(وليد .. واللقاء الأخير)
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون﴾..
اللهم إنا إخوانه جميعا في كلية الشريعة شيوخا وطلبة راضون عنه، اللهم
فارض عنه، وأكرم نزله في الفردوس الأعلى ورفيق رحلته في الدعوة والشهادة، واقبل اللهم
دعاءنا لهم، وصلواتنا عليهم، اللهم آمين آمين.
كان الشيخ وليد العلي رحمه الله -إمام وخطيب الجامع الكبير- ممن كتب الله
له القبول بين الأساتذة في كلية الشريعة والطلبة على حد سواء، فقد كان بشوش الوجه،
لين الجانب، كريم الخلق، صادق اللهجة، صافي السريرة؛ فكان كما في الحديث (يَألف ويُؤلف)..
ومنذ عرفته -رحمه الله وأكرمه ورفيق رحلته وشهادته الشيخ فهد الحسيني-
لم أسمع منه إلا الكلمة الطيبة، ولا عنه إلا الذكر الحسن، والثناء العطر، وهذه عاجل
بشرى المؤمن.
ومع ما يبدو للآخرين من اختلاف بين توجهي السياسي وتوجهه، لم أشعر قط
-علم الله- يوما أن بيننا أدنى اختلاف، وإنما كانت الأخوة الصادقة تجمعنا، والمحبة
في الله تؤلف بيننا، وخدمة العلم وأهله غايتنا؛ فكان نعم الرفيق في العمل، ونعم الصديق
في خدمة العلم..
ولم أر منه طوال مدة توليه لمنصبه كعميد مساعد في الكلية، إلا العمل الدؤوب
في خدمة العلم وأهله، وخدمة كلية الشريعة، وخدمة أبنائه الطلبة، وحسن الإنصات لهم،
وسعة الصدر عليهم، فكان نعم الأستاذ، ونعم المسئول.
وقد كان آخر لقاء بيننا قبل استشهاده بعشرة أيام، وذلك يوم السبت ٥/ ٨
/ ٢٠١٧ الساعة ٢ ظهرا، حيث جمعتنا قاعة واحدة نشرف فيها على اختبارات طلبتنا أنا وهو،
وسألني عن تفرغي العلمي وماذا تم بشأنه؛ فلما فرغنا من الاختبار التقينا عند باب مكتبه،
فاستوقفني وقال لي: لي طلب وأرجو ما تردني، فقلت: أبشر، فقال: عندي رسالة ماجستير مهمة
جدا أشرف عليها، وأريدك مناقشا لها، فقلت :إذا لم تجدوا مناقشا آخر غيري؛ فلا مانع
لدي، وإلا فأنا مشغول جدا، وقد ييسر الله لي التفرغ العلمي السنة القادمة؛ فيتعذر علي
الحضور لمناقشتها، فقال: نحجز لك على الطائرة لتأتي وتناقشها وتسافر، وكنت أظن الرسالة
في علم الحديث، فسألته عن موضوعها؛ فإذا هي في تخصص آخر، فقلت: ليس هذا تخصصي، فقال:
لا أبدا لا يوجد غيرك لها؛ فهذه الرسالة تحتاجك أنت بالذات، وما زال يلح علي حتى وافقت
إكراما له، ثم ودعته، وكلي أمل أن أرى تلك الرسالة التي كان مهتما بها كل هذا الاهتمام،
ويشاء الله أن يسبقنا إلى الدار الآخرة، شهيدا سعيدا بإذن الله، ويدعنا في هذه الدنيا
الفانية، تحف روحه الطاهرة دعوات الصالحين الأخيار، والمؤمنين الأبرار ﴿وما عند الله
خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون﴾.
وداع لقاءٍ لا وداع فراقِ
تبكي عليك مدامع
ومآقي
ها قد مضيت كما أتيت بهدأةٍ
فتركتنا ورحلت
بالأشواقِ
وكأنما مَلَك السماءِ تواردت
كتسابق المشتاق
للمشتاقِ
تهفو إليك وطالما تهفو لها
وتكللت بالنورِ
والإشراقِ
فرحًا به وقدومه ورفيقه
في موكــبٍ متلألئ
رقراقِ
صلّى عليك الله ما هب ّالصبا
أو كان في الدنيـــا
بقيـة باقي
الاثنين ٢٢/ ١١/ ١٤٣٨هـ
١٤/ ٨/ ٢٠١٧م