فتوى في الموقف من إعانة قوات الاحتلال الأجنبي
على العراق
بقلم د . حاكم المطيري
الأمين العام للحركة السلفية
السؤال الأول: ما حكم إعانة المشركين أو الاستعانة بهم في الحرب ؟
الجواب: يختلف الحكم باختلاف صور الحرب أما الإعانة فلها صور :
فالصورة الأولى :
أن
تكون الحرب بين المسلمين وغيرهم فإنه يحرم بالإجماع إعانة المشركين
ونصرتهم في حربهم ضد أي شعب مسلم أو جماعة مسلمة سواء كان المسلمون في أرض
الإسلام أو خارجها وسواء كانوا أو قلية أو أكثرية وإعانة المشركين عليهم
ناقض من نواقض الإسلام وردة صريحة ومن الأدلة على ذلك :
1- قولـه تعـالى : {يا أيها اللذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض} قال القرطبي في تفسيره : ( أي في النصرة ) وانظر ( 6/217 ) حيث نص على أن في الآية حكم في المرتد .
وقال
ابن حزم في المحلي (11/138) : (ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) ( إنما هو على
ظاهرة بأنه كافر من جملة الكفار وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين )
.
وقال
الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام : ( الثامن : مظاهرة المشركين
وإعانتهم على المسلمين ) واستدل بالآية السابقة ( كما في الدرر ـ السنية
10/92 ) وقال الشيخ ابن باز في فتاواه ( 15/274) : ( أجمع علماء الإسلام أن
من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم )
واستدل بالآية .
2- وقوله تعالى : { لا يتخذ المؤمنون الكافرين من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء .. } الآية .
قال
ابن جرير في تفسيره ( 3/228) : ( ومعنى ذلك لا تتخذوا الكفار أنصارا
توالونهم على دينهم وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين وتدلونهم على
عوراتهم فإنه من يفعل ذلك فليس من الله في شيء بارتداده عن دينه ودخوله في
الكفر ( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) بان تكونوا في سلطانهم فتخافونهم على
أنفسكم فتظهرون لهم الولاية بألسنتكم وتضمروا لهم العداوة ولا تعينوهم على
مسلم بفعل) .
وقال
الشيخ أحمد شاكر (كلمة حق ص 126 ) عن حكم تعاون المسلم مع الإنجليز
والفرنسيين أثناء عدوانهم على المسلمين في مصر: ( أما التعاون بأي نوع من
أنواع التعاون قل أو كثر فهو الردة الجامحة والكفر الصراح لا يقبل فيه
اعتذار ولا ينفع معه تأول سواء كان من أفراد أو جماعات أو حكومات أو زعماء
كلهم في الكفر والردة إلا من جهل وأخطأ ثم استدرك فتاب ).
بل
الواجب إعانة المسلمين ونصرتهم أو الاعتزال عند العجز عن ذلك على أقل
الأحوال ومن إعانة المشركين إمدادهم بما يحتاجونه أو تسهيل الطريق لهم وفتح
المطارات.. الخ .
قال
النووي في المجموع ( 9/304) : ( بيع السلاح لأهل الحرب حرام بالإجماع )
وقال مالك في المدونة ( 4/270 ) أنهم لا يباع لهم (كل ما هو قوة على أهل
الإسلام مما يتقوون به في حروبهم) .
وقال ابن قدامة عن مثل هذا العقد معهم (حرام والعقد باطل) كما في المغني ( 4/284)
والصورة الثانية : أن تكون الحرب بين المشركين والمشركين .
وهنا
يختلف الحكم باختلاف الأحوال فيحرم إعانة الكفار في حربهم مع غيرهم من
المشركين إذا لم يكن عدواً مشتركاً ولم تكن هناك مصلحة للمسلمين في هذه
الحرب لقوله تعالى : {ولا تكونن ظهيرا للكافرين} وكذا يحرم إعانة المشركين
في حربهم مع طائفة أخرى مثلهم إذا كان بين المسلمين وبين هذه الطائفة عهد
وميثاق لقوله تعالى :{يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} ولقوله تعالى : {إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق} وقوله:{إلا الذين عاهدتهم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحداً فأتموا إليهم عهدهم
فإن كان العدو مشتركا يهدد المسلمين أيضاً فالواجب إعانة من يدافعهم من
المشركين لما في ذلك من مصلحة للمسلمين بشرط أن لا تكون القيادة للمشركين
لقوله تعالى : {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} ًبل تكون للمسلمين قيادتهم العسكرية المستقلة .
