حوار مطول لصحيفة الشاهد مع د. حاكم المطيري
س1- ما موقفكم من مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي دعا له الرئيس الأمريكي؟ ج1- هذا المشروع تحدث عن ملامحه ثلاثة من كبار المفكرين الاستراتيجيين الصهوصليبيين: أولهم: الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون في عدة كتب منها كتابه(ما بعد السلام) وقد دعا صراحة إلى السيطرة على المنطقة عسكريا، وإقامة قواعد عسكرية دائمة للجيش الأمريكي في منطقة الخليج العربي، وتدمير القوة العسكرية للجيش العراقي، وإسقاط النظام الإيراني من أجل تحقيق أمن إسرائيل، والمحافظة على المصالح القومية للشعب الأمريكي على حساب المصالح والحقوق العربية والإسلامية. الثاني : برينجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي ريغان، وقد دعا في كتابه (رقعة الشطرنج) إلى ضرورة المحافظة على التقسيم الاستعماري البريطاني للمنطقة العربية منذ الحرب العالمية الأولى، والحيلولة دون اتحاد الوطن العربي، مع تأكيده في الوقت ذاته على ضرورة دعم وتعزيز جميع الاتحادات الدولية والإقليمية في العالم كله إلا العالم العربي؟!!
والثالث : رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز في كتابه (الشرق الأوسط الجديد) الذي دعا إلى قيام تحالف دولي لمواجهة الحركة الإسلامية الأصولية، بدعوى مكافحة الإرهاب، كما دعا إلى مواجهة الأنظمة العربية والإسلامية التي تمتلك ترسانة أسلحة قد تهدد أمن إسرائيل في المستقبل!!
وما نراه اليوم على أرض الواقع هو تنفيذ لهذه الأفكار التي دعا لها هؤلاء الزعماء، وجاء الرئيس الأمريكي الحالي وإدارته ــ وكلهم من الجناح المسيحي المتطرف في الحزب الجمهوري ـــ ليكملوا تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد وهو مشروع أمريكي استعماري يقوم على أنقاض المشروع البريطاني الاستعماري وهو الشرق الأوسط القديم الذي أسقط الخلافة الإسلامية التي كانت تمثل الوحدة السياسية للعالم الإسلامي آنذاك، كما تم تقسيم الوطن العربي الواحد إلى دويلات طوائف عاجزة عن الدفاع عن نفسها وحماية شعوبها من جهة، وممنوعة من الاتحاد والتحالف فيما بينها من جهة أخرى، ليبقى الاستعمار هو المؤثر الرئيس في إدارة شئون المنطقة كلها على نحو خطير، والخلاصة أن الشرق الأوسط الجديد أو الكبير ليس سوى مشروع استعماري جديد لمنطقة لم تتحرر أصلا من الاستعمار منذ الحرب العالمية الأولى، بل ما زالت تتداولها أيدي القوى الاستعمارية، وتتداعى عليها من كل حدب وصوب لتتقاسم السيطرة على الوطن العربي وثرواته، وكأنه لا شعوب فيه، ولا دول مستقلة، ولا حكومات ذات سيادة؟! لتتحقق بذلك النبوءة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها . قالوا : أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ قال : لا بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل. ولينزعن الله المهابة من صدور أعدائكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن. قالوا : وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : حب الحياة وكراهية الموت).
س2- وكيف السبيل لمواجهة هذا المشروع الاستعماري الجديد في نظركم؟
ج2- السبيل هو أن نعيد النظر من جديد في مشروع الشرق الأوسط القديم الذي ما زلنا نعيش آثاره إلى اليوم، والذي أقام دويلات الطوائف التي لم يكن لها وجود أصلا قبل الاستعمار البريطاني للمنطقة، خاصة منطقة الخليج والجزيرة العربية، حيث قسمها وفق سياسة فرق تسد فجعل من القائمقامات الذين تحالفوا معه دولا وحكومات؟! مع أنها كانت وما تزال منطقة جغرافية واحدة، وشعبها من عرق وأصل احد، وعلى دين واحد، ويتحدثون لسانا واحدا، فالواجب رفض المشروع القديم، والدعوة إلى وحدة الخليج والجزيرة العربية على وجه الخصوص، لكونها الحلقة الأضعف في الشرق الأوسط ، ولأنها الهدف الرئيس للاستعمار، ولا تستطيع بتشرذمها على النحو الحالي مواجهته، ولا حماية شعوبها ومصالحها، فالوحدة فضلا عن كونها أصلا شرعيا وواجبا من أعظم الواجبات على المسلمين كافة، فهي أيضا ضرورة سياسية وعسكرية واقتصادية يجب تحقيقها للخروج من هذا الواقع .
