حكم توحيد الفتوى
س1: ما سبب الخلاف في الفتوى؟
ج1: أولا لابد أن يعلم أن الأحكام الشرعية تنقسم إلى قسمين الأول القضايا الاجماعية المعلومة من الدين بالضرورة القطعية وهي إما قضايا إجماعية عامة يعرفها كل مسلم كالفرائض الخمس وحرمة الخمر ونحوها أو قضايا إجماعية خاصة يعرفها العلماء والدارسون للفقه الإسلامي كمسائل الميراث المجمع عليها ونحوها وهذا القسم الأول لا خلاف فيه بين العلماء على اختلاف مذاهبهم لكون أدلته قطعية في دلالتها وثبوتها بل ولا قيمة لقول من خالف مثل هذا الإجماع وقضايا هذا القسم الأول أكثر بينما القضايا الخلافية أشهر لكثرة الجدل حولها.
والقسم الثاني: من الأحكام الشرعية قضايا خلافية بين الأئمة وعلماء الأمة منذ الصدر الأول وقد كان النبي r يعلم أصحابه كيفية الاجتهاد واستنباط الأحكام وكان يقول لهم (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر) وكان يقرهم على اجتهاداتهم إذا اختلفوا في فهم مراده كما في قوله لهم ( لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة) فأقر النبي r اجتهاد كلا الفريقين سواء من أخذوا بروح النص ومعناه وصلوا في الطريق أو من أخذوا بظاهر اللفظ فلم يصلوا إلا في بني قريظة بعد خروج الوقت لأن النص يحتمل الوجهين ومنذ ذلك الوقت والصحابة ومن بعدهم من علماء الأمة يجتهدون ويختلفون ولا ينكر بعضهم على بعض بل كانوا يقولون قولنا صواب يحتمل الخطأ وقول غيرنا خطا يحتمل الصواب وقد ازدهر الفقه الإسلامي وظهرت المدارس الفقهية في ظل هذه الحرية العلمية حتى إن أئمة المذاهب المشهورة كان بعضهم شيوخ بعض فقد كان جعفر الصادق من شيوخ مالك و كان مالك شيخاً للشافعي وكان الشافعي شيخاً لأحمد بن حنبل وهكذا.
وأما أسباب الخلاف في الفتوى فهناك أسباب موضوعية علمية وهي الأسباب التي أدت إلى ظهور المدارس والمذاهب الفقهية ذاتها كالخلاف في بعض أصول الفقه وقواعد الاستنباط بين مذهب وآخر فتختلف الفتوى بحسب مذهب المفتي الفقهي وقد استطاعت المجامع الفقهية المعاصرة تجاوز هذه الإشكالية إلى حد كبير وكما لم تكن المذاهب الفقهية وتعددها مشكلة من قبل بل دليل ازدهار علمي وثراء فقهي للأمة الإسلامية حتى قيل خلاف الأئمة رحمة للأمة لما فيه من السعة والتيسير ورفع الحرج كذلك لن يكون الخلاف الفقهي مشكلة اليوم خصوصاً في ظل المجامع الفقهية وإنما المشكلة الخطيرة في العصر الحديث هو تدخل الحكومات في اختيار لجان الإفتاء واختيار أهل الفتوى وتوظيفهم في خدمتها لإضفاء الشرعية على ممارستها ومواقفها السياسية مهما كانت مصادمة لأصول الإسلام القطعية حتى لا تكاد توجد حكومة في العالم الإسلامي من أقصى اليمين الرأسمالي إلى أقصى اليسار الاشتراكي إلا ولديها لجنة فتوى أو مفتي يوظف الدين في خدمة النظام وتوجهاته ولهذا لا نكاد نسمع عن مفتي خالف توجهات حكومته بل نجدهم يقفون معها ويدافعون عن مواقفها حتى وإن خالفت القضايا الإجماعية المعلومة من الدين بالضرورة القطعية مما أفقد المسلمين ثقتهم بهذه اللجان وبأولئك المفتين المفتونين ولم تستطع الحكومات مع كل ما تقوم به من جهد إعلامي لإبرازهم وتسليط الضوء عليهم في استعادة ثقة شعوبها بهذه اللجان.
س2: وما هو الحل لهذه الإشكالية في نظركم؟
ج2: قبل الحديث عن الحل لابد لنا من الحديث عن الغاية والهدف من تشكيل لجان الفتوى واختيار المفتي فإن كان الهدف هو توجيه الرأي العام وتوظيف الدين في خدمة توجهات الدولة وإضفاء الشرعية على تجاوزاتها وانحرافاتها كما هو الحال في أكثر دول العالم الإسلامي فإنه يحرم المشاركة في مثل هذه اللجان ولن تستطيع هذه اللجان تحقيق الهدف المراد منها لأن المسلمين لن يقبلوا الفتوى ممن لا يرضون دينه وعلمه وتقواه وإن كان الهدف هو أن تعرف الحكومة حكم الشريعة الإسلامية لتلتزم به أو كي لا تقع في ما هو محظور شرعاً فالحل هو في أن تدع العلماء أنفسهم ليقوموا من خلال رابطة علمية خاصة بهم باختيار من يرونه أهلاً للفتوى وأن تكون الفتوى جماعية دون أي تدخل حكومي كما كان الحال في الأزهر قديماً.