حوار المركز العربي للدراسات والأبحاث مع أ. د.حاكم المطيري بتاريخ ٢٠١١/٧/١٨
مقتطفات من الحوار:
" انشغلت النخب السياسية بالصراع الدائم مع السلطة فابتعدت عن نبض الشارع وعجزت عن فهم الواقع"
"امتهان كرامة الإنسان العربي من أبرز أسباب الثورة العربية"
"كل الثورات التاريخية تحتاج إلى عقد كامل من الزمن أو أكثر لتحقيق أهدافها"
"يجب إعادة النظر في الخطاب التقليدي الذي فشل في تحريك الشعوب وتغيير واقعها وعرض خطاب جديد يواكب حاجة الشعوب وهمومها"
"الحركات
الإسلامية جزء من الأمة ومكون رئيس وعليها أن تدرك بأنها ليست الأمة كلها
وليست وصية على الأمة بل هي جزء منها وليست مصالحها بالضرورة هي مصالح
الأمة"
نص الحوار:
المركز:
أظهرت الثورات العربية إيجابية عالية لدى الجماهير على عكس ما يدعيه
المثقفون من سلبية عوام الناس، ما الذي يعنيه هذا لمنظري النهضة والتغيير؟
د.
حاكم: هذا الأمر كشف عجز النخب السياسية والثقافية عن فهم الواقع لبعدها
عن نبض الشارع العربي ولعل السبب هو انشغالها في صراعها مع السلطة بشكل
دائم حتى حدثت هذه الفجوة بين هذه النخب ومجتمعاتها كما كشفت القوة الكامنة
لدى شعوبنا العربية وقدرتها على المبادرة بروح جماعية خلاقة تؤكد بطلان كل
النظريات التي تصم مجتمعاتنا بالسلبية والفردية.
المركز:
ينظر البعض إلى أن الحافز الأساسي لدفع الناس إلى الثورة هو الأوضاع
الاقتصادية والاجتماعية البائسة وليس الأهداف الكبرى التي ينظر لها
المفكرون والمثقفون، مما حدا ببعض المفكرين إلى اعتبارها تغييرا وليس نهضة،
كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟
د.
حاكم: هذا اختزال خطير للموضوع وقد حاولت الإجابة عنه في مقالي (الثورة
العربية فلسفتها وغاياتها) فللثورة أسباب كثيرة سياسية واقتصادية وإنسانية
ووراءها إيمان عميق لدى الشعوب العربية بأن الواقع العربي يجب تغييره بعد
عقود من الضعف والانحطاط الذي تجلى في أوضح صوره في احتلال العراق ثم حصار
غزة ثم امتهان كرامة الإنسان العربي في كل مكان الذي ولد رغبة عربية عارمة
بالانتقام من هذه الأنظمة التي كانت وراء هذه الجرائم بحق الأمة وبحق
الشعوب وبحق الإنسان العربي.
المركز:
شعرت الجماهير بنشوة كبيرة بإنجازها جزءا من أهدافها، كيف يمكن أن نحول
هذه النشوة إلى حافز يدعو الناس إلى النهوض بواقعهم في بقية الجوانب؟
د.
حاكم: الثورة ما زالت في بداياتها وكل الثورات التاريخية تحتاج إلى عقد
كامل من الزمن أو أكثر لتحقيق أهدافها الظاهرة والخفية الكامنة التي
تستبطنها الثورة عادة دون أن تفصح عنها فأول هدف هو إسقاط هذه الأنظمة وهو
في طور التحقق ثم ستمضي الثورة تشق طريقها نحو أهدافها وهي تدرك أن الطريق
طويل وشاق إلا أن الأهم قد تحقق وهو انطلاق الثورة العربية.
