التي نفاها أصلا النبيﷺ (لا عدوى ولا طيرة)!
فالمسارعة اليوم بالفتوى بجواز عدم رصف الصفوف في الصلوات في المساجد،
على النحو الذي أوصت به منظمة الصحة، هو في أقل أحواله ابتداع في الدين، وتغيير
للشرع، ومن التطير الذي نفاه الشرع ونهى عنه!
والخلاف بين الفقهاء في وجوب أو استحباب تسوية الصفوف ورصها لا ينزل
على هذه الطريقة الشيطانية النصرانية التي تفرض على المسلمين في مساجدهم اليوم
لتصبح غدا هي الأصل والشرع كما هو حال كل البدع والمحدثات في الدين!
ورص الصفوف كهيئة عامة ليس أمرا مستحبا فقط بل واجب بأمر الشارع فهو
(من إقامة الصلاة) كما قالﷺ: (سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة)، ورص الصفوف في
الصلوات هي هيئة الملائكة عند ربها، كما في صحيح مسلم (ألا تصفون كما تصف الملائكة
عند ربها؟ فقلنا يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف
الأول ويتراصون في الصف)، وقد أمر النبي ﷺ برص الصفوف، وسد الخلل، ووصل الصف، ونهى عن قطعه، وعن ترك فرجة، وعد
ذلك مدخلا للشيطان، كما في الحديث الصحيح في مسند أحمد عن عبد الله بن عمر، أن
رسول الله ﷺ قال: (أقيموا الصفوف، فإنما تصفون بصفوف الملائكة وحاذوا بين
المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا في أيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل
صفا، وصله الله تبارك وتعالى، ومن قطع صفا قطعه الله تبارك وتعالى)
وأمر ﷺ بالمقاربة والمحاذاة بين المصلين كما في سنن أبي داود وصحيح ابن
خزيمة وابن حبان (رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفسي بيده
إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف).
وجاء في الصحيحين الوعيد الشديد على ترك تسوية الصفوف ورصها بالمخالفة
بين القلوب والوجوه، وهو مما ينافي أصل الدين والأمر بالاجتماع وعدم الافتراق؛ قال
ﷺ: (لَتُسَوُّنَّ صفوفكم، أو لَيُخَالِفَنَّ الله بين وجوهكم).
وكل هذه الأوامر تحمل على الوجوب إذ لا صارف للاستحباب، وهي في شأن
إقامة الصلاة كما أمر الله، ولا يمكن حمل كل هذه النصوص بالأمر والنهي والوعيد في
هيئة تسوية الصفوف على الاستحباب فقط!
وهناك فرق بين:
١- الهيئة العامة للصفوف في الصلاة، كما شرعت؛ فهذه واجبة بنص الشارع
القطعي، ولا حقيقة لصلاة الجماعة إلا برص الصفوف، فلو تباعد المصلون عن بعضهم،
وافترقوا بالمسافات، لم تكن هذه صلاة جماعة أصلا! كما روى البخاري في صحيحه، عن
أنس بن مالك، عن النبي ﷺ قال: (سووا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة) فهو داخل في
بيان الأمر القرآني ﴿أقيموا الصلاة﴾، وقد تقرر عند الأصوليين أن ما جاء في
السنة بيانا لمجمل القرآن فله حكمه، وهذا النص النبوي من أوضح صوره، فقد نص النبي ﷺ على أن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة التي أمر القرآن بها، فتكون
التسوية واجبة كوجوبها.
٢- رص المصلي للصف، وسده للفرجة، وتسويته له؛ فهذا الذي وقع فيه
الخلاف، فقيل: واجب على كل مصل رص الصف، وقيل: مستحب، أما ألا تسوى الصفوف أصلا،
ولا ترص من الجميع، فيصلى كل مصل حيثما أراد من المسجد فهذا ما لم يخطر تجويزه على
بال أحد من الفقهاء قط!
ولوضوح هذه القضية عند الأئمة - وهو تفريقهم بين الهيئة العامة للصفوف
من جهة ورص كل مصل للصف من جهة - وقع الخلاف بينهم في الصلاة بين السواري وأعمدة
المسجد، فمن رأى أنها تخل بالهيئة العامة من اتصال الصفوف منع منه، ومن رأى أنها
لا تخل بها أجازه، حتى بوّب ابن خزيمة في صحيحه (باب النهي عن الاصطفاف بين السواري)،
وكذا لو صلى مصل وترك فرجة، هل يأثم فاعله لأنه ترك واجبا كما يرى البخاري وبوب
عليه في صحيحه (باب إثم من لم يتم الصفوف) وهو قول كثير من السلف والخلف ومذهب
الظاهرية ورجحه ابن تيمية، أو لا يأثم لأنه ترك مستحبا، كما هو قول الجمهور!
