لقاء جريدة عربي 21
بتاريخ 12 نوفمبر 2015
قال رئيس حزب الأمة الكويتي، والمنسق العام لمؤتمر الأمة، الدكتور حاكم
المطيري إن "الثورة العربية جاءت كنتيجة طبيعية وحتمية لعجز الأنظمة العربية الوظيفية
عن إدارة شؤون دولها لفسادها من جهة، وعجزها عن التعبير عن هوية شعوبها لطغيانها واستبدادها
من جهة أخرى".
ورفض المطيري اعتبار الثورات العربية بتداعياتها ومآلاتها مقدمة بين يدي
تنفيذ أجندات خارجية تندرج في إطار مشاريع تقسيم المنطقة وإعادة ترسيم حدودها، لأن
الغرب لا يحتاج إلى إشعال الثورات لتنفيذ مخططاته وأجنداته في المنطقة.
ونفى المطيري وجود مؤشرات حقيقية على تحول موقف الدول الخليجية من الانقلاب
العسكري في مصر، واصفا ما يقال عنه "تحولات" بأنه "تغير في أسلوب مواجهة
الثورات العربية فقط، لاحتواء الحالة الثورية بالتفاهم مع الحركات الإسلامية لتقبل
نتائج الثورة المضادة، والعودة لحالها السابق كجزء من المنظومة الوظيفية".
وتوقع المطيري للثورة العربية في موجتها الثانية أن تكون أشد من الأولى،
وأنها ستكون جذرية كما هي طبيعة الثورات الشعبية بعد الثورات المضادة.
وتحدث المطيري في حوار خاص لـ"عربي21" عن مواقف الدول الخليجية
من الثورة السورية، وأسباب توانيها عن تقديم أسلحة نوعية للفصائل السورية، وعن دور
تنظيم الدولة الإسلامية وطبيعة علاقته بحزب البعث، وجيش النقشبندية، وأجهزة من الجيش
العراقي السابق، والتي تعمل كجزء من منظومة واحدة تعتبر نفسها امتدادا للدولة العراقية
التي أسقطها الاحتلال الأمريكي.
وفيما يأتي نص الحوار كاملا:
* وقفتم في "حزب الأمة" وفي "مؤتمر الأمة"
مع الثورات العربية.. ما هي قراءتك لمسار الثورات العربية ومآلاتها؟
- الثورة العربية جاءت كنتيجة طبيعية وحتمية لعجز الأنظمة الوظيفية التي
فرضها الغرب منذ احتلاله المنطقة في الحرب العالمية الأولى، عن إدارة شؤون دولها لفسادها
من جهة، وعجزها عن التعبير عن هوية شعوبها وإرادتها لطغيانها واستبدادها من جهة أخرى.
فكان سقوطها أمرا حتميا وضروريا، ولم تكن الثورة سوى نتيجة لانهيار هذه النظم الوظيفية
التي يحاول النظام الدولي اليوم نفخ الروح فيها وإسنادها وإعادة الحياة لها بالثورة
المضادة.
* هنالك من يرى أن الثورات العربية هيأت المناخات لتنفيذ
أجندات خارجية لتقسيم المنطقة وإعادة ترسيم حدودها، كيف تنظرون إلى ذلك؟
- المنطقة كانت وما تزال منذ الحرب العالمية الأولى تتعرض للاحتلال وللتدخل
المتكرر عند الحاجة لإعادة تقاسمها وتقسيمها، كما جرى في كامب ديفيد ودخول مصر تحت
الحماية الغربية من جديد، وكما حصل في سنة 1991 حيث ضم اليمن الجنوبي للشمالي، وكما
جرى في تقسيم الصومال إلى اليوم بعد سقوط الاحتلال السوفييتي الروسي وتراجع دوره، ثم
احتلال العراق 2003، فلا يحتاج الغرب للثورة لتنفيذ خططه، بل الثورة جاءت كنتيجة لهذا
التدخل الذي بلغ ذروته باحتلال العراق، ثم في حصار غزة في حرب 2008 من قبل الدول العربية
الوظيفية نفسها، وإنما يحاول الغرب في ظل الثورة العربية مواجهتها بالحملات الجوية
العسكرية والحروب الوظيفية التي تشن في كل ساحات الثورة بهدف استنزاف طاقة الشعوب الثائرة
لتقبل بعد ذلك تدخله وإعادة المنظومة الوظيفية من جديد.