المركز: وهل أنبأت الثورات عن وعي بهذا الواقع وأهمية النهوض بتلك الجوانب فيه؟
د. حاكم: بلا شك من يرصد الثورة وتوجهاتها يدرك أن هناك أهدافا مرحلية
وأخرى استراتيجية وأهدافا داخلية وأخرى خارجية تبدأ من استرجاع كرامة
الإنسان العربي وتنتهي باستعادة كرامة الأمة كلها.
المركز: أظهرت الثورات أن خمائر النهوض في مكنونات وضمائر الجماهير تبقى ونحتاج
إلى البحث عنها وتنميتها، حسب اعتقادك ما هي هذه الخمائر وكيف يمكن تنميتها؟
د.
حاكم: لكل شعب وأمة هوية وركائز لهذه الهوية التي تمثل الروح لهذه الأمة
أو تلك والأقدر على معرفة هذه الركائز واستثارتها هو الأقدر على استنهاض
الأمة نحو مشروعه من خلال الاستجابة والاستثارة لهذه الهوية وفي عالمنا
العربي هناك هوية تعرضت للطمس هي الهوية الإسلامية التي اعتدت عليها
الأنظمة العربية بأبشع صور الاعتداء ظنا منها أنه يمكن لها فرض العلمانية
شيوعية أو اشتراكية أو ليبرالية على أمة أصبح الإسلام لها كالروح للجسد كما
قال عمر (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا
الله). والإسلام هو الجامع بين العرب وغيرهم من القوميات التي ربط بينها
الإسلام برباط الأخوة الإيمانية في العالم العربي أو في خارجه كما تمثل
العروبة لغة وثقافة وروحا جامعة للعرب من المحيط إلى الخليج ركيزة من أهم
ركائز الهوية وقد حاولت الأنظمة العربية من خلال مشاريعها القطرية الوطنية
تجاوز هذه الحقيقة ففشلت فهناك روح تسري في العرب تؤكد أنهم أمة واحدة لها
آمالها وأمانيها وأشواقها وهي الرابط بين العرب على اختلاف أديانهم في
العالم العربي وقد أدرك عمر ذلك حين رفض نصارى العرب في الشام دفع الجزية
وأخذتهم الحمية العربية وقالوا نحن عرب فخذوا منا كما تأخذون من العرب فقبل
عمر منهم ذلك وهو السر وراء نجاح الحركة القومية في عهد جمال عبد الناصر
في استثارة الشارع العربي من الخليج إلى المحيط فقد أدرك أن هناك أمة ترتبط
بينها رابطة قومية قوامها الدم واللغة والتاريخ والجغرافيا والثقافة التي
صهرتها حتى صارت كالجسد الواحد فلا يمكن الفصل بينها تحت أي ذريعة كما إن
هناك الهوية الإنسانية وماتستوجبه من حقوق للفرد والمجموعة التي لا يمكن
تجاوزها أو مصادرتها ولهذا رعى الإسلام الأخوة الإنسانية وحفظ حقوقها كما
رعى الأخوة الإيمانية وحفظ حقوقها.
المركز:
ما هي المجالات التي ترى انه على دعاة التغيير التركيز عليها لتحفيزالشعوب
العربية الثائرة لاستثمار ثورتها كرافعة لنهضة شاملة للواقع الذي يعيشون؟
د. حاكم: يجب إعادة النظر في الخطاب التقليدي الذي فشل في تحريك الشعوب
وتغيير واقعها وعرض خطاب جديد يواكب حاجة الشعوب وهمومها ويحل مشاكلها في
الحياة الدنيا قبل الآخرة كتحقيق العدل والرحمة والحرية والكرامة للفرد
وللأمة.