أما حكم الاستعانة بهم فلها أحكام تختلف باختلاف صور الاستعانة :
فالصورة
الأولى : الاستعانة بالمشركين في الاعتداء على المسلمين وهذه محرمة
بالإجماع للحديث الصحيح : ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) .
والصورة
الثانية : الاستعانة بهم في حرب بين المسلمين ومشركين آخرين وهذه مختلف
فيها فحرمها بعض الفقهاء لحديث ( إنا لا نستعين بمشرك ) وأجازها بعضهم
استدلالا بما جاء في صحيفة الموادعة بين النبي r
ويهود المدينة وفيها التناصر على حماية المدينة إذا هاجمها عدو خارجي
واشترط من أجازوا هذه الاستعانة أن يكون الظهور للمسلمين، قال محمد بن
الحسن الشيباني كما في شرح السير الكبير ( 4/1422 ) ( لا بأس أن يستعين
المسلمون بأهل الشرك على أهل الشرك إذا كان الإسلام هو الظاهر )
والصورة
الثالثة : الاستعانة بالمشركين لدفع عدوان طائفة من المسلمين على طائفة
أخرى فهذه الأصل فيها التحريم إلا عند الضرورة وتقدر الضرورة بقدرها فتزول
بزوال العدوان ويحرم اتخاذ المشركين بطانة وأولياء لقوله تعالى {لا تجد قوما يؤمن بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم...} ولقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} . فيجب إخراجهم بعد زوال الضرورة .
السؤال الثاني: ما حكم وجود الجيوش الأجنبية على أرض الإسلام بشكل دائم أو مؤقت ؟ وهل هم أهل ذمة وعهد أو لا ؟
الجواب:
الأصل حرمة دخول هذه الجيوش إلى أرض الإسلام بإجماع العلماء إلا للضرورة
كالاشتراك مع الجيوش الإسلامية لدفع عدوان طرف ثالث عن أرض الإسلام أما
بقاؤها بعد انتهاء الحرب وزوال الضرورة فحرام إجماعاً فإن كان باتفاق وعهد
بينهم وبين المسلمين مدة محدودة فإنه ينظر :فإن كانت الشوكة والكلمة
للمسلمين ووجود الجيوش بأمان وتأمين من الجيوش الإسلامية متى ما أراد
المسلمون إخراجهم خرجوا فإنهم يكونوا أهل أمان يحرم التعرض لهم في هذه
المدة والواجب على الدولة المسلمة إنهاء هذا العهد وإخراجهم في أسرع وقت
بلا خلاف .
أما
إن كانت الشوكة لهذه الجيوش لا للمسلمين والكلمة لهم لا للدولة المسلمة
التي أقاموا على أرضها وأمانهم إنما تحقق بظهورهم وشوكتهم هم لا بشوكة
المسلمين فإنهم في هذه الحالة ليسوا أهل أمان وعهد بإجماع الفقهاء بل هم
قوة استعمارية تسيطر على المسلمين في تلك الأرض وتحقق لهم الأمن مقابل تلك
السيطرة .
إذ لا خلاف بين الفقهاء على أن العقود التي تفيد الأمن هي :
1) عقد
الذمـة : وهو ما يكزن لغير المسلمين المقيمين في الدولة الإسلامية بصورة
دائمة بالتزامهم وخضوعهم لأحكام الإسلام وسلطته مقابل بقائهم على دينهم
وحماية المسلمين لهم من أي اعتداء .
2) عقد
المعاهدة : وهو ما يكون بين المسلمين وغيرهم على أن لا حرب بينهم وبين
المسلمين ويكونوا في أرضهم والمسلمون في أرضهم في حال سلم وموادعة فيحرم
على المسلمين الاعتداء عليهم ما دامت المعاهدة قائمة .
3) عقد
الأمان : وهو ما يكون للأفراد من غير المسلمين عند دخولهم الدولة
الإسلامية بإذن منها وأمان كالتجار والسفراء والسياح سواء كانت بين دولهم
والدولة الإسلامية معاهدات أو لم يكن ما داموا دخلوا بإذن الدولة الإسلامية
.
وهؤلاء يصدق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة ) صحيح سنن أبي داود ( 2626)
قال
ابن الأثير في النهاية ( 3/325) : ( المعاهدة من بينك وبينه عهد ويطلق على
أهل الذمة وعلى غيرهم من الكفار إذا صولحوا على ترك الحرب مدة ما ) فلابد
في عقد المعاهدة من أن يترك المعاهدون حرب المسلمين ولا خلاف بين الفقهاء
في ذلك كما في المغني 10/517 وبدائع الضائع 7/108 .