ولهذا فتح الغرب فجأة الطريق لإيران كمخلب لمواجهة الثورة في سوريا والعراق،
ثم فتح الطريق في مطلع 2014 للحوثي جنوبا وداعش شمالا لإرباك ساحات الثورة العربية
ومواجهتها وتبرير شن الحروب عليها بذريعة مواجهة خطر الحوثي و"داعش، بعد أن فشل
نظام بشار وصالح في قمع الثورة، وكان الدعم العسكري يأتي للحوثي وداعش من الأنظمة العربية
والغربية نفسها التي تشارك الآن في حربهما، فالهدف هو إشعال المنطقة بالحروب ومن خلال
صناعة أعداء لا يمثلون الشعوب وثورتها، لتتفاجأ الشعوب العربية بأنها تواجه حروبا دولية
وعلى أرضها ولا طرف فيها يمثلها، لتضطر للاعتزال كما يريد العدو، فقد ثارت الشعوب لا
ليكون الحوثي وداعش هما البديل.
وهكذا وجدت الشعوب نفسها خارج دائرة الصراع وضحية لهذه الحروب الوظيفية
التي ستكون لها استحقاقاتها عند الجلوس على طاولة المفاوضات، حيث سيكون الحوثي في اليمن
ممثلا للمقاومة، وداعش في العراق وسوريا ممثلا للثورة! ليعاد ترتيب المنطقة كما يريد
الغرب من جديد ومن خلال أنظمة وظيفية جديدة تمارس كل صور الإجرام الذي مارسه الطغاة
العرب الذين ثارت الشعوب عليهم، بل وأشد منهم حتى لا تثور مرة أخرى.
* هل تلمسون تحولات حقيقية في الموقف الخليجي من الانقلاب
في مصر؟
- لا يوجد تحول في الموقف؛ فالعداء للثورة العربية والقضاء عليها بالنسبة
للأنظمة الوظيفية موقف استراتيجي، وإنما تغير أسلوب المواجهة فقط، وهي تحاول احتواء
الحالة الثورية من خلال التفاهم مع الجماعات الإسلامية لتقبل نتائج الثورة المضادة
وتعود كما كانت جزءا من المنظومة الوظيفية، وهذا اقتضى تخفيف الحرب الإعلامية عليها،
خاصة بعد أن شعرت هذه الدول أنها خسرت تعاطف شعوبها معها، فغيرت من خطابها، ولم تغير
من موقفها الثابت الذي يعبر عن موقف أمريكا وروسيا نفسه من الثورة العربية.
* لماذا تتوانى الدول الخليجية المساندة للثورة السورية
عن تقديم أسلحة نوعية يطلبها الثوار السوريون منهم؟
- لأنها في حقيقة الأمر ضد الثورة وما زالت ضدها وإنما حاولت في بداية
الأمر، ومجاراة لشعوبها التي وقفت مع الثورة، كسب ود الثورة، ظنا منها بأن الثورة السورية
ستكون كغيرها من الثورات سريعة وحاسمة، وليس من صالحها الوقوف ضدها، وحاولت تقديم بعض
الدعم، والتدخل فيها عن طريق بعض الفصائل، فلما بدأت الثورة المضادة في مصر وحدث الانقلاب
العسكري، قلبت ظهر المجن للشعب السوري وحاصرته واعتقلت وحاكمت ومنعت كل من يقوم بدعمه
في الخليج.
* في الوقت الذي تحشد فيه إيران كل المليشيات الشيعية وتدعمها
دعما مفتوحا، تقف بعض الدول السنية موقفا عدائيا من بعض الفصائل السنية. كيف تفسر ذلك؟
- لا توجد دولة سنية بالمفهوم السياسي كما هي إيران للشيعة، فالأنظمة العربية
بلا هوية سياسية بل هي أنظمة وظيفية هدفها حماية عروشها، ومواقفها كلها تعبر عن هذا
الهدف، ولهذا هي الداعم الرئيس للبنان منذ 1982 إلى اليوم مع أن الحاكم الفعلي منذ
أكثر من عشر سنوات هو حزب الله. وهي الداعم الرئيس للحكومة الطائفية في العراق منذ
قيامها تحت الاحتلال الأمريكي وإلى اليوم، ولا تحتاج لمعرفة توجه هذه الأنظمة ومعرفة
سياساتها إلا متابعة وسائل إعلامها التي تعبر عن هويتها الوظيفية كقناة العربية التي
روجت لنوري المالكي ونظامه لمدة عشر سنوات.
وكذلك ما يزال التفاهم بينها وبين إيران قائما، وما زالت تشارك دول الخليج
في الحملة الجوية في العراق لمواجهة الثورة في مناطق السنة لصالح إيران وحلفائها، وتشارك
في الحملة الجوية في سوريا لمواجهة الثورة في مناطق السنة ولم تتعرض الحملة الجوية
الأمريكية العربية لنظام بشار ولا لميليشيات إيران في سوريا، فلا يتصور أن تقاتل دول
الخليج مع إيران جنبا إلى جنب في العراق وسوريا، وفي الوقت ذاته تقاتلها في اليمن.