المركز: ما هي المفاهيم والظواهر التي يمكن ان تعيق النهضة فتتجنبه الشعوب الثائرة؟
الشيخ
حاكم: يجب نبذ كل المفاهيم السلبية التي ساهمت في تكريس الحقبة السوداء من
تاريخ الأمة المعاصر كالمفاهيم المغلوطة باسم الدين عن السمع والطاعة
والمفاهيم المغلوطة عن دور الأمة في مقاومة الطغيان والمفاهيم المغلوطة عن
حقوق الإنسان مهما اختلف دينه …الخ
المركز: هل ترى أن الأجواء ملائمة لغرس قيم ومعاني النهضة في نفوس هذه الشعوب أم إنه يجب الانتظار؟
الشيخ
حاكم: الثورة بطبيعتها تخلق ثقافتها وقيمها الخاصة بها ولا تحتاج إلى من
يغرس لها القيم بل هي في حاجة لتكريس قيمها وترشيدها ولهذا رأى كثير من
المصريين أن عاداتهم بعد الثورة اختلفت عنها قبل الثورة فالتعاون والتآلف
وروح التضحية صارت أبرز قيم المجتمع بعد الثورة.
المركز:
رغم الروح الايجابية التي ظهرت في مكنون الشعوب الثائرة إلا أن تحديات
سلبية تواجه مهمتهم في بناء المجتمع والدولة على أسس سليمة، ما هي تلك
التحديات؟ وكيف يمكن التغلب عليها؟
الشيخ
حاكم: التحديات كبيرة جدا وهي المهمة التي ستتحملها الحكومات الجديدة بعد
الثورة وكيف ستعيد بناء الإنسان العربي وعيا وفكرا وروحا بما يتوافق مع
الثورة وأهدافها التي تسعى إلى استعادة كرامة الإنسان والأمة.
المركز: ما هو الدور الذي ينبغي على الحركات الإسلامية أن تقوم به في استثمار الثورات لصالح النهوض بالمجتمعات الثائرة؟
د. حاكم: الحركات الإسلامية جزء من الأمة ومكون رئيس وعليها أن تدرك بأنها
ليست الأمة كلها وليست وصية على الأمة بل هي جزء منها وليست مصالحها
بالضرورة هي مصالح الأمة وهنا تكمن الخطورة ولهذا رأينا كيف تلكأت بعض
الحركات في دعم الثورة في بدايتها وفي أثنائها وفي آخرها وإلى اليوم هناك
من يقدم رجلا ويؤخر أخرى مراعاة لمصالح الحركة والجماعة على حساب مصالح
الأمة العامة والتحدي هو كيف تكون الحركة الإسلامية على اختلاف ألوان طيفها
الطليعة التي تقود الأمة لتحقيق تطلعات الأمة وآمالها.
المركز: هل ترى أن على خطاب النهضة الذي سبق الثورات العربية الاستمرار على ذات النسق والمرتكزات أم ترى أنه يجب تجديد هذا الخطاب؟
الشيخ
حاكم: يجب على الخطاب الفكري والسياسي ان يواكب تطورات الواقع العربي بعد
الثورة وإلا سيظل خطابا مأزوما عاجزا عن إحداث التغيير المطلوب.
المركز:
البعض يدعو إلى استلهام بعض التجارب الإسلامية (كماليزيا) وغير الإسلامية
(كاليابان) ، واتخاذها كنماذج للنهوض بالمجتمعات العربية، ما رأيكم في ذلك؟
الشيخ
حاكم: لكل مجتمع خصوصيته ومشكلاته ويمكن الاستفادة من التجارب الإنسانية
كلها إلا أن المهم هو معرفة ماذا نريد في هذه المرحلة للدخول في حقبة ما
بعد الثورة على نحو يحقق الحرية والعدل ويحمي السلم والاستقرار ويدفع
باتجاه النمو والازدهار الذي يؤهل الأمة لتستعيد مكانتها من جديد وهذا ما
حاولت الإجابة عنه في مقالي (من الحكومة الراشدة إلى الخلافة الراشدة) فيجب
أن تقوم حكومات راشدة أولا في كل بلد عربي تضع اللبنات الأولى لنهضة
مجتمعاتنا بما يؤدي إلى قوتها واستقلالها ووحدتها.
ــــــــــــــــــــــــ