كما يجب أيضا تحرير شعوب المنطقة من الاستبداد السياسي الذي فرضه الاستعمار وكرسه منذ أن أقام دويلات الطوائف، فقد نجح هذا الاستبداد في تهميش واستلاب حقوق شعوب المنطقة وحرياتها، فلم يعد لثلاثين مليون خليجي أي تأثير في مجريات حياتهم ومستقبلهم، بل يتصرف فيهم الاستعمار والاستبداد كما يتصرف الإقطاعي في أرضه ورقيقه، هذا بعد أن حررهم الإسلام منذ أربعة عشر قرنا من كل أشكال العبودية حتى قال عمر (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) وقال عن حرمة هذه الأرض وحق شعوبها بها وحقها في الاستمتاع بثرواتها (لا حمى إلا لله ولرسوله والله إنها لأرضهم عليها قاتلوا في الجاهلية وعليها أسلموا) وهذه العلاقة مفقودة اليوم في ظل دويلات الطوائف التي أقامها الاستعمار، حيث أصبحت العلاقة بينها وبين شعوبها قائمة على أساس التبعية والرعوية، لا على أساس الأخوة الإسلامية التي قامت عليها الدولة الإسلامية، ولا على أساس المواطنة والمساواة الكاملة في الحقوق والواجبات التي قررها الإسلام وأكدتها الدساتير الوضعية في الدول الحديثة!! ولهذا تم تهميش شعوب الخليج والجزيرة العربية التي لم تكن تخضع لأي دويلة من هذه الدويلات قبل دخول بريطانيا للمنطقة وإخضاع هذه الشعوب للدويلات التي اختلقتها بريطانيا، وأخضعت لها الشعوب بالحديد والنار، فالحكومات لا ترى أن لهذه الشعوب في الخليج العربي حقا مسلوبا يجب رده إليها، بل تشعر بالمن والفضل على تجنيسها لها!! و تتصرف في شئونها كما يتصرف المالك في أرضه، مع أن الأرض هي في حكم الشريعة الإسلامية لله ولرسوله ولشعوب هذا الأرض التي ظلت عليها منذ ما قبل الإسلام إلى اليوم، لا يسوغ التصرف فيها دون رضى هذه الشعوب وموافقتها، ولا يسوغ حكمها إلا باختيار هذه الشعوب وموافقتها كما قال عمر (الإمارة شورى بين المسلمين).
س3- لكن ألا ترى بأن هذه الحلول غير واقعية وتفتقد لرؤية واضحة ؟
ج3- بل هي واقعية وممكنة، وتوحيد الخليج والجزيرة العربية في ظل أي إطار اتحادي كونفدرالي أو فيدرالي أمر ممكن، في ظل مجلس التعاون الخليجي مع ضم اليمن، وكذلك مشاركة الشعوب في اختيار حكوماتها في ظل إمارات وملكيات دستورية أمر ممكن، وقيام برلمان موحد لشعوب المنطقة أمر ممكن، وليس ذلك أصعب من الوحدة الأوربية التي صارت واقعا مع وجود كل عوامل الاختلاف والافتراق هناك دينيا وقوميا وثقافيا ولغويا، وعدم وجود شيء من ذلك في الخليج والجزيرة بل كل عوامل الوحدة متوفرة والتشرذم مصطنع وللاستعمار اليد الطولى في ترسيخه وحمايته .
س4- كيف ترون مستقبل العراق في ظل الظروف الحالية ؟
ج4- العراق هو قلب الشرق الأوسط ، ومن يسيطر على العراق يسيطر على المنطقة كلها، الجزيرة العربية جنوبا، وتركيا شمالا، والشام غربا، وإيران شرقا، ولهذا ظل العراق هدفا إستراتيجيا لكل القوى الاستعمارية الدولية، فقد بدأت بريطانيا في الدخول إلى المنطقة باحتلال مصر سنة 1882م، ثم استكملت السيطرة على الخليج العربي سنة 1900م تقريبا، ثم دخلت على العراق من جهة الجنوب وعن طريق الكويت في الحرب العالمية الأولى، ورفعت شعار تحرير الشعب العراقي من الأتراك، وإقامة حكومة وطنية عراقية ديمقراطية، كما جاء في نص البيان البريطاني الفرنسي المشترك سنة 1918م، ليكتشف الشعب العراقي أنه تعرض لمؤامرة استعمارية كبرى، فثار ثورة العشرين المشهورة سنة 1920م، وهذا السيناريو هو ما تقوم به أمريكا حاليا حيث نجحت في تحييد مصر في اتفاقية كامب ديفد سنة 1977م، ثم استكملت السيطرة العسكرية على الخليج والجزيرة العربية سنة 1991م، ثم وصلت القلب واحتلت العراق سنة 2003م، وهي تقريبا المدة نفسها التي احتاجها الاستعمار البريطاني منذ أن احتل مصر حتى وصل بغداد ومن الطريق نفسه (مصر- الخليج العربي- العراق )؟؟! وقد اكتشف الشعب العراقي والعالم كله أن الجيوش الغربية لم تأت للعراق لتقيم حكومة عراقية ديمقراطية وترحل بعدها، بل جاءت لتبقى، ولتستكمل مخططها الاستعماري في ظل حكومة عراقية تكون أداة لتنفيذ هذا المشروع، ولن يترك الاستعمار الشعب العراقي يقرر مصيره بكل حرية، ولعل الجرائم التي يقوم بها الجيش الأمريكي على أرض العراق أوضح دليل على طبيعة النظام الذي يراد له القيام بعده في العراق الجديد .
س5- لننتقل إلى موضوع آخر ما رأيك في طرح موضوع حقوق المرأة السياسية في العالم العربي ككل والخليج على وجه الخصوص؟
ج5- في نظري أن الهدف من إثارة هذه القضية في الظروف الحالية هو تأخير القضية الأهم والأشد خطرا وهي قضية حقوق الشعوب السياسية وأهمها حق الشعوب الخليجية في اختيار حكوماتها بشكل حر مباشر، بعد عقود من الاستبداد السياسي والاستفراد بالسلطة على نحو إقطاعي لا مثيل له في أي مكان آخر إلا في الخليج العربي؟! وقد اعترف الرئيس الأمريكي الحالي بأن الولايات المتحدة ظلت تدعم الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة طوال ستين سنة، ولا أظن بأن الرئيس الأمريكي الحالي أشد اهتماما بحقوق الشعوب في العالم العربي وحرياتها من الرؤساء الأمريكيين الآخرين، وقد تفتق ذهن الساسة الأمريكان عن الابتداء بطرح قضية حقوق المرأة السياسية في الخليج العربي لإثبات مدى جديتهم في الدفاع عن حريات الشعوب وحقوقها، لعلمهم أن هذه القضية لا تحرج الحكومات الحليفة لها في المنطقة من جهة، ولن تأثر في مجريات الواقع السياسي في دولها من جهة أخرى، فالمرأة العربية في دول عربية كثيرة حصلت على حقوقها السياسية كالرجل، غير أن ذلك لم يغير من الواقع السياسي شيئا في تلك الدول، لأن المشكلة هي في الاستبداد السياسي، ومصادرة حقوق الشعوب في اختيار حكوماتها، ومتى ما حصلت الشعوب على هذا الحق، ومتى ما كانت السلطة تمثل إرادة المجتمع وتعبر عنها، فسيكون لبحث مثل هذا الموضوع معنى آنذاك، فالمرأة في أوربا نفسها لم تحصل على مثل هذه المطالب إلا قريبا، أما في ظل أنظمة استبدادية، وفي ظل تدخل استعماري أجنبي يريد فرض فلسفته وثقافته على شعوبنا، فلن يترتب على طرح مثل هذه القضايا الاجتماعية السياسية إلا تأجيل استحقاق الشعوب لحرياتها وحقوقها، وأول هذه الحقوق أن لا يفرض الأجنبي عليها ما يتعارض مع قيمها ودينها ولو باسم الحرية، لأن الحرية لا تصادر باسم الحرية، ولا تفرض حقوق الأفراد باستلاب حقوق المجتمعات ككل بما في ذلك المرأة العربية التي لا تشعر بأن لها حقا مسلوبا بقدر شعورها بأن الدكتاتورية والاستبداد السياسي يصادر حقوقها وكرامتها كغيرها من أفراد المجتمع، ولن ينفع المرأة حصولها على حقوق سياسية موهومة في ظل أنظمة دكتاتورية ليس فيها استقلالية لسلطة القضاء، ولا احترم فيها لكرامة الإنسان وحقوقه، بما في ذلك كرامة المرأة وحقوقها، ولا سيادة فيها للشعوب، ولا تداول سلمي للسلطة فيها، ولا مساواة فيها أمام القانون .
س6- أفهم من هذا أنكم مع حقوق المرأة السياسية غير أنكم ترفضون فرضها بتدخل أجنبي؟
ج6- نحن مع كافة الحقوق الإنسانية، سواء كان مستحقها رجلا أو امرأة، فردا كان أو جماعة، مادامت حقوقا شرعية لا تتعارض مع أحكام الإسلام، التي لا فرق فيها من حيث المبدأ بين رجل وامرأة، فالجميع في الشريعة الإسلامية سواء كما في الحديث الصحيح (النساء شقائق الرجال)، فالمرأة هي الأم والابنة والأخت، وقد جعل الإسلام الجنة تحت أقدام الأمهات، وقدم حق الأم على حق الأب، وجعل حقها على أبنائها ثلاثة أضعاف حق الأب عليهم، وجعل تربية البنات والصبر عليهن والرحمة بهن طريقا للجنة، وجعل نفقة الأخت على الأخ حقا واجبا لها عليه، إذا لم يكن لها من يقوم بها سواه، فالإسلام رفع شأن المرأة وأكرمها، وإنما هناك أحكام وحقوق خاصة لكل من الرجل والمرأة تلائم طبيعة كل منهما كما في الحديث (إن الله أعطى كل ذي حق حقه)، فالشريعة جعلت حق حضانة الأبناء للمرأة مسلمة كانت أو غير مسلمة، كما لها الحق في المهر، والحق في نفقتها ونفقة أبنائها، وليس للرجل أن يطالب بمساواته بالمرأة في هذه الحقوق، كما جعلت الشريعة للمرأة نصف الميراث دون أن تحملها أي مسئوليات مالية نحو زوجها أو أبنائها بخلاف الرجل، فالشريعة جاءت بالعدل المطلق بين الجنسين، لا بالمساواة المطلقة، ولهذا قال الله تعالى {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} فالشريعة منحت المرأة حقوقا خاصة حرمت منها الرجل، ومنحت الرجل حقوقا خاصة حرمت منها المرأة، وجعلت على كل منهما واجبات مقابل تلك الحقوق، فالمساواة أحيانا قد تكون ظلما كمن يساوي من يعمل بمن لا يعمل، أو من يساوي بين الغني والفقير أو بين القوي والعاجز في الحقوق والواجبات، دون مراعاة لظروف الفقير والعاجز، فالإسلام أرسى مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، ثم راعى ظروف كل منهما وطبيعته، فأوجب على الرجل القتال والجمعة والجماعة، ولم يوجب ذلك على المرأة مراعاة لطبيعتها الخلقية وظروفها الاجتماعية، كما جعل الشورى حق للجميع كما قال تعالى {وأمرهم شورى بينهم} وكما قال تعالى {وشاورهم في الأمر} وقد مارست المرأة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين حقها السياسي في إبداء رأيها في شئون الأمة، وشاركت في البيعة يوم العقبة، وتم استفتاء النساء عند استخلاف الخليفة الثالث عثمان بن عفان، حيث أخذ عبدالرحمن بن عوف رأيهن واستشارهن بعد أن انحصرت المنافسة بين عثمان وعلي رضي الله عنهما، فكان عبدالرحمن يدخل عليهن ويسألهن عن اختيارهن مدة ثلاثة أيام، وبرز عشرات العلماء من النساء في التاريخ الإسلامي إلا أن كل ذلك جرى في ظل نظام حكم إسلامي، الأمة فيه هي التي تختار السلطة وفق أحكام الشريعة وحدودها، لا ما يطرح اليوم من حقوق سياسية للمرأة وفق منظور غربي علماني تحت نفوذ دولي استعماري، ودون مراعاة أحكام الشريعة، وعلى رأسها حق الأمة في اختيار السلطة بشكل مباشر، فإشغال المجتمع كله برجاله ونسائه في اختيار أعضاء (صالون سياسي) يطلق عليه في العالم العربي زورا وبهتانا (برلمانا) أو (مجلس الشورى) أو (مجلس الشعب) في ظل أنظمة استبدادية هو ضرب من العبث، وضحك على الشعوب، واستخفاف بالعقول، ومسرحية كوميدية، وخدعة كبرى لتبرير استمرار الوضع القائم وتكريسه، ومصادرة حقوق الشعوب وحرياتها لصالح الأنظمة الاستبدادية من جهة، والاستعمار الأجنبي من جهة أخرى ، تحت شعارات زائفة كشعار تحرير المرأة، بينما الشعوب ذاتها ما زالت مستعبدة لم تذق طعم الحرية بعد؟!
