كويتي في برمنغهام
بقلم أ.د. حاكم المطيري
19 / 5/ 1997م
هذه أبيات هاجت القريحة بأوائلها حين أقلعت بنا الطائرة متوجه إلى إنجلترا
وجادت بأواخرها حين ألقينا عصا الارتحال وشطت بنا النوى في مدينة (برمنغهام) حيث الغرب
والغروب والغربة والغرابة إلى آخر مشتقات هذه المادة اللغوية!
وكنت أحسب أنني أعبر بها الأبيات عن شعوري وأحاسيسي الوجدانية، فإذا أنا
اعبر بها عن أحاسيس وضمائر الأخوة العرب المغتربين للدراسة أو الرزق، فكان فرحهم بالقصيدة
عظيما.
ومما يحز في النفس أن الطلبة الكويتيين يضجون بالشكوى المريرة من غلاء
الخطوط الكويتية التي لا تراعي ظروفهم، ولو من الناحية الإنسانية فضلا عن المسئولية
الوطنية التي تفرض عليها التيسير على الطلبة الذين قد يتسنى لهم رؤية بلدهم وأهلهم
في بعض العطل القصيرة، فيحول بينهم وبين ذلك الغلاء الفاحش لتذاكر الكويتية التي ربما
زادت على الخطوط الأخرى بمائة دينار بينما يجد الطلبة الخليجيون كل التسهيلات من قبل
طيران دولهم ويتسنى لهم مالا يتسنى للطلبة الكويتيين، وكأن القائمين على شئون الخطوط
عندنا قد نزعت الرحمة من قلوبهم كما نزعت من (تاجر البندقية)، فبهرهم بريق الذهب عن
مراعاة الجوانب الإنسانية، وصار الطلبة هنا يشتكون من هموم الغربة والدراسة والخطوط
الكويتية!
وكانت هذه القصيدة البرمنغهامية الأولى في الغربة:
طـــارت فكـاد القــلب مني يطـير
وتسابق الدمــــع العصـي غــزير
وتركت خلفي والــدا هو قدوتي
في المكـرمات وفي الرجال أمـيـر
وتركـت أمّـا طـــالما واعــدتـهـا
أن ليس ثمـة رحــلــة ومـســيــر
ما كف دمـعـي مذ رحلت ودمعها
إن البكــــاء على الغــريب يسـير
وتركـت زوجـــا درة مكـنــونــة
هي في حـيـاتي جـنـــة وحـــرير
ترنو إلى الأطـفــال وهي حزينـة
إن البنـــات كبـيرهـــن صـغـــير
والطفل يلهو ضاحكا من حولها
والأم حيرى والصــغـــير غــرير
لمـا توسّـلـت المـهــاةُ أجـبتُــهــا
إن الـمعـــالي شــأنهـن عــســير
عَليَّ أبادر قبل مــــوتي حــاجتي
فالعمر في هـذي الحيــــاة قصير
ما كنت أحـــسـب أن آخـرتي هنا
والغــرب غرب والغـــريب خبـير
برمنغــهــــام أنت جـد جــميــلـة
قد حـــار فيك الوصف والتصوير
يتنافس النـــــوار نَـوْرٌ في الربى
والبـيـــض نَوْرٌ فانتـشى التنوير!
والريـــح أطيب ما تكون عشيـة
والمـــاء عــــذب ســائغ ونـمــير
يا جنـــة الدنيــــا التي تحكـى لنا
أين المعـــري عنك أين جـــرير؟
أين ابن هـــانئ وابن برد يا ترى
أين ابن معــمــر منـك أين كـثـير؟
لكن بـلادي منك أجــمــل منـظــر
والحــــب أعمى والمحــب ضرير
صحراؤها روضٌ وملح خليجها
عـــذبٌ بها وغبــــــــارها تعـطير
برمنغــهــــام أنت جـد جــميــلـة
لكــنْ بـــــلادي أول وأخــــيــــــر
يا راكبين على (البوينغ) عشية
من لنــــدن نحو الـكــــويت تطير
هذي التحـيــــة للــكـويـت وإنني
عن دار قومي مـــــوثــق وأسـير
قد أوثقـتـني دراســـة ومســـافـة
وخطــــوط ســوء فاتها التطوير!
لا بارك الله الخطوط ومن على
شأن الخطــــوط يسـوسها ويدير!
يا صحـب إن حلت وفـاتي هاهنا
والموت حق والحيـــــــــاة غرور
فوصــيتــي لا تتركــاني ولـيكـن
لي فـي بــــــــــلادي حفرة وقُبير
سأكون أسعــد أن ألحف أرضها
لتنــــــام عيــــنــي بعد وهي قرير
إن يسر الرحمــن يوم رجــوعنا
هذي الأمــــاني والكـــــريم قـدير
أو لم يشأ فالكـــل تحت قضــائه
وإليه جــــــل جــــــــلاله التــدبير
ــــــــــــــــــ
منشورة في مشكاة الرأي عدد 17 صحيفة الوطن 19 /5/ 1997