فإذا اعتدى الكفار المعاهدون على المسلمين فقد انتقض عهدهم وكذا لو اعتدوا على شعب مسلم غير معاهد لهم لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ( ذمة المسلمين واحدة ) ـ البخاري ( 1870 ) ومسلم ( 1370 ) ـ ولقوله صلى الله عليه وسلم (
المسلمون تتكافئ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم ) فيجب
على من عاهدهم أن ينبذ إليهم عهدهم عند اعتدائهم وعدوانهم على المسلمين قال
ابن كثير في تفسيره ( 25/235 ) عند قوله تعالى {فأتموا إليهم عهدهم} (بشرط أن لاينقض المعاهد عهده ولم يظاهر على المسلمين أحداً ولم يمالأ عليهم من سواهم).
وبناء
على كل ما سبق فإن الصورة الثانية المذكورة ـ وهي حال ما إذا كانت الشوكة
والظهور والقوة لغير المسلمين على أرض إسلامية ـ ليست من صور عقد الذمة ولا
عقد الأمان ولا عقد المعاهدة بل هذا ما يطلق عليه في الاصطلاح الحديث
الاستعمار حيث تقوم جيوش الاستعمار بحماية الشعوب المستعمرة والسيطرة على
أرضيها وفي هذه الحال إن كان دخولهم لتلك الأرض بغير إذن المسلمين في تلك
البلد فهذا هو الغزو والاحتلال الواجب بالإجماع دفعة على كل مسلم، وإن كان
دخولهم بإذن من المسلمين في تلك البلد اضطرارا لدفع عدو صائل يريد سفك
دمائهم واستباحة أعراضهم وكانت الشوكة لهم لا للمسلمين من أهل البلد فإنه
يحرم التعرض لهم في هذه الحالة لدخولهم بطلب أهل البلد وإذنهم فإن اتخذوا
هذا الإذن ذريعة للاعتداء على المسلمين في تلك الأرض أو الاعتداء على
المسلمين خارج تلك الأرض فإن عهدهم ينتقض بهذا الاعتداء إذ بإعلانهم الحرب
على بلد من بلدان المسلمين يصحبون أهل حرب للمسلمين كافة بلا خلاف بين
فقهاء المسلمين . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى المصرية ( 4/509 ) (
بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة ) .
فإن
لم يعتدوا على المسلمين في تلك البلد ولا في غيرها بل ظلت لهم الشوكة
والكلمة على تلك البلد بدعوى حمايتها وطلب منهم أهلها الخروج فلم يخرجوا
فهم أهل حرب يجب جهادهم وإن لم يطلب منهم أهل البلد الخروج فإن كان عن رضا
بوجودهم وظهورهم فقد ارتدوا عن الإسلام لولايتهم لهم ورضاهم بحكمهم كما
أفتى بذلك العلامة عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ والشيخ إبراهيم بن عبد
اللطيف والعلامة سليمان بن سحمان كما في الدرر السنية ( 10/435 )حيث جاء في
فتواهم عن جواز الدخول تحت حماية غير المسلمين من الكفار والمشركين :(أما
الدخول تحت حماية الكفار فهي ردة عن الإسلام) . وقد أفتى عبد الله بن عبد
اللطيف في شأن دخول بعض أهل الخليج تحت حماية الإنجليز في القرن الماضــي
كما في( الدرر السنية 8/11 ) وجاء فيها : ( وانتقل الحال حتى دخلوا في
طاعتهم ، واطمئنوا إليهم ، وطلبوا صلاح دنياهم بذهاب دينهم وهذا لا شك أنه
من أعظم أنواع الردة) واستدل بقوله تعالى } ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ) .
وقوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعض أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم} وقال في أخرها : ( كل من دخل في طاعتهم وأظهر موالاتهم فقد حارب الله ورسوله ، وأرتد عن دين الإسلام ووجب جهاده ، ومعاداته ).
فإن
كان أهل البلد كارهين لوجودهم ساخطين له إلا أنهم عاجزون عن إخراجهم ولا
يستطيعون طلب ذلك منهم خوفاً من سطوتهم ولا يستطيع أحد من أهل الإسلام دفع
ذلك عنهم فإنهم يكونون في هذه الحال مسلمين مستضعفين في أرضهم كما كان حال
المسلمين المستضعفين في مكة قبل الفتح، والواجب عليهم بذل كل ما يستطيعون
بذله من جهد كدفع مال أو ضغط سياسي أو مفاوضات من أجل خروجهم بأيسر الطرق
إن لم يستطيعوا قتالهم أو كان في قتالهم مفسدة أكبر ويكون حينئذ التعرض لهم
بقتال ممنوعا من باب السياسة الشرعية ومراعاة للمصالح و المفاسد لا من باب
أنهم أهل عهد وأمان وذمة إذ الشوكة والقوة لهم لا لأهل البلد المستضعفين .