فالحملة الجوية العسكرية في سوريا والعراق واليمن ومصر هي حملة واحدة وبإدارة أمريكية
وتنفيذ عربي لضبط ساحات الثورة العربية ومنع خروجها عن السيطرة؛ ولهذا استنجدوا بالروس
ليشاركوا في هذه الحملة في سوريا وبالمال الخليجي.
* ما الذي يمنع الفصائل السورية المقاتلة من الاتحاد، خاصة
بعد استهدافها إقليميا ودوليا؟
- السبب هو طبيعة حدوث الثورة كثورة شعبية عامة فظهرت الفصائل في كل منطقة
وبشكل عفوي وفوضوي وكثرت، مما جعل من الصعب جمعها في إطار واحد، بالإضافة للتدخل الخارجي
لمنع توحدها، وليس هناك إطار جامع لها إلا الجيش الحر بقياداته التي تمثل الثورة، وليس
التي يراد فرضها بالدعم الخارجي.
* ثمة من يقول إن كل فصائل الثورة السورية تُموّل من الخارج،
ولا تقوى على مواصلة القتال بدون ذلك الدعم، ما مدى صحة هذا القول؟ وإن كان الأمر كذلك،
فهل تقوى تلك الفصائل على اتخاذ سياسات مستقلة في ظل الدعم الخارجي الموجه؟
- غير صحيح فالثورة السورية المسلحة بدأت بقدراتها الذاتية وتطور أداؤها
شيئا فشيئا ووقف الشعب السوري كله معها والأمة من ورائها، وأكثر أسلحتهم هي غنائم من
قوات بشار وصناعة محلية كما أن سوق الأسلحة مفتوح وهي تجارة رائجة تستطيع الثورة الحصول
على ما تريد والشعب السوري هو الداعم الرئيس للثورة بالمال والرجال.
* نشرت مؤخرا مجموعة تغريدات ذهبت فيها إلى وصف تنظيم الدولة
بأنه امتداد لحزب البعث العراقي، على ماذا بنيت توصيفك هذا؟
- ليس امتدادا لحزب البعث بل تنظيم الدولة وحزب البعث وجيش النقشبندية
وأجهزة من الجيش العراقي السابق تعمل كجزء من منظومة واحدة تعتبر نفسها امتدادا للدولة
العراقية التي أسقطها الاحتلال الأمريكي، وقراءة في تاريخ التنظيم - الذي قاتل كل فصائل
المقاومة في العراق ثم في سوريا بينما لم يحدث بينه وبين النقشبندية وفصائل حزب البعث
أي قتال في العراق ثم دخوله الموصل مع جيش النقشبندية الصوفية جنبا إلى جنب كل ذلك
- كاف في كشف العلاقة التي تربط بينه وبين حزب البعث، فضلا عن اعترافات وشهادات العشرات
من القادة الذين خرجوا من التنظيم ومنهم قضاة شرعيون وكلهم يؤكد بأن القيادة العليا
للتنظيم هي قيادات بعثية. وأداؤه في الساحة السورية ضد فصائل الثورة ومحاربته لها وحصاره
لحلب وقصفه لها في الوقت الذي يحاصرها نظام بشار يؤكد وجود هذه العلاقة.
* الشعب السوري حينما قام بثورته كان ينشد التحرر من الاستبداد
والفساد والاستعباد، هل ترى أن فرض أجندات معينة يمكن أن يخرج ثورته عن مسارها؟
- كل محاولات أعداء الثورة في الداخل والخارج استخدموا كل وسائلهم ومؤامراتهم
لوأدها وحرفها عن أهدافها ابتداء من جنيف الأولى وجنيف الثانية، وصناعة داعش وإعلان
الدولة والخلافة والحرب الجوية الأمريكية ثم الحملة الروسية ثم مؤتمر فينا وكلها باءت
بالفشل في سوريا وكذلك ستبوء بالفشل في مصر وفي اليمن وليبيا وكل ساحات الثورة وستعود
الثورة في موجتها الثانية أشد من ذي قبل وستكون جذرية كما هي طبيعة الثورات الشعبية
بعد الثورات المضادة.
* ثمة من يرى أن الثورة السورية ستؤول في نهايتها إلى ما
آل إليه الجهاد الأفغاني، ما مدى دقة هذا التحليل برأيك؟
- هناك فرق بين الثورة العربية وأسبابها وظروفها ووسائلها والجهاد الأفغاني
ويحاول الإعلام الغربي والعربي الربط بين المشهدين وهو تضليل في القراءة والتحليل للواقع
فالثورة السورية جزء من الثورة العربية وهي ثورة تاريخية قد تستمر لعقدين أو ثلاثة
حتى تحقق أهدافها وما زلنا في أولها.