حكم متابعة مونديال كأس العالم وتشجيع فرق كرة القدم
الشيخ أ.د. حاكم المطيري
9/ 5/ 1444هـ - 3/ 12/ 2022م
سؤال/ السلام عليكم ورحمة الله. شيخنا، أولادي ذكور وإناث
يحبون مشاهدة مباريات كأس العالم، وأنا لا أتابعها، فهل علي إثم إذا تركتهم يشاهدونها
في بيتي؟
الجواب/ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
الوالدان مسئولان عن أولادهما، وكفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول، وكما
قال ﷺ: (كلكم
راع وكلكم مسئول عن رعيته)، وقد قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم
نارا وقودها الناس والحجارة﴾[التحريم: ٦]، ووقايتهم تكون بحمايتهم من الوقوع في المحظورات
والمحرمات التي تذهب دينهم وآخرتهم، فإن كانوا صغارا فيمنعهم منها كما يمنعهم من التدخين
والمخدرات والفواحش.
وإذا كان الأصل في ممارسة الرياضة، ومنها لعب كرة القدم، الإباحة والجواز؛
فليس كذلك حضور مباريات كأس العالم ومشاهداتها بالأيام والأسابيع، حيث يقع فيها من
المحظورات والمحرمات ما لا يخفى على كل ذي عقل، وقد حرم الله حالا هي أخف منها، فقال
تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان
فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر
والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون﴾ [المائدة: ٩٠-٩١]
فقد حرم الله كل هذه المحظورات وهي الخمر المسكر، والقمار وهو الميسر،
والأنصاب وهي الأصنام التي يعكفون عندها ويذبحون لها، والأزلام وهي القداح والسهام
التي يرمونها ويستقسمون بها ليمضوا أو لا يمضوا في الأمر، وكلها من فعل أهل الجاهلية،
ثم علل الحكم وذكر السبب في تحريمها وهو أنها تصدهم عن الله ودينه وعبادته، وجهاد في
سبيله، وتصدهم عن ذكر الله، وعن الصلاة، وتوقع بين الناس الشر والعداوة والبغضاء.
وقد قال الله عمن فضلوا آباءهم وأبناءهم وأزواجهم وأموالهم وتجارتهم ومساكنهم
-وكلها أمور مباحة- على الله ورسوله وجهاد في سبيله بأنهم فاسقون، فقال تعالى: ﴿قل
إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون
كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله
بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين﴾ [التوبة: ٢٤]
كيف من فضل الرياضة واللعب على دين الله وجهاد في سبيل الله، بل وربما
والى أعداء الله ورسوله، واتخذ أهلها وليجة من دون الله ورسوله والمؤمنين، وأحبهم،
وأحب حالهم التي هم عليها، والانشغال بهم وبلهوهم وصدهم عن سبيل الله!
وما يقع في مباريات كأس العالم
من محظورات أشد من الحال التي حرمها القرآن، فهي محرمة من باب قياس الأولى، ففيها يقع
من اختلاط الرجال الأجانب بالنساء، والشباب بالفتيات، وظهور العورات، ومن شرب المسكرات،
وما يجري من قمار ومراهنات في العالم كله بالملايين، على هذه الفرق وعلى اللاعبين،
وهو الميسر المحرم بنص القرآن، وما يصاحب ذلك من الفتنة بهم، والاقتداء بلباسهم وزيهم،
والانشغال عن ذكر الله وعن الصلاة حتى يخرج وقتها، وما يقع فيها من تباغض وشحناء وعداوة
بين مشجعي الفرق، وحتى ينشأ الولد على الموالاة لفريق في بلد كافر ويشب ويشيب على هذه
الموالاة لهم، ومحبتهم، والشغف بهم، ومتابعة أخبارهم، وفي الحديث: (المرء مع من أحب)
وجاء: (من تشبه بقوم فهو منهم)، وورد: (حُشر معهم)، وقد حرم الله موالاة الكفار فقال:
﴿ومن يتولهم منكم فإنه منهم﴾ [المائدة: ٥١]، ومعلوم لمن رأى حال مشجعي الفرق الرياضية
كيف تتعلق قلوبهم بهم، وكيف يحبونهم، ويفرحون بفوزهم، ويحزنون لخسارتهم، حتى يضاهئون
حال من قال عنهم القرآن: ﴿ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله﴾
[البقرة: ١٦٥].
فيذكرون نواديهم وأبطالهم أشد من ذكر الله، ويتابعونهم أشد من متابعة رسوله
ﷺ، فلا تفوتهم دقيقة من المباريات، فهم عاكفون عليها أشد من عكوف أهل الجاهلية
على أنصابهم، مشغولون بها أشد من انشغال من يصلي منهم بصلواته!
وهذا كله بالنسبة للحال الظاهرة التي يراها كل ذي عينين من أحوال المفتونين
بها، أما من يعرف ما وراء ذلك من أهداف سياسية وثقافية استعمارية شيطانية وهو اتخاذ
مباريات كأس القدم وسيلة لتغريب المجتمعات الإسلامية ودمجها فيما يسمونه بالنظام المادي
الرأسمالي، حيث تتساوى تحت نفوذه الأديان والأمم، ويكون الإسلام مجرد فلكلور شعبي في
ظل الطاغوت الأرضي ودينه الوضعي، لا رسالة سماوية تفرق بين الحق والباطل، وبين المسلمين
والكافرين؛ فالحكم فيه أشد!
فلا يُحتج على إباحة مثل هذا المنكر العظيم، بصورة لا وجود لها في الواقع،
وهو كون الرياضة مباحة، إذ ليس المونديال وكأس العالم مجرد رياضة، بل هو أكبر من ذلك،
وما الرياضة إلا الوسيلة التي يتوصل بها لتحقيق أهدافه، ومن نظر إلى أثرها علم يقينا
حكمها، فمن أباحها فقد أباح ما لا ينفك عنها من المحرمات، وما يقع فيها من الموبقات،
ما ظهر منها وما بطن، وقد قال الله تعالى بعد أن أباح لعبادة الطيبات والزينة: ﴿قل
إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله
ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون﴾ [الأعراف: ٣٣]
فجعل حكم الفواحش الظاهرة والخفية واحد، وجعل شرط كل مباح ألا يشغل عن
ذكر الله، ولا يصد عن سبيله، وكل ما أباحه الله فهو من شرعه ومن سبيل الرشد الذي شرعه
لعباده، وما عداه فهو سبيل الغي والغاوين، كما قال تعالى: ﴿سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون
في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا
وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين﴾ [الأعراف:
١٤٦].
فليس ثمة سبيل إلا سبيل الله وهو الرشد، والصراط المستقيم، وسبيل المؤمنين
الذاكرين، أو سبيل الشيطان وهو الغي والباطل وسبيل الغافلين، حتى وإن شاركهم فيه بعض
المسلمين، فإنه يأخذ حكمهم، فمن زعم بأن مونديال كأس العالم -والذي هو أكبر مواسم ومواطن
الميسر المحرم بنص القرآن، حيث تبلغ قيمة الرهان والقمار فيه مئات المليارات، والذي
يقع فيه من الفواحش الظاهرة فضلا عن الباطنة- من سبيل الله وسبيل الرشد، فقد افترى
على الله كذبا!
وقد حرم الله البيع والتجارة واللهو المباح حين النداء إلى الجمعة، لإقامة
ذكر الله؛ كيف اللهو المحرم الذي يصد عن ذكره، وعن الجهاد في سبيله!
وإذا كان المؤمنون هم من لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وطاعته وعبادته،
مع أنها كلها مباحة مشروعة، كما قال تعالى عنهم: ﴿في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها
اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام
الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار﴾ [النور: ٣٦-٣٧]
فكيف من ألهتهم عن ذكره وعبادته وطاعته والجهاد في سبيله المحرمات والموبقات؟
فالواجب على الأب حماية أولاده من الافتتان بها، وعدم التساهل في شأنها،
فإنه لا يكاد يسلم اليوم من فتنتها شاب أو شابة إلا من عصمه الله، فلم تعد مجرد رياضة
ولعب، بل هي اليوم دين له طقوسه ومواسمه وأهله الذين يوالون عليه ويعادون، فمن يفتي
بجوازها اليوم، بدعوى أنها رياضة والأصل فيها الإباحة، دون نظر فيما يكتنفها من محظورات
وموبقات وفواحش، لا تكاد تنفك عنها في الغالب؛ فقد استحل ما حرم الله افتراء على الله!
ولا ينبغي التساهل في هذا الأمر لوجود من يفتي بجوازه، فكما في الحديث: (استفت قلبك
وإن أفتوك وأفتوك)، فمن رجع إلى قلبه الذي استنار بنور الإيمان والقرآن علم يقينا أن
هذا المونديال من عمل الشيطان، وسبيل الغي والفسوق والعصيان، وليس سبيل أهل الإيمان،
الذي قال الله عن إمامهم ﷺ: ﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما
أنا من المشركين﴾ [يوسف: ١٠٨]
وقال عن المؤمنين: ﴿واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر
لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان
أولئك هم الراشدون﴾ [الحجرات: ٧]
فإذا لم يكن المونديال من الرشد والإيمان، وليس يقينا هو منهما، فهو من
الكفر والفسوق والعصيان، وسبيل أولياء الشيطان، الذين حذر القرآن من اتباع سبيلهم
﴿ولا تتبعوا خطوات الشيطان﴾[البقرة: ١٦٨، ٢٠٨][الأنعام: ١٤٢]، وقال: ﴿وأصلح ولا
تتبع سبيل المفسدين﴾[الأعراف: ١٤٢]، وقال: ﴿ولا تطيعوا أمر المسرفين﴾[الشعراء:
١٥١] وأوضح صوره هو هذا المونديال حيث يجري فيه من الإسراف في الأموال والأفعال والفساد
ما يصدق عليه أنه ضرب من الجنون، وقد قلد فيه المسلمون المشركين واتبعوهم وتشبهوا بهم
وأسرفوا على أنفسهم في دفع أموالهم في اللعب واللهو والفساد، وفقراؤهم يموتون جوعا!
وصدق رسول الله ﷺ: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه).