الأخطاء الاستراتيجية في السياسة الإعلامية الكويتية
مقال منشور سنة 2003م
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
فرح هنا وهناك قام
المأتم شعب ينوح وآخر يترنم
نعم فشل الإعلام
الكويتي فشلاً ذريعاً في مواجهة تحديات المرحلة الحالية التي تمر بها المنطقة وكان
فشله واضحاً جلياً فيما يلي:
1) عدم قدرته على
مواكبة الموقف السياسي الرسمي الكويتي الذي عبرت عنه الحكومة مراراً وتكراراً بأن الكويت
ليست طرفاً في الحرب على العراق، ولن تشارك فيها وإن كانت لا تستطيع منع الجيش الأمريكي
من استخدام أراضيها، وهو الموقف الذي التزمت به كعضو في الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر
الإسلامي ودول عدم الانحياز، ولم يستطع الإعلام الرسمي الالتزام بهذا الموقف السياسي
وإبرازه؛ بل ظهر في تغطيته الإعلامية لهذه الحرب وكأن الكويت هي التي وراء هذه الحرب
وهي التي تقودها، وهذا خطأ استراتيجي قاتل، استطاعت كل الدول العربية التي تقدم التسهيلات
للجيش الأمريكي كقطر والبحرين أن تتجنب الوقوع فيه ببراعة إعلامية وسياسية؛ ولهذا لم
تتعرض للسخط الشعبي والهجوم الإعلامي الذي تعرضت له الكويت بسبب إعلامها العاجز عن
المحافظة على خطاب متوازن يراعي إبراز الموقف السياسي الرسمي في تغطيته الإعلامية لمجريات
هذه الحرب؛ ولهذا لم يتعاطف أحد مع الكويت بعد تعرضها للقصف العراقي لظهورها إعلامياً
بمظهر المشارك فيها، فهدم الموقف الإعلامي ما حرص على المحافظة عليه الموقف الحكومي
الرسمي دون إدراك خطورة مثل هذه المغامرات الإعلامية على مستقبل الكويت السياسي بترسيخ
العداء بين الكويت والعراق.
2) عدم التزامه
بالموضوعية وفقد الحيادية في تغطيته الإعلامية لمجريات هذه الحرب، فمن يتابع الإعلام
الكويتي يعيش جواً خاصاً به لا يشاركه فيه حتى من يتابع الإعلام الأمريكي والبريطاني؛
فضلاً عن الإعلام العربي وقنواته الفضائية، ففي الوقت الذي تتحدث فيه وسائل الإعلام
العالمية وعلى رأسها الصحف البريطانية عن سقوط مئات الضحايا من الأطفال والنساء الأبرياء
بسبب القصف الأمريكي للمدن العراقية واستخدام القنابل العنقودية، وتقوم بنشر صورهم
مما أثار موجة من السخط والاحتجاج ضد الحرب؛ هناك يتحدث الإعلام الكويتي هنا عن مدى
نجاح القصف في إصابة أهدافه وعدم وقوع ضحايا من الشعب العراقي، ويشكك في كل هذه الحقائق
بأسلوب يثير الشفقة والسخرية لما وصل إليه مستواه، بل وفي الوقت الذي تتحدث الصحف البريطانية
ووسائل الإعلام العالمية عن تعثر خطة الهجوم الأمريكي البريطاني الأول على العراق ومراجعة
القيادة العسكرية لهذه الخطة وإقالة المستشارين العسكريين الذين وضعوها على أساس نظرية
الصدمة والانتفاضة الشعبية اللتين لم تتحققا على أرض الواقع مما أثار جدلاً واسعاً
وصاخباً في الإعلام الأمريكي والبريطاني في أوساط كبار السياسيين والعسكريين الذين
اعترفوا بشراسة المقاومة العراقية، وعدم حدوث ما يؤكد قبول الشعب العراقي بالوجود الأجنبي
على أرضه؛ نجد الإعلام الكويتي يتحدث عن نجاح خطة الهجوم، وتحقق نصر حاسم وتقدم سريع
وترحيب من الشعب العراقي بالجيش الغازي، مما حدا إلى عزوف كثيرين عن متابعة الإعلام
الكويتي بعد أن فقد مصداقيته إلى متابعة الفضائيات الأخرى.
3) عدم مراعاته
للحس القومي العربي والشعور الديني الإسلامي الذي أدركت الحكومات العربية الحليفة للولايات
المتحدة ضرورة تقديره وعدم استثارته وتفهم أسباب سخطه وثورته؛ إذ من السذاجة عدم توقع
ثورة الشارع العربي والإسلامي ضد أي هجوم أجنبي على بلد عربي إسلامي مهما كان نظامه
سيئاً؛ إذ لا تفرق الشعوب العربية بين الأنظمة كثيراً بل هي في نظرها في السوء والاستبداد
سواء، ومن السذاجة تصوير هذه المظاهرات العالمية المليونية التي لم يسبق لها مثيل بأنها
تؤيد النظام العراقي أو أنه هو الذي يقف وراءها؛ فهذه نظرة سطحية اختزالية تقفز على
الحقائق التي تؤكد أن الشعوب لا تلتف إلى الأنظمة ومدى شرعيتها بقدر نظرتها للشعوب
نفسها التي عادة ما تكون هي الضحية في مثل هذه الحروب، ومن الخطأ استثارة الحس القومي
والديني للشعوب أو الاستهانة به على هذا النحو الذي يمارسه الإعلام الكويتي بكل سذاجة
حتى كانت النتيجة ما رأيناه من هجوم شعبي عربي وإسلامي على الكويت حكومة وشعباً حتى
وصل الأمر أن يتعرض طلبتنا في البحرين إلى الضرب والمضايقة بسبب استثارة إعلامنا وتحديه
للحس العربي والإسلامي مما أفقدنا تعاطف الشعوب العربية والخليجية التي وقفت معنا في
محنتنا إبان الغزو العراقي لنا، ولا يمكن التشكيك في مدى قوة الروابط بين الشعب البحريني
والشعب الكويتي، ولا سبب لمثل هذا السلوك إلا فشلنا الإعلامي، واستثارتنا للحس القومي
والديني دون ما سبب يدفعنا إلى هذا التطرف والخروج على الصف العربي والإسلامي الرافض
للحرب ولو إعلامياً؛ مراعاة على الأقل للرأي العام السياسي والشعبي في المملكة العربية
السعودية ومصر وسوريا وهي أبرز الدول العربية التي وقفت معنا رسمياً وشعبياً، وأرسلت
جيوشها لتشارك في تحرير الكويت، ومن الخطأ الظهور بهذا المظهر الزائف الذي أدى إلى
عزل الكويت على نحو لم يسبق له مثيل.
4) شق وحدة الصف
الكويتي الذي نجح الموقف السياسي الرسمي في المحافظة على وحدته منذ بداية الأزمة بإعلانه
أن الكويت ليست طرفاً في الحرب، ولن تشارك فيها وأنها ملتزمة بموقف الجامعة العربية
ومنظمة المؤتمر الإسلامي وهو الحد الأدنى الذي حافظ على وحدة الصف الوطني طوال هذه
الأزمة؛ ليبدأ الإعلام بعد وقوع الحرب بتجاوز هذا الحد وانحيازه الفاضح للدول التي
تشنها لينقسم الشارع الكويتي على نفسه بسبب هذه المغامرة الإعلامية التي تستخف بالشعور
القومي والحس الإسلامي للشعب الكويتي الذي هو جزء لا يتجزأ من الأمة العربية والإسلامية،
وعداءه للنظام العراقي لا يحمله على قبول حرب عدوانية يذهب ضحيتها الشعب العراقي، وتكون
على حساب استقلال العراق بل واستقلال شعوب المنطقة كلها؛ إذ أهدافها أبعد وأكبر من
موضوع إسقاط النظام العراقي باعتراف الولايات المتحدة نفسها كما صرح بذلك وزير الخارجية
كولن باول ونائب رئيس الدفاع الأمريكي، ولا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة نفسها
هي التي وقفت مع النظام العراقي ضد الثورات الشعبية عدة مرات وغضت الطرف عن استخدامه
للأسلحة المحرمة ضد الأكراد وضد الجيش الإيراني، وهذا ما أفقد الشعب العراقي ثقته بالوعد
الأمريكي وأثار شكه بأهداف هذه الحرب وأبعادها.
5) ترسيخ أزمة الهوية
للشعب الكويتي وعزله شعورياً عن محيطه العربي والإسلامي دون إدراك خطورة مثل هذه الأزمة
وتداعياتها، وهز القيم الثقافية والمبادئ الوطنية الراسخة في وجدان كل إنسان حر كرفض
الوقوف في صف الأجنبي في عدوانه على أرض الوطن مهما كانت الأسباب والذرائع، ففي تأييد
الإعلام الكويتي لبعض فصائل المعارضة العراقية المؤيدة للحرب على وطنها وشعبها بدعوى
تحرير هز لهذه القيم، ونسف لتلك المبادئ، وتسويغ لكل معارض لنظام بلده أن يقف مع العدو
الأجنبي، وأن يستعديه على وطنه بدعوى تحريره من نظامه الاستبدادي من أجل أن يصل هو
إلى السلطة على ظهر دبابة أجنبية على حساب استقلال وطنه وثروات بلده ودماء شعبه بدعوى
الحرية والديمقراطية؛ لتصبح الخيانة عملاً شريفاً، والعمالة فعلاً مشروعاً في ثقافتنا
الجديدة، وليحق للمعارضة السورية والمصرية والتونسية والجزائرية والليبية والسعودية
في الخارج بل وحتى المعارضة الكويتية أن تقوم بنفس الدور الذي قام به بعض رموز المعارضة
العراقية التي اكتشفت مؤخراً أنها كانت مجرد ورقة ضغط سياسي تم حرقها ولم يعد لها حاجة
في دخول العراق؛ وهو ما لم يفت على المعارضة العراقية السنية وبعض الفصائل الشيعية
التي أدركت أبعاد المؤامرة وأهدافها، ورفضت الدخول فيها وأعلنت رفضها للحرب مع عدائها
للنظام، ولا يخفى أن الأنظمة العربية التي على شاكلة النظام العراقي كثيرة جداً كما
تؤكده تقارير لجان حقوق الإنسان، وتبرير الاستعانة بالقوى الدولية للتخلص من هذه الأنظمة
وتغييرها؛ يفتح الباب على مصراعيه أمام بعض فصائل المعارضة في تلك الدولة لتفعل ما
فعلته بعض الفصائل العراقية؛ ليعود الاستعمار من جديد بدعوى تحرير الشعوب من حكوماتها
الاستبدادية، وهو نفس الشعار الذي رفعته فرنسا عندما دخلت الجزائر ليترحم بعدها الشعب
الجزائري على الداي حسين بعدما ذاق مرارة الاستعمار الأجنبي الذي لم يخرج إلا بعد مليون
شهيد.
6) الربط الخاطئ
بين حرب تحرير الكويت والحرب الحالية على العراق بدعوى أنها حرب تحرير للعراق أيضاً
دون إدراك خطورة مثل هذا الربط بين قضية عادلة وقف العام كله موقفاً واحداً مدافعاً
عنها؛ لأنها احتلال لدولة عضو في الأمم المتحدة يلزم العالم الدفاع عنها والوقوف معها
التزاماً بالميثاق الدولي، والحرب الحالية التي رفضتها جميع المنظمات الدولية، وهي
بحسب الميثاق والقانون الدولي حرب عدوانية غير مشروعة، وهو ما أكده كبار رجال القانون
الدولي في بريطانيا نفسها؛ إذ أن تغيير الأنظمة مهما كانت دكتاتورية هو شأن داخلي لكل
دولة وشعبها وحده هو الذي له الحق في تغييره، كما أن نزع أسلحة الدمار من اختصاص مجلس
الأمن ولجان التفتيش، ومن الخطأ لدولة صغيرة كالكويت سبق للعالم أن رفض العدوان عليها
أن تظهر بمظهر المؤيد للحرب على دولة أخرى مهما كانت كطبيعة العلاقات معها، وتسمية
هذه الحرب بتحرير العراق لن يغير من حقيقتها شيئاً في نظر العالم بل وفي نظر أكثر الشعب
العراقي.
وكما لم يتقبل الشعب الكويتي الغزو العراقي بدعوى
تغيير الحكومة الكويتية وإقامة حكومة حرة؛ لن يقبل الشعب العراقي الغزو الأمريكي بدعوى
إقامة حكومة ديمقراطية، وسينظر للحرب على أنها حرب استعمارية من أجل أهداف كبرى سيكون
العراق بعدها تحت حكم عسكري أمريكي لفترة طويلة ،وقد يتم تقسيمه على المدى البعيد،
ولن يكون ذلك في صالح الكويت مستقبلاً إذ سينظر الشعب العراقي الرافض للحرب وهم الأكثر
داخل العراق وخارجه كأحزاب المعارضة الرافضة للحرب أن ما حصل للعراق من تدمير واحتلال
أجنبي وتقسيم كان بسبب الكويت، ولن يتذكروا حينها شعار تحرير العراق، ولا مساعدات الإغاثة
ولا دكتاتورية صدام الذي سيصبح بعد الحرب بطلاً في نظر الشعب العراقي؛ بل سيذكرون الغزو
الأمريكي للعراق واحتلال أرضهم وتدمير وطنهم ونهب ثرواتهم وقتل الآلاف من جنودهم وقصف
مدنهم، وسيرسخ في الوجدان العراقي الثقافي والسياسي والعسكري أن ما قامت به الكويت
هو من باب الانتقام من الشعب العراقي لا من باب مساعدته، وأن غزو صدام للكويت كان له
ما يبرره كخطوة وقائية لحماية العراق من الاحتلال الأجنبي الذي سبق أن خططت له إسرائيل
وأمريكا منذ ضرب مفاعلاته النووية، ومنذ نشر خطة الحرب الإسرائيلية الإستراتيجية سنة
1982م التي تدعو إلى ضرورة تدمير العراق والسيطرة عليه وتقسيمه كخطوة رئيسية للسيطرة
على المنطقة كلها، ولتحقيق أمن إسرائيل، والتحكم في منابع المياه والنفط؛ وكل هذه الحقائق
السياسية والعسكرية لم تعد خافية على أحد، وفي التورط في مثل هذه الحرب انتحار سياسي
لأي نظام عربي؛ وهو ما استطاعت الحكومة الكويتية تجنبه منذ بداية الأزمة حتى جاء المغامرون
الإعلاميون الانتحاريون، لينسفوا كل ذلك الجهد الدبلوماسي من أجل النأي بالكويت عن
المشكلة العراقية وتعقيداتها، لتصبح الكويت فجأة وكأنها هي التي تشن الحرب على العراق؟!
7) تجاهل المعارضة
العراقية الرافضة للحرب وكسب عدواتها، والتي لن تفسر هذه الحماسة التي أبداها الإعلام
الكويتية على أنه حرص على مصلحة العراق وحب للشعب العراقي بل ستنظر إليها على أنها
انتقام منه وتحطيم له؛ إذ لا يمكن لهم أن يفهموا كيف يكون الكويتيون عراقيين أكثر من
الشعب العراقي نفسه الذي لم يطلب منهم تحريره بحرب مدمرة يتبعها احتلال أجنبي، ولم
يفوضهم ليتحدثوا نيابة عنه، وهذا ما صرح به بعض قادة المعارضة الرافضين للحرب بل إن
المعارضة السنية في الخارج كلها رفضت الحرب على العراق، وأصدر علماؤها في الخارج فتواهم
بوجوب مجاهدة الشعب العراق للاحتلال الأجنبي؛ كما في فتوى الشيخ العزي والشيخ عبد الكريم
زيدان وغيرهما من علماء السنة المطاردين في الخارج، وكذا رفضها أكثر الفصائل الشيعية،
وكل هؤلاء تجاهلهم الإعلام الكويتي وكسب عداءهم، وكان بالإمكان تجنب كل ذلك بلزوم الحياد،
وعدم الاندفاع على هذا النحو الذي فسره الجميع بما فيهم المعارضة العراقية الرافضة
للحرب على أنه من باب الانتقام من الشعب العراقي.
هذه بعض الأخطاء
الاستراتيجية في التغطية الإعلامية الكويتية للحرب العراقية التي يظن المغامرون الانتحاريون
أن آثارها ستنتهي بسقوط النظام العراقي، ولم يعلموا أن آثار الحروب السياسية والفكرية
والروحية بعد توقفها هي أكبر خطراً وأعمق أثراً من مجرد عمليات عسكرية تنتهي بانتهاء
الحرب؛ بل آثارها تدوم عقودا طويلة، وقد كانت الحرب العالمية الثانية وظهور النازية
هي نتيجة وردة فعل لهزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، والمنطقة العربية كلها
على أعتاب تغيرات كبرى، وليس من حق المغامرين الإعلاميين أن يقودوا الكويت وشعبها ومستقبلها
نحو المجهول من خلال عملياتهم الإعلامية الانتحارية التي بدأنا نقطف ثمارها المرة من
الآن، وما هذه العزلة التي يشعر بها كل كويتي عن محيطه العربي والإسلامي وما هذه المضايقات
التي يتعرض لها الطلبة في كل مكان إلا أول ثمارها ولا أتوقع أن تكون آخرها!
بذلت لهم نصحي بمنعرج
اللوى فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى
الغد