س7- لننتقل إلى موضوع آخر لا يقل أهمية في الساحة الكويتية من موضوع المرأة ألا وهو موضوع الدوائر الانتخابية ما موقفكم من تقسيم الدوائر؟
ج7- نحن كنا نؤيد بقوة جعل الكويت دائرة واحدة، وقد ضمنا ذلك في الرؤية الإصلاحية للحركة السلفية، لولا إثارة الشبه الدستورية حول ذلك، ثم أيدنا مشروع القانون الذي تقدم به النائبان الفاضلان الدكتور عواد برد والسيد عبدالله عكاش، الذي يقترح جعل الكويت ست دوائر انتخابية بعدد المحافظات الست، على أن يكون عدد أعضاء كل محافظة يتناسب مع عدد السكان الكويتيين فيها، لتحقيق العدالة الاجتماعية، فيكون لكل من العاصمة وحولي والفروانية والأحمدي عشرة أعضاء، ولكل من القرين والجهراء، خمسة أعضاء، لأن عدد السكان الكويتيين في هاتين المحافظتين نصف عددهم في المحافظات الأخرى تقريبا .
س8- وما العقبات التي تواجه مثل هذا المشروع ما دام يحقق العدالة في نظركم ؟
ج8- لا توجد أي عقبة دستورية في إقرار مثل هذا المشروع، بل المشكلة هي في الروح الفئوية البغيضة التي تسيطر على القوى الشعبية والليبرالية والإسلامية على حد سواء، فهي لا زالت تعيش عقدة مناطق داخلية وخارجية، وحضر وبدو، وسنة وشيعة، ولا تنظر للجميع على أنهم أبناء وطن واحد، متساوون في الحقوق والواجبات، ولهذا فمحافظة العاصمة وحدها لها 22 نائبا مع أنها لا تمثل سوى الربع من عدد المواطنين الكويتيين ؟!
س9- إذا المشكلة ليست مع الحكومة بل مع القوى السياسية نفسها ؟
ج9- نعم وللأسف! فالقوى السياسية ـ كالحكومة ـ ترفع شعارات براقة، وتمارس على أرض الواقع ما يناقض شعاراتها، ولعل أوضح الأدلة قضية البدون ومعاناتهم، التي تواطأ الجميع على استمرارها، مع أنها تصطدم بأصول الإسلام وقطعياته، كما تصطدم باحترام حقوق الإنسان التي ترتكز عليها الليبرالية والديمقراطية، فلا الإسلام ولا الليبرالية يقران مثل هذه المظالم التي يتعرض لها البدون، ومع هذا نجد أن من يدافع عن هذا الواقع الشوفيني هم بعض الإسلاميين والليبراليين على حد سواء؟
10- إذا الأزمة أزمة مصداقية ؟
ج10- ليس فقط أزمة مصداقية، بل أزمة هوية، فنحن إلى اليوم لم نتفق على من هو الكويتي الذي له كامل الحقوق وعليه جميع الواجبات نحو الوطن! فهناك من لا زال يظن بأن الكويتي هو فقط من كان يسكن يوما ما داخل سور مدينة الكويت التي لا تتجاوز مساحتها عشرة كيلومترات مربعة، دون إدراك بأن الكويت (الدولة) تجاوزت حدود الكويت (المدينة) ألفي مرة لتشمل أراضي قبائل كانت تسكن على هذه الأرض منذ مئات السنين، وقبل بناء مدينة الكويت نفسها، وقبل الهجرات الوافدة إليها من الشرق والشمال والغرب، وما زالت آبار تلك القبائل موجودة إلى اليوم وشاهدة على ذلك، ووثائق الخارجية البريطانية، وكتب تاريخ المنطقة تؤكد هذه الحقيقة، فصحراء الكويت لم تكن خالية قط ، بل كانت تعج بعشرات القبائل العربية التي كانت تجوب هذه الصحراء شمالا وجنوبا وشرقا وغربا إلى حدود السور كقبيلة الرشايدة ومطير والعوازم والعجمان والظفير ....الخ فهذه أرض آبائهم وأجدادهم منذ أن وجد العرب على جزيرتهم العربية حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم ووحدها دينيا وسياسيا وجعلهم جميعا أخوة متساوين في ظل الإسلام وعدله، وظلت الدولة الإسلامية بعد ذلك تراعي خصوصية الجزيرة العربية وقبائلها، حتى جاء الاستعمار البريطاني الذي فرض خريطته الحالية ليسهل له السيطرة عليها، ولهذا عندما خرج مبارك الصباح لحرب ابن رشيد كان جيشه يتكون من هذه القبائل التي كانت تقطن في صحراء الكويت، ومع ذلك مازلنا نعيش أزمة هوية من هو الكويتي؟ وما هي الكويت؟ هل هي المدينة وسورها أم الدولة وحدودها؟