وتكون
تلك البلد حينئذ دار كفر لظهور شوكة الكفار فيها وعدم جريان أحكام الإسلام
عليهم وهذا مذهب أكثر الفقهاء كمالك وأحمد وأصحاب أبي حنيفة : أبي يوسف
ومحمد بن الحسن الشيباني حيث أن دار الإسلام عندهم تصير دار كفر بظهور
أحكام الكفر فيها، كما في المدونة 2/22 والإنصاف ( 4/121 ) وبدائع الصنائع (
7/130 ) ووافقهم أو بوحنيفة بشرط أن يكون الأمن في تلك البلد للكفار
لشوكتهم وقوتهم والخوف على المسلمين فيها لضعفهم وعجزهم .
وقال
الشوكاني :( الاعتبار بظهور الكلمة فإن كانت الأوامر والنواهي في الدار
لأهل الإسلام بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا بإذن
له من أهل الإسلام فهذه دار إسلام لأنها لم تظهر ( أي الخصال الكفرية )
بقوة الكفار ولا بصولتهم وإذا كان الأمر بالعكس فالدار بالعكس ) كما في
السيل الجرار ( 4/575 ) .
والمقصود
بالأحكام في اصطلاح الفقهاء الشرائع والقوانين الشرعية لا الشعائر
العبادية كما قال محمد بن الحسن الشيباني : ( دار الشرك إنما تصير دار
إسلام بإجراء حكم المسلمين فيها وأهل الشرك إنما يصيرون أهل ذمة بإجراء حكم
المسلمين عليهم) أي تطبيق قوانينهم عليهم انظر ( شرح السيرة 5/2190 ) .
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
في مكة يدعو إلى الإسلام ومعه المؤمنون يقيمون شعائر دينهم وعبادتهم فلم
تصبح دار إسلام بذلك لأن الشوكة والكلمة فيها للمشركين ولا تجري عليهم
أحكام الإسلام وقوانينه آنذاك مع كونها بلد الله الحرام وأحب البلاد إلى
الله تعالى .
وكانت الحبشة تحت حكم النجاشي وقد أسلم سراً وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم يوم
وفاته فلم تصبح الحبشة دار إسلام بذلك، لأن الشوكة والكلمة لم تكن
للمسلمين ولم تكن تجري فيها أحكام الإسلام وصارت المدينة دار إسلام بعد
ظهور الإسلام فيها وجريان أحكامه عليها لكون الشوكة فيها للمؤمنين والسلطة
لهم فيها .
وقد
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن حكم بلدة ( ماردين ) بعد أن استولى عليها
الكفار هل هي بلد حرب أم بلد سلم؟ وهل يجوز لأهلها مساعدة الكفار على
المسلمين؟ فأجاب في الفتاوى 28/240: ( دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث
كانوا في ماردين أو غيرها، وإعانة الخارجين عن شريعة دين الإسلام محرمة،
سواء كانوا أهل ماردين أو غيرهم ، ومساعدتهم لعدو المسلمين بالأنفس
والأموال محرمة عليهم ويجب عليهم الامتناع من ذلك بأي طريق أمكنهم من تغيب
أو تعريض أو مصانعة فإذا لم يمكن ( أي الامتناع عن مساعدتهم بالوسائل
المذكورة ) إلا بالهجرة تعينت ( أي صارت فرض عين ) وأما كونها دار حرب أو
دار سلم فهي مركبة فيها المعنيان ليست بمنزلة دار السلم التي تجري عليها
أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين، ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار ،
بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه ، ويقاتل الخارج عن شريعة
الإسلام بما يستحقه).
فلم
يحكم لها بأنها دار إسلام مع كونها أهلها مسلمين لأنه لا تجري عليها أحكام
الشريعة كما هو حال دار الإسلام التي يكون جنودها مسلمين وتكون الشوكة
فيها للجيوش الإسلامية التي تحكم بالإسلام وقوانينه .
وكذلك
لم يحكم لها بأنها دار حرب لأن أهلها مسلمون وإن لم تكن الشوكة والكلمة
لهم بل للمشركين وجعلها قسماً ثالثاً له شبه بكلا الدارين . وكذا قال ابن
حجر المكي الشافعي في مثل هذه الدار بأنها دار كفر صورة ودار إسلام حكما
والواجب على المسلمين دفع العدو عنها ليكون الظهور للمسلمين قال تعالى : {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .