ولاية المرأة أم ولاية الفقيه
الوطن ـ مشكاة الرأي
6/12/1999
في غمرة الحماسة منقطعة النظير ودفاعا عن حق المرأة في الانتخاب والترشيح وجه النائب حسن جوهر إلى أعضاء مجلس الأمة المعارضين سؤالا يحتاج جوابا جريئا.
وفحوى سؤاله: (كيف يجعل الإمام أحمد بن حنبل للسلطان الجائر ولاية بينما يمنع المرأة المسلمة الصالحة من أن تكون لها ولاية؟)
والجواب عن سؤاله من وجوه:
الأول: أن منع المرأة من الإمامة العامة والسلطان ليس رأي أحمد وحده بل هو رأي كافة علماء الأمة بجميع طوائفها وهي من قضايا الإجماع اليقيني المعلوم من دين الإسلام بالضرورة القطعية، قال ابن حزم في (الفصل 4/110):(جميع فرق أهل القبلة ليس منهم أحد يجيز إمامة المرأة).
وقال في (مراتب الإجماع 145): (واتفقوا أن الإمامة لا تجوز لامرأة ولا لكافر ولا لصبي لم يبلغ ولا لمجنون). وقال القرطبي في (الحكام 1/270): (اجمعوا أن المرأة لا يجوز أن تكون إماما) ولا خلاف في هذه القضية بين السنة والشيعة أما الشيعة الزيدية فمجمعون على وجوب نصب (إمام مكلف ذكر حر) كما في (حدائق الأزهار مع السيل 4/503) وأما الإمامية الجعفرية فمذهبهم أصلا قائم على أن الإمامة ثابتة بالنص من المعصوم على المعصوم وليس للأمة عندهم حق في اختيار الإمام بل كل خليفة وسلطان سوى الأئمة الاثنى عشر المعصومين جائر وظالم وغاصب للولاية.
فإذا كان الأمر كذلك فما هو السر في تخصيص أحمد بن حنبل بالذكر دون غيره مادامت القضية إجماعية؟!!
الثاني: إن إثبات ولاية السلطان الجائر مشروطة في حال ما إذا اجتمعت الأمة كلها عليه وبعد ما تستقر له الأمور وأما قبل ذلك فلا يكون خليفة للمسلمين فثبوت الولاية إنما هو باجتماع الأمة عليه وبحكم الأمر الواقع وهذا لا يعني مشروعية اغتصاب السلطة ومصادرة حق الأمة في الشورى والاختيار بل هذا الفعل محرم باتفاق العلماء والفاعل آثم ظالم وهذا الحكم النظري لا ينافي ثبوت الولاية التي هي السلطة للسلطان الجائر لأن هذا هو الأمر الواقع الذي يجب مراعاته والتكيف معه حرصا على وحدة المجتمع واستقرار الدولة والحفاظ على مصالح الأمة لما قد يفضي إليه الاصطدام من فتنة ودمار، هذا مع أن الطاعة التي تجب للسلطان الجائر إنما هي الطاعة بالمعروف فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وهذا الرأي هو رأي أكثر علماء الأمة وليس هو قول أحمد بن حنبل وحده وهو الرأي الذي يميل إليه كبار رجال القانون السياسي في أوروبا في العصر الحديث إذ يرفضون مواجهة طغيان السلطة بالقوة والعنف خشية سقوط الدولة وانهيارها ويرون أن المقاومة السلمية هي أنجع الطرق لمواجهة الاستبداد ولهذا تكاد تخلو كل الدساتير الغربية من الإشارة إلى كيفية مواجهة طغيان السلطة فيما لو صادرت الحقوق والحريات وعطلت الدستور واكتفت هذه الدساتير بتنظيم العلاقة بين السلطة والشعب في حال الظروف الطبيعية التي يجب أن تستقر ولم تتعرض لم وراء ذلك.
الثالث: أن هذا الرأي لم يمنع أحمد بن حنبل من التصدي لثلاثة من أشد الخلفاء العباسيين قوة وبطشا وهم المأمون والمعتصم والواثق وقاد لواء المعارضة الفكرية ضد توجه الدولة الفكري وصرح بكفر هذه العقيدة التي يحاول الخلفاء فرضها على الأمة وتحمل في سبيل ذلك أشد أنواع العذاب والاضطهاد وصبر على السجن والضرب وأصر على رأيه وصدع به وضرب أروع المثل في ممارسة المعارضة الفكرية السلمية دون خروج على الدولة وعندما جاءه علماء بغداد يشاورونه في خلع الخليفة قال لهم: (هذه فتنة خاصة فإذا وقع السيف عمت الفتنة وانقطعت السبل) وقال: (الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة تسفك فيها الدماء وتستباح فيها الأموال وتنتهك فيها المحارم) وقال: (إن أمرك السلطان بأمر هو لله عز وجل معصية فليس لك أن تطيعه البتة وليس لك أن تخرج عليه أو تمنعه حقه).