س11- وما هو السبب لمثل هذه الأزمة التي ذكرتها؟
ج11- سبب أزمة الهوية التي نعيشها اليوم هو الثقافة الزائفة التي تم فرضها على شعوب الخليج منذ قيام الدول الحديثة، وتم خلالها طمس تاريخ سكانها وتاريخ قبائلها الأصلية التي كانت موجودة على هذه الأرض قبل قيام الدول الحديثة فيها، وقد تم ربط الشعوب بالحكومات لا العكس!! حتى نشأت أجيال جديدة تتصور مثلا أنه لم يكن على أرض الكويت أحد ولا في صحرائها أحد حتى بدأت الهجرات إليها منذ مائتين وخمسين سنة، وأن القبائل الموجودة دخيلة على هذه الأرض جاءت بعد ظهور النفط؟! كما يتصور الأستاذ خلدون النقيب الذي يعد من كبار المتخصصين في علم الاجتماع السياسي والذي ألف عددا من الدراسات الأكاديمية ككتابه الديمقراطية والقبيلة في الكويت ومع ذلك يزعم بأن القبائل دخيلة على المجتمع الكويتي مع أن الكويت هي التي تجاوزت حدود أسوارها بعد الاستعمار البريطاني لتضم مساحة شاسعة من الصحراء التي تقطنها القبائل العربية منذ القديم، والذين هم السكان الأصليين للكويت كما نص على ذلك كل المؤرخين!! والمقصود بيان أن تاريخ سكان الخليج العربي، وسكان صحراء الكويت تعرض للمسخ والطمس المتعمد، من أجل استمرار حالة التبعية للحكومات الحديثة، ولتهميش دور القبائل التي كانت المؤثر الرئيس في تاريخ المنطقة كلها، كما أنها تمثل الأغلبية، في كل دولها، ومع ذلك تتعرض هذه القبائل اليوم التي هي أقدم سكان هذه الصحراء لما يتعرض له الهنود الحمر في أمريكا من تهميش لصالح المهاجرين، وأصبح السكان الأصليون غرباء على أرض أجدادهم، وصار المهاجرون من الشرق والغرب والشمال والجنوب، هم المواطنين الأصليين، كل ذلك بتأثير الثقافة الزائفة التي تم فرضها على شعوب المنطقة منذ الاستعمار البريطاني، والتي ما زالت تأثر تأثير مباشرا على واقعنا السياسي؟!
س12- وما الحل لعلاج هذه المشكلة ؟
ج12- الحل في إحياء المفاهيم الإسلامية الصحيحة التي ترفض جميع العصبيات الجاهلية التي يراد فرضها باسم الوطنية تارة، وباسم القومية تارة أخرى، فالمسلمون جميعا أخوة لا فرق بين عربي وعجمي، ولا فقير وغني، ولا أبيض وأسود إلا بالتقوى، فالناس كلهم من آدم، وآدم من تراب، وهذه الجزيرة العربية هي لله ولرسوله وللمسلمين الذين أسلموا عليها، فهم شركاء فيها على حد سواء، وهذا الحكم من القطعيات التي أجمع عليها الصحابة رضي الله عنهم، فالإسلام الذي جاء بتوحيد الله، وتوحيد الدين، وتوحيد الأمة، ووحد العرب في جزيرتهم سياسيا ودينيا منذ أربعة عشر قرنا، على يد النبي صلى الله عليه وسلم، لم ينسخ، ولن يستطيع أحد نسخ أحكامه، وما أقيم على باطل فهو باطل، ويجب على الجميع إصلاح هذا الواقع الذي فرضه الاستعمار البريطاني، والعمل على تغييره بما يتوافق مع أحكام الإسلام الذي أوجب الوحدة والاتحاد، وأوجب الشورى وحق الأمة في اختيار من يحكمها، وأوجب العدل والمساواة بين الناس جميعا.