فترك الهيئة العامة المشروعة للصفوف (من أعظم الأمور المنكرة) كما نص
عليه ابن تيمية في مجموع الفتاوى (23/ 394): (لو كانوا مفترقين غير منتظمين مثل أن
يكون هذا خلف هذا وهذا خلف هذا كان هذا من أعظم الأمور المنكرة بل قد أمروا
بالاصطفاف بل أمرهم النبي ﷺ بتقويم الصفوف وتعديلها وتراص الصفوف وسد الخلل وسد الأول فالأول كل
ذلك مبالغة في تحقيق اجتماعهم على أحسن وجه بحسب الإمكان ولو لم يكن الاصطفاف
واجبا لجاز أن يقف واحد خلف واحد وهلم جرا. وهذا مما يعلم كل أحد علما عاما أن هذه
ليست صلاة المسلمين ولو كان هذا مما يجوز لفعله المسلمون ولو مرة) وقال في
الفتاوى (22/ 546): (فإذا كان تقويم الصف وتعديله من تمامها وإقامتها بحيث لو
خرجوا عن الاستواء والاعتدال بالكلية حتى يكون رأس هذا عند النصف الأسفل من هذا لم
يكونوا مصطفين ولكانوا يؤمرون بالإعادة)، بينما ترك بعض المصلين لتسوية الصف
أو ترك فرجة منهي عنه يأثم فاعله بلا عذر عند البخاري وابن تيمية، ومن فعله لعذر
فلا حرج عليه، فابن تيمية هنا يفرق بين الصورتين، فترك الهيئة العامة يبطل عنده
الصلاة ويقتضي الإعادة، وهو من أعظم الأمور المنكرة، وهذا يوافقه عليه كل فقيه من
كل مذهب فقهي، بينما ترك فرجة أو خلل في الصف مسألة خلافية رجح فيها ابن تيمية
القول بالوجوب!
فمن لا يفرق بين الصورتين فليس أهلا للفتوى أصلا!
أما ترك الهيئة المشروعة والالتزام بعدم رص الصفوف والإلزام بتباعد
المصلين اتباعا لتوصيات منظمة الصحة العالمية وطاعة للمنظمات الصليبية؛ فقضية أخرى
لا علاقة لها بالفقه! بل بأصول الدين والتوحيد وتقرير حاكمية الله، واتباع الرسول
وطاعته، وكفر ترك شيء مما جاء به اتباعا للأهواء وطاعة لأهل الكتاب والمشركين! وهو أشد وأخطر وهو من التشبه بالكفار، واتباع سبيل الشيطان، وسبيل
الضالين، والمغضوب عليهم!
ودعوى الضرورة أو الحاجة لتغيير هيئة رص الصفوف في المساجد وجعل فرجات
للشيطان متر ونصف بين المصلين كما توصي به منظمة الصحة؛ كذّبها الواقع، فالمسلمون
في فلسطين وباكستان وغيرها من الدول صلوا العيد ورصوا الصفوف ولم يجدوا ضرورة ولا
حاجة! ومن خاف على نفسه من المرض؛ فله أن لا يرص الصف. أما أن يفرض هذا العمل
الشيطاني على جميع المسلمين في مساجدهم؛ ومن أجل أمر جاهلي نفاه الشارع وهو اعتقاد
العدوى والتطير والخوف من المرض فذلك من أوضح صور اتباع خطوات الشيطان!
فالواجب على أهل
العلم وأئمة المساجد والخطباء التصدي لهذا التغيير والتبديل لهيئة الصفوف في الصلاة
ومناصحة وزارات الأوقاف حتى لا تستقر هذه البدعة الشيطانية بعد ذلك بدعوى أن رص الصفوف
وتسويتها سنة مستحبة يجوز تركها للحاجة مع أن هذا تغيير لهيئة الصفوف كلها التي هي
من (إقامة الصلاة) كما في الصحيحين!
ومن عرف مصدر هذه
الاشتراطات الدولية التي لا علاقة لها بالإسلام ولا بالقرآن ولا بالسنة ولا بالمذاهب
الفقهية كلها..
وربط الفروع بالأصول
وتذكر قول الله عن أهل الكتاب: ﴿وَاحذَرهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعضِ مَا أَنزَلَ
الله إِلَيْكَ﴾[المائدة:49]، وتدبر كلمة: ﴿بعض﴾ وقوله: ﴿إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ
كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾[آل عمران:149] وقوله: ﴿وَلَن تَرضَى عَنكَ
الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾[البقرة:120]؛ أدرك خطورة
ما يجري من الالتزام بتوصيات هذه المنظمات الدولية في شعائر المسلمين العبادية، وأن
الأمر تجاوز قضية الاحتياط من الوباء إلى تغيير الدين نفسه!
فما يجري في مساجد
المسلمين هو تطبيع للنموذج الدولي المشروط لهيئة صفوف المصلين في مساجدهم، وتهيئة البيئة
الفقهية التي تشرعه لهم، وفرضه عليهم بقوة القانون، حتى تتوطن عليه أنفسهم، وتعتاده،
ليصبح هذا التبديل للدين والتغيير لأحكامه سابقة فقهية وبدعة شيطانية فرضها على المسلمين
النظام الدولي عبر منظمة الصحة العالمية في أخص شعائر دينهم!