وهذه هي المقاومة والمعارضة السلمية السلبية التي تواجه طغيان وانحراف السلطة من جهة وتحرص على وحدة واستقرار المجتمع والدولة من جهة أخرى وتعرف مالها من حقوق وما عليها من واجبات دون تفريط ولا إفراط ولا خوف ولا إرجاف.
الرابع: أنه من المعلوم أن أئمة آل البيت رضي الله عنهم صدرت عنهم ممارسات سياسية ومالية وعسكرية واجتماعية كثيرة مع خلفاء عصرهم تدل على اعترافهم لهؤلاء الخلفاء بالسلطة والولاية الواقعية فمعلوم أن عليا رضي الله عنه بايع أبا بكر وقاتل معه أهل الردة وأخذ من غنائم تلك الحروب ومن ذلك أم ولده محمد بن الحنفية وهي من بني حنيفة قوم مسيلمة كما بايع عمر بن الخطاب وكان وزيره ومستشاره وقاضيه وزوجه ابنته أم كلثوم وقد خصص عمر له وللحسن والحسين وغيرهم من آل البيت مخصصات مالية وبدأ بهم وقدمهم على جميع قبائل قريش في الديوان وقد جعله عمر في الستة الذين اختارهم للخلافة من بعده فلم يرفض على رضي الله عنه هذا الاختيار بل أطاع عمر بعد وفاته وشارك في المشاورات التي جرت وبايع عثمان بن عفان ولزمه وكان الحسن والحسين وغيرهم من آل البيت يخرجون في الغزو وشاركوا في الفتوحات التي جرت في عهد عثمان وكانوا يأخذون نصيبهم من بيت مال المسلمين.
فأحمد بن حنبل لم يجعل للخلفاء في عصره من الولاية ما جعله أئمة آل البيت عليهم السلام لخلفاء عصرهم ولم يتجاوز قول أحمد دائرة (الرأي) بينما وصل الأمر بآل البيت إلى حد التنازل عن الولاية نفسها كما فعل الحسن مع معاوية وبلغ بهم الأمر أن شاركوا في الغزو معهم وأخذ الأموال منهم.
الخامس: إن إثبات الولاية للرجل – وإن كان فاسقا – على المرأة – وإن كانت صالحة – ليس مقصورا على الإمامة فقط، بل هذه الولاية ثابتة للأب على ابنته وللزوج على زوجته وإن لم يكونا صالحين لأن الرجل أقدر على تحمل الولاية والقيام بمسؤوليتها من المرأة لما لديه من استعدادات جسدية ونفسية فطرية ولاشك أن ولاية الأب والزوج أكثر شيوعا وأخطر أثرا لأنها ولاية مباشرة فهي أولى باعتراض النائب حسن جوهر من الصورة الأولى!
السادس: إن التناقض والغرابة لا يبدوان في آراء أحمد بن حنبل حول موضوع الولاية بل هي منسجمة مع النظرة الشمولية للمرأة في الشريعة الإسلامية وإنما التناقض الجلي هو في آراء من يدعو إلى منح المرأة حق الانتخاب والترشيح في الوقت الذي لا يؤمن فيه بحق الأمة في اختيار الأئمة؟
إن هذا التناقض الظاهر هو الذي دفع كثيرا من علماء الشيعة الإمامية إلى رفض قيام الجمهورية الإيرانية ورفض آراء الخميني حول نظرية (ولاية الفقيه) لأنها تنقض الأصل الذي يقوم عليه المذهب الإمامي كله ولهذا اعترف وزير الثقافة الإيراني بأن النظام السياسي القائم في إيران هو أشبه بالنظم السياسي في الفكر السني منه بالفكر الإمامي لأن الشعب هو الذي يقوم باختيار السلطة وهو الذي يضفي عليها الشرعية باختياره لها وفق نظرية (الشورى) و(البيعة) عند فقهاء السنة لا وفق نظرية (النص) كما هو عند الإمامية!