((وداعا ً عبد الله ))
بقلم د. حاكم المطيري
السبت 19/10/2002
?xml:namespace>
قصيدة في رثاء الأخ الصديق عبد الله الروضان الذي وافاه الأجل بعد رجوعنا من الدراسة من برمنغهام ففقدنا بوفاته أخا كريما وصديقا عزيزا :
ودعنا يوم الجمعة 18/10/2002 الأخ الفاضل الدكتور عبد الله بن عبد المحسن الروضان، وقد رجل عن هذه الدنيا الفانية تحفه دعوات الصالحين وصلوات المؤمنين، فلم يكن عبد الله من أهل هذه الدنيا ليبقى فيها، بل كان من أهل الآخرة ـ ولا نزكي على الله أحدا ـ التي كانت هي همه، فلم يبتن منزلا، ولم يستمتع بشهادة أو وظيفة، وكأن الله يغار على عبده أن تميل نفسه إلى شيء من الدنيا فادخر ذلك كله عنده إن شاء الله بمنه وكرمه ورحمته، وقد أمد الله بعمره حتى فرغ من رسالته الدكتوراه في جامعة برمنغهام (في الوقف وكيفية استثماره) إذ فاجأه المرض بعد مناقشته لها مباشرة وقبل رجوعه إلى الكويت، لتكون علما ينتفع به بعد وفاته وفي الوقف الذي لا ينقطع ثوابه والصدقة التي ينتفع بها الإنسان بعد موته كما في الحديث الصحيح.
عرفت عبد الله في أثناء الدراسة في مدينة برمنغهام عندما جاءنا لإكمال الدكتوراه فيها سنة 1998م، وتوثقت عرى الأخوة والمحبة، وكان آية في الأدب والخلق صلاح النفس وطهارتها، وكان حريصا على إخوانه في الغربة يتفقد أحوالهم ويسأل عنهم ويبادر لخدمتهم ويحثهم على حضور الدروس والمحاضرات التي تقام كل أسبوع في أمانة معاذ الخيرية.
لقد كان داعيا إلى الله بخلقه وأدبه وسلوكه وسمته وهديه وفعله أكثر من وعظه وقوله، فقد كان صموتا في المحافل بشوشا عند اللقاء، ولم يكن يتظاهر بما يتظاهر به الناس بل كان يخفي أعماله مع كثرة صيامه وصلاته وشدة حرصه على المحافظة على الصلوات في مسجد أمانة معاذ مع شدة البرد والمطر، وكثيرا ما كنت أجده في المسجد وحده يقرأ القرآن بسكينة وخشوع بعيدا عن الحياة وصخبها، وقد كان خطيبا في منطقته في الروضة في الكويت وله مواقف بطولية مشهودة أثناء العدوان البعثي على الكويت ومع ذلك لم أسمعه قط يذكر شيئا من ذلك!
وكان رحمه الله كثيرا ما يحب حين نجتمع أن أنشده قصيدتي في ابنتي(نور) ويقول والله لقد عبرت عن مشاعري وقد طلب مني كتابتها ثم أرسلها لابنته (نور) التي كانت هي أيضا في سن ابنتي.
لقد كان عبد الله آية في حياته كما كان آية في ثباته وفي صبره أثناء المرض وقد زرته في بيته بعد أن رجع من برمنغهام فأخبرني وهو مطمئن النفس هادي البال بأن الأطباء أخبروه بأن أيامه معدودة في هذه الدنيا، فكان يحدثني مطمئنا لقضاء الله وقدره وكما في الحديث الصحيح(من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه)، ثم بعد أن سافر للعلاج في أمريكا رجع بعد مدة قصيرة، وقد فرحت بقدومه لما أخبرني الدكتور سالم الشمري ولم أكن أطمع ببقائه وشفائه بل كنت أطمع أن أراه قبل الرحيل، وكنت أخشى أن يفوتنا قبل الوداع الأخير، وزرته في المستشفى يوم الخميس وهو في النزع يحتضر وقد رفع بصره إلى السماء يشير بأصبعه، وعنده بعض نساء أهله، فلم يتيسر لي القرب منه وتقبيله، فأخبرني الدكتور أحمد المطر أنه أراد تلقينه الشهادة فرد عليه (دعني لا تقطع علي دعائي) فقد كان في ذكر ودعاء إلى آخر لحظة، ثم فارقنا يوم الجمعة وكانت جنازته مشهودة وبقي أصحابه على قبره ساعة لا يستطيعون فراقه وهم يدعون له ويشهدون له، فكانت هذه القصيدة الوداعية:
?xml:namespace>
?xml:namespace>
ودّعـته في غمرة الَّسكرات ِ
?xml:namespace>
و ذرفتُ عند سريره العـبرات ِ
?xml:namespace>
و دنوت أرجو نظرةً مــنه
عسى يرنو إلي بآخر النظرات ِ
ووقفت في الصمت المهيب متمتماً
?xml:namespace>
بين الجموع بأصدق الدعوات ِ
و لكم وددت بأن أقبل كــفّه
وجبينه قبل الفراق الآتـي
يا ليت من حول السرير تفسحوا
حتى أكون بقربه لحظـات ِ
يا ليته يجـدي البكاء ولم تكن
تلك الزيارة آخر المــرات ِ
ولكم يعز علي أن نمضي ولا
نفديه بالأرواح والفلـذات ِ
لو كان غير الـــموت كنا دونه
بالجاه والأموال والعصبات ِ
فارقته كاطفل أبكي والهاً
ونسيت أن الصبر في الأزمـات ِ
إن كنت (عبد الله)أول راحلٍ
مـنا بــكل عزيمة ٍ وثـبات ِ
فلطالما كانت حياتك عبرة
وكذاك موتك أصدق الآيــاتِ
ولطالما كنت الصديق وطالما
آثرتنا حــياً و بـعـد ممـــات ِ
ولطالما ذكرتنا ووعظتنا
وسبقتنـا للذكــــر والصلوات ِ
ورفعت صوتك في الصلاة مرتلاً
سور الكتاب بأعذب النــبرات ِ
وصمدت أيام البطولة حينما
كنت الخطيب الفـذ في الجُمعات ِ
أيام جيش الغزو يعبث ظالما
في أرضنا في الأشهــر النحسات ِ
و ذكرت ُ أيام الصداقة إنها
كانت لـنا من أجمـل الفـترات ِ
واليوم أودعنا رفاتك بالثرى
لله ما أقساهـا مــن لحظـات ِ
?xml:namespace>
رجع الجميع وظل صحبك خشعاً
أبصارهم ترنــو إلى الحفرات ِ
يا أيها الصحب الذين أصابهم
ما قد أصـابتني مـن الحسـرات ِ
إن كان قد عز اللقاء فإننا
نرجوه عـند الله فـي الغرفات ِ
صبراً لعل بها يكون لقاؤنا
وعزاؤنا أنا مـن الأمــوات ِ
يا أيها القبر الذي أمسى به
خــير الـرفاق سريرةً وصـفات ِ
لا زال يغشاك الغمام عشيةً
يــسقي ثــراك بطاهر القطرات ِ
و عليك من صلوات ربك كلما
هب الصبا بالـروح والرحمـات ِ
?xml:namespace>
?xml:namespace>
السبت 19/10/2002